الديستوبيا تلاحق الوجود البشري وتؤجج الصراع من أجل البقاء
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
كانت وما تزال مقولات الديستوبيا وفناء الأرض من موضوعات سينما وأدب الخيال العلمي المفضلة التي يتواصل انتاج الاعمال الأدبية والسينمائية حولها وتلقى رواجا ملحوظا لما تنطوي عليه من مزج بين الخيال وبين الأصوات المحذرة من فناء الكون سواء بسبب الحروب النووية الشاملة او الأوبئة أو الكوارث الطبيعية.
تحت وطأة هذه التحديات الثلاثة انقسمت أفلام الخيال العلمي منذ بواكيرها وكانت ثيمتها الغالبة هي قصّة الناجين وكيف سوف يكافحون من اجل الحفاظ على حياتهم والخروج من جوف الكارثة.
بالطبع سوف نتذكر هنا عشرات الأفلام من هذا النوع مثل فيلم كوكب القردة – 1968 وفيلم متسابق المتاهة -1982، وفيلم الطريق 2009، وفيلم العامل الخامس -1997 وفيلم وسلسلة ماد ماكس ابتداءا من 1979 وفيلم آلة الزمن -1960 وفيلم رجل اوميغا 1971 وفيلم ميتروبوليس 1927 وفيلم البرتقالة الميكانيكية 1971 وفيلم طريق المحارب 1981 وفيلم أطفال الرجال 1971 وسلسلة الفاني وسلسلة روبوكوب وفيلم فهرنهايت 451- 1966 وغيرها.
وفي هذا الفيلم للمخرجين الشقيقين وكاتبي السيناريو اليكس وديفيد باستور وهما مخرجان اسبانيان في أواخر الثلاثينيات من العمر، سوف يحشدان الكثير مما ننشده في فيلم الخيال العلمي القائم على فكرة الديستوبيا وصراعات الناجين ومغامراتهم.
فهما ينحتان عملهما على وفق معطيات ما تزال حاضرة في الذهن في نوع من المحاكاة لأفلام أخرى عالجت الإشكالية ذاتها وإن بأسلوب مختلف لعل من أهمها فيلم “صندوق الطيور” للمخرجة الدنماركية الحاصلة على الأوسكار والغزيرة الإنتاج سوزان بيير،
حيث أسست ديستوبيا قاتمة وقائمة على فكرة خلاصتها أن وباءً يفتك في روسيا تتحدث عنه وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات، يجعل البشر يمارسون أفعال الزومبي ثم يقدمون على الانتحار بأي طريقة، وفيما الجمهور يتفرج، إذ بالوباء يفتك بالناس في أماكن أخرى ومنها الولايات المتحدة.
في موازاة ذلك كان هنالك فيلم مكان هادئ بجزئيه اللذين ظهرا في عامي 2018 , 2020 للمخرج جون كراسنيسكي ومن المؤمل ظهور جزئين آخرين في عامي 2024 و 2025 على يدي مخرجين آخرين وحيث أن الصمت هو السبيل الوحيد إلى الخلاص عندما تواجه الشخصيات مصيرها القاتم في وسط غزو الأرض من قبل كائنات وحشية تفتك بالبشر بمجرد التقاطها أي صوت بسبب حساسيتها المفرطة للأصوات في مقابل عدم قدرتها على الإبصار.
أما هنا فالأمر مقتصر على الإبصار الذي سوف يفضي الى تواصل مع مؤثرات خارجية تعبث بالكائن البشري وتتلاعب بعقله وتستدرجه الى ان يفقد السيطرة على نفسه ثم يقدم على الانتحار.
يواجه المهندس سيباستيان – يقوم بالدور ماريو كاساس، هذه الكارثة بشكل مفاجئ عندما تنقلب المدينة – برشلونة رأسا على عقب ويتحول اغلب سكانها الى كائنات متوحشة تقوم بقتل نفسها لمجرد الكشف عن العينين.
