بوابة الوفد:
2024-09-20@01:29:57 GMT

فى مديح الجحيم

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

كُنت طيباً بريئاً ساذجاً غضاً، استغرب كلمة القسوة، وأستبعد أوصاف التوحش من قاموس مفرداتى. لم أكن أتصور أن هناك بشراً على الأرض يمتلكون كل قساوة القلب، وكل غلظة المشاعر، وكل خشونة الطبع كما رأيت لاحقاً.

صغيراً كنت عندما قرأت تعبير الشاعر الجميل صلاح عبدالصبور الذى يقول فيه «هذا زمن الحق الضائع.. زمنٌ لا يعرف مقتول مَن قاتله ولِمَ قتله.

فرؤوس الناس على جثث الحيوانات.. ورؤوس الحيوانات على جثث الناس. فتحسس رأسك. تحسس رأسك». وتصورت وقتها أن المبدع الفلتة، يبالغ كطبيعة الشعراء لأنه لا يمكن أن يتماهى الإنسان والحيوان فى المشاعر إلى حد عدم التفرقة بينهما.

وربما كبرت قليلاً عندما فكرت كثيراً فى سؤال صديقى المرتاب دائماً، المتشكك غالباً الذى باغتنى به قائلاً: «ما الجرم الذى يمكن لإنسان أن يرتكبه فيساوى أن يقبع فى عذاب النار إلى الأبد؟». 

ولم تكن دماغى تظن أن هناك بالفعل بشراً أقسى وأحدّ وأعنف وأبشع وأخشن وأحقر من أى خيال جامح حتى عرفت وقرأت وتابعت وشاهدت واستمعت وفهمت واستنرت وعرفت بأن الإنسان فى دمويته أبعد مما يتصور عاقل.

فكرت كثيراً فى ضمير الطيار الإسرائيلى الذى قصف مستشفى المعمدانى بغزة سائلاً كيف لم يوخزه للحظة وهو يطلق وابل قنابله على مرضى وجرحى وأطفال باحثين عن ملجأ؟ كيف بضغطة زرـ أزهق أرواح خمسمائة إنسان وكأنه يمسح عرقه؟ كيف لم تسائله أخلاق، ولم تعاتبه بقايا حس إنسانى وهو يرش الموت عبثاً على عُزل أبرياء؟

قبل ذلك مراراً شهدنا قسوة جنود إسرائيل وهم يقتلون أطفالاً ورضعاً ونساء بدم بارد، ربما تضاحكوا بعدها، وربما دخنوا فى زهو، وربما عانقوا أطفالهم بعد عودتهم منتفخين كأبطال دون أن ترتعش لهم شعرة إنسانية.

استعدت بشاعات الإنسان الوحش الذى تفوق على الشيطان جحوداً وقسوة ودموية، وإن ادعى تمدنه وتحضره.

فى الساعة الثامنة والربع من صباح السادس من أغسطس 1945 ألقى الطيار الأمريكى بول تيبيتس القنبلة الذرية الأولى على هيروشيما، ومات على الفور 66 ألف إنسان، ثم مات لاحقاً آلاف آخرون نتيجة التأثيرات الذرية، وعاش «تيبيتس» حتى بلغ الثانية والتسعين عاماً، وكان مما يقوله دائماً بأنه على استعداد لإلقاء قنبلة نووية أخرى على كابول أو مكة أو القاهرة أو أى مصدر خطر إن طلب منه ذلك، وأن على الصحف أن تتوقف على وصف الحرب بالبشاعة!

وفى اعترافات رجال النازى وهم يشهدون بالمحاكمات بعد سقوط هتلر، أفاد بعضهم أنهم كانوا يطلبون من الأم أن تحتضن وليدها فى «الهولوكست» حتى تخترقهما رصاصة واحدة فتثقب رأس الرضيع، ثم تنفذ لأمه توفيراً للذخيرة.

وتذكرت كيف ابتكرت استخبارات الخومينى أسلوباً جديداً لإعدام خصومها، حيث يوضع الضحية فى زنزانة ثم يدخل أحد الحراس ويطلق رصاصة واحدة على قدمه ويتركه ينزف حتى الموت.

استزدت مما كتبه المؤرخون حول أولئك الذين ابتكروا أساليب تعذيب قاسية لردع أعدائهم ومنها تفنن جلادى الدولة العثمانية فى تنفيذ القتل بالخازوق ليمر بجسم الإنسان بمهارة دون أن يقطع أحشاءه أو يجرح أعضاءه ليموت فى أطول مدة زمنية.

ومثلهم كثيرون، يدعون أنهم بشر، بأقنعة وبدون، أمامنا وخلفنا وحولنا، لا رحمة فى قلوبهم. لا ذرات حب، لا رأفة، لا أخلاق، وعدلهم المستحق يقينا هو الجحيم.

آمنت بالله وبيومه الآخر وبعدله البات وبعذابه ونعيمه.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التوحش رأسك

إقرأ أيضاً:

مجتمع النفايات الفكرية «٣»

فى العشر سنوات الأخيرة تعرض المجتمع لهزة عنيفة أصابته فى عقر داره حتى أصيب بالمرض والكهولة والشيخوخة فى العقل وإعياء القلب وقلب موازين روحية وعقائدية فى الدين والدنيا حتى تلوثت أسماعنا و أبصارنا لنرى ونسمع العجب العجاب.. تراجع دور العلماء ليحتل الجهلاء والمنافقون الصفحات الأولى، حيث أصبح للسوشيال ميديا روادها بالملايين من الحشود الجماهيرية بمنصاتها الهلامية السابحة فى قلب فضاء فوضوى منبر ملوث لترميز التافهين فى محاولات للاستعانة بـ المعجبين والمتابعين لحصد أكبر عدد من المشاهدات التى تحقق مكاسب فى الثراء السريع خلال عرض محتوى رخيص يجذب الحشرات البشرية الدنيئة التى وقعت فى فخ الشبكة العنكبوتية الضارة.
وذلك ‏لأن المجتمع للأسف أصبح قابلا للخداع مع تدنى مستوى الذوق العام وتوحش غول ارتفاع الأسعار وقطاره الذى لا يقف ولا نعلم إلى أين المصير والفقر يطل بأنيابه على الغلابة والمساكين!!، ويملك أيضا مقومات تراثية للاستغفال والاستغلال جاذب للأفاقين، لأن ثقافته وطريقة تفكيره ومجموع القناعات السائدة فى العقول تم تشويهها وإتلافها بفعل وكيل لئيم خبيث منذ أن بدأت بصناعة الفساد «الأندرويد» الذى جاء من غزو الفضاء الخارجى أشد فتكاً وضرراً من القذائف والدبابات، ولم يتم للآن البدء فى تطهير ألغامه وكسر نفوذ مخربيه حتى تنجلى شخصية مصر الحقيقية التى تتصف بالحياء والخجل فلم يعد لديه «حمرة وجه».. السبب أصدقاء النقابات البشرية. والغريب أنه عندما يعيش الكل فى القذارة والتفاهة، يصبح النقاء والصفاء هو الشذوذ، هذا حال الكثير من الناس اليوم لا يقبلون أن يكونوا وحدهم فى الوحل، ويحاولون بكل جهدهم أن يجرّوا معهم من هم أكثر نقاء منهم إلى مستنقع البذاءة من أجل صناعة الشهرة.
فلم نعد نعرف ماذا نحارب الوباء أم البلاء.!! أم الغباء.. أم الغلاء.. أم قلة الحياء؟.!! لم يمر بتاريخ أو زمن او حقبة أتعس وأرذل وأسفل وأسخف من هذه السنين التى نعيشها اليوم.. سنين قلبت جميع الموازين فيها حتى أصبحت الاخلاق والشرف والكرامة والعدالة والغيرة والإنسانية والرحمة عمله نادرة جدا للأسف.
العقل هو أكبر أمانة حصلنا عليها، لا تجعله فارغاً قاحلا يمتلئ بالسخافات والتفاهة.. ازرعه بالعلم والثقافة النافعة وكل ماهو مفيد.. وكل الشكر والتقدير للكرة الأرضية التى مازالت تدور بنا رغم التفاهة والانحلال الأخلاقى الذى نعيشه فوقها.. بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره نعزى أنفسنا أولاً وبلدنا بوفاة القيم والأخلاق وطغيان الإنحطاط الأخلاقى و انتشار الفساد فكيف لله أن يرحمنا وينزل علينا رحمته فى ظل هذا المستنقع الذى نعيش فيه، فاللهم يا الله لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منا، إنا لله وإنا إليه راجعون.. وحين يسألونك عن جهاد النفس الحقيقي، أخبرهم أن أصدق الجهاد هو قدرتك على أن تجعل هذا القلب نقيًا، صالحًا للحياة الآدمية بعد كل تلك المفاجآت.. والعثرات والانكسارات والهزائم.
الجهاد الحقيقى جهادك مع قلبك كى يبقى أبيض رغم كل تلك المعارك، فلا تتغيّر ملامح الإنسان فيك، أو طمس الفطرة التى خلق عليها خلقه.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
‏[email protected]

مقالات مشابهة

  • وزير دفاع صنعاء: المرحلة الخامسة من التصعيد مليئة بالمفاجآت وستفتح باب الجحيم على “إسرائيل” وتدشن مرحلة جديدة من الحرب البرية
  • لولوة الطيار تحقق برونزية العالم في الملاكمة التايلندية
  • مجتمع النفايات الفكرية «٣»
  • ترامب.. والقادم الأسوأ للفلسطينيين!
  • تغير المناخ يزيد حجم الجليد في "بوابة الجحيم"
  • الجحيم بضغطة زر.. ما هي أجهزة البيجر التي أثارت الرعب في لبنان ؟
  • «المتحدة» إعلام يُعزّز حقوق الإنسان.. سياسيون وخبراء يشيدون بطرح تعديلات قانون الإجراءات الجنائية للمناقشة: دعم للشفافية وتوعية للمواطنين
  • جدى إخناتون!!
  • “يشبه الجحيم”.. نيمار يحذر نجوم ريال مدريد من مبابي
  • «عمر أفندى»