تركنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح لنا في الدنيا والآخرة، ونهانا عن كل ما يعرضنا لغضب الله سبحانه وتعالى.

من أبرز صفات المسلم البر بالوالدين والإحسان إليهما، وأن الله رفع مقام الوالدين إلى مرتبة لم تعرفها البشرية في غير هذا الدين، إذ جعل الإحسان إليهما والبر بهما في مرتبة تلي مرتبة الإيمان بالله والعبودية.

بر الوالدين بين أعظم عملين فى الإسلام 

قال الله تعالى-: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و بالوالدين إحسانًا »، وقوله - عز وجل-: « ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا».

فالقرآن يضع منهجًا في كيفية معاملة الأبوين عندما يبلغان مرحلة الهِرَم و الشيخوخة، قال -تعالى-: « إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ....»، فإذا لا حظنا قول الله جيدًا لوجدناه يقول { يبلغن عندك} أي: في رعايتك وحمايتك وحفظك.

ومن السنة المؤكدة لهذا المعنى القرآني، فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- قال: «سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ».

فرسولنا - صلى الله عليه وسلم- المربي العظيم وضع بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها، والجهاد في سبيل الله ، وفي الصحيحين: "أن رجلا جاء فاستأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم -في الجهاد، فقال" أحي والداك؟ "قال:نعم، قال " ففيهما فجاهد".

وفي الحديث الصحيح: "هل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور".

اقرا المزيد 

مصير الأطفال بعد موتهم.. على جبل في الجنة يكفله سيدنا إبراهيم ليوم القيامة احذر من هذه اليمين بعد صلاة العصر ؟ بر الوالدين 

قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو كبار هيئة العلماء، إن هناك أعمال تُكفر الذنوب وتمحو الخطايا.

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: قال بر الوالدين كفارة الكبائر.

عقوق لوالدين عواقبه شديدة ووخيمة

قالت دار الإفتاء المصرية، إن عقوق الوالدين ينزع البركة من الحياة والمال والولد فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( من أحب أن ينسأ له فى أجله ويبارك له فى رزقه فليصل رحمه)) كذلك عندما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر ذكر منها أن من أعظم الكبائر عقوق الوالدين كما جاء في الصحيح من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا؟ قالوا: بلى -يا رسول الله-، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين بل إن القرآن الكريم قرن الشرك بالله بعقوق الوالدين.

وأضافت دار الإفتاء، فى منشور لها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن الله تعالى نهى عن عقوق الوالدين، وجعل عواقبه شديدةً ووخيمةً؛ ففيه عقوبة في الدُّنيا قبل الآخرة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، والعقُوقُ» رواه الحاكم.

ما عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة ؟ 

حث الشرع الحنيف على بر الوالدين ورغب فيه، وحرم عقوق الوالدين وعده من كبائر الذنوب، وجاءت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنّة الشريفة حاثّةً على البرّ ومحذّرةً من العقوق في حقّ الوالدين في مواطن كثيرةٍ.

 

هذا ما أعده الله للكاظمين الغيظ في الدنيا والآخرة.. فرصة عظيمة اغتنمها لماذا أوصى النبي بصلاة الظهر في وقتها؟.. اعرف السبب حكم بر الوالدين

وأوجب اللهُ تعالى ورسولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم بِرَّ الوالدين والإحسان إليهما في مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا» (الإسراء: 23، 24).

وقَرَنَ الله تعالى بر الوالدين بعبادته، وقرن عقوقهما بالشرك به سبحانه؛ قال تعالى: «وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» (النساء: 36)، وقَرَن الشكرَ لهما بشكره سبحانه وتعالى بقوله: «أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ» [لقمان: 14]، وأكد على ذلك كلِّه حتى في حال أمرهما لولدهما بالشرك؛ قال تعالى: «وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡم فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفا» (لقمان: 15).

وامتدح اللهُ تعالى سيدَنا يحيى عليه السلام قال: «وَبَرَّۢا بِوَالِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّا» (مريم: 14)، وإنما لَم يأمر الوالدين بمِثل ذلك للاستغناء بالطبع عن الشرع؛ فعلاقة الوالدين بولدهما هي علاقة طَبَعِيَّة جُبِلَت عليها الفطرة السوية.

حكم البر بالوالدين

اتفق أهل العلم على أن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، قال الإمام النووي: «وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين، وأن عقوقهما حرامٌ من الكبائر».

والبر بالوالدين فرضُ عينٍ؛ فهو عبادةٌ لا تقبل النيابة؛ قال العلَّامة برهانُ الدين ابنُ مازه البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (5/ 386، ط: دار الكتب العلمية): «وطاعةُ الوالدين وبِرُّهُما فرضٌ خاصٌّ لا يَنُوبُ البعضُ فيه عن البعض»، بخلاف رعايتهما؛ فإنها فرضُ كفايةٍ.

وورد في الحديث الذي روي عن أَبي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ ثَلاثًا، قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإِشْراكُ بِاللهِ وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ وَجَلَسَ، وَكانَ مُتَّكِئًا، فَقالَ أَلا وَقَوْلُ الزّورِ قَالَ فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ».