في هذا المدخل حرص المخرجان على تقديم صورة بانورامية شديدة الغزارة والتنوع عندما غاصا في عمق المدينة ورافقا انتحار أبنائها وخلال ذلك كانت الشوارع المضطربة بالحشود الركضة والسيارات الهاربة والمقاتلات التي تحلق في السماء ونشرات الاخبار التي تبث الهلع بتفشي الوباء في أوروبا، كل ذلك هيأ فعليا لتقديم شخصية سيباستيان الذي كافح مع نفسه من اجل التغلب على فكرة فقدان ابنته وزوجته.
من هنا نجد ان المعالجة الفيلمية ذهبت بعيدا في استقصائها للمعطيات الفكرية والجمالية المرتبطة بالشخصية فالاشكالية لا تقتصر على الوباء في حد ذاته بل في كون تلك الكائنات الحزينة والمحبطة والباحثة عن احبائها وسط هول الكارثة تصبح اكثر عرضة للإستدراج من طرف قوى غامضة تدفعها لاحقا لإيذاء النفس بشتى الاشكال.
الناجون هم الركن الأساس في اغلب أفلام الديستوبيا وفي هذا الفيلم يوف ينظم سيباستيان الى مجموعة من الناجين من بينهم كلير – تقوم بالدور الممثلة جورجينا كامبل وأوكتافيا – الممثل دييغو كالفا، وفتاة ألمانية ضائعة تبحث عن والدتها، هي صوفيا – الممثلة نايلا شوبيرث، وزوجين مسنين، هما إيزابيل الممثلة لولا دوينياس وروبرتو -الممثل غونزالو دي كاسترو.
ويكرس المخرجان شخصية سيباستيان المزدوجة في سياق السرد الفيلمي فهو من جهة يريد انقاذ الاخرين لكنه في في الواقع انتهت علاقته بأي شيء بعد فقدان احبائه ولهذا فهو يرتدي تلك النظارات الواقية والسميكة كما الآخرين لكنها بالنسبة له لا وظيفة لها فغايته كانت المضي في مشاهدة ابنته التي راحت ضحية ذلك الخراب ولهذا يتواصل مع الطفلة من جهة وارتداء النظارات السميكة.
من جانب آخر هنالك بناء سردي قائم على الحركة والاثارة ترافق الشخصيات وهي تتنقل بين الأماكن المهجورة ووسط الأشخاص المسعورين الذين يلاحقونه من اجل الاستحواذ على الطعام.
يقدم سيباستيان نفسه على انه ضحية تلك الكارثة من خلال سعيه لايجاد توازن ما بين هدفه للوصول الى ابنته وزوجته وفي ذات الوقت إخراج من تبقى ممن هم غير مصابين بالوباء الى منطقة آمنة ولهذا ينتهي الأمر بكلير والطفلة الألمانية الى مشاهد حبس الانفاس في اعلى احد الابراج المؤدية الى عربات التلفريك المهجورة.
على ان هنالك خليط من اللاهوت والفلسفة والرفض والانكار كلها تلتبس في احداث هذا الفيلم وتتداخل وخاصة عندما يكون احد القساوسة هو احد أسباب استدراج الاخرين الى نهاياتهم الكارثية وهو ما يواجهه سيباستيان وينتهي به الامر ان يقتل القس وأيضا يُقتل على يديه وذلك في قسم آخر من الفيلم وظف فيه التفجيرات بالإضافة الى ما كان وظفه قبل ذلك من تساقط أجساد من اعلى الأبراج ووجود اشخاص يقدمون على الانتحار شنقا وما الى ذلك.
ومن الملفت للنظر خلال ذلك استخدام المزيد من الحبكات الثانوية لتمرير المزيد من الصراعات والتحولات والاحداث مع إبقاء بضعة شخصيات هي المحور الأساس الذي تتحرك من خلاله تلك الدراما الفيلمية وهو ما نجح فيه المخرجان وكاتبا السيناريو في إيجاد تلك الصلة العميقة ما بين السرد الفيلمي وبين وقع المفاجأة التي كانت تقطع سيرورة الاحداث باتجاه مزيد من الشد والترقب.
