الثورة نت:
2025-03-07@00:29:00 GMT

نقد الفكر الغربي المعاصر (2-2)

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

 

 

كنا قد تحدثنا في مقال سابق أن فلاسفة ما بعد الحداثة، هدموا الأسس والأركان التي بنى عليها فلاسفة الحداثة الغربية أفكارهم ومن أهمها العقلانية، وسوف نتحدث اليوم عن هدم وتقويض الركن الثاني من أركان الحداثة الغربية من قِبل فلاسفة ما بعد الحداثة.
النزعة الإنسانية:
ظهرت النزعة الإنسانية (Humanism)إبان عصر النهضة الأوروبية في نهاية القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر، وقد أبرزت كل ما هو إنساني واهتمت بالإنسان كفرد وأعادت له الثقة في ذاته وفي قدراته، بما يغذي حياته وينمي شخصيته وفكره، كما اهتمت بدراسة التراث القديم_ الروماني واليوناني _ وعملت على إحياء الثقافة القديمة وبعثها من جديد.


وبمرور الوقت تحولت النزعة الإنسانية إلى موقف ثقافي وفكري شامل تميز أساساً بالاهتمام الهائل بالإنسان الفرد وتمجيد وجوده والإعلاء من قيمته، فظهرت الفردية (Individualism) العنيفة في الآداب والدين والسياسة نكاية بالتصور اللاهوتي_ الذي كان سائداً في العصور الوسطى _ للإنسان المكبل بدنس الخطيئة، لقد كان فلاسفة عصر النهضة والعصر الحديث إنسانيين بمعنى “ أنهم آمنوا بأن الإنسان معيار كل شيء وأن كل إنسان معيار ذاته، لقد جعلت الحداثة من النزعة الإنسانية والإيمان بالإنسان، ركناً هاماً من أركانها، ويجب ملاحظة أن الحداثة الغربية تقصد بالإنسانية : الإنسان الغربي الأبيض دون غيره، الرجل دون المرأة، ولا يقصدون بها الإنسان كما أراده الله، الذي استخلفه الله في أرضه .
تقويض النزعة الإنسانية:
لقد تم تقويض النزعة الإنسانية بشكل نهائي _التي باهت بها الحداثة وتماهت بها ولها ومن أجلها _ عندما تم الإعلان عن موت الإنسان، باعتباره أساس النزعة الإنسانية ورأس مالها، لقد بدأ ذلك الإعلان عندما قال الفيلسوف الألماني نتشة (1844م ـ 1900م) على لسان زرادشت أن الإله قد مات، وعندما يموت الأصل فلن يبقى للفرع وجود على الأطلاق، وسيسقط في أقرب فرصة مواتية وذلك لأن القول بأن الإله قد مات “ يعني أن الإنسان قد مات أيضا، أو أنه يعيش لوحدة في هذا العالم”، لكني أرى أن نتشه كان يقصد بموت الإله موت إنسان النزعة الإنسانية الذي جعلت منه الحداثة الغربية إلهاً متوجاً بالعقل، مسيطراً على الطبيعة، نكاية بالكنسية.
لقد جعلت النزعة الإنسانية الإنسان أهم من الحياة ومن الطبيعة، فعاث في الطبيعة فسادا، مدمرا لها وللحياة فيها ووصل ذلك التدمير للإنسان من خلال حربين عالميتين دمرتا الطبيعة وقتلتا ملايين البشر والأهم من كل ذلك أنهما قتلتا كل ادعاء للنزعة الإنسانية باصطفائية الإنسان وتميزه والواقع المعاش قد اثبت العكس، يمكن القول إذاً إن أبحاث ودراسات شتراوس الانثروبولوجية التي استخدم فيها المنهج البنيوي، قد توصلت إلى أفكار ومواقف صبت في نفس الاتجاه الداعي إلى تجريد إنسان النزعة الإنسانية من كل خصوصية تميزه، باعتباره كائناً اجتماعياً وثقافياً وتاريخاً، لقد رفضت البنيوية (Structuralism ) الاعتراف للإنسان بذات تمثل كياناً واقعيا، وانتقصت من قيمة وعيه الذي اعتبرته كاذباً ومخادعاً، ونفت أن يكون الإنسان متمتعاً ولو بقدر نسبي من الحرية في مجال المبادرة والإبداع، وجردته من المشاعر والعواطف وأفرغت كلامه من القصد ومن المعنى، فهو لا يعبر عن نفسه ليظهر من خلال اللغة وإنما هي من تظهره من خلال أنساقها وأبنيتها، وبالتالي قضت على كل ما بنته النزعة الإنسانية عن الذات والذاتية .
