“ليلة في الجحيم ومن قلب الموت نجونا بفضل الله من موت محتم ”  بهذه الجملة بدأت الشابة الفلسطينية “أميرة الزعانين” وصفها لما تعاني منه غزة الآن تحت القصف والحصار الإسرائيلي في أول رسالة كتبتها عما حدث عند الساعة 2:30 صباحاً ليلة الـ 9 من أكتوبر في شمال شرق قطاع غزة و بالتحديد مدينة بيت حانون في شارع القرمان.

 

تابعت الشابة الفلسطينية المقيمة في قطاع غزة في أولى رسائلها عن بداية قيام الاحتلال بقصفه الأخير على قطاع غزة: “حاصرونا في ذاك المنزل الذي تهالك من شدة الضربات القريبة والانفجارات وتساقط معظمه وزعزعت أركانه عندما ابتدت الهجمات من طائرات الاحتلال في تمام الساعة الثانية والنصف واستمرت دون توقف حتى السادسة”.

واصلت الشابة الفلسطينية حدثيها عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”: “كنت قد قررت أن أغفو قليلا حتى حصل الانفجار الأول مجاور للمنزل وصحب صوته الشديد تساقط الزجاج والغبار الكثيف ورائحة البارود الق اتلة فانتقلت من الطابق السفلي إلى الثاني لنبقى فيه ومن حينها ضربة تتلوها أخرى أشد من سابقتها والشظايا والحجارة والأتربة تتطاير في الهواء علينا ولا هواء لم تتوقف أبدا كنا ننطق الشهادة وندعو عند سماع صوت طائرة آلاف 16 قد عادت حيث كانت في كل مرة تعود بضربة أصعب من التي قبلها”.

أكملت: “يأتي الضوء ثم الصوت ثم الانفجار المخيف نعانق روؤسنا كالأطفال أخترنا زاوية لنحتمي بها من الضربات تحطم جميع الزجاج في المنزل واقتلعت الأبواب وكم كانت ثقيلة تلك الساعات ترفض أن تنقضى سكون كامل في المكان المنطقة قد هجرت بالكامل تيقنا بأن لحظتنا قد أوشكت حيث الموت كان حينها في كل مكان والانفجارات من كل حدب وصوب حول المنزل والسواد حالك لا مصدر للضوء ولا اتصال ولا انترنت استسلمنا لحالنا ولقدرنا حيث أنه من الصعب حضور أي أحد لاخراجك من براثن الموت التي علقنا بها”.

 أموات أحياء 

أردفت: "قررنا محاولة حماية أنفسنا بأقصى قدرة وأبعاد أي جسم قد يشكل خطر والتمسك بالحياة حتى يحل الصباح ألسنتنا تلهج بالدعاء والقرآن والتشاهد، أغلقنا هواتفنا والهجمة كانت شرسة جدا طالت الساعات، ولم يحل الصباح ولا نوم والدخان أثر الانفجارات شكل سحب في السماء لم يتبقى مكان حول المنزل لم يتم قصفه وتنهار البقايا فوق رؤوسنا أسلمنا أمرنا لله ونكاد لا نذكر كم عدد الضربات القريبة والبعيدة حل الصباح وتنفست أسريرنا قليلا " النهار ألو عنين “”.

استطردت: “لم ينقشع الدخان بعد ولم نتحرك من مكاننا أحتمينا بمقاعد الكنب أمامنا، قلت الانفجارات وأبتعدت الطائرات لكن الخروج لازال مستحيل ومخيف، تحركت الساعة حتي أصبحت السادسة والنصف أزداد وهج الضوء لنرى المعالم الصادمة من بعيد دمار كبير في كل مكان انتظرنا حتى أصبحت السابعة، وقفنا ومن هول الصدمة تجمدنا في أماكننا لا بناية سليمة لا بيت جيد لا محل على حاله الشارع بأكلمه أزيلت ملامحه بالكامل الركام في كل مكان وبعض البيوت المتضررة اشتعلت فيها النيران لم نقرر الخروج بعد كنا نتفقد المحيط لا أحد سوانا في المكان كنا نتفقد الدمار الهائل الذي خلفته الانفجارات ملاصق لنا”.

