هيكلة قطاع الطيران فـي سلطنة عمان: رؤية مستقبلية واعدة
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
تتميَّز المطارات بأهمِّية اقتصاديَّة عظيمة للدوَل، فهي تؤدِّي دَوْرا جوهريًّا في جذب الأنشطة الاقتصاديَّة والاستثماريَّة، وتُسهم في تحقيق التنمية للدوَل. لذا تسعى أغلب الدوَل إلى تطوير البنى الأساسيَّة لمطاراتها في مختلف الجوانب الهندسيَّة والفنيَّة والتقنيَّة. وقِطاع الطيران على وجْهِ التحديد يُعدُّ قِطاعا حيًّا ومعقدًا، حيث يوفِّر قاعدة رئيسة لعدَّة أبعاد اقتصاديَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة وسياحيَّة.
لكنَّ قِطاع الطيران ـ حاله كحال أي قِطاع آخر ـ تأثَّر في الفترة الماضية بجائحة كورونا، حيث تكبَّد خسائر اقتصاديَّة كبيرة قُدّرت بنَحْوِ 10% من إجمالي خسائر اقتصادات العالَم والتي تجاوزت 21 تريليون دولار. كما أنَّ الارتفاع القياسي في أسعار الوقود الذي خلَّفته المواجهة الروسيَّة ـ الأوكرانيَّة أثَّر بشكلٍ كبير على هذا القِطاع. وباتَ هذا القِطاع يعاني من كثير من المتغيِّرات والكلف العالية، كارتفاع في تكلفة الوقود وتراجع الاقتصاد الكُلِّي، وارتفاع كلفة أساطيل النقل التي تمتلكها أو تستأجرها، أضف إلى ذلك المنافسة الشرسة التي تسعى إلى تخفيض أسعار النقل. تلك العوامل أثَّرت سلبًا على عددٍ من شركات الطيران وأصبحت تعاني من صعوبات ماليَّة، ووصل بعضها إلى حدِّ الإفلاس أو إعادة الهيكلة الجذريَّة. وفي هذا المقال سنسلِّط الضوء على إبراز ثلاثة جوانب رئيسة يُمكِن التركيز عَلَيْها في المرحلة القادمة لاستدامة قِطاع الطيران المحلِّي. الطيران العُماني ـ كحال غيره ـ لَمْ يكُنْ بمنأى عن تلك المتغيِّرات التي عصفت بهذا القِطاع، وقَدْ أصبح من المُلحِّ لِتبنِّي بعض التغييرات الجذريَّة، حيث يشهد حاليًّا برنامجًا استرتيجيًّا يتمثل بعدَّة محاور مِنْها: الاستدامة الماليَّة والحوكمة المؤسَّسيَّة والجوانب التجاريَّة ورأس المال البَشَري. إذ يتبنَّى هذا التوجُّه الاستراتيجي نَحْوَ إجراء عددٍ من التغييرات على مستوى الإدارة العُليا والمتوسِّطة. وكذلك التركيز على الجوانب الماليَّة لتقليل المصروفات وتخفيض مستوى الدَّين والالتزامات الماليَّة الأخرى. إنَّ المبادرة التي قامت بها الحكومة في سلطنة عُمان من أجْلِ هيكلة هذا القِطاع لهُوَ خطوة جديرة بالاهتمام. ويبدأ ذلك التغيير من الإدارة العُليا حيث يُلقَى على عاتقها دَوْر عظيمٌ في وضع خطط مستدامة لتنمية هذا القِطاع الحيوي. فجميع ما يُتَّخذ من مجلس الإدارة من قرارات استراتيجيَّة ستكُونُ لها أبعاد مستقبليَّة. وهنا تظهر أهمِّية وجود أُطُر حوكمة قويَّة وفعَّالة تعمل على تعزيز مبدأ الرقابة والمسؤوليَّة عن أداء هذا القِطاع من خلال وضع معايير ومؤشِّرات قياس أداء لقِطاع المطارات بشكلٍ عامٍّ ولقِطاع الطيران بشكلٍ خاصٍّ. الجانب الثاني هو استغلال الفرص للترويج للسَّلطنة كواحدة من أهمِّ الوجهات السِّياحيَّة القادمة على مستوى العالَم بمُقوِّماتها الهائلة؛ لِمَا تزخر به من كنوز سياحيَّة وفرص استثماريَّة رائدة. إذ لا بُدَّ من تعزيز مبدأ إطلاق مبادرات مع شركاء السِّياحة في وجهات مختلفة من خلال توقيع اتفاقيَّات مع هيئات سياحيَّة وشراكات نوعيَّة مع كبرى الشركات المرموقة إقليميًّا وعالميًّا؛ لتعزيز حركة السِّياحة في سلطنة عُمان. كما نؤكِّد أهمِّية توقيع مذكّرات تفاهم مع وكالات سفر عالَميَّة رائدة تعمل على الترويج والتعريف بالوجهات السِّياحيَّة بسلطنة عُمان. إنَّ تلك المبادرات ستنعكس إيجابًا على نُموِّ نشاط خطوط الطيران العُماني الحاليَّة، وربَّما تفتح فرصًا رائدة لتدشين خطوط جديدة مربحة. كما أنَّ هناك مبادرات أخرى قَدْ تُعزِّز من كفاءة وفاعليَّة العمليَّات التشغيليَّة بالطيران العُماني. ولعلَّنا نذكُر هنا مثالًا متعلِّقًا بخدمة تذاكر السَّفر الورقي لصعود الطائرة. وقَدْ بدأت العديد من شركات الطيران العالَمي باستخدام تذاكر السَّفر الدولي من خلال تطبيق مخصَّص للحصول على بطاقة الصعود رقميًّا، ممَّا يوفِّر التكاليف المتعلِّقة بطباعة التذاكر من جانب وتوظيف التقنيَّات المبتكرة