صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-16@13:27:17 GMT
قحت والدعم السريع: لا تلعب بالنار إن لم يكن بوسعك إخمادها (1-2)
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ليس صعباً أن نفهم هجوم قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) (قحت) على القوات المسلحة والإسلاميين في الحرب القائمة ليومنا في السودان، فقد فُطمت أجيال منهم على معارضة دولة الجيش في السودان ومشروع الإسلاميين لـ”توبة الدولة إلى الدين” في عبارة لشيخهم حسن الترابي.
وسعيد الحظ من يجتمع عليه عصفورا خصومه لكي يصيبهما بحجر واحد، لكن مما قد يستغرب له المرء التقارب الدرامي لـ”قحت” مع قوات “الدعم السريع” بعد طول خصومة، فبدا مما تقرأ لرموز في “قحت” كأنهم يعيدون لمصلحتها كتابة تاريخها معهم.
ومن جهة أخرى، ما ذكروا جريمة قديمة معروفة لـ”الدعم السريع” مثل جرائم الحرب في دارفور منذ 2003 إلا قالوا إنها خطيئة الإسلاميين لأنهم من جيشوهم للغرض، بل قال أحدهم إن “الدعم السريع” هم أبناء “قبائل كريمة ومن شيوخ كرام حوّلهم الإخوان إلى وحوش بشرية”. وميز أحدهم قتال “الدعم السريع” بأنها تقاتل، خلافاً لقتال القوات المسلحة والإسلاميين، بشرف، وما احتلوا بيوت الناس في الخرطوم إلا مكرهين من فرط توحش الجيش.
لكن الأكثر استغراباً بالفعل هو كيف أمنت “قحت” لـ”الدعم السريع” حتى قبلت منها دعواها عن الحرب وما بعدها بغير نأمة ريبة، فزكّى السياسي المخضرم والقيادي في “قحت” ياسر عرمان، “الدعم السريع” لأنها على جانب الصحة في موقفها من الحرب وما بعدها، فقال إن الدعم “تقول عبارات صحيحة بأنها تريد إنهاء الحرب. تريد تحولاً ديمقراطياً. لن نقول لها لا تقولي ذلك. سنختبرها عملياً. دع الفريق أول البرهان والقوات المسلحة تقول الشيء نفسه، وأن يذهبا معاً للتوقيع على الاتفاق الإطاري”. وهذا الإطاري هو الذي انفجرت الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي في سياق خطته للإصلاح الأمني والعسكري. ولا يعرف المرء إن جاز لسياسي محنك مثل عرمان إرجاء الحكم على مصداقية مثل “الدعم السريع” للزمن. فما رآه الناس منها في الحرب والسلم منذ قيامها في 2013 موجب للحذر من دون مثل تزكية عرمان التي تعطل الحكم بالسابقة في انتظار اللاحقة.
وهي تزكية بدا أن قوات “الدعم السريع” استحقتها لأياديها على “قحت” وهي في غمرة الصراع مع الإسلاميين وخصومها الآخرين في الحرية والتغيير طوال النصف الثاني من 2022. فلم يرحب محمد حمدان دقلو بمبادرة الطيب الجد، خليفة الشيخ ود بدر في ضواحي الخرطوم التي تنادى إليها أولئك الخصوم في أغسطس (آب) 2022. فصب حميدتي ماءً بارداً عليها لم ينتظره الإسلاميون منه. كما رحب بمشروع الدستور الانتقالي، مع أنه لم يطلع عليه، وقد وضعته تسييرية نقابة المحامين ذات الميل لـ”قحت” في حين ناصبه خصومها العداء، بل ندد في خطاب له تفريق الدولة بين المتظاهرين بحسب غرضهم، فقال إنها أذنت لخصوم “قحت” بالتظاهر حتى عند بوابة القصر الجمهوري في حين فرقت موكب لشباب المقاومة بالقوة.
وأضاف “أنا مع التغيير، حتى الشباب الذين يسيئون إليّ في الشوارع أنا معهم”، ثم توج ذلك كله بالاعتذار من انقلاب الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) 2012 الذي أطاح الحكومة الانتقالية لثورة 2019 وقال إنه كان خطأ ليعلن التزامه ما ورد في الاتفاق الإطاري حول مبدأ “الجيش الواحد ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة”.
ووجدت “قحت” في تحولات حميدتي المتسارعة إلى صفها نصرة في وجه معارضيها من الإسلاميين وغيرهم وعزاء، فرحبت مثلاً ببيان حميدتي في الـ22 من يوليو (تموز) 2022 الذي اعتذر فيه من الانقلاب وقالت إنه “جاء كامتداد لخطوات تراجع السلطة الانقلابية والتي نتجت من بسالة شعبنا وتمسكه بقضاياه العادلة واستكمال مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة”.
لا يتوقع المرء من سياسي مثل عرمان قضى سحابة صباه حتى الشيخوخة في أسخن محطات السياسة السودانية أن يؤجل الحكم على مشروع قوات “الدعم السريع” إلى يوم في المستقبل. فكان المنتظر أن تسعفه فراسته للحكم عليه من فوق معرفة أدق بنظمها وسلسة القيادة فيها ومواردها وعلاقاتها الإقليمية والعالمية. وهي التفاصيل التي يلبد الشيطان في طياتها في عبارة إنجليزية أشاعها عرمان في خطابنا السياسي.
من جهة أخرى، فهذه ليست مرة عرمان الأولى في التعاطي مع جيش غير نظامي، فكان اختلف مع الحزب الشيوعي في 1988 حول ما وصفه بموقف الحزب السلبي من حركة تحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق، ورغب عرمان في أن يرى حماسة أكبر لهما من الحزب، بل انتظاماً من عضويته في سلكهما لبناء السودان الجديد المقطوع من قماشة برنامج الشيوعيين أنفسهم. ولم يتفق موقفه للحزب الذي كان يرى استنفاد النظام الديمقراطي القائم آنذاك بفضل ثورة أبريل 1985. وافترقا ليلتحق عرمان بالحركة الشعبية ويتميز سياسياً بين صفوفها وعند زعيمها.
فماذا كانت محصلة هذا الجيش غير النظامي، الذي هاجر إليه عرمان من وطن ديمقراطي يطلب ديمقراطية أفضل، في الحكم؟ لن نطيل وسنكتفي بالقول إنه لا أحد، بعد أن رأينا من حال جنوب السودان بعد استقلاله، يأتي بذكر السودان الجديد على فمه هذه الأيام. كأن مأمولاً أن يكون جنوب السودان واجهة تسوق للفكرة فصار مقبرة لها.
ونواصل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
إ
عداد: يوسف عزت
*مقدمة:* يواجه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، حيث تعكس المواجهة المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني صراعًا أكثر تعقيدًا من كونه نزاعًا عسكريًا. فعلى الرغم من النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع في بداية النزاع، إلا أنها تعاني حاليًا من تراجع ملحوظ على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعسكرية. يهدف هذا التحليل إلى دراسة الأسباب الجوهرية لهذا التراجع، مع التركيز على العوامل البنيوية، والسياسية، والقيادية. كما يسعى للإجابة على السؤال المركزي: هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات وضمان بقائها وسط هذا التصعيد؟ *أولاً: غياب الانضباط والانفلات الأمني* تعدّ السيطرة على الأمن والنظام أحد العناصر الأساسية للحفاظ على الشرعية والقبول الشعبي. غير أن الواقع في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع يُظهر اختلالًا أمنيًا خطيرًا انعكس في انتشار أعمال النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين. ويمكن تحليل آثار هذا الانفلات من خلال بعدين أساسيين: 1. فقدان التأييد الشعبي: • أسهمت الانتهاكات الميدانية في تقويض الثقة الشعبية بقوات الدعم السريع، خاصةً في المناطق الحضرية التي كانت أكثر تضررًا من عمليات النهب والاعتداءات. • انعكست هذه الانتهاكات على صورة القيادة باعتبارها غير قادرة على السيطرة على عناصرها، مما أدى إلى عزلة متزايدة في الأوساط المجتمعية. 2. تعزيز الفوضى وانعدام السيطرة: • أدى غياب المحاسبة الداخلية إلى بروز مجموعات منفلتة تعمل خارج السيطرة المباشرة للقيادة، مما كرّس بيئة من الفوضى وصعوبة استعادة النظام. *الخلاصة:* أضعف الانفلات الأمني قدرة الدعم السريع على تقديم نفسه كفاعل منظم ومشروع، وخلق حالة من الاستقطاب السلبي ضده داخل المجتمعات المحلية. ⸻ *ثانياً: تراجع الرؤية السياسية وانعدام المصداقية* بدأت قوات الدعم السريع مسارها السياسي بعد اندلاع الحرب عبر طرح رؤية الحل الشامل دات النقاط العشر، والتي لاقت قبولًا داخليًا وخارجيًا باعتبارها محاولة لصياغة مشروع سياسي مدني. إلا أن هذا الزخم تلاشى بسبب تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني. 1. التناقض في الخطاب السياسي: • اعتمدت القيادة خطابًا يركز على مواجهة الإسلاميين (“الكيزان”)، مما أكسبها دعمًا مؤقتًا من القوى المدنية المناهضة للنظام السابق. • غير أن وجود عناصر محسوبة على الإسلاميين داخل صفوف الدعم السريع قوّض مصداقية هذا الخطاب، وكشف عن تناقض جوهري بين الشعارات والممارسات. 2. تأثير الحرب على الأولويات السياسية: • فرضت الحرب أولويات جديدة على قيادة الدعم السريع، حيث أصبح الحشد القبلي والاجتماعي أولوية تفوق الالتزام بالمشروع المدني، مما أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية. *الخلاصة:* غياب خطاب سياسي متماسك يعكس رؤية مستقبلية واضحة أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والانكشاف أمام المجتمع الدولي كفاعل غير قادر على الالتزام بمبادئ التحول المدني. ⸻ *ثالثاً: ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار* تعاني قوات الدعم السريع من أزمة قيادية بنيوية تتجلى في غياب مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتظهر هذه الإشكالية في النقاط التالية: 1. تعدد دوائر صنع القرار: • يشكل التداخل بين القائد الأول (محمد حمدان دقلو – حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) مصدرًا لتضارب القرارات وتباطؤ الاستجابة للأحداث. • تسهم تأثيرات المحيطين بالقيادة من أفراد الأسرة والمقربين في خلق ديناميكيات معقدة تُعيق اتخاذ قرارات حاسمة. 2. غياب التخطيط طويل الأمد: • تفتقر القيادة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث يعتمد اتخاذ القرارات على ردود الفعل الآنية دون تحليل معمق للعواقب المستقبلية. *الخلاصة:* انعكس غياب القيادة المركزية الموحدة على كفاءة إدارة الحرب، وتسبب في قرارات متضاربة، مما أضعف الموقف السياسي والعسكري للدعم السريع. ⸻ *رابعاً: أزمة التحالفات السياسية والعسكرية* تورطت قيادة الدعم السريع في تحالفات متباينة مع قوى سياسية وعسكرية، خلال السنوات الماضية آخرها تبني مشروع “السودان الجديد”. لكن هذه التحالفات تعاني من تناقضات بنيوية واضحة: 1. التناقض مع التركيبة الاسرية والاجتماعية للدعم السريع: • يتطلب مشروع السودان الجديد إعادة هيكلة الدعم السريع كمؤسسة قومية ديمقراطية، في حين أن بنيته القائمة تعتمد على قيادة الأسرة والولاءات القبلية. 2. الطابع التكتيكي للتحالفات: • تتعامل قيادة الدعم السريع مع التحالفات كأدوات مرحلية فرضتها ظروف الحرب، دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات. *الخلاصة:* غياب رؤية استراتيجية للتحالفات والثبات عليها جعل الدعم السريع يبدو كفاعل انتهازي، مما يهدد استمرارية هذه التحالفات ويؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة. *خامساً: الصدام مع الدولة المركزية وتأثيره على الاصطفاف القبلي* أدى الصدام المباشر بين قوات الدعم السريع والدولة المركزية إلى إعادة تشكيل الاصطفافات القبلية في السودان بصورة غير مسبوقة فللمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث، أصبحت المجتمعات العربية منقسمة بين دعم الجيش أو الدعم السريع، مما أدى إلى حالة استقطاب حاد والدخول في حرب اهلية مباشرة. • دفع هذا الاستقطاب المجتمعات إلى تسليح نفسها بشكل مستقل، مما حول الحرب لحرب أهلية واسعة النطاق ذات قوى متعددة. *الخلاصة:* ساهم الصدام مع الدولة المركزية في تفكيك التحالفات القبلية التقليدية وأدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية واعاد المكونات العربية في غرب السودان إلى محيطها التقليدي والتحالف مع قوى الهامش التي كانت تستخدم هذه المجتمعات لقمعها ،كأداة لسلطة المركز . يمكن تطوير هذا التحول لحل صراع المركز والهامش بتبني مشروع دولة خدمية بدلا من التعريف التقليدي للصراع بأن المركز هو عروبي إسلامي والهامش إفريقي زنجي وهو تعريف غير صحيح كرست له سلطة الحركة الإسلامية وعمقتها وتبنتها كسياسات حتى الان ، وكنتيجة لذلك انفجر الصراع بهذه الصورة التي نشهدها الان ، ولكن يمكن وفق المعادلات الراهنة الوصول لحلول لصالح جميع السودانيين من خلال التفكير الواقعي والاعتراف بالأزمة وحلها حلا جذريا وذلك يحتاج لعقول تنظر إلى ابعد من مصالحها. *الإجابة على السؤال الجوهري:* هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات التي تقع في مناطق سيطرتها وضمان بقائها؟ بناءً على التحليل السابق، لا تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف، وذلك للأسباب التالية: 1. الارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي. 2. التناقض في الخطاب السياسي والممارسات. 3. غياب قيادة موحدة لاتخاذ القرارات. 4. الاعتماد على تحالفات ظرفية غير مستدامة. 5-عدم القدرة هلى التخلص من ارث الماضي والتكيف مع التحولات التي تستدعي اعادة تشكيل القيادة وصياغة مشروع وطني يمثل مصالح قطاعات واسعة تتبناه وتشارك في تنفيذه. *توصيات* 1. إعادة هيكلة القيادة: إنشاء مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. 2. ضبط الأمن: فرض انضباط صارم على القوات ومحاسبة المتجاوزين. 3. صياغة رؤية سياسية متماسكة: تطوير مشروع وطني يعكس المصالح الحقيقية لجميع الفئات. 4. تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الكفاءات المحلية في صنع القرار. 5. تبني استراتيجية طويلة الأمد: التركيز على حلول مستدامة تربط بين الأمن والسياسة والتنمية. *خاتمة* يتضح أن قيادة الدعم السريع تواجه تحديات بنيوية تهدد بقاءها كفاعل سياسي وعسكري مؤثر. إن غياب التفكير الاستراتيجي والارتباك في الخطاب والممارسة يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على إصلاح هذه الاختلالات واعتماد رؤية متماسكة ومستدامة. الدعم السريعالمستشار السياسي السابقحميدتي