كيف تعيد الصراعات ترتيب سلاسل التوريد ؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
ترجمة ـ قاسم مكي -
واجه العالم التكلفة البشرية المرعبة للصراعات في الأسبوع الماضي. لكن مع ورود المزيد من عناوين الأخبار المخيفة من الشرق الأوسط وأوكرانيا يحاول خبراء الاقتصاد أيضا حساب التكلفة المالية لهذا التشظي الجيوسياسي.
لنأخذ صندوق النقد الدولي. فمع انعقاد اجتماعه السنوي (في مراكش 9- 15 أكتوبر الحالي) أصدر الصندوق أحدث نسخة من تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي الذي اشتمل على التحليل المعتاد للمسارات المستقبلية للَّدين والنمو والتضخم.
ربما ليس ثمة ما يفاجئ هاهنا. فخبراء صندوق النقد الدولي مثلهم مثل المستثمرين الدوليين يخشون أن يقوض تصاعد النزاعات النموَّ الاقتصادي. على الأقل بتحطيمه لسلاسل التوريد.
يشير التقرير إلى أن «تشرذم البلدان إلى تكتلات تتاجر حصريا بعضها مع بعض... يمكن أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي بما يصل إلى 7%.»
ما يعكس على نحو لافت هذا الانزلاق نحو «عقلية الحرب الباردة» ارتكاز نماذج صندوق النقد الدولي لحساب تكاليف تشظي التحالفات على تكتلات التصويت التي ظهرت في الأمم المتحدة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية. وهذا عالم تتحالف فيه الصين وروسيا ضد الغرب.
الشركات متوترة أيضا. إذ يكشف تحليل نَصِّي قام به صندوق النقد الدولي أنها «قبل جائحة كوفيد 19 بالكاد ذكرت كلمات مفتاحية لها علاقة بالتشظي. لكن استخدامها لهذه الكلمات تزايد بعد حرب أوكرانيا.» وهذا التزايد حاد خصوصا في قطاع السلع.
ثمة سؤال مثير للاهتمام طرحه تقرير آفاق الاقتصاد العالمي وهو إلى أي حد غيرت هذه اللغة العدائية (التي استثارتها التوترات والأحداث الجيوسياسية) سلاسل التوريد الغربية. بكلمات أخرى هل التشاحن الجيوسياسي يؤدي إلى نقل مصادر التوريد إلى داخل الحدود أو إلى بلدان صديقة أم لا؟ هذا سؤال تصعب الإجابة عليه بدقة؛ نظرا إلى أن سلاسل التوريد تشتهر بانعدام الشفافية.
اعتمدت التحليلات السابقة لهذا الموضوع في معظمها على إحصائيات التجارة العابرة للحدود والاستثمار المباشر الأجنبي. هذه الإحصائيات تكشف عن «بعض» إعادة الترتيب. فالاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة في الصين تردّى من الذروة التي بلغها في عام 2008 وهي 20.9 بليون دولار إلى 8.2 بليون دولار في عام 2022. وهذا أدنى مستوى له خلال 18 عاما.
لكن نظرا إلى أن الاتحاد الأوروبي يحافظ على عجز تجاري قياسي مع الصين وأيضا لتسجيل الولايات المتحدة عجزا قياسيا هذا العام لا تعكس هذه البيانات التي تتعلق بالمستوى الكلي ما يحدث على صعيد سلاسل توريد المستوى الجزئي. (بمعنى أن بيانات العجز التجاري بين البلدان لا تعكس أوضاع سلاسل التوريد بين الشركات- المترجم).
لذلك في مسعى منه للمساهمة في هذا الجدل أجرى بنك التسويات الدولية لتوِّه تحليلا جديدا يرسم صورة كلية للمشهد انطلاقا من الشركات الفردية. يستخدم التحليل قاعدة بيانات عالمية ضخمة للحسابات المالية للشركات «وعلاقاتها المعلنة مع الزبائن والمورِّدين» لإيجاد مشهدين لنشاطها في ديسمبر 2021 وسبتمبر 2023.