نبهت: "كان الموت لم يبتعد أمتار حتى تفقدت منزل عائلتي الذي لا جزء فيه لم يتحطم كل شي خلع من مكانه أصبحت الساعة السابعة والنصف صباحاً هناك صوت أشخاص يهرولون في الشارع ويصرخون “اطلعوا يلا اطلعوا “ خرجنا نحمل أرواحنا على الأكف وقهرنا مما شاهدناه لا شارع لا منازل لا مكان نسفت المنطقة بالكامل كيف نجونا كيف مضت تلك الليلة أصبحنا نجري بسرعة خوفاً من أي ضربة مباغتة نجري فوق الركام والحطام والزجاج مشينا كثيرا ولا أعلم كيف أستطعت تصوير هذه المشاهد أبتعدنا عن منطقة الخطر بحمد الله، وقد كتب لنا عمرًا جديدًا، ومر يوم حسبناه لن ينقضي ولن يأتي الصباح خرجنا من المدينة كلها، ومشينا مسافات طويلة لنصل لمكان أمن مضى ذلك اليوم مضى لكن شعوره وما عايشناه لن يمضي ولن ينقضي وللحياة بقية،  الأموات الأحياء ما ضل لا دار ولا جار”.

 

احترقت أيامنا

جاء في الرسالة الثانية للشابة الفلسطينية المتزوجة حديثا: “هنا غزة، الحياة بدون حياة، الموت هنا أكثر مما نعيشه، الخوف والحزن يزوران كل بيت، نهرب لننجو، لكن الموت يصدمنا أكثر في كل مرة، لا ماء، لا كهرباء، لا شيء من ضروريات الحياة، بيوتنا تركناها، بقيت ذكرياتنا، قطعنا مسافات طويلة لنصل إلى ملاذ آمن ولكن دون جدوى، لا يوجد أمان في هذا المكان، نحاول جاهدين أن نظهر بشكل جيد وقوي للتغلب عليه، ولكن تم الوصول إلى الحد، نصلي ونتضرع لكي يتوقف هذا الرعب، منعزل عن العالم، لا يوجد اتصال، نحن لا نعرف من فقدنا ومن لا يزال على قيد الحياة، اليوم العاشر من هذه الحرب التي تسمى “إبادة جماعية” تم مسح عائلات بأكملها من السجل المدني، أطفال بدون ملامح، المستشفيات مزدحمة بالضحايا والجرحى والمطلعين هنا وهناك، لا توجد كلمات تعبر عن المشاهد التي نشهدها، لقد احترقت أيامنا، كل تفاصيل ملامح الحياة ذهبت، اختفت ملامح هذه المدينة وكأنها لم تكن كم تبقى من الوقت؟ وماذا سيحدث؟ هل سننجو؟ أم سيتم إضافة رقم آخر إلى عدد المفقودين؟ أميرة الزعانين - غزة - فلسطين”.

 غزة اليوم 

جاء في الرسالة الثالثة للشابة الفسطينية المقيمة في غزة: “صار النا أسبوع على هالحال، الأيام كلها شبه بعض لدرجة ما بنعرف شو اليوم روتين غزة، النهار لقضاء الحاجات والراحة قليلا والليل للرعب والدعوات لا يخلو الاثنين من صوت الانفجارات والبارود والضرب بكل مكان والأخبار المحزنة دايما فقدان ومجازر وضحايا في كل مكان، والمشاهد مفجعة بمعنى الكلمة، الجو مليان زعل وخوف عشنا خمس حروب ووحدة منهم 51 يوم لكن حرفيا الأسبوع، هاد فاق التحمل وأصعب منهم كلهم أيام لن نتجاوزها أبدا الكلمات والحروف كلها بتعجز عن وصفها ووصف شعورها وكل شي بنعيشو لكن بندعي تمر”.

 حصار كارثي 

جاء في الرسالة الرابعة للشابة الفسطينية “أميرة الزعانين” المقيمة في غزة: “عرفوا شو يعني غزة بدون مياه ولا كهرباء ولا انترنت؟، يعني كاسة مي حلوة للشرب صارت حلم!، يعني انو الواحد يتحمم صار رفاهية!، يعني كل أساسيات الحياة البسيطة عشان تعيش صارت هم ثقيل، يعني ممكن تموت من العطش!، يعني تتحول المستشفيات لمقابر جماعية!، تصير الثلاجة عبارة عن خزانة لأنه وجودها وعدمه واحد، يعني لو انت شحن جوالك مليان فأنت في اقصى مراحل الترف، يعني تغرق في العتمة والظلام وتحس انه صوتك مش مسموع، يعني انك وحيد بهالدنيا معزول عن العالم وما في اي وسيلة حتى تحكي للعالم انك لسة عايش!، أكثر من 2 مليون انسان بعيشوا حاليا تحت حصار خانق ووضع امني كارثي خطير في ظل صمت عربي وعالمي كبير، بدون ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا انترنت ولا وقود ولا اي مقوم من مقومات الحياة الأساسية”.

 واقع وليس خيال 

أكدت الشابة الفلسطينية أميرة الزعانين في رسالتها الخامسة: “متخيل، إيش يعني تصحى من الساعة 5 الصبح عشان تكون أول 50 واحد بطابور الخبز !!، متخيل إيش يعني تمشي فوق الـ 6 كيلو عشان تعبي جلن مية حلوة أو مالحة مهو مش حيفرق كتير !!، متخيل إيش يعني عشان تشحن جوالك تروح لأي حد عنده طاقة شمسية تحكيله لو سمحت تشحنلي هالجوال نص ساعة ويا دوب تشحنلك 20% وتحط جوالك أقصى توفير للطاقة إلي عمرك بحياتك ما حطيته عشان تخلي جوالك يكمل اليوم !!، متخيل إيش يعني تروح على السوبر ماركت تضلك تلف تلف تلف وتتشهي الطبخة لكن تشتري بالأخير علبة جبنة لأنه أصلا ما عندك غاز تطبخ !!، متخيل إيش يعني الساعة 7 المساء بتعمل بالناس !؟، متخيل إنك عايش لحد هادي اللحظة، متخيل إنه إلي انت عايشه هذا واقع مش خيال !؟، اه والله”.

الرسالة السادسة: صمت الحناجر 

وفي الرسالة السادسة لابنة قطاع غزة التي تعاني من حصار وقصفات الاحتلال الإسرائيلي: “لم يعد هنالك شي يقال ، صمت الحديث في الحناجر، المشاهد كارثية فاقت الوصف، لا نعلم ماذا حدث وكيف حدث ولما حدث وما سيحدث نعيش في المجهول الغير معلوم ننتظر النهار لنعرف الأخبار وما حدث في ذلك الظلام الحالك بعد ليل مميت، مشاهد الساعات الأخيرة في قطاع غزة حتى تكونوا على متابعة تتمثل في تشييع جثامين ودفنهم في مقابر بغير أماكن سكنهم وكذلك تفقد الجرحى وتفقد الاشلاء التي بين الضحايا وكذلك انتشال من تبقت جثامينهم أسفل الركام والمنازل المستهدفة والحال الأكثر هو الاحتشاد داخل مراكز الإيواء المتعلقة بمدارس وكالة الغوث الدولية والحال هناك يرثى لهم وحال مبكي جداااااا، عائلات فقدت أبنائها وفقدت احبائها وفقدت ممتلكاتها ومنازلها ولا تستطيع العودة بسبب الخوف والقصف، لا طعام لا شراب لا أمان خوف يقتلع القلوب وموت على محافل كل مكان نتفقد أنفسنا من تبقى، ومن أصبح رقم يضاف لأرقام المفقودين بيوت خاوية شوارع ساكنة جميعها مهجورة بلا حياة مرعب شكلها لم نكن نعرفها شوهت الحرب كل ما في هذه المدينة حي ام جماد  ماذا بعد لا أحد يعلم، هنا غزة ونحن لهذه اللحظة لازلنا أحياء”.

