الأدب : بين الترويح والتحريض
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
بدأ الأدب الأوروبي، في عصور اليونانية الأولى، ترويحيًّا Cathartic، إذ كتبت المآسي (جمع مأساة، Tragedy) بهدف أن تنتهيَ تفاعلات مشاهد المسرحيَّة إلى نَوْعٍ من «الإفراغ» العاطفي (درجة ذرف الدموع) الذي يترك المشاهد بنَفْسٍ مرتاحة تشعر بخفَّة إزاحة الهموم التي طوَّرتها المسرحيَّة عَبْرَ الحدَث أو السَّرد الرئيس.
بَيْدَ أنَّ الأدب الرفيع لَمْ يكتفِ بهذه الوظيفة الترويحيَّة؛ لأنَّ العبقريَّات الأدبيَّة أرادت للأدب الحقِّ وظيفة اجتماعيَّة إصلاحيَّة سوى الوظيفة الترويحيَّة، هذه الوظيفة الجادَّة، فأحيلت إلى الكلمة المكتوبة والسطر المطبوع عَبْرَ وظائف أخرى عدَّة، وأهمُّها هي «الوظيفة التحريضيَّة»، أي اضطلاع النَّص الأدبي بممارسة «التحريض» للقارئ على سبيل إحداث تغيير في دخيلته، تغيير يؤدِّي إلى تطوير موقفه ودَوْره الاجتماعي، باعتبار وظائف الأدب الاجتماعيَّة التي أخذت بالتبلور من عصر النهضة والأنوار حتَّى الآن.
وهكذا نما دَوْر الأدب عَبْرَ التاريخ، بغَضِّ النظر عن أجناسه، فالنَّص الأدبي لا بُدَّ أن يقعَ في أحد الصنفَيْنِ «التحريضي» أو «الترويحي». وإذا ما تطوَّر الصنف الأوَّل عَبْرَ العصر الحديث، لِيصلَ حدَّ ما يُسمَّى، اعتباطًا، بالأدب الملتزم، فإنَّ الأدب الترويحي قَدْ تواصل وغطَّى المسافة الفاصلة بَيْنَ «أدب قضاء الوقت»، من ناحية، وبَيْنَ أدب اللَّذة الجماليَّة التي لا تبحث عن دَوْر إصلاحي قط، بقدر ما تبحث عن الجَمال المجرَّد، باعتبار أنَّ الجَمال يُمكِن أن يكونَ هدفًا نهائيًّا بحدِّ ذاته، فظهرت الحركة الجَماليَّة Art for Art’s Sake، أي «الفن للجَمال»! The Aesthetic Movement
ولَمْ يزَلْ عالَم النصوص الأدبيَّة يتأرجح بَيْنَ هذيْنِ القطبَيْنِ في نظر أهمِّ أعمدة النقد الأدبي في العالَم: فهل تودُّ، أخي القارئ العربي، أن تقرأَ حكاية بلا هدف اجتماعي ولكنَّها قطعة فنيَّة جميلة مِثل حكاية (صورة دوريان جراي) The Picture of Dorian Gray لعملاق المدرسة الجَماليَّة «اوسكار وايلد» Oscar Wilde، أم تفضِّل قراءة رواية احتجاج اجتماعي مِثل (الأوقات الصعبة) Hard Times للعملاق تشارلز ديكنز Dickens؟
فقُلْ لي أيُّهما تفضِّل؟ لأخبرك: «مَن أنت»!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الفيوم تستعيد بريقها الأدبي: نادي المحافظة يحتضن المؤتمر الأدبي الأول بمشاركة نخبة المثقفين
تستعد محافظة الفيوم لاستضافة فعاليات مؤتمر الفيوم الأدبي الأول على مدار يومي السبت والأحد الموافقين 26 و27 أبريل 2025، والذي يقام بنادي محافظة الفيوم الرياضي، وذلك في إطار المبادرة الطموحة "الفيوم تنهض من جديد".
عودة الروح الأدبيةيُعد هذا المؤتمر بمثابة محاولة جادة لإحياء وهج مؤتمر الفيوم الأدبي الذي انطلقت دورته الأولى عام 1995، حيث يسعى القائمون عليه إلى استعادة تلك الروح الأدبية والثقافية التي ميزت المحافظة، ويُقام المؤتمر بجهود ذاتية ومبادرة من الأدباء والمثقفين المشاركين، الذين يتجاوز عددهم 200 شخصية.
يوم حافل بالإبداعتنطلق فعاليات المؤتمر يومياً من الساعة العاشرة صباحًا وحتى العاشرة مساءً، ليومين حافلين بالجلسات النقاشية، والأمسيات الشعرية، وورش العمل الأدبية، التي تهدف إلى إثراء المشهد الثقافي وتبادل الخبرات بين المبدعين.
مبادرة من القلبتأتي هذه المبادرة الطيبة من الشاعر القدير أشرف أبو جليل، الذي أطلق شرارتها الأولى في ديسمبر الماضي، إيماناً منه بضرورة إعادة تنشيط الحراك الثقافي في الفيوم وتعزيز مكانة الأدباء والمبدعين في المجتمع.
عقدت اللجنة المنظمة للمؤتمر سلسلة من الاجتماعات المكثفة بمقر نادي محافظة الفيوم الرياضي، بحضور أيمن فزاع، المدير التنفيذي للنادي، وذلك لوضع اللمسات النهائية والتأكد من جاهزية كافة الترتيبات لاستقبال هذا الحدث الثقافي الهام، كما تم إجراء بروفة شاملة لضمان سير الفعاليات بسلاسة وتحقيق أقصى استفادة للمشاركين.
شهدت الاجتماعات التحضيرية مشاركة نخبة من المثقفين والأدباء البارزين في محافظة الفيوم، من بينهم: ": الدكتور محمد ربيع، الأديب عويس معوض، الشاعرة الدكتورة إيمان العقيلي، الكاتب أحمد فيصل، الكاتب سيد الليموني، طه عباس، مدير المسرح بالنادي، علا إبراهيم، المشرفة على النشاط المسرحي.
يُعلق المثقفون والأدباء في الفيوم آمالاً كبيرة على هذا المؤتمر في إعادة الزخم الثقافي للمحافظة، وتأكيد مكانتها كمنارة للإبداع والفكر في صعيد مصر.