يبدأ هذا التحليل المهم بالتنويه إلى أن سلاسل القيمة العالمية «تخضع إلى إعادة ترتيب بعيدة الأثر». فالحرب الأوكرانية والجدل الذي أعقبها حول نقل مصادر التوريد قريبا من الحدود وإلى البلدان الصديقة «ركَّزا الاهتمام على ميزات بناء علاقات توريد أقصر وأكثر مرونة».
ثم يشير التحليل إلى تدني اعتماد الشركات العالمية على جهات الإمداد العابرة للحدود «بشكل ملحوظ» في الفترة بين 2021 و2023. والملفت أكثر أن الشركات الغربية قللت من اعتمادها على الصين كمصدر أساسي لسلاسل توريدها.
لكن ذلك لا يعني إيجاد شبكات تجارة إقليمية تقتصر على الغرب فقط. بل بدلا من ذلك يحصل المستخدمون النهائيون على السلع الأساسية والوسيطة من أماكن مثل الصين عبر وسطاء في بلدان كفيتنام. والنتيجة حسب بنك التسويات الدولية «زيادة ملحوظة في الروابط غير المباشرة بين البلدان من خلال انخراط شركات جديدة في سلاسل التوريد القائمة.»
بالنسبة للمستخدمين النهائيين المقيمين في آسيا هذا الترتيب ينتج شبكة تجارة متسقة إلى حد معقول بالنظر إلى ازدياد التكامل الإقليمي الآسيوي. لكنه يعني للمستخدمين النهائيين الأمريكيين والأوروبيين أن سلاسل التوريد أصبحت أكثر تعقيدا.
فما يحدث ليس نقل مصادر التوريد إلى داخل الحدود بقدر ما هو إعادة ترتيب لها. أي ظهور مستوى من التعقيد زاد من طول مسافة سلاسل التوريد (أضاف المزيد من المراحل أو الحلقات الوسيطة بين المواد الخام ومستخدميها النهائيين». هذا ينطوي على ثلاث دلالات أساسية.
أولا، يعني أن الشركات الغربية تظل عُرضة لأهواء وتقلبات الجغرافيا السياسية. فكما يكشف تقرير صادر عن مركز أبحاث السياسات الاقتصادية إذا توقفت الصين عن بيع المواد الأساسية للوسطاء سيتضرر المستخدمون النهائيون لهذه المواد.
ثانيا، يوجِد ذلك تحديات إشرافية لمجالس إدارات الشركات الغربية والمستثمرين؛ نظرا لصعوبة تعقب الشركات لما يفعله الموردون (مثلا حول القضايا البيئية أو الاجتماعية) في حال كانت هنالك مراحل متعددة لسلسلة التوريد.
ثالثا، هذا الاتجاه تضخمي كما يلاحظ مركز أبحاث السياسات الاقتصادية. فالشركات الغربية أوجدت في السابق روابط تجارية مباشرة بين الولايات المتحدة والصين لزيادة الكفاءة وخفض التكاليف وكان ذلك أحد مبررات وجود العولمة. وإذا صارت سلاسل التوريد الآن متعددة الطبقات أو المراحل ستزداد التكاليف وسيحل «تباطؤ العولمة» محل العولمة كما يقول بنك مورجان ستانلي.
النقطة الأساسية إذن هي أن ما يجب أن يثير قلق المستثمرين وصندوق النقد ليس فقط شبح فرض حظرِ «حربٍ باردة» على التجارة بين التكتلات الجيوسياسية. فإطالة سلاسل التوريد الأكثر خفاء ستزيد التضخم. ومن الممكن أن تحدّ من النمو أيضا.
قد يعتبر الزبائن الغربيون ذلك ثمنا عادلا يجب دفعه من أجل أمن قومي أفضل ومرونة أفضل للشركات. لا بأس. لكن إذا استمر هذا الاتجاه سيوجِد عالما مختلفا بوضوح عن عالم العقود الأخيرة.
إعادة ترتيب سلاسل التوريد وليس فقط إعادتها إلى داخل الحدود هي القضية التي يجب الانتباه لها الآن.
جيليان تيت محررة وكاتبة رأي في الفاينانشال تايمز
ترجمة خاصة لـ عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی الشرکات الغربیة سلاسل التورید إلى أن
إقرأ أيضاً:
الصراعات العالمية تتنقل للعراق.. أمريكا والصين تتحاربان اقتصاديا في بغداد
الاقتصاد نيوز - بغداد
علقت لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، اليوم الاثنين، على إمكانية الولايات المتحدة الامريكية للحد من نفوذ الصين في العراق.