وحظي الفيلم باهتمام نقدي لجهة مقاربته بأفلام ديستوبية أخرى تفاوتت مستوياتها، ومن ذلك ما كتبه روبرت دانييلز في موقع روجر ايبرت، قائلا " ان السيناريو قدم لنا فكرة خلاصتها أن الصدمة التي يسببها الحزن قد تدفعك إلى فقدان حواسك، وتدمير منطقك، وربما تدفعك إلى الانخراط في حملة صليبية دينية. لكن هذا المعنى لا تشعر به بعمق في أي من الشخصيات. وبدلاً من ذلك، فقد جسّدوا امامنا مآسيهم وليس أي شيء آخر".
فيما ذهب بينجامين لي، الناقد في الغارديان البريطانية الى القول أن" الفيلم ظهر بشكل أفضل بكثير مما كان يمكن أن يكون، تجديد بسيط على فيلمين سابقين تحول إلى شيء مختلف من خلال فيلم مصنوع بكفاءة وملفت للنظر من الناحية السردية، وإن كان بشكل طفيف. مع وجود المزيد من المدن التي يجري ترويع ساكنيها والشوارع المهجورة والكائنات التي ضربها الذعر".
...
• سيناريو وإخراج الأخوان/ اليكس ويفيد باستور
• عن رواية صندوق الطيور للكاتب جوش ماليرمان
• بالاستفادة من فيلمي صندوق الطيور ومكان صامت.
• تمثيل/ ماريو كاساس، جورجينا كامبل، دييغو كالفا، نايلا شوبيرث، لولا دوينياس، غونزالو دي كاسترو.
• تقييم آي ام دي بي 5.3 من 10 نقاط وموقع روتين توماتو 25% وموقع كومن سينس 6 من 10
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الوجود الإيراني على طريق طهران-بيروت في خطر!
فيما أكدت مصادر موثوقة هرب قادة الميليشيات الإيرانية من سوريا، إثر تصاعد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية، تاركة العناصر المحلية لوحدها، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ مناطق شرق البلاد، وخاصة مدينة البوكمال، تشهد تمرّداً عشائرياً للمُطالبة بحلّ فصائل مسلحة تتبع للحرس الثوري الإيراني أو طردها، وسط محاولات شخصيات عشائرية للتدخل بشكل سلمي.
واعتبر المرصد الحقوقي الذي يتمتع بمصداقية دولية وقانونية كبيرة، ويتخذ من بريطانيا مقرّاً له، أنّ الوجود الإيراني على طريق طهران- بيروت، وعلى امتداد الأراضي السورية، أصبح يدق ناقوس الخطر مع تمرّد عشائر وفصائل، حيث ما تزال الأوضاع الأمنية متوترة بشدّة على إثر تشكيل شبان من العشائر مجموعات صغيرة مسلحة، لاستهداف كل من ينتمي لأفواج تتبع للحرس الثوري الإيراني، وهو ما أدّى لتوقف البوابات الحدودية مع العراق (معبر البوكمال الرسمي ومعبر السكك) عن العمل، حسبما كشف عنه المرصد في بيانات نشرها عبر منصّات التواصل الاجتماعي العائدة له.
US Bombs ‘Iranian-Aligned’ Targets in Syria for Second Day
CENTCOM said the strikes targeted 'an Iranian-backed militia group’s weapons storage and logistics headquarters facility'
by Dave DeCamp@DecampDave #Syria #Iran #DeirEzzor https://t.co/espwffPK1V pic.twitter.com/ypK5MZEFnt
وكانت قوات الجيش السوري النظامي، قد أعادت تموضعها منذ 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، في مدينة البوكمال عند الحدود السورية- العراقية بريف دير الزور الشرقي، وانتشرت على الحواجز، التي كانت خاضعة من قبل لسيطرة الميليشيات الإيرانية.
وأكدت مصادر محلية موثوقة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ الميليشيات الإيرانية تركت العناصر السوريين التابعين لها في المواجهة وحيدين مع خطر الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية على امتداد مناطق انتشارهم، من الحدود السورية- اللبنانية وصولاً إلى أعماق بادية دير الزور. وبات قادة تلك الميليشيات يُديرون عملياتهم من العراق أو إيران دون تقديم أي دعم أو حماية لعناصرها.
Au moins trois personnes ont été tuées dans une frappe israélienne sur un appartement appartenant à des membres du Hezbollah au sud de Damas, a indiqué l'Observatoire syrien des droits de l'homme (OSDH) cité par l'AFP. https://t.co/VvGb6rngY0
— L'Orient-Le Jour (@LOrientLeJour) November 10, 2024ونتيجة لتردّي الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا، كانت طهران قد استغلت ذلك لتجنيد وتسليح العناصر المحلية تحت وعود براقة برواتب مغرية، بالإضافة للحماية من الملاحقات الأمنية من قبل الحكومة السورية. وبات هؤلاء لوحدهم اليوم على خطوط القتال في ظروف محفوفة بالمخاطر، بينما تراجعت القيادات الإيرانية وانكفأت عن المشهد، حسبما ذكره رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
After having been recruited for incentive salaries | Iranian-backed militias give up Syrian militiamen and throw them to death#SOHRhttps://t.co/XJY91kXK7J
— المرصد السوري لحقوق الإنسان (@syriahr) November 12, 2024 هرب وتخفّي القيادات الإيرانيةومع تصاعد حدّة الضربات الجوية، الإسرائيلية والأمريكية، التي طالت مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا في الأيام الأخيرة بشكل خاص، ومناطق إمداد حزب الله اللبناني، تُواصل القيادات العسكرية الإيرانية الانسحاب من الخطوط الأمامية، حيث تخلّت عن مواقعها الأمنية الحساسة، بما في ذلك المنطقة الجنوبية قرب الجولان السوري المُحتل، ومناطق استراتيجية في القلمون، وامتداد البادية السورية.
وتمّ قبل أيام توثيق سقوط قتلى وجرحى من العناصر السورية العاملة، ضمن الميليشات الإيرانية في منطقة القلمون، جرّاء موجات من الغارات الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت مستودعات الأسلحة ومقرّات قيادة الميليشيات، وذلك بينما نجت القيادات الأجنبية الإيرانية التي اتخذت خطوات احترازية بالتخفّي والابتعاد عن خطوط النيران، وصولاً للهرب إلى إيران أو العراق.
وكانت الميليشيات الإيرانية قد دفعت نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعناصر جديدة من السوريين نحو منطقة البوكمال لتعزيز مواقعها قرب الحدود العراقية، ضمن أولويتها لتجنّب استهداف إسرائيلي محتمل لمخازن الأسلحة التي تعمل على إعادة توزيع ذخائرها لمواقع جديدة.
#المرصد_السوري
بوابة "#طهران-#بيروت" على صـ ـفـ ـيـ ـح سـ ـاخـ ـن.. أفراد العشائر في #البوكمال يـ ـتـ ـمـ ـردون على شيوخهم ويطالبون بحل فوج #إيرانhttps://t.co/0enBLoGBcQ
وبينما توزع الميليشيات الإيرانية قواتها بعيداً عن مناطق التصعيد، تتخذ قياداتها الأجنبية مواقع آمنة لإدارة العمليات من العراق، لتكون معزولة تماماً عن خطوط المواجهة والمخاطر التي بات السوريون يتحمّلونها وحدهم.
وفي ظلّ هذا الوضع المُتأزّم غير المسبوق، يُعاني السوريون الذين يخدمون في صفوف الميليشيات الإيرانية من نقص حادّ في وسائل الاتصال والدعم اللوجستي، ما يعزلهم ويُضعف قدرتهم على طلب المُساندة العسكرية عند تعرّضهم لهجمات إسرائيلية أو أمريكية، ليجدوا أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع الموت، وسط غياب الدعم والتجاهل الواضح من قياداتهم الإيرانية، ما يزيد من توترهم ومخاوفهم من اتخاذهم مُجرّد وقود في صراع إقليمي واسع في الشرق الأوسط.