زفافي اليوناني الكبير 3.. النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لعمل فني جيد
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
بعد مرور 21 عاما على الجزء الأول و7 سنوات على الجزء الثاني، صدر أخيرا الجزء الثالث من سلسلة أفلام "زفافي اليوناني الكبير" (My Big Fat Greek Wedding).
وقد فوجئ الكثيرون بالمستوى الفني المتوسط والجماهيرية المحدودة التي حظي بها الجزء الثاني في 2016، ورغم نجاح الجزء الأول للحَد الذي جعله يحصد لقب الفيلم الكوميدي الرومانسي الأعلى ربحا على الإطلاق ويحافظ عليه حتى الآن، مُستمرا في دور العرض ما يقارب عاما كاملا حصد خلاله 368 مليون دولار مقابل ميزانية قدرها 5 ملايين دولار، بالإضافة إلى ترشّحه لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي، وهو النجاح الذي لم يتوقّعه صانعوه؛ فإن الأعمال التي استثمرت ذلك لم تأت على نفس القدر من الشعبية أو الجودة.
ومنها مسلسل "حياتي اليونانية الكبيرة" (My Big Fat Greek Life) الذي عُرض في 2003 ومنحه الجمهور تقييما بلغ 4.7 نقاط على موقع "آي إم دي بي" (IMDb) الفني، أو الجزء الثاني من الفيلم الذي لم يحصد إلا 90 مليون دولار؛ في حين بلغت ميزانيته 18 مليون دولار، واتفق النقاد والجمهور على نمطية فكرته بدون نفي صلاحيته للمشاهدة باعتباره فيلما خفيفا مناسبا للعطلات، فما الذي بقي في جعبة كاتبته وبطلته لترويه بجزء جديد؟
لماذا الآن؟طُرح فيلم "زفافي اليوناني الكبير 3" في دور العرض في الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي، ومع حلول أكتوبر/تشرين الأول الجاري بات مُتاحا للمشاهدة عبر المنصات، لكن إيراداته لم تتخط حاجز 37 مليون دولار.
أبطال الجزء الحالي هم أنفسهم النجوم القدامى، من بينهم نيا فاردالوس مؤلفة ومخرجة الفيلم كذلك، يشاركها كل من جون كوربيت، لويس مانديلور، إيلينا كامبوريس، جيا كاريدس، جوي فاتون، ليني كازان، وأندريا مارتن.
وعلى عكس الأجزاء السابقة التي دارت أحداثها في شيكاغو، بداية من وقوع شابة من خلفية يونانية في حب رجل أميركي وما تبع ذلك من كوميديا ذكية بُنيت على اختلاف الثقافات والتطلعات والعادات لكل عائلة، ثم نجاحهما بالزواج بالفعل ومعاناتهما مع ابنتهما المراهقة التي تسعى للهرب بعيدا عن صخب العائلة الجامح، من خلال البحث عن فرصة جامعية بعيدة جدا، تدور الحبكة الجديدة بأكملها في اليونان.
تجربة فنية متواضعةتتمحور الأحداث حول تولا التي يُوصيها والدها قبل وفاته بالبحث عن أصدقاء طفولته القدامى ومنحهم مُذكّراته، هنا يتفتّق ذهن البطلة عن اصطحاب العائلة بأكملها في رحلة إلى جذورهم القديمة حيث مسقط رأس الأب.
لكن، اليونان التي نشاهدها هذه المرة تختلف عن تلك التي رأيناها في فيلم "ماما ميا!"، إذ تبدو أقل إبهارا ومعاصرة، من جهة لأن الأحداث تدور في قرية نائية بعيدة، ومن أخرى لأن العمل هو تجربة نيا فاردالوس الإخراجية الثانية بعد تجربة سابقة في 2009.
ولما كانت غير متمرسة بالإخراج وموهبتها به محدودة، لم تأت التجربة ماتعة بصريا رغم ما حملته من مقومات، حيث اكتفت فاردالوس بالتركيز على حشد النجوم داخل الكادر بدون الاهتمام بالتفاصيل والجماليات الأخرى.
