فرصة مجلس التعاون والآسيان لإعادة عولمة العالم
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
فيما اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا الأسبوع الماضي في الرياض، اتجهت جميع الأنظار إلى سياسة «النظر شرقا» التي يتبعها مجلس التعاون. فبعد أكثر من عقدين من التعاون الفاتر، تتهيأ الروابط بين مجلس التعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا لانطلاقة جديدة.
للوهلة الأولى قد تبدو حزمة التبادل التجاري السنوي بين دول المجموعتين قوية بالفعل إذ تبلغ قرابة مائة وعشرة مليارات دولار.
لكن هذه الأرقام تتضاءل عند المقارنة مع الأرقام الممكنة. فإجمالي الناتج المحلي لهذه الدول مجتمعة يقارب 5.5 ترليون دولار، ومن ثم فقد تنمو التجارة الثنائية بين الكتلتين نموا كبيرا في ظل تسارع وتيرة التنويع الاقتصادي في دول المنطقتين.
والأسس التي يقوم عليها هذا النمو قد أرسيت بالفعل. إذ تم إبرام اتفاقيات شراكة اقتصادية (CEPAs) بين بعض الدول الأعضاء ومن الممكن إبرام اتفاقيات تجارة حرة مستقبلية (FTAs). وبالنظر إلى الصورة كاملة يبدو نطاق التعاون هائل الحجم.
وفي حين أن النفط سوف يبقى عاملا مهما في الترتيب، فإن الرؤية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي وخطط التنويع الاقتصادي تشتمل على قطاعات كثيرة أخرى.
سوف يتيح الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي تم التوقيع عليه أخيرا، فرصا تجارية جديدة، ويعزز خطوط أنابيب موارد الطاقة، ويحسن الاتصال الرقمي. وبالمثل، يهدف مشروع تواصل الآسيان 2025 إلى تعزيز القدرة التنافسية والشمولية والمجتمع داخل الكتلة وخارجها.
إن سوق دول مجلس التعاون الخليجي النابض بالحياة والدبلوماسية الاقتصادية لأعضائه يتطابق مع مثل ذلك عند دول رابطة الآسيان. وسوف يتيح هذا إقامة شراكات جديدة بين صناديق الثروة السيادية في الكتلتين كلتيهما.
ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات، لعل كبراها هي العجز التاريخي عن تعزيز المزيد من التعاون المؤسسي المجدي.
وفي حين أن أول اتصال رسمي بين الكتلتين قد تم في عام 1990، لم يعقد الاجتماع الوزاري الافتتاحي إلا في عام 2009. والرؤية المشتركة للآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن التجارة، والتي تم تبنيها في ذلك الاجتماع، طرحت الكثير من الوعود ولكنها لم تسفر إلا عن نتائج أقل من المتوقع.
وجاءت قمة الرياض فكانت فرصة لتغيير هذا الوضع.
فقد بدأت بالفعل بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في تنويع شراكاتها. إذ دُعيت كلتاهما إلى منتديات دولية، أو انضمتا إليها، ومن ذلك مجموعة العشرين، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس بلس.
ويجتمع وزراء خارجية الكتلتين كلتيهما سنويا، ومع تزايد مكانة دول مجلس التعاون الخليجي اقتصاديا، فإن الارتباط الرسمي مع رابطة الآسيان أصبح الآن احتمالا حقيقيا.
وهذا بدوره يمكن أن يتيح تعاونا دبلوماسيا وأمنيا جديدا. فمع تعمُّق التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت بلاد كلتا الكتلتين عالقة في ما بينهما. وبالتالي، قد تستمر قمة هذا الأسبوع في ربط الديناميكيات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية لمنح دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان منافذ جديدة للمشاركة.
بل إن الاتفاقيات الثنائية بين البلاد يمكن أن تمهد الطريق لاتفاقية أوسع للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان. فقد حدث في عام 2008 أن وقعت سنغافورة اتفاقية تجارة حرة مع قطر، وتوسعت تلك الاتفاقية في نهاية المطاف لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي بأكملها. ومن الممكن تحقيق توسع مماثل مع رابطة دول الآسيان.
لكن هذا المستقبل ليس مضمونا بأي حال. فمجلس التعاون الخليجي ليس كيانا متجانسا، إذ تتنوع مصالح أعضائه، بما يجعل عملية التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الاقتصادية أمرا صعبا. وقد سبق أن بذل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند محاولات للتوقيع على اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، ولا تزال اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي متوقفة.
ومع ذلك، تتطلع البلاد النامية، من قبيل بلاد الآسيان، إلى إحياء الارتباطات الثنائية ومتعددة الأطراف. وبلاد الكتلتين لديها مزايا تنافسية، ومن شأن هذا أن يضيف ديناميكية إلى جهود الجنوب العالمي من أجل التعاون بين بلاد الجنوب.
تعطي دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية للشراكات التي تسهم في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وبخاصة الرغبة في إعادة تشكيل مسارات سلسلة التوريد العالمية. وإدراكا لهذه الحقيقة، ينبغي على دول الآسيان أن تعمل على خلق بيئة عمل مواتية تعمل على تسهيل تحقيق هذا الهدف. فمن الممكن أن يرتبط الجانبان بمبادرة الحزام والطريق الصينية، على سبيل المثال، لتوسيع نطاق مشاركتهما.
إن دول مجلس التعاون الخليجي تنظر شرقا منذ عقود، سعيا إلى بناء علاقات تجارية طويلة الأمد لتنويع اعتمادها الاقتصادي والسياسي بعيدا عن الغرب. وعملية «إعادة العولمة» هذه تتسارع، ومع تسارعها تعاد كتابة قواعد الدبلوماسية الاقتصادية.
ولقد كانت القمة التي عقدت هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية أحدث فرصة لضمان أن تحابي هذه القواعد القوى الناشئة في آسيا والشرق الأوسط.
نارايانابا جاناردهان زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.
عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دول مجلس التعاون الخلیجی
إقرأ أيضاً:
أستاذ إدارة واستثمار: قمة الدول الثماني النامية فرصة ذهبية لتعزيز التعاون
قال الدكتور محمد الشوادفي أستاذ الإدارة والاستثمار، إن قمة دول الثماني النامية جاءت في توقيت يشهد أزمات دولية كبيرة، وأزمات بالشرق الأوسط، لافتًا، إلى أنّ كل دول الأعضاء مهتمة بما يحدث من تطورات سياسية واستراتيجية بالمنطقة وتعتبرها فرصة لتعزيز التعاون بين الدول.
أهمية القمة لمصر وتركيا وإيرانوأضاف الشوادفي خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «إكسترا نيوز» أن، ما يحدث في المنطقة أثر على كل الدول الأعضاء بلا استثناء، لكن التأثيرات تزداد على 3 دول بشكل كبير، هي تركيا وإيران ومصر، باعتبارهم أهم الأقطاب الأساسية في الشرق الأوسط.
قمة الدول الثماني النامية تتميز عن غيرها من التكتلات الاقتصاديةوأشار، إلى أنّ أهمية القمة تنبع من العمل على حل الأزمات بالمنطقة، ومن ثم، يأتي الدور على الدافع السياسي والاقتصادي وضرورة العمل على تنمية التعاون التجاري بين الدول الأعضاء، لافتًا، إلى أن العنوان الأساسي للقمة شمل الشباب والتنمية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يميز التكتل الاقتصادي عن غيره من التكتلات الإقليمية والدولية.