الهجوم البري على قطاع غزة.. الاحتلال الإسرائيلي بين نار الثأر وتاريخ الهزائم أمام المقاومة
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
حرب عنيفة تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، استمرارًا لعمليات الظلم والعدوان الواقع على الأبرياء في كافة مناطق الأراضي المحتلة منذ سنوات عديدة، ورغم كل التجبر والاستقواء من العدوان بأسلحتهم المتقدمة على الأبرياء الذين لا يملكون سوى الحجارة كسلاح والكلمة كدرع للتصدي للهجمات العنيفة، إلا أن الجيش الإسرائيلي مازال لم يشبع من سفك الدماء وقتل الأطفال، فأخذ يستعد بكل قوته للهجوم على أبناء غزة المسالمين بريًا، في محاولة منه لاستعاض القوة الأمريكية التي تغطى بها منذ نشأته.
ورغم فشل العدوان الإسرائيلي وهزيمته المدوية التي أثبتتها قوات المقاومة الفلسطينية الذين تسلحوا بإيمانهم وعزيمتهم من أجل الدفاع عن وطنهم المحتل على مدار عقود طويلة، إلا أن الاحتلال الغاشم مازال يسلح نفسه للهجوم البري على قطاع غزة بحجة القضاء على حركة حماس، مع علمه بأن مصيره الهلاك والهزيم، ومع تحذيرات كافة الخبراء والمحللين من ذلك الدخول البري الذي لن يعود على إسرائيل إلا بالخسائر الهائلة في الموال والأرواح بسبب الاستعدادات التي أعدتها قوات المقاومة من أجل الدفاع عن وطنهم، وهو ما شهد عليه التاريخ على مر الأزمان، ففي كل مرة تدخل إسرائيل فلسطين بريًا كانت تفشل أمام المقاومة، فكم مرة دخلت إسرائيل فلسطين بريًا؟
كم مرة دخلت إسرائيل فلسطين بريًا؟دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى قطاع غزة بريًا عدة مرات على مدى عقود منذ صوتت الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين إحداهما يهودية والأخرى عربية، وكان أول مرة في أكتوبر عام 1956، وبعد بضعة أشهر من تأميم قناة السويس بامر من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والذي تسبب في قطع طريق الملاحة البحرية عن إسرائيل، فشاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر وغزت قطاع غزة لتتمكن من ذلك العدوان الخبيث.
غزو غزةليأتي شهر نوفمبر من نفس العام، حاملًا معه خروج جيش الاحتلال من غزة، حيث دعت الأمم المتحدة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل إلى وقف العدوان على مصر، وتم الاتفاق على الترتيبات الفنية لانسحاب القوات الإسرائيلية ودخول قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة إلى قطاع غزة.
فشل إسرائيل في اجتياح غزة بريًاأما المرة الثانية لدخول إسرائيل فلسطين بريًا، كان في عام 1967، عندما أظهرت إسرائيل نيتها الخبيثة تجاه العرب، ووجّهت ضربة استباقية ضد مصر وسوريا، لتبدأ حرب الأيام الستة، وعندها احتلت الضفة الغربية، واستولت على القدس الشرقية من الأردن، واحتلت هضبة الجولان السورية، كما سيطرت على قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء.
إلّا أن السلام الذي تزعمه إسرائيل، على مر السنوات، كان سبب دائم في خسارتها، فقد أدت مفاوضات اتفاقات أوسلو للسلام في عامي 1993 و1995 بين القادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى انسحاب إسرائيل من غزة ومناطق رئيسية أخرى، وهو ما حدث عام 2005 في عهد رئيس الوزراء أرييل شارون بعد 38 عاماً من الاستيلاء على القطاع، وتخلت إسرائيل عن مستوطناتها.