مشهد من فيلم "زفافي اليوناني الكبير 3" ( فارايتي)أما على صعيد الكتابة والسيناريو والحوار، فلم يختلف الأمر كثيرا، لأن الحبكة شديدة السطحية والتفكك، وحتى المشكلات التي يواجهها الأبطال تُخمد جذوتها قبل أن تتصاعد نحو الذروة، مما أفرغ العمل تماما من أي إثارة، بل إن محور الصراع الرئيسي ومحاولات البطلة للعثور على الأصدقاء الثلاثة القدامى للأب الراحل تجري بعشوائية بدون التركيز عليهم أو الاحتفاء بفكرة العثور عليهم، حتى أصبحوا مجرد كومبارس صامتين.
ومع ذلك، يبدو أن شِبه إجماع ما جرى من النقاد على أن هذا الجزء أفضل من السابق، كونه يحمل الكثير من الخِفّة والإيماءات العائلية اللطيفة، الأمر الذي جعله أجدر بالمشاهدة متى جرت المفاضلة بين الجزء الثاني والثالث.
الهروب إلى الداخلالفارق الوحيد الذي يُمكن أن يُحسب لصانعة العمل، سباحتها ضد التيار، ففي حين تُسلّط غالبية الأعمال الفنية الحديثة الضوء على محاولات المواطنين الهجرة من أوطانهم المكبوتة أو المنكوبة إلى بلدان أكثر رحابة وانفتاحا، اختارت فاردالوس العودة بأبطال حكايتها إلى أصولهم القديمة بحثا عن جذور تربطهم بأرض الآباء الأولى وتمنحهم شعورا حقيقيا بالانتماء والمركزية.
وهو الموضوع الذي قد يتماس مع عوام العائلات المهاجرة التي تحاول الاندماج أو البحث عن نقاط تقاطع مع الأجداد، وتصطدم بفروق ثقافية شاسعة واختلافات جذرية في ما يخص التقاليد الموروثة والعادات ذات الطابع الحداثي مما ينتج عنه الكثير من الصراعات، وإن كان الفيلم استعرض ذلك بتسطيح مُخل أقرب إلى الابتذال منه إلى الكوميديا.
أما أفضل ما جرى خلال العمل، فهو خلو القرية التي سكنها الأبطال من شبكة تغطية الهواتف والإنترنت، وهو ما فرض على الجميع الاندماج معا طوال الوقت ومنح المشاهدين أنفسهم ما يقارب من ساعة ونصف الساعة بعيدا عن صخب منصات التواصل التي باتت تبتلع كل شيء وتمنحه إما قدرا من المبالغة أو الزيف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الجزء الثانی ملیون دولار
إقرأ أيضاً:
الحكومة الموازية.. نعم.. ولا!! الجزء الثالث
عبده الحاج – نورث كارولينا: 1 يناير 2025
أسباب فشل الحكومات الموازية
الحكومات الموازية عبارة عن هياكل سياسية وإدارية تُشكَّل من قبل مجموعات معارضة خارج مظلة الحكومة القائمة، وعادةً ما يكون ذلك وسيلة للضغط السياسي أو كبديل يُعلن عن نفسه في أوقات النزاعات أو الأزمات الوطنية، وذلك بغرض تحقيق إصلاحات، مقابل ما تراه من إخفاقات للحكومة القائمة، وقد دلت التجارب العملية إلى أن الحكومات الموازية دوما تواجه تحديات كبرى، ربما تؤدي إلى فشلها، وبما ان نجاح أي عمل، يعتمد بقدر كبير بمعرفة أسباب الفشل، والتعامل معها بواقعية، وبموضوعية، لمحاولة تداركها، ومعالجتها، ما امكن ذلك، والتحسب لها في كل الأحوال، حتى لا تكون عوامل فشل التجربة في اهابها، ونحن عنها متغافلون.
