لجريدة عمان:
2024-09-30@16:46:20 GMT

نوافذ: سقط القناع

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

إنّ أكثر ما يُروعنا ويهزنا الآن هو ذلك الشعور العميق بالخزي إزاء بسالة الفلسطينيين، ذلك التضاؤل والتقهقر النفسي أمام صور أطفالهم وتلك المقاطع المصورة التي تُرينا انعكاس خذلاننا لهم أكثر مما تُرينا هشاشتهم وموتهم اليومي، لا سيما وأنّنا نلعبُ باقتدار دور المتفرج في حلكة أيامهم بل سنواتهم وعقودهم الماضية، فيشعرُ كل عربي منا بخناجر مُسننة تطعنُ إنسانيته، ناهيك عن العروبة والقومية.

لكن أليس غريبا أنّ الفلسطينيين وفي كل مرّة ينفخون فيها الرماد عن جمر نضالهم المستعر، يبرق فينا أمل خافت؟ أليس غريبا أنّ كل ما يُثار عن تشرذمنا العربي، ينهارُ عندما تمسُ فلسطين بأذى؟ نحن الشعوب المكلومة والمتفجعة والمسيجة بالموت؟ أليس عجيبا أن تنبثق مياه وحدتنا من قلب فلسطين المحاصر؟ أليس من المذهل حقا لسان أطفالهم الحر الطليق وأفعالهم التي تُوقف شعر الرأس، بينما ترن القيود والأقفال في أقدامنا وألسنتنا المتعثرة بالكلام؟

ليس بالضرورة أن نحمل سلاحا لكي نقول إننا مع القضية، يمكن أن تمنح الشعوب العربية بلدانها تعليما رصينا، فهما أعمق لنقاط اشتراكنا العربي في الدين واللغة والجغرافيا والاقتصاد، إعلاما ناضجا في أطروحاته قادرا على تقديم صورتنا الإنسانية للآخر، فلسنا وحوشا متعطشة للدماء. لقد أخبرنا أمل دنقل من قبل أنّ أيدي العار تبقى بأصابعها الخمس مرسومة فوق الجباهِ الذليلة! «أترى حين أفقأ عينيك/ ثم أثبّت جوهرتين مكانهما/ هل ترى؟ / هي أشياء لا تشترى».

من حسن حظنا أننا الآن في زمن الإعلام المتعدد، فلسنا رهن آلة إعلامية واحدة مسيّسة ومسمومة بالأكاذيب. تلك الآلة التي تقبض خناق الحقيقة وتشوهها، تلك التي لم نكن يوما جزءا من هيمنتها لندلي بشهادة مناقضة لما يدعون، فالإعلام المضلل لطالما لعب بمصائر الشعوب ومواقفها واصطفافاتها. ولذا لا ريب أن يتمّ تقديمنا باعتبارنا إرهابا بوهيميا. لقد انسل الإعلام الحديث قليلا من ربقة المركزية الغاشمة، صار بيد الأفراد أن يُغيروا بيادق اللعبة، رغم الأفعال المشينة المتعلقة بحجب المحتوى أو تقليص مشاهدته، فالصور التي خرجت من غزة ومقاطع الفيديو لن تُسكت الحقيقة وإن رغبوا. جزء كبير من حربنا، هي حرب الوعي، وتغيير الأفكار التي دأبت على شيطنتنا، كما فعل الإعلامي باسم يوسف بلغة ساخرة حين اخترق الحجب بلغتهم وبواسطة مفاتيح تخصهم، ففي الوقت الذي كان الإعلامي البريطاني بيريس مورغان ينتظر منه أن يُدين «حماس»، قلب باسم الطاولة عليه بكوميدياه السوداء. ولم يكن وحده من فعل، فلقد خرجت العديد من الأصوات من صمتها، بعضها كان من صفوف العدو.

عندما لا تدين مؤسسات المجتمع الدولي ما حدث في «غزة»، فذلك يعني أننا كعرب ومسلمين -على كثرتنا- نكرة ودماؤنا رخيصة. رغم أن الثمن باهظ الكلفة الذي دفعه الفلسطينيون لنصحو من سباتنا الطويل، كما يقول محمود درويش: «ذهبَ الذين تحبُّهم ذهبوا فإمَّا أن تكونْ أَو لا تكونْ، سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ، سقط القناعُ ولا أَحدْ إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ».