الحديثة في تعزيز جهود خفض التكاليف. كما قامت بعض خطوط الطيران بمبادرة حجز التذاكر والدَّفع بالتقسيط كطريقة لزيادة نسبة الحجز إلكترونيًّا. أمَّا الجانب الثالث فهو متعلِّق بالأمور الماليَّة، فتعرُّض الشركات لنكبات ماليَّة سيؤثِّر سلبًا على قدرتها لتحمُّل الالتزامات والديون الماليَّة. لقَدْ سَعَتْ بعض شركات الطيران على تغيير سياساتها لتجنُّب مزيدٍ من الخسائر الماليَّة من خلال إعادة تقييم خطوط ووجهات الطيران لدَيْها. إذ يتطلب في المرحلة القادمة إعادة تقييم خطوط ووجهات الطيران العُماني ومدى جدوى استمرار البعض مِنْها والتركيز على الخطوط المربحة. كما يُمكِن عمل تعاون متبادل مع شركاء دوليِّين لتغطية مجموعة من الوجهات الدوليَّة عوضًا عن تحمُّل أعباء ماليَّة على خطوط غير استراتيجيَّة. بالإضافة، لجأت بعض شركات الطيران لتعزيز كفاءة الإنفاق إلى تبنِّي استراتيجيَّة استخدام الأسطول الأحدث من الطائرات، حيث تُعدُّ أكثر كفاءة لرفع كفاية استهلاك الوقود. وهنا نوصي بإعداد خطَّة استراتيجيَّة يتمُّ بموجبها تقييم شامل للأسطول الحالي للطيران العُماني ومدى الحاجة إلى تقليص الأسطول الحالي والاعتماد على الشركاء الدوليِّين لسدِّ بعض الوجهات الدوليَّة لتقليل حجم تكاليف التشغيل.
ختامًا، قِطاع الطيران ـ بلا شك ـ هو قِطاع واعد، ومن المتوقَّع أن تصلَ الإيرادات عالَميًّا بنهاية عام 2023 إلى 803 مليارات دولار. وإنَّ المبادرة الحاليَّة لإعادة هيكلة هذا القِطاع قَدْ تُعدُّ اللَّبنة الأولى التي ستُحدِّد مستقبل هذا القِطاع في سلطنة عُمان في المرحلة القادمة.
د. يوسف بن خميس المبسلي
متخصص في العلوم المالية والاقتصاد
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الطیران الع مانی شرکات الطیران ة القادمة من خلال
إقرأ أيضاً:
سلطنة عمان تستضيف مؤتمر المحيط الهندي 16 فبراير الجاري
تستضيف سلطنة عُمان ممثلة بوزارة الخارجية النسخة الثامنة لمؤتمر المحيط الهندي (IOC) في 16 فبراير الجاري تحت شعار "رحلة نحو آفاق جديدة للشراكة البحرية" ويستمر يومين.
وأكّد معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية لوكالة الأنباء العُمانية على أنّ استضافة سلطنة عُمان لهذا المؤتمر يعكس التزامها بتعزيز الأمن البحري، ودعم التجارة البحرية المستدامة، وتطوير آليات التعاون الدولي لمواجهة التحدّيات المشتركة في المنطقة.
وأضاف معاليه: إنّ المؤتمر منصّة استراتيجية لتبادل الرؤى حول مستقبل الاقتصاد الأزرق وحوكمة المحيطات، مؤكدًا على تطلع سلطنة عُمان إلى نقاشات بنّاءة تسهم في تحقيق مصالح الدول المشاركة وتُعزّز الاستقرار والازدهار الإقليمي.
ويناقش المؤتمر تعزيز الشراكات البحرية، وتحسين الروابط التجارية، ودعم التنمية المستدامة والقضايا المتعلقة بالأمن البحري، وضمان حرية الملاحة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز أمن الموانئ و الحوكمة.
ويأتي انعقاد المؤتمر بهدف تعزيز التعاون الإقليمي ومعالجة التحدّيات التي تواجه منطقة المحيط الهندي، انسجامًا مع أهداف رؤية "عُمان 2040" في تعزيز المصالح الاقتصادية مع دول المنطقة والعالم وإبراز الدور الريادي والفاعل لسلطنة عُمان في الحفاظ على استدامة موارد المحيط الهندي، وتعزيز إمكاناته في النقل والأمن البحري واستعراض المعلومات التنافسية الاقتصادية للدول الأعضاء، ودور المنصات الدولية في تبادل الرؤى حول التحدّيات المشتركة.
ومن المتوقع، أن يُشارك في المؤتمر ممثلون من أكثر من 60 دولة ومنظمة دوليّة، ما يؤكّد على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة والحاجة إلى حلول تعاونية للتحدّيات المشتركة تتيح للمشاركين فرصة لإجراء لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف واستكشاف مجالات جديدة للتعاون المستقبلي.
يُذكر أنّ مؤتمر المحيط الهندي (IOC) منصة ومنتدى دولي بارز، انطلقت نسخته الأولى عام 2016، ليصبح ساحة رئيسة لتعزيز التعاون بين دول المحيط الهندي والقوى العالمية ذات المصالح الاستراتيجية في المنطقة، وقد قامت دول مثل سلطنة عُمان والهند وسريلانكا وأستراليا وسنغافورة بأدوار محورية في فعالياته.