نجحتِ القاهرة في جذب جميع الأطراف إلى مؤتمر القاهرة للسلام في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع، وبينما كانت إسرائيل تريد أن تفرض أسلوبها بقتل المدنيين، وانتهاك القوانين الدولية، ونشر الأكاذيب، ثم تقدم نفسها على أنها واحة الحضارة في المنطقة، وأن الفلسطينيين والعرب مجرد همج وبرابرة وحيوانات بشرية، كان وجه القاهرة المتحضر يطل على العالم، ويطالبهم بطريق السلام وإنقاذ المدنيين، واحترام القوانين الدولية التي توافَق عليها كل العالم.
وفي هذا الإطار، حشدتِ القاهرة مؤتمر السبت للسلام، الذي حضره أكثر من 30 ملكًا ورئيسًا ورئيس وزراء ووزير داخلية، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وأمين جامعة الدول العربية، ومفوض الاتحاد الإفريقي، وممثل الاتحاد الأوروبي، والجميع تحدث بصراحة مطلقة حول السلام، وفلسطين، والقوانين الدولية، وهي المفردات التي تعمدت إسرائيل ومِن ورائها أمريكا أن تجعلها في طي النسيان، وأن تشطبها من ذاكرة الشعوب والأمم.
القاهرة إذًا، أعادت إحياء عملية السلام من جديد، وبثت فيها الروح بعد أن ظن الجميع أن لا سلام في المنطقة، وأن الصراع والحرب هو قدرها.. صحيح أن دولة العدوان الإسرائيلي تقوم بأبشع عملية إبادة في تاريخ البشرية، وبمساندة أمريكية وغربية، إلا أن الحق في الحياة والوجود والحرية وتقرير المصير سيجد حتمًا أنصارًا في قلب الإدارة الأمريكية وشعوب العالم الحر. وليس مصادفة أن يتوافق مؤتمر السلام لدعم ونصرة الشعب الفلسطيني مع تحركات الشارع المصري والعربي والدولي، حيث اتحدتِ الشعوب في كل العالم تطالب بوقف العدوان وتحرير فلسطين، وإدانة إسرائيل.
وقد عكستِ القاهرة بمؤتمرها الذي حضره معظم الفاعلين في العالم دورَها المحوري باعتبارها صاحبة الكلمة العليا في قضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية.. فلا يمكن تجاوز القاهرة، ولا يمكن فتح ممرات أو اختراقات داخل جدار القضية دون المرور من بوابة القاهرة.
كان مؤتمر السلام مباراة بين فريقين، فريق تقوده فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهو يتبنى تقريبًا وجهة النظر الإسرائيلية بل ويزايد عليها أحيانًا، ولكنه لم يستطعِ في المؤتمر أن يطالب بحماية المدنيين الفلسطينيين، وهم الذين تم تغييبهم تحت نيران الثأر والحقد الأعمى الذي تبثه الجيوش الإسرائيلية.. في مواجهة هذا الشعب الصامد العظيم، الذي يرفض أن يخرج من أرضه على الرغم من استخدام أنواع القنابل المحرمة دوليًّا والصواريخ المدمِّرة التي هدمتِ البيوت على سكانها.
هذا الشعب الذي أذهل شعوب العالم بصموده وهو يشيِّع أحباءه على مدار الساعة، ويرفض الخروج من أرضه، كتب في سجل التاريخ أن الظلم والطغيان وتحالف الجبابرة يمكن أن تهزمه الإرادة حتى لو كانت بضعفاء محاصَرين منذ العام 2006، وقد قُطعت عنهم المياه والكهرباء والدواء والطعام، وحُبست أنفاسهم تحت أنقاض منازلهم، ويكتب التاريخ أيضًا أن المقاومة الفلسطينية قد أعادت ضخ الدماء من جديد في شرايين وأوردة العرب الذين ماتوا سريريًّا منذ زمن بعيد، وأصبحوا مسخًا يشجع الصهاينة على ممارسة الطغيان والابتزاز ضدهم.
روح المقاومة إذًا، وروح مؤتمر القاهرة، هما فقط اللذان يمكن الإشارة إلى أنهما على قيد الحياة، ويمكن التأكيد على أنهما القاطرة التي يمكن أن تحرك هؤلاء المرتعدين والخائفين، والمشغولين بالبحث عن التخفي من الرعب الصهيوني تارة، ومن شعوبهم تارة أخرى.
ويبقى أن مؤتمر القاهرة للسلام لم يُعِدِ القضية الفلسطينية إلى الواجهة فقط، ولكنه أيضًا كان واجهة حضارية من حيث المكان الذي عُقد فيه، وأبهر العالم برقيه وتنظيمه، ومن حيث مواجهة هؤلاء الذين يدَّعون الحرية، ويقبلون بإبادة شعب يبحث فقط عن حقه في الوجود والدولة المستقلة التي أقرها القانون وقرارات مجلس الأمن.. دولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
حزب الله: استهداف المدنيين يكشف الوجه القبيح لأمريكا
ورأى الحزب في بيان أن هذا العدوان يأتي في محاولة يائسة لثني هذا الشعب الأبي عن مواصلة مساندته البطولية للشعب الفلسطيني، واستمرار ضغطه لرفع الحصار الجائر عن غزة لإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وقال البيان: إنّ استهداف المدنيين والمنشآت الحيوية في اليمن يكشف مجدّدًا عن الوجه الحقيقي والقبيح للإدارة الأمريكية، التي تمارس الإرهاب والبلطجة بحق الشعوب المناهضة لسياستها الاستكبارية في المنطقة والعالم.
وأضاف " أن هذا العدوان الهمجي يُعد جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية، ويتلاقى مع ما تتعرض له غزة ولبنان وسوريا والمنطقة من عدوان إسرائيلي بغطاء أميركي.
وشدد حزب الله على "أن الشعب اليمني المقاوم، الذي سطّر بدماء شهدائه ملاحم بطولية في دعم القضية الفلسطينية ومساندة غزة المحاصرة، وبمواقف قيادته الحكيمة والشجاعة، لن يتراجع أمام هذا العدوان الجبان، بل سيواصل دوره المشرف في الدفاع عن قضايا الأمة، ولن يزيده ذلك إلا إصراراً وثباتاً رغم استمرار الحصار الظالم عليه".
وأكد حزب الله التضامن " الكامل مع اليمن العزيز الشجاع، قيادةً وشعبًا"، داعيا "جميع شعوب العالم الحرة، وكل قوى المقاومة في منطقتنا والعالم، إلى التكاتف والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة المشروع الأمريكي – الصهيوني الذي يستهدف دول وشعوب أمتنا، مطالبا "برفع الصوت عاليًا أمام الصمت العربي والدولي، وعجز المؤسسات الدولية المستسلمة للإدارة الأمريكية الجائرة".