عقوبة عقوق الوالدين

أولًا: من عقوبة عقوق الوالدين استحقاق لعنة الله لمن سب والديه أو لعنهما: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ، مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ، مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ»، وفي رواية ابن حبان: «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ».

ثانيًا: من عقوبة عقوق الوالدين تعجيل عقوبة العاق لوالديه في الدنيا قبل الآخرة: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اثْنَتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ».

ثالثًا: من عقوبة عقوق الوالدين أنها أسباب دخول النار، فيُحرَم العاقُّ لوالديه من دخول الجنة، لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنة عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدمن خمر».

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ».

رابعًا: من عقوبة عقوق الوالدين: استجابة دعوة الوالد على ولده العاق، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ».

خامسًا: من عقوبة عقوق الوالدين لا يَسلَمُ عاقّ الوالدين من انتزاع البركة من عمره وحياته، وقلّة الرزق، وعدم استجابة دعائه، وحرمانه من رفع أعماله إلى السماء، وهو مخلوف بعقوق أبنائه وذريّته من بعد عقوقه لوالديه.

سادسًا: منعقوبة عقوق الوالدين يفتح عاق والديه على نفسه بابين من أبواب جهنم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصْبِحُ وَوَالِدَاهُ عَنْهُ رَاضِيَانِ، إِلَّا كَانَ لَهُ بَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصْبِحُ وَوَالِدَاهُ عَلَيْهِ سَاخِطَانِ، إِلَّا كَانَ لَهُ بَابَانِ مِنَ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ».

أهمية رضا الوالدين

لرضا الوالدين على أبنائهما أهميةٌ بالغةٌ، تظهر في العديد من الأمور، وفيما يأتي بيان بعضها:
1- نيل البركة في العمر، والسعة في الرزق، وذلك يكون بعدّة صورٍ، منها: البركة في استغلال العمر بالطاعات والعبادات، ونيل التوفيق من الله تعالى، أو يكون بأنّ الملائكة عندما تعلم بأنّ العبد يصل رحمه، فتقوم بتغيير عمره بسبب وصله للرحم، حيث قال الله تعالى: (يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ).

2- نيل الدعاء المستجاب من الوالدين، ومما يدل على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثُ دَعَواتٌ مُستجاباتٌ، لا شكَّ فِيهِنَّ: دَعوةُ الوالِدِ على ولدِهِ، ودعوُةُ المسافِرِ، ودعوةُ المظلُومِ»، وذلك إكرامًا للوالدين من الله تعالى.

3- برّ الوالدين يدل على كمال الإيمان، كما أنّه من حسن إسلام العبد، كما أنّه من الطرق الموصلة إلى الجنة في الحياة الآخرة، وبه يرتفع ذكر العبد في الحياة الدنيا والآخرة.

4- برّ الوالدين يعدّ من أسباب تفريج الهموم والكروب، وكشف الابتلاءات.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: بر الوالدين عقوبة عقوق الوالدين صلى الله علیه وسلم الدنیا والآخرة بر الوالدین ر الوالدین الله تعالى رسول الله فی الدنیا الله عنه ى الله ع ول الله م ل ع ون ن الله

إقرأ أيضاً:

أعظم سلاطين الشرق

 

محمد رامس الرواس

عندما كنت أقرأ فيما كتبه المورخون والرحّالة الغربيون عن السيد سعيد بن سلطان- طيب الله ثراه- شعرت وكأنني أقرأ سيرة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- فلا غرابة؛ فهو جده الرابع، وبلا شك تناسلت الجينات الوراثية في سلطان آخر بسماتٍ خاصة مرة أخرى في الدولة البوسعيدية.

والسلطان قابوس بن سعيد، حظي بشبهٍ عظيم مع جده في الخصال والسمات والصفات والطباع والأخلاق والمشاعر والمعاني العظيمة؛ منها الحزم والعزم، والتصميم على الإنجاز لصالح الشعب، إلى جانب العديد من الصفات التي جمعتهما وأولها السلوك المُستقيم، وحبهما الدائم للعدالة والرأفة التي اشتهرا بها، مع الالتزام بالأخلاقيات الإسلامية الحميدة، وتمتعهما بالمهابة التي كانا يتصف بها كلاهما، ومعاملة الرعية برفق، مع الصرامة في تنفيذ القوانين المُنظِّمة للدولة.

وهناك العديد أيضًا من الخصائل والصفات تجمع بينهما، ومنها: إخلاصهما الشديد لشعبهما، وعدم مُحاباتهما للقريب على حساب الرعية، فقد كانا- طيب الله ثراهما- نموذجين لسلاطين عُمان الأمجاد، اللذين تجمعت فيهما صفات البسالة والشجاعة والعدالة والتسامح؛ فهما عنوانان في التسامح العقائدي مع الآخر، هذا بجانب أن كلاهما كان يتمتع بثقافة الملاحظة الدقيقة والفاحصة في معالجة معاملات أمور الدولة، ولقد كانا قريبين جدًا من الناس؛ حيث يستطيع أي شخص أن يقترب منهما ويتحدث إليهما، وهو نهج استمر طويلًا؛ مما غرس وثبَّت محبتهما في قلوب الرعية. وكان خطابهما يتسم بالصدق الحقيقي، بجانب أن خطبهما لم تكن متكلِّفة بل مباشرة وتلج إلى القلوب والعقول، ولن يفوتنا هنا أن نذكر سعيهما الدائم والمستمر لصناعة السلام، والمضي على نهج الوئام.

