لجريدة عمان:
2025-03-06@04:21:35 GMT

نوافذ: سقط القناع

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

إنّ أكثر ما يُروعنا ويهزنا الآن هو ذلك الشعور العميق بالخزي إزاء بسالة الفلسطينيين، ذلك التضاؤل والتقهقر النفسي أمام صور أطفالهم وتلك المقاطع المصورة التي تُرينا انعكاس خذلاننا لهم أكثر مما تُرينا هشاشتهم وموتهم اليومي، لا سيما وأنّنا نلعبُ باقتدار دور المتفرج في حلكة أيامهم بل سنواتهم وعقودهم الماضية، فيشعرُ كل عربي منا بخناجر مُسننة تطعنُ إنسانيته، ناهيك عن العروبة والقومية.

لكن أليس غريبا أنّ الفلسطينيين وفي كل مرّة ينفخون فيها الرماد عن جمر نضالهم المستعر، يبرق فينا أمل خافت؟ أليس غريبا أنّ كل ما يُثار عن تشرذمنا العربي، ينهارُ عندما تمسُ فلسطين بأذى؟ نحن الشعوب المكلومة والمتفجعة والمسيجة بالموت؟ أليس عجيبا أن تنبثق مياه وحدتنا من قلب فلسطين المحاصر؟ أليس من المذهل حقا لسان أطفالهم الحر الطليق وأفعالهم التي تُوقف شعر الرأس، بينما ترن القيود والأقفال في أقدامنا وألسنتنا المتعثرة بالكلام؟

ليس بالضرورة أن نحمل سلاحا لكي نقول إننا مع القضية، يمكن أن تمنح الشعوب العربية بلدانها تعليما رصينا، فهما أعمق لنقاط اشتراكنا العربي في الدين واللغة والجغرافيا والاقتصاد، إعلاما ناضجا في أطروحاته قادرا على تقديم صورتنا الإنسانية للآخر، فلسنا وحوشا متعطشة للدماء. لقد أخبرنا أمل دنقل من قبل أنّ أيدي العار تبقى بأصابعها الخمس مرسومة فوق الجباهِ الذليلة! «أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبّت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟ / هي أشياء لا تشترى».

من حسن حظنا أننا الآن في زمن الإعلام المتعدد، فلسنا رهن آلة إعلامية واحدة مسيّسة ومسمومة بالأكاذيب. تلك الآلة التي تقبض خناق الحقيقة وتشوهها، تلك التي لم نكن يوما جزءا من هيمنتها لندلي بشهادة مناقضة لما يدعون، فالإعلام المضلل لطالما لعب بمصائر الشعوب ومواقفها واصطفافاتها. ولذا لا ريب أن يتمّ تقديمنا باعتبارنا إرهابا بوهيميا. لقد انسل الإعلام الحديث قليلا من ربقة المركزية الغاشمة، صار بيد الأفراد أن يُغيروا بيادق اللعبة، رغم الأفعال المشينة المتعلقة بحجب المحتوى أو تقليص مشاهدته، فالصور التي خرجت من غزة ومقاطع الفيديو لن تُسكت الحقيقة وإن رغبوا. جزء كبير من حربنا، هي حرب الوعي، وتغيير الأفكار التي دأبت على شيطنتنا، كما فعل الإعلامي باسم يوسف بلغة ساخرة حين اخترق الحجب بلغتهم وبواسطة مفاتيح تخصهم، ففي الوقت الذي كان الإعلامي البريطاني بيريس مورغان ينتظر منه أن يُدين «حماس»، قلب باسم الطاولة عليه بكوميدياه السوداء. ولم يكن وحده من فعل، فلقد خرجت العديد من الأصوات من صمتها، بعضها كان من صفوف العدو.

عندما لا تدين مؤسسات المجتمع الدولي ما حدث في «غزة»، فذلك يعني أننا كعرب ومسلمين -على كثرتنا- نكرة ودماؤنا رخيصة. رغم أن الثمن باهظ الكلفة الذي دفعه الفلسطينيون لنصحو من سباتنا الطويل، كما يقول محمود درويش: «ذهبَ الذين تحبُّهم ذهبوا فإمَّا أن تكونْ أَو لا تكونْ، سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ، سقط القناعُ ولا أَحدْ إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ».

الأمر الذي يُذكرني مجددا بالمقالات التي تركها لنا المفكر الكيني الذي ينتمي إلى أصول عُمانية، علي المزروعي، في كتاب بعنوان: «براهمة العالم ومنبوذوه»، ت: أحمد المعيني، والتي رغم أنّ زمن كتابتها يعود إلى نهاية ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، إلا أنّها تتدفق في راهننا كأنّها قيلت للتو. ذهب المزروعي إلى أنّ فكرة التقدم تبرر تصنيف المجتمعات إلى «براهمة» و«منبوذين» فنحن سكان آسيا وإفريقيا ولأننا محكومون بتراجع الصناعة وبتراجع الاختراعات وبوفرة الأمية، تتراجع قيمتنا أمام العالم، فلسنا سوى أرقام لا تستدعي الالتفات في عداد الموت، لا ننتج ولا نُصدر سوى «الإرهاب». لذلك علينا ألا ننتظر الكثير، فـ«المساعدات الخيرية» هي أقصى ما يمكن أن يُقدمه البراهمة للمنبوذين، ليكونوا أكثر ولاءً لليد التي تمتد إليهم، وعليهم ألا ينتظروا أكثر من هذا إلى أن تقوم لهم قائمة. في ظرف استثنائي كهذا، يتمثل أهل «غزة» شعر دنقل ببسالة نادرة، نأمل ألا تذهب طيّ النسيان كما حدث في أوقات مضت، وألا تنخفض وتيرتها، فنصاب بالعمى، ونعود أدراجنا لسذاجة يومياتنا: «لا تصالح/ فليس سوى أن تريد/ أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد/ وسواك.. المسوخ!»

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل

مناطق "ج" هي أكبر مناطق الضفة الغربية في فلسطين، وظلت لسنوات مطمع أقصى اليمين الإسرائيلي. تشكلت مناطق "ج" وفق التقسيم الذي أفرزته اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، وتمثل 61% من مجموع أراضي الضفة.

تسيطر السلطات الإسرائيلية على الإدارة المدنية والأمنية في مناطق "ج"، الأمر الذي مكنها من استغلال المنطقة من أجل التوسع في مشاريعها الاستيطانية، والتضييق على التجمعات السكانية الفلسطينية.

تعمل إسرائيل على تقويض الظروف المعيشية للفلسطينيين داخل مناطق "ج" عبر منعهم من استغلال الأرض ومواردها، وحرمانهم من تراخيص البناء وعدم تمكينهم من إصلاح وترميم مساكنهم.

كما تخضع تنقلاتهم لنظام معقد من التصاريح والإجراءات الإدارية التي تقيد حركتهم، بفعل امتداد الجدار الفاصل والحواجز العسكرية والمتاريس المنتشرة على الطرق في كل مكان.

في ظل هذه الإجراءات المشددة، يعيش الفلسطينيون في مناطق "ج" حياة قاسية، إذ يحرمون من أبسط الحقوق، ويتعرضون لملاحقات متواصلة من قبل الاحتلال، الذي يفسح المجال بلا قيود للتوسع الاستيطاني.

الموقع

تقع مناطق "ج" في قلب الضفة الغربية وسط فلسطين، بالقرب من المسطح المائي الذي يشمل كلا من البحر الميت ونهر الأردن وبحيرة طبريا، وتمثل هذه المناطق حوالي 61% من المساحة الإجمالية للضفة الغربية، وتشمل أراضي متفرقة، يقع الجزء الأكبر منها في حدود المجالس المحلية والإقليمية للمستوطنات، وتمثل 70% من مجموع أراضي المنطقة.

إعلان

يحدها الأردن من الناحية الشرقية، بينما يحيط بها جدار إسمنتي يبلغ طوله 713 كيلومترا من باقي الجهات، وهو الجدار الذي تسميه إسرائيل "جدار منع العمليات الإرهابية"، وتطلق عليه الحكومة الفلسطينية "جدار الضم والتوسع"، وقد شرعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون ببنائه في 23 يونيو/حزيران 2002، على امتداد خط الهدنة لسنة 1949.

السكان

يبلغ عدد الفلسطينيين في مناطق "ج" نحو 354 ألفا، وفق تقديرات فلسطينية عام 2023، وهو ما يمثل 10% من الفلسطينيين في الضفة الغربية كلها، ويعيش ما يقارب 90% الآخرون في المناطق أ والمناطق ب.