وقال عضو اللجنة مختار الموسوي، إن "العراق بلد صاحب سيادة وهو من يتحكم في علاقاته الخارجية سواء السياسية والاقتصادية وغيرها، ولا يمكن السماح للولايات المتحدة الامريكية في التدخل بهذا الامر وتحدد مع من العراق يكون علاقات اقتصادية وغيرها".
وأضاف ان "الصين بلد شريك ومهم للعراق خاصة بالجانب الاقتصادي والاستثماري وبمختلف المجالات، ولا يمكن للولايات المتحدة الامريكية التأثير على تلك الشراكة او العمل على الحد من النفوذ الصيني بالقطاعات التي تعمل بها في العراق، فهذا الامر العراق يرفضه رفضاً قاطعاً".
هذا وكشفت وسائل اعلام دولية، اليوم الاثنين (18 تشرين الثاني 2024)، عن صراع محتدم بين الولايات المتحدة والصين للاستحواذ على النفط العراقي.
وذكرت وسائل الاعلام، أن "الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى الحد من النفوذ الصيني في العراق، والذي أخذ بالتوسع خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع سيطرة شركات صينية على عقود نفطية كبيرة".
وأضاف ان "واشنطن تحاول إلى منع بكين من الاستحواذ على الفرص الاستثمارية والسيطرة على الاقتصاد العراقي، خاصة وأن العراق أحد أبرز المستوردين من الصين، وأعلن في السنوات الأخيرة عن فرص استثمارية عديدة".
المخطط الاستراتيجي في الحزب الجمهوري، جون عكوري، يقول إن "رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، لم يعش أبداً خارج بلده، وبالتالي ليس لديه ولاء خارج الحدود العراقية، وآمل أن يكون أساسياً في تحريك العراق إلى الأمام".
ويضيف أن "التنمية والاستقرار في العراق تجعلانه مرشحا للعب دور أساسي، ليس فقط في المنطقة، وإنما في أجزاء أخرى من العالم"، مبينا ان "الإدارة الأمريكية السابقة جعلت السياسة نحو العراق في قاع القائمة، وهذا سمح للصين وإيران باستغلال الفجوة والفراغ. آمل أن نرى دوراً مختلفاً مع الإدارة القادمة".
وتمتلك كيانات صينية نسبة تتجاوز 46 في المئة في حقل الرميلة النفطي في العراق، أكبر الحقول العراقية إنتاجا للنفط، والثاني عالميا، كما تدير شركات صينية أخرى نحو 34 في المئة من احتياطيات العراق المؤكدة، إضافة لثلثي الإنتاج الحالي، وهي أرقام تشير إلى نفوذ صيني متنام على إنتاج النفط العراقي.
من جانبه، أكد مدير مبادرة العراق في المجلس الأطلسي، عباس كاظم، أن "الولايات المتحدة بحاجة إلى دراسة العوامل التي تجعل الصين ناجحة في العراق، والعوامل الأخرى التي تجعلها غير منافسة أيضاً، هذا هو مكان البداية الذي نحتاج إليه، وإدارة ترامب ليست جديدة، بل حكمت أربع سنوات، لذلك أعتقد أنه يستطيع أن يعيد حسابات واشنطن وكيف تصبح دولة لها قدرة اقتصادية منافسة للصين ولدول أخرى".
وضاف انه "ومن الصحي أن تكون للعراق علاقات متعددة مع دول أخرى، وبإمكان واشنطن تقديم الكثير للعراق، إن طُبعت العلاقة بينهما اقتصادياً، وأعتقد بأنه لن تكون للولايات المتحدة فرصة اقتصادية في العراق، ما دامت تمزج السياسة بالاقتصاد".
وطبقا لأرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ومنذ توقيع اتفاقية 2019 بين العراق والصين، ارتفعت صادرات النفط العراقي للصين نحو 20 في المئة، ووصلت في 2023 إلى أكثر من مليون برميل نفط يومياً، وتصدرت بكين قائمة مستوردي ذهب العراق الأسود.