جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-23@12:19:35 GMT

تجليات الغثائية

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

تجليات الغثائية

 

د. عبدالله الغيلاني

للأزمات الكبرى جوانب مضيئة كما أن لها جوانب مُظلمة، ولها تعبيرات نافعة رغم حمولتها من العذابات والآلام، وليست محنة غزة بدعاً من ذلك. والمحن الكبرى في تاريخ الأمم لها وظيفتان: الكشف والإنشاء!

فهي، من جهة، تكشف مواطن الضعف وتُنبئ عن مواضع العجز وتضيء مساحات الوهن التي بقيت حينًا من الدهر مناطق مُعتمة، ولكنها- أي الأزمات- في الوقت ذاته تهدم واقعًا وتنشئ على أنقاضه واقعًا مغايرًا، ويتخلق ذلك الواقع الناشئ أولًا في العقل الجمعي حتى إذا بلغ أشده واستوى تحول إلى فعل على الأرض، ولا يزال يعلو حتى يغدو مشروعا مكتمل الشروط.

غزة اليوم، بصرخات أطفالها وأوجاع شيوخها وشموخ رجالها وصمود شبابها، تكشف لنا ثلاث حقائق:

درجة متقدمة من الوعي السياسي والأصالة الوحدانية بلغتها الأمة في مجموعها. تفشي حركة النفاق وامتلاكها لأدوات التأثير. مستويات الغثائية السياسية؛ أي تلك التي بلغتها النظم السياسية الرسمية، وخاصة النظام العربي!!

حديثي في هذه المساحة عن الحقيقة الثالثة، وهي في ذاتها ليست جديدة، ولكن الجديد انكشاف دركات الانحدار التي بلغتها، فقد لامست القاع أو كادت. حتى على مستوى الخطاب السياسي بدت مترهلة واهنة، أما على مستوى الفعل والتأثير فقد هوت إلى قاع سحيق.

ليست هذه الغثائية وليدة البارحة؛ بل هي ضاربة الأطناب، عميقة الجذور، بعيدة الغور، فمنذ سقوط الخلافة الراشدة وسكوت الأمة عن ذلك التحول المريع من الحكم الرشيد إلى الملك العاض ثم الملك الجبري الذي تمثله الدولة الوطنية الراهنة، والغثائية تفتك بالمجتمعات المسلمة؛ إذ أدى ذلك الانقلاب على الحكم الراشد إلى تعطيل مقررات الشرع وإخراج الأمة من معادلة الحكم، والاستبداد بالأمر دونها والتحكم في مصيرها التاريخي.

نحن أمام حالة متجذرة من الخزي قلّ نظيرها في تاريخ المسلمين: شعب مسلم واقع تحت نيران تزداد كثافتها في كل ساعة وتحصد أعدادًا من أنفس بريئة، تستغيث ولا مغيث، وتستنجد ولا مجيب، ونستنصر ولا نصير!! وفي الطرف الآخر من المعادلة نظام عربي قد أصابه العطب وتفشت الغثائية في كل مفاصله، بل تجرد حتى من الحس الإنساني وأضحى بليدًا مقعدًا!!

ليت هؤلاء يعلمون أن إجلاء يهود بني قينقاع كان بسبب امرأة مسلمة اعتدوا عليها في سوقهم، وأن فتح مكة كان بسبب نفر من خزاعة اشتركت قريش في قتلهم غدرًا، وأن النبي-صلى الله عليه وآله- جرد جيشًا لحرب الروم ونصارى العرب في مؤتة لمّا قُتل رجل واحد من أصحابه (الحارث بن عمير الأزدي)!! ولكن أنىّ لهم أن يعلموا!!

هل من شيء يفعلونه إن هم عجزوا عن الفعل العسكري (وليسوا بعاجزين)؟

أدوات الحرب عديدة، وهم يمتلكون كثيرًا منها، ولكن مع الوهن والخور وغياب القصد، فإن تلك الأدوات لا تغني شيئا. حزمة من الخيارات الجيوستراتيجية يسعهم اللجوء إليها لوكانوا صادقين: دعم المقاومة، إدخال المعونات الغذائية والطبية إلى غزة قسرًا دون الالتفات إلى مواقف العدو، وتجميد العلاقة مع الولايات المتحدة أوالتهديد بذلك، وتجميد الشراكات التجارية مع داعمي إسرائيل.