الأمر الذي يُذكرني مجددا بالمقالات التي تركها لنا المفكر الكيني الذي ينتمي إلى أصول عُمانية، علي المزروعي، في كتاب بعنوان: «براهمة العالم ومنبوذوه»، ت: أحمد المعيني، والتي رغم أنّ زمن كتابتها يعود إلى نهاية ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، إلا أنّها تتدفق في راهننا كأنّها قيلت للتو. ذهب المزروعي إلى أنّ فكرة التقدم تبرر تصنيف المجتمعات إلى «براهمة» و«منبوذين» فنحن سكان آسيا وإفريقيا ولأننا محكومون بتراجع الصناعة وبتراجع الاختراعات وبوفرة الأمية، تتراجع قيمتنا أمام العالم، فلسنا سوى أرقام لا تستدعي الالتفات في عداد الموت، لا ننتج ولا نُصدر سوى «الإرهاب». لذلك علينا ألا ننتظر الكثير، فـ«المساعدات الخيرية» هي أقصى ما يمكن أن يُقدمه البراهمة للمنبوذين، ليكونوا أكثر ولاءً لليد التي تمتد إليهم، وعليهم ألا ينتظروا أكثر من هذا إلى أن تقوم لهم قائمة. في ظرف استثنائي كهذا، يتمثل أهل «غزة» شعر دنقل ببسالة نادرة، نأمل ألا تذهب طيّ النسيان كما حدث في أوقات مضت، وألا تنخفض وتيرتها، فنصاب بالعمى، ونعود أدراجنا لسذاجة يومياتنا: «لا تصالح/ فليس سوى أن تريد/ أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد/ وسواك.. المسوخ!»

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: العدوان الصهيوني على الحديدة محاولة فاشلة تستنكرها الشعوب العربية

يمانيون – متابعات
أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأشد العبارات القصف الصهيوني الجديد الغادر على مناطق ومنشآت مدنية في منطقة الحديدة.. معتبرة ذلك حلقة جديدة في سلسلة الجرائم الواسعة التي يواصل الكيان الصهيوني ارتكابها ضد الشعوب العربية، بدءاً من غزة وصولاً إلى لبنان وسوريا، ومن ثم اليمن.

وقالت الجبهة الشعبية في بيان لها اليوم الأحد: إن هذا العدوان محاولة بائسة من كيان الاحتلال للتغطية على فشله الذي مُني به في وقف الضربات النوعية التي نفذها أبطال اليمن في عمق الكيان الصهيوني.

وأكدت أنه لا يمكن للعدو الصهيوني تنفيذ مثل هذا القصف الواسع لليمن دون مساعدة ودعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي توفر له الغطاء السياسي والعسكري للاستمرار في هذه الجرائم الواسعة، كما لا يمكن إغفال الدور المشبوه لبعض الأنظمة العربية الرجعية التي توفر دعم لوجستي لكيان الاحتلال لارتكاب هذه الجرائم.

وعبرت عن ثقتها الكاملة بأن هذا العدوان الصهيوني لم ولن يكسر إرادة وعزيمة اليمن وأن رد القوات المسلحة اليمنية سيكون قاسياً وموجعاً وفي العمق الصهيوني مثل كل مرة، كما لن ينجح هذا العدوان في وقف دور اليمن الإسنادي مع المقاومة في غزة ولبنان. عناوين قوية

مقالات مشابهة

  • توقيف رجل بالسويد حطم نوافذ في السفارة المغربية
  • أحمد الطيبي … يمكن اغتيال شخص أو فرد ولكن لا يمكن اغتيال الشعوب
  • أحمد الطيبي: يمكن اغتيال شخص أو فرد ولكن لا يمكن اغتيال الشعوب
  • إدانات دولية للهجوم الإرهابي في مقديشو الذي أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصًا
  • "الجهاد": العدوان على اليمن سلسة من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعوب
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: العدوان الصهيوني على الحديدة محاولة فاشلة تستنكرها الشعوب العربية
  • يسرا: «الفن اللغة الوحيدة لتوحيد الشعوب بس لو استخدمناه صح»
  • الجماعات المسلّحة كابوس الشعوب
  • مفكران عراقيان: معرض الرياض الدولي للكتاب من أهم نوافذ الثقافة العربية
  • وزير الخارجية الإسرائيلي عن إغتيال نصرالله: أكثر الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل تبريراً