الشهيد حبيب الله .. أطفال فلسطين يغنوا داخل مستشفى غزة .. فيديو انعدمت مقومات الحياة..رسالة مؤثرة من عجوز فلسطينية باللغة الإنجليزية إلى العالم..فيديو رفيق دربي كان نفسه يلعب..فيديو مؤثر لأب فلسطيني يبكي بعد استشهاد ابنه سيناتور أمريكي يحذر إيران من الحرب في غزة ويحملها مسئولية الأسرى

 

 

 

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة اخبار غزة فلسطين اخبار فلسطين الزعانين قطاع غزة قصف غزة حصار غزة غزة اليوم فی الرسالة فی کل مکان قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

نهال علام تكتب: جيل العيال المحظوظة

"مُنَعَم أنت أيها الجيل"… عبارة ظلت لعقود طويلة ذات وقع وتأثير، وبعد أن مرّ زمان وأهوال وأساطير أصبح وَقع ذكرى تلك الكلمة أمرا مثيرا. 

أتذكر تلك العبارة التي كانت تلقى على مسامعي في مجالس الكبار، وكنت أنا وحفنة الأطفال الصغار نموت حنقاً من ذلك الافتراء، والاستهانة بحجم مشكلاتنا حد الشعور بالازدراء، ولولا قدرتنا على تحمل هذا الظلم؛ لتعرضت شخصياتنا للاهتراء.

كنا قلقون ومتوترون ،فكيف لم يتعاطف معنا الكبار ونحن نمر بتلك الحالةِ من الجنون، وكيف لا "والجادون" لم يعثر عليه إلا المحظوظون في أغطية المياه الغازية، وصدفة الحصول على كيمو كونو مجانية، قد تضاءلت لتصبح سبعين في المية، أما الهدية المخفية في كيس الشيبسي والمتمثلة في ربع جنيه أو بعض اللعب البلاستيكية لم تَعُد أمرا عظيما، فالحصول عليها متاحاً للجميع.

مشكلات جمة دون تعاطف من خالة أو عمة، ألا يكفي ألبوم الشمعدان الذي لا يكتمل إلا بعد صرف ما يربو على جنيهين؟، وذراع الأتاري الذي لا يتحمل أكثر من أسبوعين وينكسِر، وليس هناك من يتعاطف مع وجيعتنا ويتأثر، وحدث بلا حرج عن الدراسة فذلك مبلغ الغلاسة، فلم تعد هناك سلاسة خاصة مع تعدد الألوان المطلوبة لتجليد الكتاب والكراسة، حتى القلم السنون طالبنا المعلمون بإستخدامه فقط في حصة الفنون، كان قرار بلا كياسة، وتلك الوجيعة التي لم تمح السنون آثارها الفظيعة والمتعلقة بالقلم المتعدد الألوان، ذو السوستة التي باتت تهترئ في العام مرتين.

ناهيك عن الكوارث اليومية كاختفاء البِلي، وتهتك كور الراكيت، وانفلات سير الدراجة، وسف شرائط الكاسيت، وقرطاس البمب الذي تجاوز ثمنه الخمس وعشرون قرشا، ولكن ليست كل بُمبة فيه قادرة على الفرقعة أليس هذا غِشا؟، لن أتحدث عن المجهود المبذول لصيانة إبرة الڤيديو والكاسيت ذو البابين باستخدام العطر أو الإسبراي، وشعور عودتك للمنزل بعد فقدان الزمزمية أو المقلمة الحديدية، ولا قدر الله إذا ضاعت المحفظة الأكتوبوس ذات الشرائط اللاصقة الفوسفورية، ولا كتب الله على أحد لحظة نفاد شحن بطاريات الووكمان كعادة أصيلة نصف شهرية.

أضف إلى ذلك مسئولية مواكبة الاختراعات الحديثة، سواء على صعيد المطاعم مثل ويمبي ومؤمّن وشو إن وأربيز، بالإضافة للحاتي الذي عَكس تطوراً طبيعياً لأبو شقرة وفرحات، ثم سلسلة أمريكانا التي أضافت لحياتنا بعض الحركات.

أو في إطار المتابعة الجادة الحثيثة، لموضة ملابس جيلنا الفضفاضة دون مبرر وذات الألوان المضيئة وقصات الشعر العنيفة، فلم يكن الاختيار سهلاً بين الموديلات الجديدة التي تتغير كل 7 أعوام، واختيار الملابس كان مأساة جلل فهي من ستصاحبك سنوات بلا عدد، فهي لا تذوب ولا تبلى ولا يتغير لونها، مهزلة.. فتلك الملابس كانت صناعتها متقنة وكأنها سلع معمرة، الأمل في فِراقها أن تتغير أنت وتكبر فيصبح التخلص منها قرار دون فرار.