لا يحسبن أحد أنه بمنأى عن تبعات هذه الغثائية، فما يجري لأهل غزة هو أنموذج للمُكن التاريخي؛ فالمعادلة واحدة وذات المقدمات تفرز ذات النتائج!

وما لم تغادر الأمة مرحلة الغثائية هذه فإنَّ سلسلة فواجعها لن تقف عند الحرب على غزة، واستذكر إن شئت سقوط بغداد أمام آلة التدمير المغولي وسقوط الأندلس-حاضرة الدنيا- أمام سنابك خيل الفرنجة، وردد إن شئت مرثية أبي البقاء الرندي:

لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ // إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ذكرى الشهيد.. محطة سنوية لاستلهام الدروس والعبر من تضحيات الشهداء

الثورة نت../

على نطاق واسع وعلى كافة المستويات الرسمية والشعبية أحيا أبناء الشعب اليمني بكل فخر واعتزاز الذكرى السنوية للشهيد كمحطة سنوية يستلهمون منها القوة والعزيمة والإصرار على المضي قدماً على نهج الشهداء العظماء والانتصار للمبادئ والغايات التي ضحوا من أجلها.

أتت الذكرى السنوية للشهيد هذا العام والشعب اليمني يواصل إلى جانب الشعوب الحرة خوض معركة تاريخية في مواجهة أكثر الأعداء خطورة على الأمة وعلى الإنسانية جمعاء، نصرة وإسنادا للشعبين الفلسطيني واللبناني وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان الذين يقفون بكل عنفوان وصبر في وجه آلة القتل والإجرام الصهيوني الأمريكي رغم ما يتعرضون له من إبادة وتجويع وجرائم لم يسبق حدوثها على مر التاريخ، إلا أنهم لم يسمحوا للعدو بتحقيق أي من أهدافه التي أعلن عنها في بداية عدوانه الإجرامي على غزة.

لم يعد خافيا أن معركة “طوفان الأقصى” الأسطورية قد قلبت الموازين وزلزلت الكيان الصهيوني وجعلته أكثر يقينا من أي وقت مضى باقتراب نهايته المحتومة، ويدرك أن الدعم الأمريكي لن يكون ذي جدوى في حمايته بعد أن عجز عن حماية سفنه وحاملات طائراته التي ظل يرعب العالم بها، قبل أن يجبرها اليمنيون على الفرار والتي كان آخرها حاملة الطائرات “إبراهام لينكولن”.

تبلور موقف اليمن الواضح والجلي المنحاز لقضية الأمة المركزية فلسطين والمنسجم مع كافة القيم والمبادئ الإيمانية والأخلاقية والإنسانية، وذلك منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023م، عندما أعلنت القيادة اليمنية ممثلة بالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي عن مشاركة اليمن بشكل مباشر في معركة الأمة المفصلية.

ورغم محاولات أدوات أمريكا وإسرائيل عبثا التقليل من فاعلية الموقف اليمني، إلا العدو الأمريكي والصهيوني يدركان ويعترفان بتأثير العمليات البطولية المتواصلة للقوات المسلحة اليمنية سواء تلك المنفذة بالطائرات المسيرة أو الصواريخ الباليستية، والتي تصل إلى الأهداف الحيوية للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، إلى جانب نجاح القوات المسلحة اليمنية في فرض حصار بحري على الكيان الصهيوني وتكبيده خسائر اقتصادية باهظة.

ومما زاد تفاعل الشعب اليمني مع هذه المناسبة أنها جاءت وقد زفت الأمة كوكبة من قادتها العظماء الذين ارتقوا شهداء على طريق القدس دفاعا عن مظلومية الشعب الفلسطيني الشقيق والمقدسات الاسلامية وعلى رأسهم شهيد الأمة والإنسانية القائد الكبير سماحة السيد حسن نصر الله، والقائد الشهيد إسماعيل هنية والقائد المجاهد البطل يحيى السنوار، والسيد هاشم صفي الدين وغيرهم من القادة الذين ظلوا في يقاتلون العدو ويتقدمون الصفوف حتى نالوا مبتغاهم وفازوا بشرف الشهادة في سبيل الله، وهي الخاتمة العظيمة، التي لطالما تمنوها خلال مسيرتهم الحافلة بالجهاد وحمل راية الاسلام وبعد أن حقق الله على أيديهم وأيدي رفاقهم المجاهدين الإنجازات والانتصارات العظيمة والخالدة.

