لا يمكن إنكار تعلق واحتفاء الناس في الوطن العربي الكبير وربما في المشرق عموما بالمطر وآياته وتشكلاته وتداعياته، وليس ذلك عليهم بغريب وهو الغيث المنتظر والخير المرجى، غير أن كل ذلك التعلق لا يمكنه تبرير التهور الشعبي الذي قد يصدر عن بعض عشاق المطر ومتتبعي الغيم المُحتَفين به، حين لا يحسنون اختيار توقيت الاحتفاء، كما لا يحسنون تقدير مخاطر التعلق ومغبة التهور.
على قلق ودعاء نتابع تطورات إعصار «تيج» وهو اسم أطلقته الهند ويعني الحركة السريعة مما يشير إلى سرعة العاصفة في الانتشار وفي الرياح المصاحبة لها، ومع التطور السريع للحالة المدارية وتحولها من منخفض مداري عميق إلى عاصفة مدارية تتمركز في منطقة جنوب وسط بحر العرب ثم إلى إعصار، ووفقا لهيئة الطيران المدني فإن تصنيف الإعصار من الدرجة الثالثة يستدعي كل أشكال الحذر من تأثيرات الإعصار المحتملة على شواطئ السلطنة، وعلى محافظتي ظفار والوسطى تحديدا، لا سيما وأنه يرجح احتمال تحوله إلى إعصار مداري من الدرجة الرابعة خلال 24 ساعة، وقد بدأت تأثيرات الإعصار فعليا بسقوط أمطار غزيرة على كل من اليمن وسلطنة عمان، مما قد يؤدي إلى حدوث فيضانات متوقعة خلال يومين.
ومع توقعات الحالة المدارية ترتفع درجة التأهب لمواجهة الحالة باستمرار التحذير من ممارسة الأنشطة المرتبطة بالبحر من صيد، أو غوص أو غيرها من الأنشطة، أو حتى الاقتراب من الشواطئ حتى تنتهي الحالة بأمان بإذن الله، كما وجهت كل المؤسسات الحكومية منتسبيها إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنيبهم أي مخاطرة أو ضرر جراء الحالة المدارية، وإعداد مستلزمات الاستعداد لمواجهة ما قد يصدر عن تأثيرات الإعصار على اليابسة.
مع كل هذا التوصيف الدقيق للحالة والجهود المبذولة لتجنب آثار الإعصار فإن المأمول من عامة الناس من المواطنين والمقيمين بهذه الأرض التجاوب مع تحذيرات هيئة الطيران المدني المستمرة، والتعاون مع الجهات الحكومية الساعية لحماية الجميع باتقاء المخاطر وتجنب التهور المشتت للجهود والمستنزف للوقت والطاقة، وربما للأرواح (لا سمح الله) في أسوأ تقدير.
ومع تعاقب الأعاصير على المنطقة في الأعوام الأخيرة فلا بد من تراكم معرفي لبناء وعي حقيقي بمخاطر الأنواء الجوية، وعاقبة التهور في مثل هذه الظروف مع استعراض القوة في غير محلها، والإقدام في غير أوانه، ومن يعتقد بأنه أهل لمجابهة العواصف وتحدي الأعاصير فليمنح نفسه المغامرة لحظةً للتفكرِ في من حوله من أرواح تنتظره أو تتعلق به، وليفكر في ما قد ينتج عن لحظة تهوره من قلق وشتات، وربما هلاك أرواح تسعى لنجاته مما سعى إليه إما جاهلا أو متهورا.
فإن كنت تسكن أيا من المناطق المتأثرة بعبور الحالة المدارية كن واعيا لأهمية متابعة التحذيرات، والإصغاء إلى التوجيهات بعناية وتركيز، وتوعية من حولك إلى أهمية ذلك وعدم الاستعجال لتعقّب الغيم، أو ترقّب السكون قبل الإعلان الرسمي لأوان ذلك الأمان وتلك الفسحة؛ فليس في الرهان على المقدرة هنا شجاعة، ولا في تحدي الطبيعة وتقلباتها انتصار مأمول، ثق في أن الهدف من كل تلك الجهود المبذولة في تقصي الحالة وتتبعها أولا، ثم التهيئة لاستقبالها وتجنب أخطارها ثانيا، وختاما الاستعداد لنتائجها حال حدوث الأسوأ (لا سمح الله) ما هو إلا انعكاس للحرص على سلامتك وأهلك وبلادك من كل سوء.
مررنا وبلادنا الحبيبة بظروف مشابهة، وعواصف مدارية متعاقبة ما زالت آثارها باقية، وذكرياتها راسخة لتذكيرنا بضرورة التكاتف، وحتمية التكامل منا جميعا من أجلِ وطنٍ آمنٍ بعيدا عن كل سوء، وأهمية التعاون رعايةً من الجميعِ للجميعِ دونما أنانيةٍ مُهلِكة، أو تَهورٍ مُميت.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً: