لجريدة عمان:
2025-04-16@13:28:58 GMT

كلام فنون: الموسيقى تتحدى الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

مبدئيا لا يمكن أن تكون الموسيقى خارج سياق الثورات التكنولوجية، بل إنها كانت وستظل دائما في خضمها، تتأثر سلبا أحيانا، وإيجابا أحيانا أخرى، كما هو الحال مع ثورة الإنترنت وما وفرته وتوفره من فرص وتطبيقات مذهلة أثرت بشكل كبير على وسائل إنتاج الموسيقى، الأمر الذي أحدث في السنوات القليلة الماضية تغييرا جوهريا في تلك الوسائل وأدواتها، وتعرض من لم يستجب لتلك التغييرات من الموسيقيين وشركات الإنتاج في الوقت المناسب لخسائر مادية بسبب توقف أعماله أو تراجعها على الأقل.

وفي هذه الأيام يتحدث الناس كثيرا عن الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته واستخداماته في مختلف المجالات الحياتية ومنها بطبيعة الحال الموسيقى. غير أن هذا التطور المستجد الذي يقوده الذكاء الاصطناعي لا يتدخل فقط في وسائل الإنتاج فحسب بل وكذلك في وظيفة الإبداع الموسيقي نفسها والمنافسة مع الإنسان في هذه المهمة التي طالما كانت وظيفته ومهمته التي تميز بها عن باقي الكائنات على هذه الأرض.

وفي جميع الأحوال علاقة الموسيقى بهذه الثورة التكنولوجية الحديثة جدا لم تعد علاقة تنظير فحسب بل أصبحت تحديا بدأ يلوح في الأفق القريب. ومع إنني ما زلت اعتقد أن الموسيقى بشكل خاص ستظل دائما عملا إنسانيا، وأن الذكاء الاصطناعي سيقتصر على دور مساعدة المحترفين مهما بلغت الآلة من حذاقة واختزنت من بيانات موسيقية تمكنها من استنباط الجمل الموسيقية والإيقاعية وتأليف الألحان والتوزيع والأداء الفني. ولكن لا ندري ماذا سيحدث في المستقبل.. وآمل أن لا نجد أنفسنا يوما ما متأخرين في هذه التقنيات ومستهلكين غير منتجين لها الأمر الذي سيؤثر على لغتنا الموسيقية وبالتالي لغتنا العربية.

كشخص غير متخصص بأنواع التكنولوجيات حاولت أن أتابع بعض النقاشات حول مسألة الموسيقى والذكاء الاصطناعي، ولاحظت أن الأمر مثير للاهتمام على الرغم من أن هذه التكنولوجيا الموسيقية الجديدة لا تزال في طور التجربة وتواجه تحديات عديدة لعل أهمها عدم امتلاكها حتى الآن القدرة على الخلق الفني الإبداعي. وهذه القدرة في الأصل معقدة وليس بوسع كل الناس امتلاكها، ولكن يمكن في المستقبل لأي شخص حتى الذين لا يمتلكون معارف ومهارات موسيقية أن «يؤلف» بمساعدة الذكاء الاصطناعي أغنية جديدة أو مقطوعة موسيقية معقدة التأليف كالسيمفونية أو أوبرا أو موشح عربي أو مونولوج، وربما حتى محاورة عنيفة وطويلة جدا في الرزحة بين شخصيتين وهميتين مبتكرة من الذكاء الاصطناعي.

وهنا تبرز عدة أسئلة جوهرية منها ما يتصل بقدرة «المؤلفين الجدد» إن صح التعبير على تقييم أعمالهم هذه التي يطلبونها من الذكاء الاصطناعي، ثم مواجهة الموقف القانوني عند نشرها من حقوق ملكيتها الفكرية، وربما تنازعها مع الذكاء الاصطناعي. وماذا لو أن الذكاء الاصطناعي أعطى نتيجة واحدة متطابقة (أي أغنية واحدة بنفس الكلمات ونفس اللحن) لأكثر من شخص دون علمهم؟ الأمر الذي لا نعلم إنه حصل في الوقت الحاضر للموسيقيين الذين يؤلفون الألحان المختلفة بالذكاء الفردي غير الصناعي.

بطبيعة الحال هذه التقنية لا تزال في بدايتها، وأنا بصفة خاصة أجهل ما يجري مع الشركات الكبرى التي تعمل حسب علمي على تمكين الذكاء الاصطناعي من القدرة على تأليف الموسيقى بنوعيها. وربما لا يزال الأمر في مرحلة إدخال البيانات إلى هذه الأجهزة واختبار منتجها الفني، بمعنى إن هذا الذكاء الاصطناعي سيحتاج إلى سنوات عديدة من التعلم حتى يصنع بنفسه موسيقى وأغاني تكون مقبولة للإنسان. ولكن السؤال هنا: هل قد يصل الأمر إلى أن يصنع الذكاء الاصطناعي موسيقى لنفسه وبالتالي هو وحده الذي سيستمتع بها ويرددها إعجابا ثم يصبح لديه تراث وهوية موسيقية كما هو الحال عند البشر؟ ولمن سيعود تراث الموسيقى والغناء الصناعي للإنسان أم للذكاء الصناعي؟.