أتتذكر محلات ناف ناف وميكس وبينيتون، التي تجعل الحياة أكثر تشويقاً على كوكب نبتون؛ لأن منتجاتها كانت متينة لدرجة أنها كان من الممكن أن تعيش لليوم فهي تركة ثمينة، حتى ريموندس وفرج وجلجلة عنوان الضمير الحي في صناعة ملابس المدرسة المقاومة للعب والشقاوة والبهدلة.

هل أدرك أصحاب رؤية أننا جيل مدلع، معنى أن تكون طفلاً وقصة شعرك اسمها الأسد والكنيش للبنات، والبانك والجنب للأولاد، ويزداد الطين بِلة إذا كنت ترتدي النظارة الموضة السوداء فلا يستطيع من أمامك تمييز هل أنت مبصر أم من العميان حتى وإن كانت ماركة ريبان! وتكتمل الصورة.. بأنك متشرد أو هربان من أسرتك المستورة، بوضع الكاب بطريقة عكسية وحسبك أن الناس مبهورة، لن ينقذك من ذلك الظن إلا لو كنت ترتدي الساعة الرقمية الملحق بها آلة حاسبة، أو على أقل تقدير في معصمك الساعة الفضية التي تزن قرابة الوِقَّة.

آه وآه على لحظة انتهاء حكايات أبلة فضيلة معاناة لم يطبب وجيعتها إلا صوت صفية المهندس في رسالتها اليومية إلى ربات البيوت، والتي تعني انتهاء الفترة الصباحية التي بدأت ببرنامج على الطريق وقطرات الندى وكلمتين وبس…

يقتلني الشك أن أهل الظن بجيلنا الذي تربى على أخلاق تمنعه من الزَّن، وخاصة وقت ماما سامية وبابا ماجد وسينما الأطفال حيث أن تلك الأوقات إذا ألقيت بالإبرة سترن، لكن شكوكي أنهم لم يقدروا الضغط العصبي الذي نعيشه أثناء مشاهدة مازنجر أو في الساعة ونصف التي يستغرقها جول كابتن ماجد من لحظة ركل الكُرة وحتى تستقر في الشبكة ونتنفس الصعداء، حسبي ربي فذلك ليس من عدل السماء!

أين العدل والرفاهية في سهرات ثابتة، تبدأ من السبت بنادي السينما مروراً بحدث بالفعل وتاكسي السهرة، والثلاثاء الذي يشبه الببغاء فلم يكن له هوية ولا سهرة تلفزيونية، أما الأربعاء فكان يوم العظماء من متابعي ماكجيفر وملفات إكس وباقي فقرات اخترنا لك، مسرحية يوم الخميس المحفوظة وفيلم يوم الجمعة الذي لا زالت أحداثه في الذاكرة محفورة، والذي يقطع صفو متابعته البرنامج الإخباري العريق أحداث 24 ساعة والذي يستغرق قرابة الساعة نكون خلالها انقلبنا على ظهورنا كصرصار رفصه حِمار!.

لم تكن حياتنا سهلة! وكيف لك ذلك خاصة إن سولت لك نفسك الوقوف ضد الريح ورفضت ارتداء أميجو اللي بتنور بينما نصف الشعب عليها بيدور.. وهذا حديث صحيح يعني أنك كائن تقليدي متأخر متمسك بالرجعية الإيطالية وخاصة إذا كنت ترتدي أحذيتك من زلط وتوب أو لطفي وكوتشي، سواء من مصر الجديدة أو من بحري أو المحافظات القبلية.

سأحدثك عن الكارثة الكبرى والتي تنسف منطق التنعيم وتذهب به إلى الجحيم، وهي تتعلق بالألعاب التي أرى في عينيك ذكراها الممتلئة بالحنين، وتلك مأساة أخرى، فالنحلة الدوارة ألوانها تخبو كالدنيا الدوارة، ألعاب الجيب التي يُعَد عدم امتلاكها عيب، نط الحبل وصلَح ودور أتوبيس كومبليه في المدرسة قبل ما نروح، Xo على الشاطئ أو الزجاج الخلفي لسيارة يكسوها التراب، بنك الحظ والساعات التي نقضيها متوترين في محاولات مضنية باستراق النظر وذلك للتحايل على مسارات الدور الطبيعية وكشف كروت اللاعبين بطرق تجسسية، مشكلات السلم والثعبان الجمة، فكم من نرد ذهب في طي النسيان وورق الكرتون المرسوم عليه اللعبة كم تعرض للامتهان، ولليوم لا أحد يعلم كيف يختفى النرد وچوكر الكوتشينة وأحجار الدومينو الثمينة!

كيف يقترن بجيل الثمانينيات والتسعينيات وصم اللهو! ونحن الجيل الذي دفع أعصابه ثمناً للحصول بانتظام على إصدارات رجل المستحيل والمغامرون الخمسة وفلاش، ومجلدات عم ذهب وكابتن ماجد، أظنوا أننا كنا نحصل عليها ببلاش! ولن أتحدث عن الأيام التي كُنا نفترش فيها الأرض أمام المكتبات لأولوية الحصول على شريط جديد مصحوباً بالبوستر الملون بسعر قد قارب الأربع جنيهات، وبالطبع هذا سعر مختلف عن شرائط الكوكتيلات العمولة.

عجيب أمركم أيها الأجداد والأباء.. كيف غاب عنكم عناءنا وداومتم على نعتنا بالعيال المحظوظة، ونحن مشكلاتنا كان علاجها قُبلة وربتة وحنية فالبيوت كانت لا تزال بالأُسر عامرة ومن الهواتف المحمولة خالية، والألواح الذكية كانت منها خاوية، وللعادات متشبثة، وبالحب متشبعة، فلم يكن هناك منصات للتواصل الاجتماعي لكن كانت هناك مناسبات للتجمع الإنساني، وسفرة الغداء التي تتسع لحل مشكلات الجميع، وصينية ساندويشات العَشاء القادرة على إعادة ترتيب الكون بحسب أحلامك وكأنك ولدت من جديد! أصناف الطعام واحدة سواء كنت غفير أو وزير، والبيوت كلها مستورة في تناغم إنساني غريب.

نحن جيل تحمل التنمر بصبر فنحن من تربينا على أن أجمل من في الحفلة دبدوبة التخينة، والطويل يعود للوراء والقصير نفضحه ونقعده بالأمام، أما أصحاب الكوبايات عفواً أعني النظارات فعليهم الجلوس في منتصف الفصل حتى لا يصيبهم حَوَل والخوف عليهم هو الأصل!

زمن ليس كمثله زمن.. تلك حقيقة أي نعم، مرت الأيام وكبر جيل الأمنيات والأحلام واختفت ملامح ذلك الزمان، وصدقاً... كنا جيل مِدلع ولكن طيب ومحترم ومتربي وغلبان، رَحَل غالبية الأهل والجيران، ولا نملك اليوم إلا أن نقاوم النسيان، لنبقي على تلك الذكريات التي صنعت أرواحنا وشكلت لقلوبنا حماية مما أخفته الأيام، وقد انقلبت رأساً ووقع على عاقِبنا سيف التكيُف والتغُير حتى لا نقف أمام قطارها الذي لا يرحم الأنام!

كان في جعبة الأيام تربص وسوء نية، تركتنا نفرح ونمرح ونسرح في جمالها ونتغنى بدلالها ونرقص تحت صفو سمائها، ثم انقضت علينا بغتة، تطالبنا بسداد فواتير سعادتنا وبراءتنا وأمنياتنا، واللئيمة الجريئة نسيت أنها من سرقت أحلامنا، دون أن يشفع لنا مفارق شعرنا التي تلونت بالأبيض، ومشاعرنا التي اتشحت بالأسود حداداً على سوء اختياراتنا وغباء بعض قرارتنا، تركتنا المأسوفة على مفترق السنين ننزف كالذبيحة في صباح عيد حزين.

