مدرسة «التواصل» تهدد تاريخ الأمة
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
سألتنى فتاة جامعية صاحبة ثقافة فيسبوكية -مغلوطة- فى كافة المجالات كونت بناء عليها آراء غير صحيحة لكنها فى أعماقها راسخة وعلى استعداد تام للدفاع عنها والتحيز لها بكل قوة، إلا أن لحظات من الشك فى دقة المعلومات جعلتها تباغتنى بأسئلة نارية مستغلة ما يدور فى المنطقة من أحداث لتستند فى معلوماتها على مصادر من التواصل الاجتماعى، هدفها الأول والأخير التأثير السلبى على عقل الجيل والتلاعب فى الحقائق التاريخية وتغيير المفاهيم الثابتة والمؤكدة بأخرى ملفقة ولا تمت للحقيقة بصلة، لكنها تمهد أجيالا كاملة لخلط الأوراق والتنازل عن الثوابت.
البداية كانت عجيبة حقا عندما بادرتنى متسائلة: ألم نتعلم الدرس من هزيمتنا فى حرب أكتوبر 1973، وانتصار الإسرائيليين علينا؟
قلت: هذه معلومة خاطئة وغير دقيقة وغير صحيحة، فقواتنا المسلحة عبرت قناة السويس وحطمت خط بارليف وأعادت الأرض التى سلبت منا فى هزيمة 1967، وما تبقى منها استعدناه بالسلام.
قالت: الحقيقة أن هناك حملات كثيرة على التواصل الاجتماعى عن تزييف الحقائق وتغيير المفاهيم لأهداف أكبر من استيعابنا مما يصيبنا بالبلبلة.
قلت: وماذا يا ابنتي؟ قالت: فلسطين هل هى عربية أم أنها أرض اليهود وهذا حقهم فى العودة إليها وهم أبرياء مسالمون ونحن العرب من يهاجمهم ويقلق راحتهم؟
قلت: يا ابنتى من علمكِ هذا؟ قالت: التواصل الاجتماعى.
قلت: إنه خداع وتدليس، ففلسطين عربية وبها هبط الأنبياء ومنها أسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهى مهد عيسى عليه السلام، وبها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، واليهود زرعهم فيها وعد بلفور المشئوم وجاءت اتفاقية سايكس بيكو لتكمل ما تبقى، وما يرتكبه اليهود مجازر حرب وإبادة جماعية ضد شعب أعزل تستحق تكتل العالم أجمع للتصدى له.
قالت: وماذا عن الرئيس مرسى؟ يقولون إنه كان إصلاحيا كبيرا ولو تركناه لكانت أمورنا أفضل، أجبت: يبدو أنك كنت ضحية كتائب الإخوان النشطة، فما دمره الإخوان فى عام يحتاج 60 عامًا لإعادته، وما تشهده المنطقة من ويلات منذ هذا العام البائس حصاد مر مجبرون عليه ونجانا الله منه.
ولم تكتف الفتاة التى سيطرت الثقافة الفيسبوكية على رأسها بهذه الأسئلة، بل واصلت بأسئلة متتالية وسريعة ومتفرقة وكل منها قنبلة موقوتة، بل قنبلة نووية لتتحدث فى كل شيء حتى الأديان ومن صح ومن خطأ والجنة والنار والثوابت والإيمان.
ولا أخفيكم سرا أنه على الرغم من أنها أرهقتنى كثيرا إلا أن مصيبتى كانت أكبر لأن هناك من يعمل فى الخفاء ويستخدم الوسائل التكنولوجية الحديثة فى تغيير المفاهيم والواقع لأهداف بعيدة المدى، إنها قوة ناعمة لكنها سرطان مميت ينخر فى جسد أولادنا وشبابنا، ونحن نلهث وراء لقمة العيش وقسوة الحياة.
ورغم وعدها لى أنها سوف تستقى معلوماتها من مصادر موثوقة وأنها سوف تلجأ لى فى كل القضايا التى تشغل رأسها لأصحح لها المفاهيم الخاطئة، إلا أنها دحرجت قنبلة اللوم والعتاب على كاهلى مؤكدة أننا السبب لأننا قطعنا حبال التواصل مع الأجيال المتلاحقة وتركناهم فريسة لوسائل التواصل بلا رقابة ومتابعة، وأن المناهج التعليمية أصبحت خالية الدسم من الوطنية.
وعلى الرغم من أن هناك بعضًا من هذه الأجيال ثورى وغيور على بلاده ووطنه ويستقى المعلومات من مصادرها الحقيقية، ويرى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، إلا أن البعض الآخر يتبع مدرسة اسأل الفيسبوك، ولا يبالى بدقة وصحة المعلومات على الرغم من نتائجها الكارثية، ويبقى هدفا مباشرا لأصحاب القوى الناعمة الخبيثة ليحدثوا ثقوبا فى عقول أجيال كاملة نتيجتها مستقبلا مشوهة.