غزو غزةالمرة الثالثة، كانت في 27 ديسمبر 2008، حيث بدأت إسرائيل حرباً على قطاع غزة، ادعت أنه رداً على إطلاق الصواريخ عليها ضمن عملية «الرصاص المصبوب»، والتي رد الفلسطينيون عليها بعملية «معركة الفرقان»، وكان الهدف الذي وضعته إسرائيل لهذه الحرب هو إنهاء حكم حركة حماس في القطاع، ومنعها من قصف إسرائيل بالصواريخ.
غزو وسط غزةوفي المرة الرابعة، واصلت إسرائيل جهودها في إعداد جيشها بحيث يتمكن من فتك أكبر عدد من الأطفال والمدنين، ففي الثالث من يناير 2009، بدأ اجتياح بري وتقدمت القوات الإسرائيلية، وحاصرت منطقة وسط غزة ليكون هذا الاجتياح البري الثالث على قطاع غزة، وبعد بضعة أسابيع من الاجتياح البري، أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد، ويوم 17 يناير أعلنت عزمها الانسحاب حال توقف الفلسطينيين عن قصف المستوطنات، ثم انسحبت إسرائيل من غزة بعدما قتلت العديد من الأطفال والمدنيين لتبرهن فشلها في تحقيق أي مكسب عسكري.
قطاع غزة تحت القصفأما الهجوم البري الخامس كان في عام 2014، حيث شنت إسرائيل حرباً على قطاع غزة بسبب إدعاءات بخطف وقتل 3 مراهقين إسرائيليين من قبل حماس، واستمرت الحرب 7 أسابيع قُتل خلالها أكثر من 2100 فلسطيني مدني في غزة، وقُتل 73 إسرائيلياً بينهم 67 عسكرياً، وبدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحاً برياً للقطاع في الحرب التي استمرت قرابة شهرين.
تهديد إسرائيل بالهجوم البري على قطاع غزةومع فجر الجمعة، نشر الجيش الإسرائيلي، بيانًا، قال فيه عبر المتحدث باسمه، إنه يدعو كافة سكان مدينة غزة لإخلاء منازلهم والتوجه جنوبًا، تمهيدًا لقيامه بعملية عسكرية واسعة للانتقام من عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس ضد العدوان الإسرائيلي.
وبرر المتحدث، طلب الإخلاء بأن حركة حماس فتحت الحرب ضد إسرائيل، وأن مسلحيها يختبئون داخل مدينة غزة في الأنفاق تحت البيوت وداخل مباني مكتظة بالسكان.
خسائر إسرائيل من الهجوم البري على غزةوفي هذا الإطار، حذر خبراء عسكريون، من إقدام الجيش الإسرائيلي على اجتياح بري لقطاع غزة، حيث ستكون له عواقب وخيمة على إسرائيل نفسها، وليس القطاع فقط، وسيجر عليها تكاليف عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة.
وجاء رأي الخبراء ليثبت فشل الاستعدادات الإسرائيلية، حيث أوضح الجنرال ديفد بترايوس، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه»، أن إسرائيل إن توغلت بريا في القطاع فستواجه وضعًا أصعب من الذي واجهته القوات الأمريكية في الصومال، وستقابل بهجمات انتحارية، وعبوات ناسفة ومفخخات وكمائن.
رد حماس على تهديد إسرائيل بالهجوم البريفي السياق ذاته، توعد الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، الجيش الإسرائيلي بأنه سيدفع ثمنًا باهظًا إذا حاول الدخول إلى قطاع غزة بريًا، قائلًا: «معركتنا الحالية ابتدأت من حيث انتهت عملية سيف القدس التي وحدت الساحات الفلسطينية».
وأضاف أبو عبيدة: «أكدنا أن المعركة يجب أن يكون عنوانها الأقصى والقدس وأدخلنا فيها ملف الأسرى»، معقبًا: «وتيرة التنسيق مع محاور المقاومة ازدادت وتطورات في ما يتعلق بمستقبل الصراع مع العدو».
وأكد الناطق باسم حركة حماس: «معركة طوفان الأقصى بدأت انطلاقا من تحليل منطقة العمليات مثل الأرض والطقس وتأثيرهما، واشتملت على إطلاق 3500 صاروخ وقذيفة مدفعية استهدفت فرقة غزة».
وأكمل: «وضعنا خططا مكثفة لتدريب القوات لتكون قادرة على تنفيذ المهام بكفاءة.. وضعنا خطة دقيقة لاستدعاء 3 آلاف مقاتل للمعركة و1500 لعمليات الدعم والإسناد.. بدأنا عملية طوفان الأقصى لتدمير فرقة غزة التي هاجمناها في 15 نقطة.. إضافة إلى هجومنا على فرقة غزة فقد هاجمنا 10 نقاط تدخل عسكري إضافية».
واختتم حديثه قائلًا: «كتائب القسام مارست على العدو خداعا استراتيجيا بدأ منذ أوائل عام 2022، وأن معركة طوفان الأقصى مستمرة على الأرض في كل المحاور.. نسيطر على مجريات المعركة على الأرض ونؤكد جهوزيتنا في المجال الدفاعي».
اقرأ أيضاًالمرصد الحقوقي للجرائم الإسرائيلية: الكيان المحتل يرتكب جرائم حرب منذ انطلاق طوفان الأقصى
«طوفان الأقصى».. رئيس الاستخبارات الإسرائيلية: فشلنا وأتحمل المسؤولية
بعد عملية طوفان الأقصى.. نتنياهو يعترف بتحديات تهدد بزوال الكيان الإسرائيلي
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل قطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي اسرائيل القدس غزة حماس قصف غزة تحت القصف المقاومة الفلسطينية قصف غزة طوفان الأقصى حصار إسرائيل لقطاع غزة الهجوم البري على غزة الجیش الإسرائیلی طوفان الأقصى على قطاع غزة حرکة حماس البری على
إقرأ أيضاً:
ما علاقة سوريا الجديدة مع إسرائيل؟ ملاحظات أولية
(1) تحرك بقيادة نتنياهو؟جاء التحرك العسكري للمعارضة السورية "سابقا" بعد أيام من تصريحات لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو يحذر فيها نظام الأسد من "اللعب بالنار". استخدم هذا التصريح للترويج لفكرة أن التحرك تم بالتنسيق مع حكومة الاحتلال الفاشي، للاستفادة من حالة التراجع التي يمر بها "محور المقاومة"، بعد توقيع حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال.
كثير ممن طرحوا هذه الفكرة لا يستحقون النقاش، لأنهم ينطلقون في هذا الطرح من عدائهم للثورة السورية منذ يومها الأول، ولكن البعض ممن أيدوا الثورة في بداياتها السلمية، ثم بدأت المخاوف تطغى على تأييدهم بعد عسكرة الثورة، يطرحون هذا التزامن من باب القلق على مستقبل سوريا، وهؤلاء بالطبع يستحقون النقاش بهدوء.
إن الرد الأساسي على هذا التزامن "المفتعل" هو أن السياسة لا تعمل بشكل "خطيّ"، ولذلك فإن تزامن حدث سياسي أو عسكري مع تصريح لسياسي هنا أو هناك لا يعني بالضرورة أن الحدث والتصريح مترابطان.
يضاف إلى ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي يعلن عداءه وهجومه على نظام الأسد منذ عقود، ولم تتوقف التصريحات المناوئة له خصوصا بعد دخول القوى العسكرية التابعة لإيران إلى سوريا، وبالتالي إذا كان تحرك "المعارضة" السورية هو "تنفيذ" لتصريحات نتنياهو، فلماذا لم تتحرك سابقا؟
بات مؤكدا أن انتصار "المعارضة" السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه تحقق في جزء منه بسبب خسارة ما كان يعرف بـ"محور المقاومة".ولا بد من الإشارة هنا إلى أن "المعارضة" لو أرادت أن تكون جزءا من حرب "إسرائيل" على "محور المقاومة" لتحركت أثناء العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، ولكنها التزمت بالصمت رغم استعدادها للهجوم منذ أكثر من سنتين إلى حين انتهاء العدوان.
ولكن هذا لا يعني أن المعارضة لم تستفد من نتائج التغييرات التي حصلت في المنطقة منذ "طوفان الأقصى".
(2) هزيمة لمحور المقاومة؟
بات مؤكدا أن انتصار "المعارضة" السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه تحقق في جزء منه بسبب خسارة ما كان يعرف بـ"محور المقاومة". لم تتمكن إيران من تقديم المساعدة العسكرية اللازمة للنظام كما فعلت خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية بسبب تراجع اقتصادها، وتضرر قوتها بعد الضربات التي وجهها الاحتلال لأهدافها العسكرية خلال الشهور الماضية. ولم يتمكن حزب الله أيضا من القتال في مواجهة المعارضة السورية كما فعل سابقا، بسبب تعرضه لضربة كبيرة خلال العدوان الإسرائيلي الذي بلغ ذروته بعد عملية تفجير البيجر الإرهابية وما تبعها من اغتيالات لكبار قادته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله وشن حرب عدوانية على لبنان برا وجوا.
هذا يعني أن اختيار توقيت عملية "ردع العدوان" أخذ بعين الاعتبار هذه العوامل، ولكن هل يعني هذا أن العملية تسببت في هزيمة "لمحور المقاومة"؟
الحقيقة أن هزيمة النظام السوري لم تكن سوى إسدال للستار على نهاية "محور المقاومة" كما كنا نعرفه سابقا، ولم يكن السبب لهذه النهاية. لقد بات ثابتا الآن حسب مصادر إعلامية دولية وعربية وحتى مقربة من حزب الله أن نظام الأسد كان ينفذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور بوساطة إماراتية منذ أكثر من سنتين، وقد بدا هذا واضحا في خطوات اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع حزب الله -حسب مصادر إعلامية ـ من تنشيط قواعده العسكرية أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى السكوت المطبق حتى عن البيانات المساندة لقوى "المحور" التي كانت تشن حرب إسناد لقطاع غزة بعد "طوفان الأقصى".
هذا يعني أن سوريا أصبحت خارج "المحور" قبل هزيمة النظام وهرب الأسد، كما أن المحور أضعف بسبب ما تعرض له من عدوان شرس من الاحتلال، بعد عملية السابع من أكتوبر 2023 وليس بسبب سقوط نظام الأسد. ولذلك فإن التباكي على المقاومة باعتبارها قد تلقت ضربة بهروب الأسد، هو قراءة في غير محلها.
(3) الأهداف "الإسرائيلية"
يمكن معرفة الأهداف "الإسرائيلية" في سوريا من خلال ما تنفذه من اعتداءات يومية على الأراضي السورية، وما تطلقه القيادات السياسية والعسكرية من تصريحات تجاه مستقبل هذا البلد العربي المهم.
خلال أيام قليلة، قصف الاحتلال سوريا بوتيرة عالية جدا، تفوق ما كان ينفذه من قصف منذ عام 2011 بنسبة كبيرة، واحتل جيش العدوان أراض سورية جديدة أهمها القنيطرة، إضافة إلى مناطق في الجنوب السوري تصل إلى درعا على حدود الأردن.
لقد بات ثابتا الآن حسب مصادر إعلامية دولية وعربية وحتى مقربة من حزب الله أن نظام الأسد كان ينفذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور بوساطة إماراتية منذ أكثر من سنتين، وقد بدا هذا واضحا في خطوات اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سورياوبالتزامن مع القصف الجوي والعدوان البري، فإن الاحتلال لم يخف أهدافه السياسية والعسكرية في سوريا، إذ أكد أنه يريد إضعاف ما تبقى من مقدرات للجيش السوري، والاستمرار باحتلال القنيطرة كمنطقة عازلة لمدة عام على الأقل، وربما يطمح لإقامة منطقة عازلة في الجنوب، كما أنه يريد منع أي فرصة لمهاجمة "إسرائيل" من قبل القيادة السورية الجديدة التي أعلن بشكل واضح أنها قيادة معادية متطرفة غير جديرة بالثقة.
أما الهدف الأبعد للاحتلال فهو تقسيم سوريا من خلال دعم الأقليات "الدروز والعلويين والأكراد"، وقد ورد هذا بوضوح عبر تحليلات تنشر في الصحف العبرية على لسان خبراء استراتيجيين وجنرالات سابقين، وبشكل غير مباشر في تصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر الذي أكد أنه "من المهم ضمان حماية الأقليات في سوريا، من الأكراد والدروز والمسيحيين، إضافة للعلويين وهي الأقلية التي كانت حجر الأساس لنظام الأسد"، حسب قوله.
(4) ما هو المطلوب سوريا؟
إزاء هذا المشهد الإقليمي، والأهداف "الإسرائيلية" العدوانية المعلنة، فإن المطلوب سوريا هو تكوين موقف وطني سوري موحد ضد العدوان. يتطلب هذا ابتداء خطاب سياسي واضح يدين العدوان ويرفض الاحتلال الإسرائيلي سواء للجولان أو للأراضي التي احتلت في الأيام الأخيرة، والابتعاد عن الخطاب "الناعم" الذي يعلن الضعف عن مواجهة الاحتلال، وهو الخطاب الذي ساد في اللقاءات الإعلامية لقائد العمليات العسكرية أحمد الشرع بعد سقوط الأسد.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان "الإسرائيلي" السافر، فمن الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة مسألة وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضيتان لا تقلان أهمية عن حل المشكلات الداخلية التي تستحق هي الأخرى اهتماما كبيرا بدون شك.لا يعني هذا دعوة قيادة سوريا الجديدة لشن حرب على الاحتلال، لأن موازين القوى المختل بين الطرفين يحول دون مثل هذه الحرب، ولكن المطلوب على الأقل تهديد الاحتلال بمقاومة شعبية لعدوانه، وإدانته بلغة واضحة، والكف عن تقديم الوعود والنوايا "الحسنة" المجانية للاحتلال، ووضع الاحتلال غير القانوني للجولان والقنيطرة وغيرها من الأراضي السورية على طاولة البحث مع الوفود الأجنبية.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان "الإسرائيلي" السافر، فمن الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة مسألة وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضيتان لا تقلان أهمية عن حل المشكلات الداخلية التي تستحق هي الأخرى اهتماما كبيرا بدون شك.
إن السياسة الغربية تقوم على الضغط على دول منطقتنا بالتدريج، وكلما تنازلت قيادات هذه الدول أمام الضغوط، فإنها ستتعرض لضغوط إضافية من الغرب للحصول على المزيد من التنازلات، ولذلك فإن القيادة السورية الجديدة يفترض أن تعرف متى تقبل ومتى ترفض، وتعرف أيضا كيف تناور أمام الضغوط، بدون خسارة العلاقات مع دول العالم الضرورية لبناء سوريا وحل مشكلاتها المستعصية.
لقد بني نظام الأسد جزءا من شرعيته على دعم المقاومة وفلسطين، ولكن سوريا الجديدة التي قامت بعد ثورة وصراع طويل، سوريا الحرة وشعبها الذي بدأ يتنفس حريته وكرامته بعد سوط هذا النظام، هي الأولى بهذه الشرعية، التي ستظل منقوصة، ما دام الاحتلال الإسرائيلي يسرح ويمرح في الأراضي السورية دون خطاب قوي وموقف واضح واستعداد لمقاومة احتلال أراض سورية وفق الإمكانيات المتاحة.