هل كان ذلك قبيل صدفة أم فعل متعمد يشوبه الإصرار والترصد! حتماً أنه المكتوب الذي لا مهرب منه إلا الوجوب، وسبحان الموجود المستعان على معنى أن نكون مفعول به في هذا الوجود، لكنها سُنة الحياة التي فرضُها أن تلك الأيام التي نشعر فيها بغربة ساحقة ووحدة ماحقة، ستصبح يوماً ذكرى لجيل آخر.

ربما بعد عشرات السنين سيكتب أحدهم مقالاً يترحم على أيام الذكاء الاصطناعي الوسطي الجميل، والأسرة التي تتقابل كل بضع شهور، والموضة المتغيرة من دقيقة لدقيقة، وجروبات الماميز التي تزرع الكراهية بين طلاب الفصل الواحد، والجو الحارق صيفاً والشديد البرودة شتاءً، و فيروس كورونا الذي كان رحيم، ربما سيتحسر صاحب المقال أيضاً على زمن الرقي الفني في موسيقى المهرجانات وأفلام العشوائيات ونجوم المطواة والسيوف حملة لواء انحدار الأخلاقيات، قد يشتاق لأيام كانت فيه معدلات الطلاق نصف نسب الزواج بعد أن أصبحت النسبتين متساويتين!

كله وارد.. فالحياة بابها موارب، لا نرى منها إلا ما تسمح لنا به، ونصيبنا فيها هو قسمة خالقنا منها، وما باليد حيلة إلا المضي فيها قُدماً حتى تحين ساعة لن يصبح لنا فيها على كل الأحوال قَدماً، ولذلك الوقت سنفترش الذكريات ونستعين بها على ما هو آت.

وسيظل المجد كل المجد لأيام ما كان المصيف يعني العجمي والمعمورة، ورأس البر وجمصة وجهات سياحية مشهورة، ومجلات الموعد والكواكب طوق نجاة للوجوه المغمورة، والسينما والمسرح والأوبرا سهرات مشروعة، والسهر خارج المنزل مع شلة النادي لبعد الثامنة من المحرمات الممنوعة، وطوبى لكل من ظلم جيلنا وقال  "مُنعَم" فالرحمة لمن غادرنا منهم، والصحة لمن لا زالت ضحكاتنا معهم.

وعسى أن يكون ما مرّ بنا من حروب تكنولوجية، وغلاء الحياة المعيشية ووباء الإشاعات والأمراض الأخلاقية، وغباء كل من ظن أنه صاحب فكرة لوذعية، هو شاهد أن ذلك الدلع وتلك الرفاهية لم يكنا إلا هدوء سبق العاصفة، وسُكون ما قبل الزلزال، وإطراق ما قبل البركان… 

وسنظل نحكي أنه كان يا ما كان، وبكل ما أوتينا سنحمي ذكرى هذا الزمان من طوفان التكنولوجيا والصراعات والمعلومات، وما خَفي وكُتب علينا من كل المقدرات.

مقالات مشابهة

  • “أطباء بلا حدود”: غزة أصبحت مقبرة جماعية ورائحة الموت في كل مكان
  • 180 دقيقة في الجحيم.. كيف واجه 75 رجل إطفاء حريق الشرابية؟
  • اتهما إسرائيل بمنع إدخال المساعدات.. مسؤولان أوروبي وأممي: لا طعام ولا مأوى.. ووضع القطاع بلغ حد الجحيم
  • انتبه لـ7 أفعال عند النوم حذر منها النبي.. تفتح عليك أبواب الجحيم
  • مباراة المنتخب والأردن الثامنة مساءً.. والفيفا يؤجل مكان مواجهة فلسطين !
  • من أكتوبر لأبريل.. الجريمة تتكرر والقاتل طليق.. «المعمداني» هدفٌ دائم في حرب إسرائيل على الحياة
  • “اذهب إلى الجحيم!”.. نجل نتنياهو يهاجم ماكرون بعد تصريحاته عن قيام دولة فلسطين
  • ماريان جرجس تكتب: القاهرة - باريس .. رسائل بعلم الوصول
  • نهال علام تكتب: جيل العيال المحظوظة
  • «اذهب إلى الجحيم».. نجل نتنياهو يهاجم الرئيس الفرنسي!