إلى جانب الفلسطينيين، تضم مناطق "ج" -باستثناء القدس الشرقية– حوالي 386 ألفا من المستوطنين الإسرائيليين إلى حدود عام 2019.

تتولى ما تعرف في إسرائيل بـ"إدارة منطقة يهودا والسامرة" إدارة شؤون المستوطنين اليهود في مناطق "ج"، بينما يتم تدبير شؤون السكان الفلسطينيين من قبل المنسق الإسرائيلي للأنشطة الحكومية في تلك المناطق.

وفق تقرير صادر عن المجلس النرويجي للاجئين في مايو/أيار 2020، تمنع أنظمة التخطيط والتقسيم الإسرائيلية الفلسطينيين من البناء في حوالي 70% من مساحة مناطق "ج" (المناطق التي تدخل في حدود المجالس الإقليمية للمستوطنات)، في الوقت الذي تجعل فيه الحصول على تصاريح البناء في 30% المتبقية شبه مستحيل.

المجمعات السكنية الفلسطينية الواقعة في مناطق "ج" لا تتصل بشبكة المياه، مما يدفع السكان إلى اقتناء المياه المنقولة بالصهاريج، كما أن عمليات الهدم والطرد وحرمان الفلسطينيين من حقهم في السكن، تزيد من وطأة الفقر وقساوة الظروف المعيشية، وهو ما يجعلهم عرضة للتهجير.

التاريخ

ظهرت مناطق "ج" نتيجة لما يعرف بـ"اتفاقية طابا"، وهي اتفاقية مرحلية أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بشأن إدارة الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، جرت مباحثاتها في طابا بمصر ووقعت رسميا في واشنطن يوم 28 سبتمبر/أيلول 1995، واشتهرت بـ"اتفاقية أوسلو 2″ لكونها أحد ملحقاتها التفصيلية المهمة.

إعلان

قضى هذا الاتفاق بتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاث مناطق مميزة في الضفة الغربية وهي المناطق (أ) و(ب) و(ج)، وهي مناطق تفصل بينها حواجز ومستوطنات ومعسكرات لجيش الاحتلال، ولكل منطقة ترتيبات وسلطات أمنية وإدارية مختلفة عن الأخرى.

تخضع المناطق "أ" للسيطرة الفلسطينية بالكامل، وتمثل حوالي 21% من مساحة الضفة الغربية، وتتشكل من مناطق حضرية بشكل أساسي (مدن وبلدات؛ كالخليل، ورام الله، ونابلس، وطولكرم، وقلقيلية)، تكون فيها صلاحية حفظ الأمن الداخلي للفلسطينيين عبر انتشار دوريات تابعة لشرطة السلطة الفلسطينية في الشوارع.

في حين تخضع المناطق "ب"، التي تشكل ما يقارب من 18% من أراضي الضفة، لتدبير مدني فلسطيني وسيطرة أمنية إسرائيلية، وتتكون من ضواحي المدن والقرى المتاخمة للمراكز الحضرية الواقعة في المناطق "أ".

أما المناطق "ج" فتمثل 61% من مساحة الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي، وتشمل المستوطنات والطرق والمناطق الإستراتيجية.

وكان من المفترض -وفق ما نصت عليه اتفاقية أوسلو 2- أن يستمر هذا التقسيم خمس سنوات فقط، تمهيدا لإنشاء الدولة الفلسطينية بضم أراضي المنطقتين "ب" و"ج" لأراضي المناطق "أ"، غير أنه لا شيء من ذلك تحقق على أرض الواقع، بل بسط الاحتلال الإسرائيلي سيطرته الأمنية على المناطق "أ" مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.

موارد طبيعية في خدمة الاحتلال

تتميز مناطق "ج" بكونها من أغنى المناطق الفلسطينية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك مصادر المياه والمحميات الطبيعية، إذ تحتوي على معظم المراعي والأراضي الزراعية، إضافة إلى بعض الأماكن الأثرية.

تزخر مناطق "ج" بإمكانات كبيرة للتنمية الحضرية والنهضة الزراعية في الضفة الغربية، واستغلالها يمكن أن يساهم في تطوير الاقتصاد الفلسطيني وإنعاشه، إلا أن سياسات الاحتلال تمعن في حرمان الفلسطينيين من الاستفادة من هذه الموارد.

