لجريدة عمان:
2025-01-03@12:15:11 GMT

نوافذ: سقط القناع

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

إنّ أكثر ما يُروعنا ويهزنا الآن هو ذلك الشعور العميق بالخزي إزاء بسالة الفلسطينيين، ذلك التضاؤل والتقهقر النفسي أمام صور أطفالهم وتلك المقاطع المصورة التي تُرينا انعكاس خذلاننا لهم أكثر مما تُرينا هشاشتهم وموتهم اليومي، لا سيما وأنّنا نلعبُ باقتدار دور المتفرج في حلكة أيامهم بل سنواتهم وعقودهم الماضية، فيشعرُ كل عربي منا بخناجر مُسننة تطعنُ إنسانيته، ناهيك عن العروبة والقومية.

لكن أليس غريبا أنّ الفلسطينيين وفي كل مرّة ينفخون فيها الرماد عن جمر نضالهم المستعر، يبرق فينا أمل خافت؟ أليس غريبا أنّ كل ما يُثار عن تشرذمنا العربي، ينهارُ عندما تمسُ فلسطين بأذى؟ نحن الشعوب المكلومة والمتفجعة والمسيجة بالموت؟ أليس عجيبا أن تنبثق مياه وحدتنا من قلب فلسطين المحاصر؟ أليس من المذهل حقا لسان أطفالهم الحر الطليق وأفعالهم التي تُوقف شعر الرأس، بينما ترن القيود والأقفال في أقدامنا وألسنتنا المتعثرة بالكلام؟

ليس بالضرورة أن نحمل سلاحا لكي نقول إننا مع القضية، يمكن أن تمنح الشعوب العربية بلدانها تعليما رصينا، فهما أعمق لنقاط اشتراكنا العربي في الدين واللغة والجغرافيا والاقتصاد، إعلاما ناضجا في أطروحاته قادرا على تقديم صورتنا الإنسانية للآخر، فلسنا وحوشا متعطشة للدماء. لقد أخبرنا أمل دنقل من قبل أنّ أيدي العار تبقى بأصابعها الخمس مرسومة فوق الجباهِ الذليلة! «أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبّت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟ / هي أشياء لا تشترى».

من حسن حظنا أننا الآن في زمن الإعلام المتعدد، فلسنا رهن آلة إعلامية واحدة مسيّسة ومسمومة بالأكاذيب. تلك الآلة التي تقبض خناق الحقيقة وتشوهها، تلك التي لم نكن يوما جزءا من هيمنتها لندلي بشهادة مناقضة لما يدعون، فالإعلام المضلل لطالما لعب بمصائر الشعوب ومواقفها واصطفافاتها. ولذا لا ريب أن يتمّ تقديمنا باعتبارنا إرهابا بوهيميا. لقد انسل الإعلام الحديث قليلا من ربقة المركزية الغاشمة، صار بيد الأفراد أن يُغيروا بيادق اللعبة، رغم الأفعال المشينة المتعلقة بحجب المحتوى أو تقليص مشاهدته، فالصور التي خرجت من غزة ومقاطع الفيديو لن تُسكت الحقيقة وإن رغبوا. جزء كبير من حربنا، هي حرب الوعي، وتغيير الأفكار التي دأبت على شيطنتنا، كما فعل الإعلامي باسم يوسف بلغة ساخرة حين اخترق الحجب بلغتهم وبواسطة مفاتيح تخصهم، ففي الوقت الذي كان الإعلامي البريطاني بيريس مورغان ينتظر منه أن يُدين «حماس»، قلب باسم الطاولة عليه بكوميدياه السوداء. ولم يكن وحده من فعل، فلقد خرجت العديد من الأصوات من صمتها، بعضها كان من صفوف العدو.

عندما لا تدين مؤسسات المجتمع الدولي ما حدث في «غزة»، فذلك يعني أننا كعرب ومسلمين -على كثرتنا- نكرة ودماؤنا رخيصة. رغم أن الثمن باهظ الكلفة الذي دفعه الفلسطينيون لنصحو من سباتنا الطويل، كما يقول محمود درويش: «ذهبَ الذين تحبُّهم ذهبوا فإمَّا أن تكونْ أَو لا تكونْ، سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ، سقط القناعُ ولا أَحدْ إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ».

