هذه قصَّة مؤلمة عاشها العراقيون منذ مطلع العام 1991، عِندما هاجمت الطائرات والصواريخ الأميركيَّة العراق وحصل استهداف متعمَّد لمحطَّات توليد الطَّاقة الكهربائيَّة.
هذه المعاناة الثقيلة والشديدة يتحدَّث عَنْها أحد أبرز مهندسي قِطاع الكهرباء في العراق المهندس الاستشاري الأستاذ سحبان فيصل محجوب آخر وزير للكهرباء في العراق حتَّى غزو العراق واحتلاله من قِبل الولايات المُتَّحدة في العام 2003.
في كتابه الذي يحمل الكثير من المعلومات عن قِطاع الكهرباء في العراق، حرص محجوب على اختيار العنوان بعناية كبيرة (الكهرباء أسرار من الصندوق الأسود) يروي الكثير من الوقائع والأحداث خلال حقبة الحصار الأميركي على العراق منذ العام 1990 حتَّى وصول الدبابات والعسكر والمارينز ليحتلوا هذا البلد في العام 2003، ورغم التدفق الهائل للأموال في خزينة العراق خلال العشرين عامًا المنصرمة، إلَّا أنَّ العراقيين ما زالوا يعانون بقسوة من انعدام الكهرباء أو قلَّتها وأحيانًا تصل حدَّ الندرة، وتمَّ صرف مبالغ طائلة على هذا القِطاع تجاوز المليار دولار، في حين تمكنت الكوادر الهندسيَّة والفنيَّة من الشروع في إصلاح الدمار الكبير الذي خلَّفه القصف الأميركي في حرب العام 1991 بعد أسابيع من توقُّف العمليَّات العسكريَّة، وهذا ما يفرد له الأستاذ سحبان مساحات واسعة لتسليط الضوء على القدرات والكفاءات العراقيَّة التي عملت، في حين ما زال دخان الحرب متصاعدا، وأوجدت الحلول والحصار ينهش كُلَّ شيء ويمنع وصول الأجهزة والمعدَّات المطلوبة لإعمار محطَّات توليد الكهرباء والمفاصل الفنيَّة الخاصَّة بنقل الطَّاقة وتوزيعها.
ولأنَّه محجوب تنقَّل في مسؤوليَّات عديدة وفي الكثير من المناطق في العراق، فإنَّه يروي الصور الكثيرة ويرسمها بدقَّة العارف بكُلِّ تفاصيلها، فمن جهة يروي الوقائع التي عاشها عِندما تبوَّأ المسؤوليَّات المختلفة والمناصب التي تدرَّج فيها لسنوات طويلة، وفي هذه القصص تجد المعلومة والتفاصيل الدقيقة لكُلِّ حدَثٍ، وكيف تعمل الكفاءات العراقيَّة بطاقات كبيرة جدًّا، ويسجّل للتاريخ والأجيال كيف أنجز العاملون في قِطاع الكهرباء الكثير رغم الصعاب الجمَّة التي واجهوها في سنوات الحصار القاسي. ومن زاوية أخرى، وهي في غاية الأهمِّية، لَمْ يغمضْ عَيْنَيْه ويدير رأسه عن كهرباء العراق بعد أن غادر موقع المسؤوليَّة لِيستقرَّ حاله حال آلاف الكفاءات في الغربة، بل حرص على متابعة كُلِّ شاردة وواردة في عالَمه الذي بذل جهودًا مضنية في دهاليزه وعوالمه، وحرص على تدوين الكثير من الملاحظات ويؤشِّر الخلل الهائل الذي يعصف بأهمِّ قِطاع في البلد، هذا الميدان الذي ترتبط به جميع مفاصل الحياة ولا يُمكِن أن تتحقَّقَ التنمية بِدُونِ وجوده وبكفاءة عالية وأداء شامل. ولا يغفل محجوب الإشارة إلى محطَّات مُهمَّة في تاريخ الكهرباء منذ أن أطلَّت بمصابيحها شِبْه الخاوية في معسكرات البريطانيِّين بعد احتلال العراق في العام 1917، ويروي كيف كانت البداية ثمَّ الانتشار. هذا كتاب يُمثِّل وثيقة عراقيَّة في غاية الأهمِّية، وسيعود إليه الكثير من الباحثين والدارسين لحقبة الحصار والاحتلال.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
wzbidy@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: فی العراق الکثیر من
إقرأ أيضاً:
الأجندات الحزبية والفساد بوزارة الكهرباء يلاحقان ملف الطاقة في العراق.. أين الموازنات الانفجارية؟
بغداد اليوم - بغداد
كشف المحلل السياسي عدنان التميمي، اليوم السبت (14 كانون الأول 2024)، أن دولا واحزابا مستفيدة من أزمة الكهرباء في العراق، فيما أشار الى أن محاولات استثمار الغاز يجري تعطيله في ظروف غامضة".
