الحرية تُولد من رحم المقاومة
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
علي بن سالم كفيتان
لم تنل الشعوب حُريتها واستقلالها بالخنوع والذل والهوان، ولم يُؤخذ حق من مستعمر غاصب بالتفاوض الكاذب والمراوغة والعيش على بقايا ما يقذفه ذلك المستبد الظالم في حظائر الخانعين الذين يقتاتون على صرخات الأطفال ونحيب النساء، ودماء الشهداء الذين استنهضتهم الحمية والدين والمبدأ لبذل أرواحهم الطاهرة هدية لنيل الحرية وتحقيق العدالة.
خطر المنتفعين يوازي أو يفوق ما يفعله العدو في صفوف المجاهدين؛ فالخيانة هي الشوكة التي يغرسها المستعمر في جسد الثورة، وعندما تبحث عنها في جسدك لا تجد لها أثرًا سوى ألم عميق وجرح ينزف في الداخل؛ لذلك يبذل المستعمر كل ما يملك لتمكين هذه الفئة الغادرة، فلا تفاوض إلّا معهم، ولا انفراج للأزمات إلّا من خلالهم؛ ليقتنع الناس بأهميتهم التي يستمدونها من الطغاة. ومن المؤسف حقًا أن يصبح العرب- الذين اصطفاهم الله لحمل رسالته الخالدة- في هذا الموقف المخزي اليوم، شعوب تفورُ لنصرة شعب يُذبح بحماية غربية، وأنظمة تكبح كل صرخة من أجل الذهاب إلى أرض فلسطين المحتلة.
لقد سابقت أقوى دولة في العالم الزمن لتنقذ الابن المدلل- الكيان الغاصب المحتل- الذي غرسته بريطانيا يومًا ما، وترعاه بكل إخلاص أمريكا ومن خلفها الأمم الغربية جمعاء، فأرسلت حاملات الطائرات وجيّشت آلاف الجنود، وبعثت بأطنان الذخائر، وحجَّ الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ودفاعه وقائد قاعدته الوسطى، كل ذلك لتمكين العصابات الصهيونية من التنكيل بشعب مجاهد ظلمه التاريخ وتجاهلته البشرية، بينما هناك من يتواطأ مع الصهاينة، والأمة باتت تحتضر تحت النار.. إنه شعور مخزٍ بات لا يُطاق في الشارع العربي، ولن ينسى التاريخ هذا المشهد مُطلقًا؛ ففي الوقت الذي أربك فيه بضع مجاهدين من كتائب عز الدين القسام العالم في السابع من أكتوبر، ترتعد فرائس الجنرالات وتخبو الرتب والنياشين وتسقط الشهادات العسكرية لرجال لم يخوضوا يومًا حرباً غير حروب الشوارع ضد شعوبهم.
عشرات الآلاف من الصهاينة المجلوبين من كل بقاع الدنيا، هربوا من عسقلان وأسديروت إلى مطار بن جوريون؛ ليعودوا من حيث أتوا؛ فالأمر لا يستحق كل هذه التضحيات.. ففي لحظة تبخرت كل الوعود التي قُدِّمت لهم بالحياة الآمنة المستقرة في فلسطين المحتلة، وبات الدم هو مهر الحرية الذي يتسابق إليه مجاهدو عز الدين القسام، ويهرب منه قطعان الصهاينة.
هنا.. الأرض عرفت من هو صاحبها، القادر على البقاء والتضحية؛ فصمد الرجال ودحروا الجيش الذي لا يُقهر- كما زعموا- والفكرة المسيطرة على عقول العرب منذ 75 عامًا؛ ليرسموا واقعًا جديدًا أربكَ ذلك النمر الورقي ومسانديه الغربيين، فلم تعد فلسطين بعد اليوم آمنةً للصهاينة بعد انهيار جيشها وفراره من المعركة، تاركًا هؤلاء فريسةً سهلة للمجاهدين. لقد تزعزع الكيان إلى الأبد، ونمت حقيقة جديدة لدى كل فلسطيني حر وعربي شجاع ومسلم مؤمن، تقول إن الصهاينة لا يُمكنهم الصمود في وجه الحق والحرية والجهاد؛ فهشاشتهم تكشَّفت للجميع في ذلك الصباح الذي التحم فيه الرجال معهم وساقوهم إلى الخنادق والأقبية وهم يصرخون طالبين الرحمة، مُتنكرين لدولتهم المزعومة وشعبهم المختار.
نحن شعوب لا نُتقن المظاهرات في الشوارع والساحات والصراخ "الموت لإسرائيل"، ولا نؤمن بأنها تحرر الأوطان، نحن أمة بصرية تختزن غضبها ليتراكم حتى ينفجر يومًا ما ويأخذ معه كل الغزاة والخونة والمنتفعين إلى الجحيم.. نحن أمة لا نعبد المال ولا نقدس الحياة الذليلة؛ بل تُلهمنا صيحات الجهاد، ويُسعدنا ارتقاء أرواحنا إلى الرفيق الأعلى، مضرجة بدماء الشهادة؛ لتسموا في الدرجات العُلى من الجنة.. هكذا قال نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، لهذا لا نألم عندما نُقاتل الظالم، تاركين الدنيا خلف ظهورنا، مُقبلين على الجنة ونعيمها، وهذا ما يُخيف كل أمم الدنيا مِنَّا ويتحدون جميعهم ضدنا، وهذا ما يسطره اليوم المناضلون في فلسطين.