الأسئلة كثيرة ولكن، دعونا نتخيل ما قد يوفره الذكاء الاصطناعي في المستقبل من إمكانيات في مجالي التعليم والتوثيق ومساعدة المؤلفين الموسيقيين المحترفين والهواة في تحسين ومراجعة مؤلفاتهم واختصار الوقت الذي قد يستغرقه التأليف والتوزيع الموسيقي في الوقت الحاضر قبل التنفيذ والنشر. وفي مسألة التوثيق والتعليم يتطلب من الذكاء الاصطناعي إتقان مختلف اللغات الموسيقية ونظرياتها وهوياتها الثقافية وقوالبها الفنية وأساليب أدائها والقدرة على تصنيف الأنماط والأساليب حسب الأزمنة التاريخية، وربما كذلك استعادة أصوات المطربين أو أساليب أداء أشهر العازفين واستعمال الآلات الموسيقية ذات الصلة. من هنا هل سيكون بوسعنا بناءً على ما يتوفر لدينا من بيانات ومعلومات تعلمها الذكاء الاصطناعي استعادة لحن موسيقي يعود إلى القرون الوسطى في مدينة بغداد مثلا أو استشراف المستقبل؟ وهل يمكننا الاطلاع على ما قد تكون عليه الموسيقى في القرن الثاني والعشرين في مدينة مسقط على سبيل المثال؟.

وهنا أيضا مسألة جوهرية أخرى وهي أن هذا الذكاء سيتوجب عليه إتقان اللغات الموسيقية وهوياتها المختلفة عربية مثلا أو صينية وأوروبية وهندية من جهة، وتصنيف الألحان كذلك مثلا: رومانسية أو درامية أو حماسية أو غير ذلك. وقد يكون بوسعي وأنا في مدينة مسقط الحصول على نتائج من كل تلك أنواع الموسيقات وهوياتها الثقافية وربما حتى أطلب تأليف أغنية على لحن صيني بكلمات من العربية الشحرية أو الكمزارية أو بلهجة من ولاية السويق أو ولاية صور.

على كل حال الأمر يبدو ممتعا ومدهشا فعلا، ولكن أعتقد يتوجب علي في ختام مقالي هذا أن أدعو الله أن يوفق الذكاء الاصطناعي الذي قد لا يكون مؤمنا في إتمام هذه المهمة الموسيقية المعقدة لأنني قد أطلب منه تأليف أغنية تساند حقوق الشعب الفلسطيني في أرضهم الأم فلسطين ونشرها حول العالم مصورة فيديو كليب يعكس معاناة الشعب الفلسطيني دون أن يتعرض للحجب.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يعزز فريق عمل شركة دنماركية

في خطوة رائدة تمثل تحولاً نوعياً في بيئة العمل، استعانت شركة «رويال يونيبرو» الدنماركية بخمسة «زملاء» جدد ضمن قسم التسويق، ليسوا موظفين تقليديين، بل شخصيات افتراضية تم إنشاؤها بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتم تزويدهم بأسماء، ووجوه رقمية، وحتى عناوين بريد إلكتروني، ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من الفريق.
تقول ميخالا سفانه، مديرة قسم الخدمة في الشركة، لوكالة فرانس برس: «كبشر، نحن نتميّز بالإبداع، والتعاطف، وفهم عملائنا. ومن خلال التعاون مع الذكاء الاصطناعي، نحصل على دعم كبير في المهام الروتينية والبحث عن المعلومات، مما يتيح لنا التركيز على الجوانب الإبداعية والإنسانية في عملنا».
وبالتعاون مع شركة «مانيفولد إيه آي» «Manifold AI»، المتخصصة في حلول الذكاء الاصطناعي، قامت «رويال يونيبرو» بدمج خمسة وكلاء افتراضيين في فريقها، أُطلق عليهم أسماء تعكس أدوارهم، كونديكاي متخصص في العلامات التجارية، وأثينا محللة بيانات السوق، وبروميثيوس مسؤول جمع بيانات المبيعات، ومولر خبير تقديم الطعام، وإيلا مندوبة مبيعات.
 كانت هذه الشخصيات مجرد أدوات بلا هوية أو ملامح. لكن مع مرور الوقت، اكتسب كل «زميل» اسماً وشخصية فريدة وقصة وهوية بصرية، وأصبح بإمكانهم التفاعل يومياً مع الموظفين، وتلقي التدريب عبر تزويدهم بالبيانات والمعلومات.

أخبار ذات صلة التحدي الدولي للذكاء الاصطناعي يستقطب 3800 مشاركة من 125 دولة الخيال يخرج إلى الواقع.. "هولوجرام" يمكن لمسها وتحريكها! المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • كونسونتريكس تفتتح مختبرًا جديدًا للابتكار في الذكاء الاصطناعي بمراكش
  • الذكاء الاصطناعي يشخّص صحة الأسنان عن طريق الابتسامة
  • الاستثمار في عصر الذكاء الاصطناعي «استراتيجيات، فرص، وحوكمة»
  • OpenAI تطلق أحدث نسخة من نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-4.1
  • آبل تكشف خطتها لتطوير الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات المستخدمين
  • الذكاء الاصطناعي يعزز فريق عمل شركة دنماركية
  • الذكاء الاصطناعي.. رفيق في السفر
  • الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما
  • 6 طرق مبتكرة باستخدام الذكاء الاصطناعي للتفاعل مع الأطفال
  • محاكمة أشباح الذكاء الاصطناعي