الأمر الذي يُذكرني مجددا بالمقالات التي تركها لنا المفكر الكيني الذي ينتمي إلى أصول عُمانية، علي المزروعي، في كتاب بعنوان: «براهمة العالم ومنبوذوه»، ت: أحمد المعيني، والتي رغم أنّ زمن كتابتها يعود إلى نهاية ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، إلا أنّها تتدفق في راهننا كأنّها قيلت للتو. ذهب المزروعي إلى أنّ فكرة التقدم تبرر تصنيف المجتمعات إلى «براهمة» و«منبوذين» فنحن سكان آسيا وإفريقيا ولأننا محكومون بتراجع الصناعة وبتراجع الاختراعات وبوفرة الأمية، تتراجع قيمتنا أمام العالم، فلسنا سوى أرقام لا تستدعي الالتفات في عداد الموت، لا ننتج ولا نُصدر سوى «الإرهاب». لذلك علينا ألا ننتظر الكثير، فـ«المساعدات الخيرية» هي أقصى ما يمكن أن يُقدمه البراهمة للمنبوذين، ليكونوا أكثر ولاءً لليد التي تمتد إليهم، وعليهم ألا ينتظروا أكثر من هذا إلى أن تقوم لهم قائمة. في ظرف استثنائي كهذا، يتمثل أهل «غزة» شعر دنقل ببسالة نادرة، نأمل ألا تذهب طيّ النسيان كما حدث في أوقات مضت، وألا تنخفض وتيرتها، فنصاب بالعمى، ونعود أدراجنا لسذاجة يومياتنا: «لا تصالح/ فليس سوى أن تريد/ أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد/ وسواك.. المسوخ!»

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بحلول شهر رجب والعام الجديد

هنأ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بمناسبة حلول شهر رجب من التقويم الهجري المبارك، وبالعام الميلادي الجديد ٢٠٢٥، راجيًا أن يكون الشهر الكريم فاتحةً للخير والرضا من الله عز وجل، وأن يكون العام الميلادي الجديد بابًا للخير والتوفيق على فخامته وعلى مصرنا الحبيبة.

وتوجّه الوزير بالدعاء إلى الله -عز وجل- أن يجعل رجب الفردَ والعام الجديد استمرارًا لجهود النماء والاستقرار في ربوع مصر، وأن يكتب فيهما أجمل التوفيق وأعظمه لكل المصريين في سبيل خدمة الوطن ورفعته.

كما أعرب الوزير عن خالص رجائه أن يكون انتصاف العام الهجري وحلول العام الميلادي الجديد مبشرات بذيوع الأمن والسلام في العالم أجمع، وأن تسعد فيهما كل الشعوب المحبة للسلام بحياة هانئة وعيش رغيد؛ وأن تسود فيهما روح المحبة والتعاون والسلام بين الشعوب، وأن تظل مصر -قيادة وشعبًا- واحة للسلام والأمان والتنمية.

مقالات مشابهة

  • المنظمة العربية لحقوق الإنسان تدين الاعتداء الإرهابي بنيو أورلينز
  • بهجلي يلتقي وفدا زار زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان (شاهد)
  • توت عنخ آمون.. وحملات التشكيك
  • ‏زيف القوة أمام صمود الشعوب وإرادة الحق
  • حراك سياسي في تركيا بعد إشارات إيجابية من الزعيم الكردي أوجلان
  • نساء أفغانستان مع العام الجديد.. طالبان تقرر إنشاء المباني بدون نوافذ لإخفاء المرأة تمامًا!
  • المنطقة العربية وعام غارق بتوترات سياسية واجتماعية
  • وزير الأوقاف يهنئ "السيسي" بحلول شهر رجب المبارك والعام الجديد
  • وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بحلول شهر رجب والعام الجديد
  • طالبان والحريات.. الحركة تسوّر نوافذ المنازل المطلة على الشارع لمنع التلصص على النساء في البيوت