كان ليفي شتراوس (1898_ 2009م) يطمح في دراساته الانثروبولوجية إلى “ تحطيم البداهات التي طالما ارتكز عليها الفكر الغربي، ألا وهي فكرة الإنسان وأولوية التاريخ وتفوق التفكير العلمي على غيره من الأساليب الأخرى في مواجهة العالم كالسحر والميثولوجيا وغيرها “.
وكان من الضروري أن تتغير النظرة إلى الإنسان _ باعتباره غاية ووسيلة في نفس الوقت _بعد أن ثبُتَ زيف ادعاء النزعة الإنسانية باصطفائيته وتميزه عن باقي المخلوقات، من أجل ذلك وجب القول : إن احترام الإنسان يبدأ باحترام مبدأ الحياة ذاتها ولن يجد ذلك الاحترام صداه المطلوب من دون التضامن مع كل الأنواع الحية على وجه الأرض .
إن النزعة الإنسانية الحقة والجديرة بحمل هذا الاسم كما قال كلود ليفي شتراوس: “لا تبدأ من نفسها، بل تضع العالم قبل الحياة، والحياة قبل الإنسان، واحترام الآخرين قبل حب الذات “.
نلاحظ في العبارة السابقة نزعة جديدة تقف _ بالتأكيد _ في مواجهة النزعات الفردية التي روجت لها النزعة الإنسانية سابقاً وتبنتها الفلسفة الوجودية في القرن العشرين، وتلاقت مع ما تعوّد عليه الإنسان الغربي في حياته المعاشه من أنانية وتفّرد.
لقد أخذ شتراوس على عاتقه إظهار الخطأ الذي وقعت فيه الذات الغربية والحضارة الغربية والفلاسفة الغربيون برمتهم، حين اطلقوا على أفكارهم الخاصة طابع المطلق، دون أن يفطنوا أن تلك الأفكار “ لا تزيد عن كونها مجرد أشكال مختلفة لموضوع واحد هو مجال الممكنات الذي تقدمه لنا الأساطير والممارسات العملية الموجودة لدى تلك المجتمعات التي نسميّها _ بغير وجه حق _ باسم المجتمعات البدائية … وعارض مصطلح فلسفة التاريخ، لأنه لا يسلّم بمبدأ قياس التاريخ بالالتجاء إلى معايير الارتقاء والتحول والتقدم والتطور، وبناء على ما سبق: نادى بالمساواة بين جميع الحضارات، لا فرق لديه بين الحضارة الغربية المعاصرة وبين الحضارات البدائية وكأنه أراد أن ينبه إنسان الحضارة الغربية المفتخر بذاته إلى أن الإنسان البدائي أخ لنا في الإنسانية، وهو أقل همجية وتوحشاً من الإنسان الغربي الذي يدعي التحضر .
كل ما سبق جعل من كلمة الحداثة عند البعض نذير شؤم، وشيئاً ممقوتا أكثر مما هو محمود، فهم يرون في تلك الكلمة مجموعة مبهمة من السلوكيات، أو هي عبارة عن حضارة مسيطر عليها من خلال العلوم والتقنيات، يديرها عقل برجماتي مرتبط بمقولة مكيافيللي (الغاية تبرر الوسيلة) وتسلطت عليها بعض المقولات منها: كل الأسئلة التي لا نستطيع الإجابة عنها هي أسئلة خاطئة ـ بما في ذلك اسئلة الخير والشر ـ والتي تشكلت منذ ذلك الوقت من خلال علاقات القوة، وعنت الحداثة كذلك عند البعض: وحدانية شمولية للسوق ـ أي للمال ـ ونظاماً تختزل فيه كل القيم ـ بما فيها القيم الدينية والأخلاقية ـ إلى قيم سلعية، وهي كذلك نظام حياة غربي الطابع يهدف إلى تحويل الإنسان إلى منتج أكثر وأكثر فعالية وإلى مستهلك أيضا أكثر وأكثر شراهة في رغباته، تحركه مصلحته الفردية فقط التي يجب الوصول إليها بكل الوسائل ـ باعتبارها غاية ـ حتى لو تطلب الأمر تغييب مصالح الآخرين.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

وزير الأوقاف: ندعم اليمن في استعادة الاستقرار وترسيخ الفكر الوسطي

استقبل الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، السفير خالد محفوظ، سفير جمهورية اليمن بالقاهرة، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، لبحث سبل تعزيز التعاون الديني والثقافي بين البلدين.

وفي مستهل اللقاء، رحّب وزير الأوقاف بالوفد اليمني، معربًا عن اعتزازه بالعلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر واليمن، مؤكدًا المكانة الرفيعة التي يحتلها اليمن في وجدان المصريين، لما له من تاريخ عريق ورموز علمية بارزة. وأشار سيادته إلى أن اليمن كان وسيظل منبعًا للعلم والعراقة والكرم، وأن أي معاناة تصيب أبناءه تؤلمنا، داعيًا الله -عز وجل- أن ينزل على شعبه السكينة والأمان، ويصرف عنه كل سوء.

وتناول اللقاء أهمية تحقيق الاستقرار في اليمن، ودور الفكر الوسطي في مواجهة التحديات الراهنة. وأكد وزير الأوقاف حرص مصر على دعم الجهود الرامية إلى إعادة الأمن والسلام لليمن، وذلك عبر تعزيز التعاون المشترك في نشر الخطاب الديني المعتدل، ومكافحة التطرف، وتقديم برامج تدريبية للأئمة والوعاظ اليمنيين في أكاديمية الأوقاف الدولية، لتأكيد رسالة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف في نشر الوسطية والفكر المستنير.

وفي هذا السياق، أكد وزير الأوقاف أن الوزارة تسعى دائمًا إلى تعزيز أواصر التعاون مع الدول العربية والإسلامية، مشيرًا إلى أن تدريب الأئمة والوعاظ من مختلف الدول جزء من إستراتيجية مصر لنشر الفكر المعتدل، وترسيخ قيم التسامح والوسطية، ودعم الاستقرار في المجتمعات العربية.

هل يجوز قضاء صلاة التراويح لمن فاتته.. الإفتاء توضح التصرف الشرعيهل تجوز العادة الســرية خوفا من الوقوع في الزنا؟ علي جمعة يرد على سؤال أحد الشباب

من جانبه، عبّر السفير اليمني عن تقديره العميق لدور مصر الريادي في دعم بلاده، مشيدًا بجهود وزارة الأوقاف في نشر الفكر المستنير ومواجهة الفكر المتطرف. كما طلب الاستفادة من الخبرات المصرية في إعادة ترسيخ المنهج الوسطي في اليمن، عبر التعاون في تدريب الأئمة والوعاظ، بما يسهم في بناء وعي ديني متزن يحفظ استقرار المجتمع.

وفي هذا السياق، قال السفير خالد محفوظ:"مصر دائمًا سندٌ لليمن، ودورها في دعم الاستقرار ونشر الفكر المعتدل محل تقدير. نسعى لتعزيز التعاون مع وزارة الأوقاف في تدريب الأئمة ونشر الوسطية، لأننا نؤمن بأن الفكر المستنير هو السبيل لمواجهة التحديات التي يمر بها وطننا".

وقد حضر اللقاء كلٌّ من: المستشار الدكتور هادي الصبان، الملحق الثقافي بالسفارة اليمنية؛ والمستشار الدكتور منيف الضبياني، مسئول العلاقات الثنائية بالسفارة؛ والمستشار بليغ المخلافي، الملحق الإعلامي؛ والشيخ خالد خضر، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف؛ والدكتور طارق عبد الحميد، رئيس قطاع مكتب وزير الأوقاف؛ والدكتور أسامة رسلان، المتحدث الرسمي لوزارة الأوقاف؛ والكاتب الصحفي محمود الجلاد، معاون وزير الأوقاف لشئون الإعلام.


وفي ختام اللقاء، أكد الجانبان أهمية استمرار التعاون والتنسيق المشترك، من خلال تنظيم برامج تدريبية ولقاءات علمية، وتعزيز تبادل الخبرات بين المؤسسات الدينية في البلدين، بما يسهم في تحقيق الاستقرار الفكري والمجتمعي، وترسيخ قيم الاعتدال والوسطية في اليمن والمنطقة.

مقالات مشابهة

  • تعزيزًا للتبادل الثقافي.. وزارة الثقافة تطلق العام الثقافي السعودي الصيني
  • من أساطير التعامل مع الخارج، وبالذات العالم الغربي وأمريكا
  • وزير الأوقاف: ندعم اليمن في استعادة الاستقرار وترسيخ الفكر الوسطي
  • إصابة 12 شخص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالصحراوي الغربي
  • مدير أمن محافظة اللاذقية لـ سانا: المجموعات المسلحة التي تشتبك معها قواتنا الأمنية في ريف اللاذقية كانت تتبع لمجرم الحرب “سهيل الحسن” الذي ارتكب أبشع المجازر بحق الشعب السوري
  • حوار الفكر الروحي- تأملات في تاريخ التصوف وتطوره
  • الإعلان عن المديرين الفنيين لبينالي الدرعية 2026
  • الجن زمن الإنسانية المتحولة
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • ارتباط النظام الغذائي الغربي أثناء الحمل باضطراب فرط النشاط