مقومات الفشل، يمكن ان نقول عنها بإجمال، انها عبارة عن غياب مقومات النجاح، ولذلك نجد ان غياب الشرعية الجماهيرية من اهم عوامل الفشل، فكما ذكرنا في الحلقة السابقة، فغياب الشرعية الجماهيرية، يعني مولد حكومة غير شرعية جديدة، وهو قمة الفشل.. فهو يعني إضفاء مزيد من الشرعية، ومن السند الشعبي للحكومة القائمة، مما يناقض اهداف الحكومة الموازية، وغياب الشرعية والسند الشعبي له مؤشرات ودلائل يجب التحقق منها قبل الاقدام على الخطوة.. ومن اهم مؤشراته ودلائله هو انعدام الشفافية، والتي هي بدورها نتيجة لقصور في اعلام الكتلة المعارضة.. وهو قصور، يتيح بدوره فرصة أوسع لإعلام الطرف الاخر لملأ الفراغ بحملات مضادة، ومضللة، تقلل بدورها من فرص الدعم الجماهيري، ففي عهد ثورة تكنلوجيا الاتصالات، ما عاد الفضاء السياسي يحتمل فراغا إعلاميا.
يعتبر انعزال الكتلة المعارضة عن الجماهير من اهم عوامل فشل مشاريعها، أيا كانت.. وهو أحد عوامل انعدام السند، والشرعية الجماهيرية، وهذا التواصل الجماهيري، يكون ثمرة عمل متصل، من المثابرة، والتصحيح.. فهو ليس بالشيء الهين الذي تجده عند الطلب، وانما هو ثمرة علاقة حقيقية من التواصل الجاد، والاحترام المتبادل، فكلما كانت السياسات والبرامج نابعة من القاعدة الجماهيرية، كلما توسعت فرص النجاح.. وهذا يعني بالضرورة، ان هذه القاعدة الجماهيرية كانت حاضرة في كل المراحل، وليست موضوعة على الرف، لحين الحاجة اليها، فهي صاحبة المصلحة، وليست أداة لتحقيق شعارات، او برامج صفوة او نخبة، وهذا يتطلب ان تكون هذه القاعدة الجماهيرية على درجة كبيرة من الوعي، بحيث لا تُضلل بالشعارات، وتُساق لغير مصلحتها، الامر الذي يعزز من أهمية العمل الإعلامي لقوى المعارضة.
أيضا من معوقات الشرعية الجماهيرية، الحملة الإعلامية الشرسة، من النظام القائم، وسدنته، ومن كتل المقاومة المنافسة، التي تحاول التكسب سياسيا من تشويه صورة غيرها من الفصائل، والتشكيك في كل ما يقومون به، او يتصيدون اخطائهم!! وهي كلها عوامل يجب التعامل معها بواقعية وبموضوعية، بدون الانجرار لمعارك جانبية، ولكن ذلك يعني بالضرورة تعقيدات وصعوبة في تنفيذ البرامج، او إيجاد القبول والدعم الجماهيري اللازم لها، وهو يعيد للأذهان مرة أخرى اهمية الاعلام والتواصل مع الكتل الجماهيرية.
تعتبر الانقسامات الداخلية، من أكبر عوامل فشل التكتلات، وبذرة فنائها الكامنة في اهابها.. خصوصا ان كانت هذه التكتلات تقوم على شعارات، او على فكرة عامة، أو اهداف مشتركة، دون توافق على كل تفاصيلها.. فموضوع الحكومة الموازية لا يقبل التوافق عليه كمجرد فكرة، ليكون بمثابة حد أدنى للتوافق، فكل تفاصيل الفكرة تصلح ان تكون نقاط خلاف يمكن ان تعصف بالتكتل السياسي، وربما تؤدي لما هو أسوأ من ذلك، لذلك يجب ان تخضع الفكرة، بكل تفاصيلها للحوار الجاد، ومن ثم والقبول من قبل الأطراف المتحالفة، قبل الاقدام على العمل، او الرفض، فكما سبق القول، فان ثمن الحوض في تجربة حكومة موازية فاشلة، ربما يكون باهظا، وفوق الاحتمال..
الحكومة، أي حكومة، هي أداة، ووسيلة لتقديم الخدمات للمواطنين (أصحاب المصلحة)، وتوفير امنهم وتسهيل سبل عيشهم كحد ادني، وبدون ذلك تعتبر فاشلة.. ولذلك ان كانت الكتل المتحالفة لا تملك مقومات تقديم الخدمات للمواطنين، فمن الأفضل لها العدول عن فكرة الحكومة الموازية، وان تبحث لها عن وسائل أخرى، اقل كلفة، لتحقيق أهدافها، وبرامجها.. كما ان تقديم الخدمات للمواطنين، قد يلعب دورا أساسيا في شكل الحكومة الموازية المقترحة، فهنالك الكثير من التجارب في اشكال الحكومات الموازية المختلفة، التي نجحت في تقديم الخدمات للمواطن، دون ان تتصادم مع السلطة القائمة، او تجعل من المواطن مسرحا للصراع معها، وبذلك تتفرغ تكتلات المعارضة لمناهضة سلطة الامر الواقع، والسعي لإسقاط شرعيتها، ومحاصرتها لإسقاطها، بدون تحميل المواطن عبأ ذلك العمل، فلكل هدف عدد من الوسائل، ولا يجب ان ننحصر في وسيلة واحدة لتحقيق كل الأهداف، وانما نتخير انجع، واضمن الوسائل لتحقيق الهدف المعين، ويمكن تقاسم الأدوار، بحيث تعمل كل مجموعة في المجال الملائم، وما يمكن ان تنجح فيه، متخيرة انسب، وانجع الوسائل، في تكامل مع بقية المجموعات.
من اهم العوامل التي تسهم في مقدرة الحكومات على توصيل الخدمات لمواطنيها هو المقدرات المالية، فبدونها يكون هنالك استحالة على الحكومة ان تقدم خدمات حقيقية للمواطنين، ولذلك يعتبر ضعف الموارد المالية من اهم أسباب فشل الحكومات بصورة عامة، وهو نفسه سبب في ان ترهن الحكومات مقدرات البلاد لدول اجنبية، مقابل الحصول على الدعم المالي، فإقامة حكومة موازية، بدون إيرادات مالية مستدامة، يعتبر مغامرة وخيمة العواقب، يجب التحذير منها.
الدول الغنية بمواردها الطبيعية.. خصوصا المتخلفة منها، هي دوما مسرحا للأطماع والصراعات الدولية، والإقليمية، وبطبيعة الحال فان الحكومة الموازية تكون عرضة لضغوطات نتيجة لنلك الاطماع وصراعات المصالح بين الدول، وقد يفتح المجال لسلطة الامر الواقع، او يدفع بها لاستقطاب دعم بعض الدول والتي كانت مترددة، او محايدة، لتحمي مصالحها خوفا، او طمعا في خضم المنافسة على النفوذ بين الدول، مما قد يؤدي لتفاقم في المشاكل في المنطقة، ومزيد من الصراعات.. فكون الكتل المعارضة قد حصلت على مباركة بعض الدول لقيام حكومة موازية، لا يعني سندا دوليا قويا، فقد يحصل الطرف الاخر على مزيد من الدعم ومن الشرعية الدولية.. وربما تسحب تلك الدول دعمها للحكومة الموازية نتيجة ضغوطات دولية، او اغراءات من الطرف الاخر، فالدول في حقيقة الامر تسعى لمصالحها الخاصة، بأكثر مما تسعى لمصالح الاخرين، ومواقفها قد تتغير بناء على ذلك، ولذلك يجب التحوط للعراقيل والضغوطات الخارجية، كما لا يجب اعتبار الدعم الخارجي، أيا كان حجمه، بديلا عن الدعم الشعبي الداخلي، فلا حكومة بدون سند شعبي.
نجاح، أو فشل الحكومات الموازية ليس حتميًا، ولكنه مرتبط ببعض العوامل الداخلية والخارجية، فان توفرت تلك العوامل، فان فرصة النجاح تكون كبيرة، وتلك العوامل يجب ان تكون قائمة قبل مجرد التفكير في إقامة حكومة موازية، كما ان هذه العوامل لها ادواتها ووسائلها للحصول عليها، وليس من تلك الوسائل فشل الغير، فمن كان يعتمد في نجاحه على فشل غيره، فهو فاشل.
نتابع