لم يكن للملاحم البطولية والانتصارات العظيمة التي سطرها ويسطرها المجاهدون لتتحقق لولا ثقافة الجهاد والاستشهاد التي يحملونها كعقيدة راسخة جعلت منهم أيقونة في الفداء والتضحية وأكثر تعطشا للتنكيل بقطعان الصهاينة الذين عاثوا الفساد على أرض فلسطين ولبنان وأهلكوا الحرث والنسل وقتلوا وشردوا عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين.

من هذا المنطلق تبرز أهمية الشهادة وأثرها على الأمة، ويتجلى حرص اليمنيين قيادة وشعبا على إحياء هذه المناسبة العظيمة على أوسع نطاق وفاء لمن قدموا التضحيات الجسام وجادوا بأرواحهم من أجل مبادئ وقيم عظيمة على طريق الحق والعدل، وانتصارا لمظلومية الشعوب المعتدى عليها وحقها في الحرية والاستقلال والانعتاق من هيمنة قوى الشر والطغيان والإجرام.

وفي خطاباته بهذه المناسبة يصف قائد الثورة الذكرى السنوية للشهيد بأنها محطة سنوية تربوية وتعبوية وتوعوية لتخليد وتمجيد الشهداء العظماء وما اجترحوه من ملاحم ومآثر بطولية صنعوا من خلالها المجد لبلدهم وأمتهم ليمنعوا عنها الباطل والظلم والضلال الذي يترصدها.

كما تكمن أهميتها وفقا للسيد القائد في التعريف بموقف الحق والمسؤولية التي حملها الشهداء على عاتقهم عندما انطلقوا لساحات البطولة والفداء للتصدي لقوى الطغيان والبغي والفساد، وهو الموقف والمسؤولية التي ينبغي على الجميع تحملها للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

ومن الأهداف الأسمى لذكرى الشهداء أيضا التبجيل والتقديس والتعظيم لأجزل عطاء وأشرف تضحية وهو عطاء الشهداء، واستلهام معاني العزة وكل ما يعزز الصمود والثبات في مواجهة الأعداء والطغاة المستكبرين.

كما تكتسب هذه الذكرى أهمية بالغة في لفت الأنظار إلى أسر الشهداء ومسؤولية الجميع تجاههم، فضلا عن الحديث عن قدسية الشهادة ومفهومها وفقا لما قدمه القرآن الكريم، والصلة الوثيقة لذلك المفهوم بحياة الأمة وعزتها.

ومن خلال إحياء هذه المناسبة يعبر اليمنيون عن الاجلال لكافة الشهداء الذين وقفوا بكل قوة وشجاعة في وجه الطغاة المستكبرين سواء في اليمن أو فلسطين ولبنان، ولجميع أسر الشهداء على ما قدمته من تضحيات وبذل وعطاء، كما يجددون العهد لقيادتهم ولكل أسر الشهداء بأنهم سيواصلون السير على نفس الدرب حتى تتحقق كل الغايات التي ضحوا من أجلها.

سبأ

مقالات مشابهة

  • «الأمة القومي»: بيان الرئاسة غير صحيح وإعفاء «كُتر» تم بسبب مخالفات واضحة
  • ثمار الشهادة في سبيل الله
  • مسيرة تضامنية في لحج مع فلسطين ولبنان
  • ذكرى الشهيد.. محطة سنوية لاستلهام الدروس والعبر من تضحيات الشهداء
  • مسيرات حاشدة في الضالع دعماً وإسناد لغزة ولبنان
  • تصريح صحافي من حزب الأمـــة القومي
  • الأمام الصادق المهدي: فالعنقاء أكبر أن تصادا
  • الذكرى السنوية للشهيد.. محطة للتزود بالعزم والبصيرة
  • وقفات حاشدة للهيئة النسائية في حجة بالذكرى السنوية للشهيد
  • بصراحة