لقد انكشف زيف الحرية والعدالة والتعبير عن الرأي وحقوق الإنسان الذي تبنته الحضارة الغربية لقرن ونيف، وسقطت كل تلك الشعارات في اختبار غزة، ففي الوقت الذي تدعم فيه أمريكا وحلفاؤها الغربيون أوكرانيا لاستعادة أراضيها، نجدها تضع كل ثقلها مع المغتصبين الصهاينة لأرض فلسطين، ويقايضون لاسترجاع بضع من رعاياهم وقعوا أسرى في قبضة حماس، مقابل عودة الكهرباء والماء والوقود والغذاء لملايين البشر! ولم أجد تفسيرًا منطقيًا لذلك السلوك الانتهازي، إلّا خوفهم من عودة الهجرة العكسية لليهود إلى أوروبا وأمريكا وفشل توطينهم في فلسطين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تطور الحركات النسوية: من الحقوق السياسية إلى الحرية الجنسية .. فيديو
الرياض
انطلقت أفكار الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار حول قضايا المرأة والجندر عندما نشرت كتابها الشهير “الجنس الآخر” عام 1949،حيث قدمت فيه رؤية جديدة تعتبر أن الفروقات بين الذكر والأنثى ليست طبيعية بالكامل، بل هي نتاج بناء اجتماعي وثقافي فرض أدوارًا محددة على النساء.
ورأت دي بوفوار أن المجتمع يصنع التصنيفات بين الجنسين، مما يؤدي إلى تقييد المرأة وإخضاعها، ودافعت عن الحرية الجنسية الكاملة للمرأة، مؤكدة أن لها الحق في تقرير مصيرها بعيدًا عن القيود الأخلاقية والاجتماعية التقليدية، كما طالبت بمنح المرأة الحق في الإجهاض باعتباره جزءًا أساسيًا من سيادتها على جسدها واستقلاليتها.
وفي هذا السياق، قدم الدكتور عبدالعزيز المزيني قراءة معمقة لهذا الكتاب، مستعرضًا أفكاره الجوهرية ودوره في إرساء الفكر النسوي الحديث.
ورأى المزيني خلال حديثه في برنامج “في الصورة”، أن الكتاب شكَّل نقطة تحول رئيسية في دراسة حقوق المرأة، حيث طرح لأول مرة تساؤلات جوهرية حول الأنوثة، الحرية، والعدالة الاجتماعية، واعتبره نقطة التحول الأساسية في الفكر النسوي، الذي انطلق من فرنسا، منتقلًا بعد ذلك إلى أمريكا.
وشهدت الولايات المتحدة تاريخًا طويلًا من العبودية والتمييز العنصري، بدأ مع وصول العبيد الأفارقة الأوائل إلى أمريكا في القرن السابع عشر، واستمر الرق لقرون حتى إلغائه رسميًا عام 1865 بعد الحرب الأهلية الأمريكية، لكن التمييز العنصري لم ينتهِ، بل استمر من خلال قوانين الفصل العنصري والحرمان من الحقوق الأساسية.
وفي منتصف القرن العشرين، برزت شخصيتان قادتا النضال ضد العنصرية: مالكوم إكس ومارتن لوثر كينج الابن، حيث اتخذ مالكوم إكس نهجًا أكثر راديكالية، حيث دعا إلى الدفاع عن النفس ومقاومة الظلم العنصري “بأي وسيلة ضرورية”.
ورأى أن النظام الأمريكي غير قابل للإصلاح، وطالب السود بالانفصال عن هيمنة البيض وبناء مجتمعاتهم المستقلة، وعلى الجانب الآخر، تبنى مارتن لوثر كينج نهج المقاومة السلمية، وقاد مظاهرات سلمية للمطالبة بالمساواة، أبرزها مسيرة واشنطن عام 1963، حيث ألقى خطابه الشهير “لدي حلم”.
ورغم اختلاف أساليبهما، ساهم الاثنان في إنهاء الفصل العنصري، وتحقيق تشريعات جديدة منحت الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، كما دعما قضايا النساء، حيث رأى كينج أن نضال المرأة جزء لا يتجزأ من معركة العدالة الاجتماعية، بينما دافع مالكوم إكس عن المرأة السوداء، معتبرًا أنها أكثر الفئات تضررًا من العنصرية والتمييز.
وبدأت حركة حقوق المرأة في أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر، والتي اعتبرها الدكتور المزيني، بداية النسوية الفعلية، حيث ركزت على حق المرأة في التصويت، وانتهت بالتصديق على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي عام 1920، الذي منح النساء حق الاقتراع.
ومع ظهور الموجة النسوية الثانية في الستينيات، توسعت المطالب لتشمل المساواة في الأجور، الحقوق الإنجابية، وإنهاء التمييز الجنسي، وقادت هذه المرحلة إلى إصدار قوانين تحظر التمييز في أماكن العمل وتضمن للنساء حقوقًا أكبر.
وفي التسعينيات، جاءت الموجة النسوية الثالثة، التي ركزت على التنوع والهوية الجنسية، وطرحت قضايا جديدة مثل التحرر الجنسي، وتمكين النساء من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة.
أما الموجة الرابعة، التي بدأت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فقد اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية للنضال ضد التحرش الجنسي والتمييز.
وعبر هذه الموجات المتعاقبة، انتقلت النسوية الأمريكية من المطالبة بالحقوق السياسية الأساسية إلى الحرية الجنسية الكاملة والمساواة في جميع مجالات الحياة، مما غيَّر المشهد الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة بشكل جذري.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738614592034.mp4 https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738614084391.mp4 https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/ssstwitter.com_1738614213563.mp4