أما من ناحية البر والإحسان، فقد كان كلاهما يزوران والدتهما بصفة مستمرة مع تميزهما باللطف وحسن المعاملة مع الآخر، وأقصى درجات الرأفة والنزاهة مع من حولهما، مع اهتمامهما الشديد بمصالح الناس والرعاية واحترامهما لهما مما عزز مكانتهما. واتصف السلطان سعيد والسلطان قابوس بالسخاء والشجاعة الشخصية؛ وكانا يتسمان بالوقار ويمتعان بحب فائق بين الناس، ولقد تحلّى كلاهما بأخلاق سامية، بجانب التشابه الكبير في ملامح الوجه، خاصة اللحية البيضاء المشتبكة مع الشارب، والعينين الرماديتين.

وجاء في كتابات الأوربيين ممن عاصروا السلطان سعيد أنه كان يتمتع بتلك الكف الدافئة التي تحمل الكثير من الود والاحترام لمن يصافحها، وعن نفسي لا أزال أذكر تلك المُصافحة التي تشرفتُ بها، عندما مَدَدتُ يدي للسلطان قابوس- طيب الله ثراه- بصلالة بعد انتهاء صلاة عيد الأضحى المُبارك بحي الشاطئ، فلمستُ تلك اليد الدافئة التي تحدَّث عنها أحد الأوروبيين الذي روى لنا دفء يد السلطان سعيد كذلك.

كان كلاهما يتمتع بتلك الخطوات الثابتة المرنة، فلقد ذكر لنا المؤرخون كثيرًا من الصفات التي كان يتمتع بها السلطان سعيد وشاهدناها بأنفسنا في السلطان قابوس، وعلى رأسها الإطلالة البهية والكرم ورقة الطباع، وكان يتسم بالهدوء الكامل والابتسامة الناعمة والروح الفياضة والطباع اللطيفة والمعشر الجميل. وكان ذلك دلالة واضحة على مكنون شخصيتهما من سمو المشاعر الإنسانية العظيمة والخصال الطيبة النادرة.. إنهما من جيل السلاطين النجباء في التاريخ الذين يجعلون الأقوياء يقدرونهم ويحترمونهم وينظرون إليهم بعين الاعتبار.

لن يفوتني قبل الختام، أن أذكر مدى اهتمامهما بالشأن العسكري وخاصة البحرية العُمانية، وبالعلاقات الدبلوماسية التي كان السلطان سعيد والسلطان قابوس قد أسَّساها مع دول العالم شرقًا وغربًا. ونذكر هنا رحلة السفينة "سلطانة" إلى نيويورك عام 1840؛ وهي واحدة من أهم الرحلات التي وُثِّقَت تاريخيًا؛ كونها أول علاقات دولة عربية مع الولايات المتحدة الأمريكية في الجوانب الدبلوماسية والتجارية، ولقد استمرت هذه العلاقات لعقود طويلة، ومع تولي السلطان قابوس الحكم ازدادت هذه العلاقات توثيقًا؛ إذ مد- رحمه الله- يدَ الصداقة مع زعماء العالم كافة، وعلى رأسهم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين كانوا يُكِنُون الكثير من الاحترام والتقدير للسلطان قابوس؛ كونه رجل سلام وذا رؤية ثاقبة في الأحداث الدولية والعلاقات الخارجية.

ختامًا.. يُمكننا القول إنَّ العظماء أناس تجمعهم صفات كثيرة، تكون مُتشابهة لدرجة كبيرة، ولن أنسى قبل أختم مقالتي هذه أن أذكُر هنا أنَّ فترة حكمهما اتسمت بطول الفترة الزمنية، فقد قُدِّرَت فترة حكم السلطان سعيد بخمسين عامًا تقريبًا، وكذلك فترة حُكم السلطان قابوس بن سعيد.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: الإسلام يحرم الإسراف في استهلاك المياه
  • «اللهم رب الناس أذهب البأس».. دعاء المريض كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
  • أردوغان يتحدث عن أعظم أمنياته
  • المراد بالنصيحة في حديث النبي عليه السلام "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"
  • كل كلام يقوله الإنسان محسوب عليه إلا 3 أمور فما هي؟.. علي جمعة يوضح
  • حقيقة قصة النبي ﷺ مع الرجل اليهودي
  • رئيس بلدية النبي شيت ناشد الجولاني.. هذا ما طلبه
  • بإسم الرسول الأعظم الحوثيون يغتصبون منزلا بالقوة ويضعون عليه اسم النبي
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • أعظم سلاطين الشرق