وقال التميمي لـ"بغداد اليوم"، إن "الدولة العراقية انفقت بعد 2003 وحتى يومنا هذا مبالغ طائلة لتحسين ملف الكهرباء لكن النتائج كانت مخيبة للآمال في ظل أزمات متجددة مع ذروة كل موسم، صيفا وشتاءً بسبب اعتماد المنظومة على استيراد الغاز والطاقة معا وانفاق مليارات الدولارات من ميزانيتها".
وأضاف، أن "دولا واحزابا مستفيدة من أزمة الكهرباء في العراق وأي محاولة تمضي باتجاه الحل تصطدم بالفيتو، لدرجة أنه حتى محاولات استثمار الغاز يجري تعطيله في كل مرة وبظروف غامضة".
وأشار الى أن "الفساد في وزارة الكهرباء موجود والقضايا الموجودة في هيئة النزاهة على مدى أكثر من 20 سنة تؤكد بأن احزابا وقوى كثيرة متورطة بصفقات مشبوهة استنزفت خزينة البلاد".
التميمي قال أيضا، إن "أي وزير يأتي الى رأس هرم الوزارة لن يحقق شيئا في ظل مشاكل متراكمة تبدأ من توفير الطاقة والهدر الكبير في الاستهلاك وصولا الى استفادة اطراف كثيرة من صفقات كثيرة".
ويعاني العراق أزمة نقص كهرباء مزمنة منذ عقود، على الرغم من التخصيصات المالية الانفجارية لقطاع الكهرباء.
من ناحيته، علق الكاتب والمحلل السياسي أحمد الخضر، اليوم السبت (14 كانون الأول 2024)، حول استمرار أزمة الكهرباء في العراق خلال فصلي الصيف والشتاء، والفشل بإدارة هذا الملف.
وقال الخضر في حديث لـ "بغداد اليوم" إن "هذا الملف ليس جديدا، وفشل وزارة الكهرباء في توفير الحد الأدنى من الكهرباء للمواطنين، وبالرغم من تصريحات رئيس الوزراء ووزير الكهرباء، إلا أن لا كهرباء كافية في العراق".
وأضاف، أنه "اعتقد أن الخلل الحقيقي يكمن في إدارة وزارة الكهرباء نفسها، حيث أن الوزارة مازالت متأثرة بالتحزب السياسي ولاحظنا أن هناك شكاوى من عدة محافظين في الوسط والجنوب قدمت من قبلهم في المحاكم ضد وزير الكهرباء، حيث اتهم بالتلاعب بحصص المحافظات من التجهيز الكهربائي حيث وصلت محافظاتهم إلى 6 ساعات تجهيز باليوم الواحد مقابل محافظات 16 ساعة تجهيز".
وأشار إلى أن "هذا يعطينا انطباعا أن هناك خللا اداريا، بالإضافة إلى الخلل القيادي الذي لم يقدم خططا بديلة لحد الان، لإيجاد مصادر أخرى غير الغاز الإيراني الذي يعاني من عقوبات أمريكية يؤدي بين فترة وأخرى لنقص في تجهيزه".
وسجلت ساعات تجهيز الكهرباء انخفاضا كبيرا في بغداد والمحافظات مع الهبوط الحاد بدرجات الحرارة وبدء موسم الشتاء وبالتزامن مع توقف تصدير الغاز الإيراني إلى العراق.
وشكا مواطنون من قلة ساعات إمداد الطاقة من شبكة منظومة الكهرباء، فيما طالبوا الوزارة بإيجاد حلول جدية لهذه الأزمة، ووضع حد للفساد وهدر المليارات على العقود السنوية والمحطات التي يتجاوز عددها الـ 36 محطة في بغداد فقط.