ومن هنا وحتى لا أتحمل وحدى المسؤولية فإننى أنقل لكل من يهمه الأمر صرخة جيل بل أجيال كاملة لعلها تجد عقولًا واعية تدرك مدى هذه الكارثة.
والآن لله ومن أجل أولادكم ومن أجل بلادنا ووطننا العربى، علموا أولادكم:
• أن فلسطين دولة إسلامية عربية محتلة، وأن القدس عاصمتها الأبدية، وأن المسجد الأقصى أسير، والكيان الصهيونى عدو.
• أن اليهود مغتصبون للأرض وأنهم يرتكبون جرائم حرب ضد أشقائنا الفلسطينيين.
• أن حرب أكتوبر كانت نصرًا وعزة وكرامة أعادت الأرض وصانت العرض وحمت البلاد والوطن العربى من عدو غاشم.
• أن أمتنا العربية صاحبة تاريخ وحضارة وأننا أول من علم العالم فنون الكتابة والطب والهندسة والفلك والطيران، وأننا شعوب مُحبة للسلام، نرفض العنف والكراهية.
• أن أجندة الإخوان والجماعة المحظورة وباء وخطر يهدد الأوطان.
• أن الدين لله والوطن للجميع.
• أن وطننا ليس أرضا نعيش ونحيا عليها بل هو وطن يسكن فينا.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
خذلان
هبوط منسوب الحرية في المجتمعات العربية والإسلامية أثر بشكل مباشر على الإنتاج الفكري كما ونوعا، وتعطيل الفكر العربي والإسلامي جعل المتلقي عرضة للاستهلاك الفكري والمعلوماتي في مختلف المجالات بالطريقة البروباجندية، فهذه الظاهرة من التراخي مع العدو الصهيوني والتي نعيشها اليوم ليست حالة طارئة أو وليدة الصدفة بل هي مدبرة منذ عقود، فالعقل والمنطق يقول أنه وطالما المصدر للمعلومات خارجي، وطالما النتائج مرتبطة بالمقدمات، فان النتيجة ما نراه اليوم ونسمعه من حالة التبلد واللامبالاة المتفشية في الشارع العربي وموقف الغالبية المتخاذل مما يحدث في غزة ولبنان منذ اكثر من عام، فغالبية الشعوب العربية والإسلامية قد ظهر عليها الأعياء الشديد، وكأنها أصيبت بشلل الأطفال المفضي للعجز وهو مرض مزمن وخطير قد نال من هذه الأمة وأصابها في وطنيتها وقوميتها وتدينها، فواقع الأمة يؤكد أنه قد استوطنها الخذلان وتمكن منها الخوف . الخوف من الحكام المتماهين مع العدو الصهيوني والأمريكان، والخوف على لقمة العيش وفقدان المنصب والوظيفة، والأمر نفسه بالنسبة للنخبة الذين كانوا فيما سبق الدينامو المحرك للحركة الشعبوية وتحرير القرار السياسي من ديكتاتورية الحاكم المتسلط في أي دولة ومجتمع عربي وإسلامي كان، فهم صفوة المجتمعات ومحل ثقة الشعوب، غير أن الحاصل اليوم أن خوف أولئك النخبة قد نالهم من الخوف ما نال العوام إن لم يكن خوفهم أكبر، خوف على مكانتهم الاجتماعية والرسمية، وفقدان المال الوفي، والعيش الرغيد على عكس من سبقهم، فماتت الأمة بموت ضمائر العلماء والمثقفين، الذين جفت أقلامهم، وخفتت أصواتهم، وصار غالبية الناس بلا إحساس من كل ما يجري لشعب غزة ولبنان المكلوم بالشعوب العربية وحكامها ومثقفيها وعلمائها، وكأن لسان حال أولئك يقول إن قلوبهم قلوب واجفة، فما عادت تلك الأحداث المؤلمة التي تجري كل يوم على شعب غزة ولبنان تؤلمهم، ولا صرخات واستغاثات الأطفال والنساء توقظهم، لأنهم ببساطة ميتين فقط يتنفسون، وأحياء فقط ليأكلوا ويشربوا ويتناكحوا . أما بالنسبة للقادة العرب والمسلمين فيكفيهم عقد تلك القمة العربية الإسلامية التي انعقدت واختتمت أعمالها في السعودية يوم الثلاثاء 12 نوفمبر. صحيح أن ظاهر القمة من اجل غزة ولبنان غير أن باطنها هو محاولة لترميم الوجوه المتساقطة لأولئك الشخوص وليس غير ذلك، أما ثالثة الاثافي هو ما حصل في اليوم التالي لانتهاء القمة حيث افتتحت المملكة السعودية موسم الرياض بعري فاضح وانحطاط واضح دون ادنى حياء ومراعاة لما يحصل في غزة ولبنان من جرائم إبادة وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيلا