ما يحدُث في فلسطين اليوم يتجاوز نظريَّة الفعل وردِّ الفعل، وأنَّ حركة حماس تدافع عن وجودها أو عن الأرض المحتلَّة أو المواطنين الفلسطينيِّين الذين لا تمرُّ دقيقة إلَّا ويواجهون مختلف أشكال العدوان والإرهاب عَلَيْهم، وأنَّ «إسرائيل» تردُّ الاعتداء أو تدافع عن نَفْسِها كما تدَّعي، لأنَّ القضيَّة أكبر بكثير من مواجهة بَيْنَ حماس والمستعمرة الإسرائيليَّة الكبرى، القضيَّة هي قضيَّة وجود لا حدود، قضيَّة فِكر وتاريخ وعقيدة أُمَّة.


الأرض العربيَّة الفلسطينيَّة هي لُبُّ الصراع الإسلامي العربي مع «إسرائيل»، ومن دُونِ التمسُّك بهذه الأرض كأرضٍ عربيَّة تاريخيَّة وجغرافية خالصة لَنْ يكُونَ للمُسلِمين والعرب أيُّ قضيَّة أخرى تستحقُّ الوقوف عَلَيْها أو مناقشتها بشكلٍ مُطلَق، كما أنَّنا ومن دُونِ إعادة الاعتبار للتاريخ الفلسطيني وللوجود العربي على هذه الأرض، لَنْ نتمكَّنَ من فَهْمِ بعض الأبعاد المغيَّبة عن هذه القضيَّة المصيريَّة في حياة الأُمَّة، خصوصًا البُعد المكاني والزماني اللذيْنِ كانا دائمًا لُبَّ المشكلة وأصلَ المعضلة التاريخيَّة مع الصهيونيَّة العالَميَّة.
حيث ينكر كتَّاب التاريخ الصهيوني البُعد المكاني الفلسطيني «فرغم إجماعها على تسمية هذا المكان باسم (فلسطين) إلى جانب العديد من الأسماء التوراتيَّة نجد أنَّها لا تعترف بأنَّ شعبًا يُسمَّى الفلسطينيِّين كان يسكن هذه الأرض أصلًا، حيث ترى هذه الدراسات أنَّ هذه الأرض (فلسطين) كانت ضيِّقة وفقيرة وقاحلة وعِند قدوم الإسرائيليِّين إليها اتَّسعت وأصبحت غنيَّة مخضرَّة».
بمعنى آخر، أنَّ هذه الأرض كانت أرضًا معدمة ومهملة وبلا شَعب، فلمَّا جاؤوا إليها أحيوها وطوَّروها وأصبحوا شَعبها، ويؤكِّدون أنَّ هذه الأرض لا يصلح لها إلَّا الإسرائيليون، وبالتَّالي فإنَّ أحقيَّتهم لهذه الأرض نابع من وجودهم الأصلي على أرض معدمة لا وجود للحياة فيها من جهة، وكونهم كانوا الجنس الذي أصلحها وأعاد إليها الحياة، بالتَّالي فإنَّ أيَّ جنس آخر قَدْ يأتي بعد ذلك إلى هذه الأرض، لَنْ يتعدَّى كونه لاجئًا تاريخيًّا عَلَيْها، وهو ما أشارت إليه جولدا مائير في تصريح لها لصحيفة «صنداي تايمز» بتاريخ 15/يونيو/1969 بقولها: ليس هناك شَعب فلسطيني… ولَمْ يكُنِ الأمْرُ أنَّنا جئنا وأخرجناهم من الدِّيار واغتصبنا أرضهم، فلا وجود لهُمْ أصلًا. فكيف يُمكِن أن تُحلَّ القضيَّة العربيَّة الفلسطينيَّة مع عدوٍّ ينظر إلى الطرف الآخر من المعادلة بأنَّه غير موجود أصلًا، وإن اعترف به على مضض فهو ينظر إليه بأنَّه غير بَشَر، كما يصفهم الصهيوني ‬وزير الدفاع يوآف جالانت؟ فهل يُمكِن أن يصدقَ أحَد إمكان التفاوض مع حكومة بهذا المنطق العنصري؟
كما تنكر تلك الدراسات كذلك البُعد الزمني للوجود العربي الفلسطيني وذلك من خلال إنكارهم للوجود التاريخي لهذا الشَّعب بشكلٍ مطلق ـ كما سبق وأشرنا ـ على اعتبار التاريخ الكائن قَبل وجود الشَّعب اليهودي هو حقبة مغيَّبة من التاريخ، ولا يُمكِن اعتبارها جزءًا مِنْه، بل هي فترة «ما قَبل التاريخ» رغم أنَّ تاريخ «إسرائيل» لا يُمثِّل إلَّا شريحة بسيطة في نسيج التاريخ الفلسطيني الواسع.
«الدِّراسات التوراتيَّة تجاهلت التاريخ الفلسطيني كاملًا، وعدَّت أنَّ تاريخ فلسطين مرتبط ارتباطًا كاملًا بوجود «إسرائيل»، وبدلًا من تقسيم التاريخ إلى الحقب المتعارف عليها كالعصر البرونزي، والعصر الحديدي، نجد أنَّ هؤلاء الدَّارسين يقسِّمون التاريخ الخاص بفلسطين إلى فترات مأخوذة عن التوراة العبريَّة، فهُمْ يَعدُّون الفترة التي سبقت وجود «إسرائيل» فترة «ما قَبل التاريخ» وبذلك فهُمْ يتجاهلون الكنعانيِّين رغم أنَّهم يسبقون الوجود الإسرائيلي بأكثر من ألف سنة.
أمَّا فترة وجود الإسرائيليِّين الأولى فيسمونها «فترة تاريخ إسرائيل الأوَّل» وهذه المرحلة تشمل عصر الآباء وعصر الخروج والغزو والاستيطان، ثمَّ تأتي مرحلة مملكتَي داود وسليمان الموحَّدتين، وممالك «إسرائيل» ويهودا المقسَّمة ثمَّ المنفى ثمَّ الإصلاح، ومن خلال ذلك فالدَّارسون التوراتيون لا يعترفون أنَّ تاريخًا صُنع على هذه الأرض قَبل وصول الإسرائيليِّين، فالتاريخ والحضارة نتاج وجودهم».
ولو قبلنا نحن كمُسلِمين وعرب تلك الادِّعاءات الواهمة والمشوّهة المبنيَّة على امتلاك الأرض لليهود منذ قرون ـ ببُعدَيْها المكاني والزماني ـ للتاريخ العربي في فلسطين، لكان كذلك للمكسيك حقٌّ من ذلك المنطلق في أجزاء من الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وللإسبان حقٌّ في المكسيك، وللعرب حقٌّ في إسبانيا. لذا فإنَّنا مطالَبون كعرب بإعادة الاعتبار لتلك الحقبة الزمنيَّة من التاريخ الفلسطيني القديم، وإعادتها إلى أصلها التاريخي والجغرافي، وإعادة كتابتها من جديد بكُلِّ إتقان ومهنيَّة تاريخيَّة؛ وذلك حتَّى تتبَيَّنَ الحقائق المشوَّهة، ويتمكَّن الجيل العربي القادم من معرفة حقيقته التاريخيَّة على هذه الأرض، وانتماءه العربي والتاريخي والحضاري إليها.

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: هذه الأرض تاریخ ا

إقرأ أيضاً:

فلسطين: إسرائيل تواصل استخدام أسلحة فتاكة ومتفجرة في غزة

غزة – أكدت فلسطين، امس الجمعة، إن إسرائيل تواصل استخدام أسلحة فتاكة ومتفجرة في قطاع غزة، فيما وسعت هجماتها على بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

جاء ذلك في 3 رسائل متطابقة بعث بها المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن لشهر مارس/آذار الجاري سفيرة الدنمارك كريستينا ماركوس لاسين، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فيليمون يانغ.

الرسائل المتطابقة كانت بشأن “استمرار إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، في حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني”، وفق وكالة الأنباء الرسمية “وفا”.

وأضاف منصور أن إسرائيل تواصل “استخدام جميع أشكال الأسلحة الفتاكة والمتفجرة في أنحاء القطاع المكتظ بالسكان، دون أي اعتبار لحياة المدنيين”.

ومنذ استئنافها الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس الجاري، قتلت إسرائيل 896 فلسطينيا وأصابت 1984 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق بيان صادر عن وزارة الصحة بالقطاع صباح الجمعة.

ولفت منصور إلى استمرار إسرائيل في منع دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة لثلاثة أسابيع متتالية، “والتي تشكل أطول فترة انقطاع للمساعدات الإنسانية منذ بدء الحصار”.

وعبر منصور عن القلق من قرار الأمم المتحدة تقليص وجودها في غزة “في ظل الكارثة الإنسانية غير المسبوقة وتزايد الاحتياجات الأساسية”.

وشدد على “ضرورة قيام المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لإلزام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على رفع حصارها، ووقف عقابها الجماعي، ومحاولاتها لتجويع شعبنا وتدميره وتهجيره القسري من أرضه”.

وفي رسائله، سلط منصور الضوء على الخسائر الفادحة التي يتكبدها العاملون في المجال الإنساني والصحفيون.

وأكد “استشهاد 8 عاملين في المجال الإنساني، بمن فيهم موظف الأمم المتحدة خلال الغارة الإسرائيلية على مقر الأمم المتحدة في 19 من الشهر الجاري”.

كما أشار إلى “استشهاد 399 عاملا في المجال الإنساني في غزة، بمن فيهم 289 موظفا من الأمم المتحدة، معظمهم من موظفي الأونروا، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.

وتطرق إلى “استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 24 مارس الجاري، واغتيال الصحفيين الفلسطينيين حسام شبات ومحمد منصور، إلى جانب استشهاد ما يقرب من 200 صحفي فلسطيني، من بينهم 27 صحفية، على يد إسرائيل خلال الأشهر السبعة عشر الماضية”.

وبشأن مواصلة الهجمات الإسرائيلية على بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، قال منصور إنها “أسفرت عن استشهاد 99 فلسطينيا، من بينهم أطفال، منذ بداية العام (2025)”.

بالإضافة إلى استيلاء إسرائيل على الممتلكات، وهدم المنازل، وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين بشكل قسري والاعتداء على الأماكن المقدسة والمصلين في شهر رمضان المبارك، واستمرار قوات الاحتلال في الاعتقالات اليومية، ما يزيد من أعداد المدنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بمن فيهم الأطفال المحتجزون دون تهمة، حسب البيان نفسه.

وشدد على أن “المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، ملزم قانونا بوقف هجوم إسرائيل وحماية شعبنا، الأمر الذي يتطلب استعادة وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وغير المشروط ودون عوائق”.

وحث “جميع الدول والمنظمات المعنية، بما فيها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي، على بذل كافة الجهود الممكنة لاستعادة وقف إطلاق النار، وضمان تنفيذ جميع مراحله، وفقا للقرار 2735، وتوسيع نطاقه ليشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بهدف ضمان وقف دائم لإطلاق النار، وفتح الطريق أمام تحقيق سلام عادل قائم على حل الدولتين”.

من جهتها، أدانت وزارة الخارجية المغتربين الفلسطينية “الاعتداءات شبه اليومية لعناصر المستعمرين (المستوطنين) المسلحة على أبناء شعبنا في مَسافِر يطا (جنوبي الضفة) بحماية وإشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضافت أن هذه الاعتداءات “تهدف إلى تهجير وإفراغ المسافر برمتها من الفلسطينيين، في أبشع أشكال جريمة التطهير العرقي ضد الوجود الفلسطيني في عموم المناطق المسماة “ج” التي تشكّل غالبية مساحة الضفة، على طريق ضمها كمخزون إستراتيجي لتوسع الاستيطان الاستعماري، وضرب فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض”.

وطالبت مجلس الأمن الدولي “بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف عدوانها فوراً وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، بما فيها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية”.

وفي وقت سابق الجمعة، هاجم مستوطنون قرية جنبا جنوب مدينة الخليل واعتدوا بالضرب على فلسطينيين ما أدى لإصابة عدد منهم بجروح ورضوض، وفق شهود عيان.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • يوم الأرض الفلسطيني.. مظاهرة أمام سفارتي تل أبيب وواشنطن بمدريد
  • مسيرات بإسبانيا تضامنا مع فلسطين بذكرى يوم الأرض
  • في الذكرى الـ 49 ليوم الأرض الفلسطيني.. نقطة تحول في العلاقة بين السلطة الإسرائيلية وفلسطيني 48
  • عشية يوم الأرض.. المئات بأمستردام ينددون باحتلال إسرائيل لفلسطين
  • دعوات واسعة للمشاركة في يوم الأرض الفلسطيني..ماذا تعرف عنه؟
  • مظاهرات حاشدة في أوروبا لإحياء يوم الأرض الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان على غزة
  • البرلمان العربي يؤكد دعمه لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه
  • البرلمان العربي يرفض مخططات تهجير الشعب الفلسطيني
  • البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته ضد محاولات تهجير الشعب الفلسطيني
  • فلسطين: إسرائيل تواصل استخدام أسلحة فتاكة ومتفجرة في غزة