إعلان

تسيطر السلطات الإسرائيلية على مقومات الحياة الأساسية، وتستحوذ على حوالي 80٪ من مصادر المياه في الضفة الغربية، مما يحرم معظم الفلسطينيين في مناطق "ج" من الاتصال بشبكات المياه، كما أنها تعمل باستمرار على تقليص مساحات الأراضي الزراعية وتطويق المزارعين الفلسطينيين بـ"دواع أمنية".

في المقابل تشهد مناطق الأغوار والجزء الشمالي من البحر الميت تركيزا استيطانيا كثيفا، وتعمل السلطات الإسرائيلية على تيسير كل سبل استفادة المستوطنين من هذه الأراضي، التي تعد أخصب أراضي الضفة الغربية وأغناها بالمصادر المائية.

سياسة الهدم والتهجير

تمعن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في بسط سيطرتها على المناطق "ج" من خلال سن تشريعات واعتماد سياسات تهدف إلى ضمها والسيطرة عليها. فقد شهدت تلك المناطق في الفترة الممتدة ما بين 2010 و2025 سياسة مكثفة لهدم المنشآت وتهجير السكان.

وتركزت عمليات الهدم الإسرائيلية على مدى 15 عاما أساسا في مناطق "ج"، وإن اتسعت في عامي 2023 و2024 لتشمل مناطق "أ" و"ب".

ووفقا لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، للفترة بين 1 يناير/كانون الثاني 2010 و1 يناير/كانون الثاني 2025، فإن الاحتلال الإسرائيلي هدم نحو 8 آلاف و765 منشأة فلسطينية في مناطق "ج"، أغلبها بذريعة البناء دون ترخيص، منها 3107 منشآت زراعية و2025 مسكنا مأهولا ونحو 700 مسكن غير مأهول.

وتسببت عمليات الهدم في مناطق "ج" في تهجير قرابة 10 آلاف فلسطيني، وتضرر نحو 192 ألفا و548 آخرين، وفق الأمم المتحدة.

ووفق المعطيات ذاتها فقد طالت عمليات الهدم 400 منشأة في خربة طانا شرق نابلس، و211 منشأة في خربة حَمصة، و200 منشأة في تجمع أبو العجاج في الجِفتلك، و154 في خربة الرأس الأحمر، و148 في تجمع فصايل الوسطى، وجميعها في الأغوار.

كما شملت عمليات الهدم 146 منشأة في محافظة الخليل جنوبي الضفة، و142 في بلدة عناتا شمال شرق القدس، وتوزعت باقي المنشآت على باقي محافظات الضفة.

إعلان

وإجمالا طال الهدم 2197 منشأة في جميع مناطق الضفة (أ، ب، ج) منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 1 يناير/كانون الثاني 2025، تسببت عمليات الهدم في تهجير 5 آلاف و371 فلسطينيا، وتضرر نحو 535 ألفا آخرون.

وتركزت عمليات الهدم خارج مناطق "ج" في مخيم طولكرم وطالت 203 منشآت، ثم مخيم نور شمس وطالت 174 منشأة، يليه مخيم جنين وطالت 144 منشأة، وتوزعت باقي العمليات على باقي محافظات الضفة.

وفق تقارير الأمم المتحدة، فإن "معظم المباني التي يتم هدمها في الضفة الغربية يتم استهدافها بسبب عدم حصولها على تصاريح بناء صادرة عن الاحتلال، والتي يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول عليها بموجب قوانين وسياسات التخطيط والتصاريح التمييزية الإسرائيلية".

مقالات مشابهة

  • ما الذي يجعل القطايف مقرمشة؟‎
  • وزير الأوقاف: أعداء الشعوب يسعون لزرع الخلاف والانقسام
  • العراق يتلقى دعوة للمشاركة في أكسبو 2027 الذي ستنظمه صربيا
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • المرض الخبيث يتفشى .. فمتى تستفيق الشعوب العربية؟
  • سياسي إرتيري: اليمن كسر الهيمنة الأمريكية وأثبت قدرة الشعوب على المواجهة
  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • الدور المصري الذي لا غنى عنه
  • فنانون مصريون لـ البوابة نيوز: المشاركة في أيام الشارقة التراثية فرصة للتعرف على ثقافات الشعوب
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام