الكنيسة القبطية تُسخر جهود أسقفية الخدمات من أجل غزة

البابا تواضروس يعلن مبادرة قبطية لتقديم المساعدات والتبرعات لغزة

 لا يبخل التاريخ بالحديث عن أرض فلسطين، فهى مهد الديانات ومحط أنظار وأطماع العالم منذ آلاف السنين، وبها تضم أقدم الكنائس وأعظم المساجد كما شهد ترابها ملاحم وطنية ومرور الأنبياء وحدوث المعجزات.

ويلتفت أنظار العالم مؤخرًا لمتابعة ما تشهده أرض غزة من أحداث متعددة الأوجه قاسية المعالم فتكت بالإنسانية وانتهاك القانون الدولى بالتعدى والقصف المتعمد على المدنيين والمستشفيات والمساجد والكنائس.

لا يكل الظالم من التعدى ولا يراعى حرمة الأديان السماوية فمنذ اندلاع الحرب الأخيرة، تنتشر مقاطع الفيديو وصور الضحايا والأطفال الجرحى يشيب لها الرأس، وتُعيد هذه الوقائع لمحات تاريخية محفوظة فى الكتاب المقدس عن مذبحة الأطفال الأبرياء التى كانت فى عهد هيرودس الملك، الذى لم يستطع كبح غضبه عندما أخبره المجوس بظهور علامات تنذر ملكًا جديدًا لليهود وهو «السيد المسيح»، فخاف على عرشه المهزوز وأمر بقتل جميع الأطفال فى بيت لحم من عمر سنتين ما دون.

ويروى الإنجيل عن تفاصيل الواقعة، بعد مولد المسيح ظهرت علامات كونية بارزة كان يعلمها المجوس وهى عبارة عن «ظهور نجمة فى اتجاه الشرق» وتعد إشارة بمولد ملك «لليهود»، وبعدما ظهرت ذهبوا لهيرودس حتى يلتقون بالملك الجديد، الأمر الذى أشعل غضبه وأرسل جنوده فى ربوع الأرض حتى يقتلون الأطفال الأبرياء وأرشد الله العائلة المقدسة فى هذه اللحظة للهروب إلى مصر حتى تحتضن أراضيها مخاوف الطفل يسوع وأمه العذراء والقديس يوسف البار ويعيشون فى سلام وأمان.

تتشابه مخاوف العائلات فى بيت لحم وهم لا يعلمون بأى ذنب تقتل أطفالهم بما يحدث فى غزة هذه الفترة وتعيد إلى الأذهان تلك المشاعر المدونة فى (مت 18:2) من الكتاب المقدس عن قصة الأم التى فقدت أطفالها «صوت سمع فى الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير راحيل تبكى على أولادها ولا تريد أن تتعزى، لأنهم ليسوا بموجودين».

وأدانت الكنائس المصرية الأرثوذكسية، والإنجيلية والكاثوليكية، شتى أنواع العنف والقصف الذى استهدف الأبرياء فى المستشفيات والكنائس والمساجد.

وحرص قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، على التعبير عن رفض واستنكار الكنيسة القبطية والمجمع المقدس لما يحدث ‏فى فلسطين وأنها أحداث ليس بها التكافؤ فى شتى الجوانب.

وتناول فى مستهل العظة الأسبوعية خلال اجتماع العام الذى أقام الأربعاء الماضى، بكنيسة الشهيد مار جرجس بمنطقة أرض الجنينة بالزاوية الحمراء التابعة لقطاع كنائس شرق السكة الحديد، بعد عودة قداسة البابا من جولته الرعوية فى إيبارشيات المهجر بميلانو وفينيسيا، موضوع الإنسانية فى الوضع الراهن جراء مايحدث فى فلسطين قائلًا: قلوبنا تعتصر ألمًا مما يحدث على أرض غزة والأعداد الكبيرة فى الضحايا من شهداء والمصابين ومن أسر ومشردين وعنف قاسٍ للغاية، والتعدى على القوانين الدولية فى الهجوم على المستشفيات.

وتوحدت سُبل المساعدات بين الطائف المسيحية فرفعت أصواتهم خلال الصلوات من أجل أن يعطى الله سلامًا ويعطى هدوءًا ويعطى حكمة فى الأبرياء غزة وقطاعات فلسطين، وقال البابا تواضروس: «حياة الإنسان هى أغلى عطايا الله، أما أن الإنسان يقوم بتدمير الحياة بنفسه فهذا شر عظيم أمام الله ونؤمن أن الله سيسكب رحمته وحنانه على كل القلوب المجروحة والمتألمة».

وأعرب البابا تواضروس الثانى عن تأييده للدولة المصرية بخصوص الأحداث الجارية فى فلسطين، خطورة ترك أراضيهم التى تعيد للأذهان أحداث ١٩٤٨، منذ ٧٥ سنة، حينما أبعدوا الفلسطينيين عن بيوتهم وممتلكاتهم.

وأعلن البابا فى حديثه عن إطلاق الكنيسة المصرية مبادرة لتقديم المساعدات والتبرعات العينية والمادية من أغذية وأدوية ومستلزمات صحية، ومواد متنوعة من خلال أسقفية الخدمات والصلاة لأجل انتهاء الحرب وأكد قداسته، فى بداية عظته أن تعاطف الكنيسة مع فلسطين ليس مجرد تعاطف كلامى بل هناك أفعال مجسدة على أرض الواقع.

كما دعا أبناء الكنائس القبطية للمشاركة فى تقديم المساعدات لكنائسهم التى ستقوم بجمعها وتحويلها لمركز مار مرقس بجوار كنيسة السيدة العذراء والقديس أثناسيوس بمدينة نصر، موضحًا أن هذه المساعدات ستتمكن من العبور إلى غزة بالتعاون مع التحالف الوطنى للعمل.

واستكمل العظة الروحية ضمن سلسلة «صلوات قصيرة من القداس» وتناول جزءًا من الإصحاح الثالث من سفر أعمال الرسل والأعداد (١ - ١0)، وأشار إلى طِلبة قصيرة من الطِلبات التى ترفعها الكنيسة فى القداس الغريغورى، وهى: «معونة للمساكين»، وكان فى مستهلها كلمة لنيافة الأنبا مارتيروس الأسقف العام لكنائس قطاع شرق السكة الحديد، وعبر خلالها بالترحيب الجم بقداسة البابا فى زيارته الأولى للكنيسة، كما شهد قداسته تكريم أوائل الشهادات من أبناء القطاع.

وفسر البابا أوصاف أنواع «المساكين»، والتى يأتى فى مقدمتها الذين يعيشون حالة «الاتضاع» أو «الوداعة على الدوام»، ولذلك تسير حياتهم باستقامة، كما ورد فى آيات «لو ١: ٤٦ – ٤٨»، ويأتى فى ثانى مراتب الذين لديهم احتياجات بمختلف أنواعها وليس الفقراء للمال فقط، «مت ٢٥: ٣٤، ٣٥»، وفى ثالث نقاط الذين لا يعرفون الله، ويجهلون الرب، ولا يعرفون الله صاحب النِعم والخيرات.

كما شرح قداسته أهمية الاهتمام بـ«المساكين» كما أوصى الله ومن أمثلتهم كما ورد فى الكتاب المقدس، مثل: داود النبى فى وقت ما من حياته، إرميا النبى الذى حمل فى قلبه آلام شعبه، والسيد المسيح نفسه.

كما كشف عن الأنواع التى وردت نوعين من المساكين والفقراء للمال فى الكتاب المقدس، وهو غير المحتاج الذى أخذ من المسكين، كآخاب الملك الذى أخذ حقل نابوت اليزرعيلى عنوة.

وكغيرها من المسائل التى وضع لها الكتاب المقدس طرق للتعامل مع المساكين، حتى تتحسن الأوضاع الحياتية وتسنح الفرصة للتعايش فى سلام ومحبة بين الجميع، ومن خلال الاحترام والتقدير لشخصه المسكين: وقول الحقيقة وهذه الوصية والطريقة وردت فى (أع ٣: ٤، ٦)، وأما عن الطريقة الثانية التى تحقق تعامل سالم وحقيقى مع الآخر هو الاستعداد للعطاء بقلب كريم ورحيم وبأمانة كما ورد فى (أع ٣: ٦).

وخلال العظة أشار إلى أنواع الاحتياجات التى يريدها الإنسان وطرق إشباعها، ومنها الاحتياج للمعونة النفسية، من خلال التشجيع والتقدير والحب، وأيضاً الروحية، عن طريق التعريف بكيفية الاندماج فى الكنيسة، وتعليم الصلاة بالأجبية، وتخصيص دور فى الخدمة، وهناك احتياج ومعونة مادية بتوفير السكن والتعليم، وتوفير العلاج، والأخيرة هى المعونة الاجتماعية ويحتاج فيها الإنسان أن يشعر بحضوره ودوره المؤثر بين أقارنه بالمجتمع.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الحديث أرض فلسطين المساجد الكتاب المقدس البابا تواضروس الکتاب المقدس

إقرأ أيضاً:

أخوات الجهاد

حنان عبدالوهاب الشهاري

عرفنا الكثير من قصص المؤمنين المجاهدين وما تربطهم من أخوة إيمانية عظيمة، البعض منهم يتعارفون أو تكون لهم علاقة صداقة أو علاقة أسرية فينطلقون في درب الجهاد سويا، والبعض منهم لم يجتمعوا إلا في درب الجهاد فتلتقي أرواحهم هناك ويتحركون فيه سويا وكأنهم روح واحدة، همها واحد وغايتها واحدة، وهناك الكثير من القصص التي حدثت فعرفنا الكثير ممن يستشهدون، فيصبح أخوتهم في الإيمان غرباء في الدنيا من دونهم وكأنه ليس لهم في الدنيا سواهم وهذا طبيعي فليس هناك أقوى من الروابط الإيمانية.. فتضيق صدورهم بغيابهم ، ويتمنون اللحاق بهم والاجتماع معهم؛ فما يلبثون إلا قليلا ويحقق الله لهم ذلك فيلحقوا بركبهم لما علم الله من صدقهم وإخلاصهم وتفانيهم قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ فسرعان ما يقبلهم الله ويمنّ عليهم ليلحقوا بأحباء القلب ورفقاء الدرب ويستأنفون الحياة سويا هناك أحياء عند ربهم يرزقون.

ولكن يا ترى هل هذا فقط يحصل مع الرجال أم أن هناك قصصا أخرى تحدث لرفيقات الدرب مخلصات الحب لله ولرسوله وأعلام الهدى والمؤمنين؟!
إن كنتم تجهلون فهناك الكثير من القصص التي تحدث للنساء المؤمنات ربما الكثير منهن لا يستشهدن في ميادين الكرامة والإباء والقليل منهن قد استشهدت وحظيت بذلك الفضل العظيم، ولكن لما يعلم الله من إيمان من لم تستشهد، وكون المرأة ليس لها فرصة الحضور في الجبهات كالرجال، لكن لصدقهن قد يتمنن الله عليهن بأجر عظيم كأن تكون هناك أمٌ عظيمة ربت ذلك المؤمن المجاهد الحاضر في كل جبهة أو أصبحت أم لشهيد فحظيت بأجره لا تنقص منه شيء، أو ابنة صالحة أيدت أباها على الجهاد، ولربما زوجة مؤمنة أعانت زوجها ولم تثنه يوم عن الجهاد وعن واجبه الديني والأخلاقي فضحت بحياتها واستقرارها الأسري إلى أن حظيت بشرف أن تحمل لقب أرملة شهيد لتتحمل بعده رعاية أطفاله والقيام بدور الأم والأب معًا، وهي مسؤولية ليست بهينة، ولكنها في تلك الحالة تكون في معية الله هي وأطفالها كما لم يغفل السيد يحفظه الله عنهن وعن أطفالهن ومعه المجتمع المؤمن المتماسك الذي يقدر تلك الإنسانة العظيمة ويعينها على الحياة، فهنيئا لنا بشرف حمل مسؤولية الجهاد والحمدلله الذي وفقنا بتلك القيادة العظيمة “السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي”، وبذلك المجتمع المؤمن المتكاتف الذين هم كما قال تعالى:﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ ونعاهدك سيدي أن نبقى على العهد والوعد وأن نبذل كل ما بين أيدينا إلى أن يتقبلنا الله بذلك.
صديقاتي ورفيقات دربي منذ الطفولة إلى أن أصبح لكل واحدة منا حياتها الخاصة التي ضحت بها في سبيل الله وبإيمان واقتناع وبحب وإباء، الحمدلله الذي وفقني بصديقات أو بالأصح أخوات مؤمنات جمعتني بهن مراحل كثيرة في حياتي، تشاركنا فيها برآءة الطفولة، وتشاركنا في بعض مراحلها دروب الجهاد إلى أن وصلنا وبكل إخلاص إلى مرحلة الصبر على فراق مجاهدينا لأيام وأشهر إلى أن انتهى بنا المطاف إلى فقدهم كليًا لم نثنهم أو نثبطهم يوما عن الجهاد في سبيل الله، رغم صعوبة ذلك ولكن حبا لله وطلبا لرضاه، لتبدأ بعد ذلك كل واحدة منا صفحة جديدة مصممة فيها على إكمال خط الجهاد لم تهن يوما أوتضعف، البعض لها أطفال من الشهيد وقد حملت على عاتقها مسؤولية أن تجعل من ذلك الشبل أسدًا كأبيه، أو تلك الفتاة زهرة محصنةً بالثقافة القرآنية لتواصل بذلك درب شهيدها وتخلص في تربية من كانوا فلذات أكباده.
الحمدلله أن وفقني بخير صحبة ورفقة أخوات مؤمنات قويات تعلمت منهن الكثير من دروس الصبر والإباء والتضحية والفداء، قويات فعلا فلم تزدهن التضحية إلا إخلاصا وانطلاقًا، أهدي تحيتي وإجلالي لكل المؤمنات المجاهدات العظيمات التي يتحقق فيهن كل ما ذكرت وأخص بالذكر أخواتي ذكرى الوشلي ،زينب الوشلي، أمة الصبور الماخذي، ومن استشهد قريبا حبيب روحها وشريك حياتها ضحى الجرموزي، أحبكنّ في الله.
هناك الكثير من النماذج والقصص العظيمة والنساء المؤمنات المستبسلات في سبيل الله من دفعن بأزواجهن.. بأخوتهن.. بأولادهن الواحد تلو الآخر ليجاهدوا في سبيل الله ويقفوا في وجه الكفار الطغاة المجرمين وينصروا المظلومين والمستضعفين.
فالتحية والإجلال لكل أم وبنت وأخت وزوجة رمت بكل الحياة وزينتها وراء ظهرها لتنطلق في سبيل الله لا ترجوا إلا رضاه.

مقالات مشابهة

  • تحالف منظمات حقوقية عربية وإفريقية يرفض التهجير القسري لشعب فلسطين
  • أخوات الجهاد
  • الفاتيكان ينتقد بشدة خطة ترامب بشأن غزة ويعارض تهجير الفلسطينيين
  • مكي «الجريء» (بروفايل)
  • «الغاوي».. أكشن ودراما شعبية في حواري الجمالية (ملف خاص)
  • المسجد الأقصى أقل قداسة من مكة .. مفتي الجمهورية يرد
  • خطيب وزارة الأوقاف: يحاول شرذمة من البشر تصفية قضية بلد قبلتنا الأولى
  • محمد عبدالجواد يكتب: سفينة نوح.. وبرميل البارود!
  • الحديث عن على قاقارين لاينتهى
  • ظلم الفلسطينيين يهدد العالم بالفوضى