الاستيلاء على غزة هو أمر ممكن بالنسبة للجيش الإسرائيلي، والذي يمتلك القوة العسكرية اللازمة لتنفيذ الأمر، ولديه دروسا من تجربة الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية، التي كانت معقلا رئيسيا لتنظيم "الدولة الإسلامية"، بواسطة القوات العراقية المدعومة أمريكيا، وأيضا استيلاء روسيا على مدينة ماريوبول الأوكرانية، لكن السؤال سيظل يدور حول التكلفة التي ستكون باهظة للغاية.

ما سبق كان خلاصة تحليل نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية للصحفي الإيطالي المولود في أوكرانيا ياروسلاف تروفيموف، حيث يقول إن التاريخ الحديث يشير إلى أن هدف الاستيلاء على غزة وإنهاء "حماس"، والذي تريد إسرائيل تحقيقه الآن، يمكن تحقيقه، ولكن بتكلفة هائلة بالنسبة للقوات الإسرائيلية، وأكثر من ذلك بكثير، للمدنيين الفلسطينيين العالقين في المنتصف.

ويضيف: من الطبيعي أن تكون حرب المدن، وخاصة في التضاريس الكثيفة ذات المباني الشاهقة المتعددة - وفي غزة عشرات المباني التي تزيد على ستة طوابق - في صالح المدافعين.

كما أن القتال من مسافة قريبة عادة ما يقلل من المزايا التي يتمتع بها الجانب الأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعوض جزئياً التفوق العسكري الإسرائيلي الهائل.

اقرأ أيضاً

أمر إسرائيلي جديد لسكان غزة بالتحرك نحو جنوب القطاع

الموصل

ويشير الكاتب إلى مثالين في التاريخ الحديث للاستيلاء على مدن، رغم تحصيناتها الدفاعية وبسالة المدافعين عنها، أولها مدينة الموصل العراقية، والتي تعد مثالا يحب القادة الإسرائيليون الحديث عنه، فما سر الأمر؟

يقول الكاتب إن الحملة التي قادها الجيش العراقي والميليشيات الشيعية، والتي كانت تقودها الولايات المتحدة وتدعمها جويا وعملياتيا في 2016 و 2017، كانت فتاكة، من أجل الاستيلاء على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، من تنظيم الدولة الإسلامية. وكان عدد سكانها في ذلك الوقت مماثلاً لسكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة.

كانت معركة الموصل، التي استمرت 277 يومًا، حملة دامية وطويلة بالفعل، ولم يتم الاعتراف بحصائلها الحقيقية بشكل كامل.

وخلص تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس، استنادا إلى سجلات المقابر والبيانات التي جمعتها المنظمات غير الحكومية، إلى أن ما بين 9000 إلى 11000 مدني قتلوا في الموصل. وتحول جزء كبير من المركز التاريخي للمدينة العراقية إلى أنقاض.

ويقول مايكل هورويتز، رئيس قسم الاستخبارات في شركة "لو بيك" لاستشارات إدارة المخاطر: "إذا فعلت إسرائيل ما تقول إنها تريد القيام به -الإطاحة بحماس وتدمير قدراتها العسكرية- فإننا نتحدث عن موصل جديدة في جميع أنحاء قطاع غزة".

اقرأ أيضاً

مظاهرات حاشدة أمام الكونجرس الأمريكي للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة

خسائر المدنيين

لكن الاختلاف في الموصل هو أن التدقيق في مسألة وقوع خسائر في صفوف المدنيين لم يكن كما تواجهه إسرائيل حاليا من تدقيق، لا سيما بعد عمليات القصف المروعة التي أسقطت أكثر من 4 آلاف شهيد فلسطيني حتى الآن، وفقا للكاتب، والتي أفرزت غضبا عارما رسميا وشعبيا في الدول العربية والإسلامية وحول العالم.

ويقول باتريك أوسجود، المستشار الأمني المستقل المقيم في دبي والذي عمل على نطاق واسع في العراق: "على الرغم من أن العراق مجتمع منقسم للغاية، وأن القوات التي كانت تأتي إلى الموصل لم تكن من الموصل إلى حد كبير، إلا أن هناك تمييزًا أساسيًا.. لقد كانوا يحررون أراضيهم. وهذا ليس هو الحال في غزة".

اقرأ أيضاً

صحيفة بريطانية تكشف استراتيجية إسرائيل لغزة بعد القضاء على حماس

ماريوبول

وفي أوكرانيا، التي كانت تصد غزوا روسيا، يشير الحصار الروسي لماريوبول في العام الماضي إلى الصعوبات الهائلة التي قد تواجهها إسرائيل في غزة.

وعلى عكس أي مكان آخر في أوكرانيا، تمتعت روسيا بالتفوق الجوي على ماريوبول، حيث قصفت المدينة الساحلية التي يبلغ عدد سكانها 450 ألف نسمة لعدة أشهر، وبلغ عدد القتلى المدنيين، وفقاً للتقديرات الأوكرانية، عشرات الآلاف، وكثيراً ما كان يتم تجريف الموتى ببساطة تحت الأنقاض.

ويقول الكاتب إنه على عكس "حماس"، التي أمضت سنوات في إعداد شبكة واسعة من الأنفاق والتحصينات، واختارت توقيت حربها الحالية مع إسرائيل، لم تكن القوات الأوكرانية في ماريوبول تتوقع الغزو الروسي ولم تخزن الأسلحة أو الذخيرة أو الوقود، فتم عزلهم عن بقية الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا بعد ثلاثة أيام فقط من الحرب.

ومع ذلك، تكبد الجيش الروسي خسائر فادحة في معركة ماريوبول - حيث فقد جنرالين على الأقل - ولم يتمكن من الاستيلاء على المدينة إلا بعد أن أمر الرئيس فولوديمير زيلينسكي القوات الأوكرانية الباقية بالاستسلام بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الصمود.

اقرأ أيضاً

دبلوماسي هندي: أمريكا لا تريد عملية إسرائيلية برية في غزة لكن لا تستطيع منعها

عامل الوقت

ويقول الكاتب إن المعارك في المناطق الحضرية بطيئة للغاية، وطويلة الأمد، ومكلفة.

وينقل عن روب لي، وهو زميل بارز في معهد أبحاث السياسة الخارجي، قوله: "لا توجد طريقة سهلة للقيام بذلك.. عندما تواجه خصمًا يدافع عن منطقة حضرية، وخاصةً الخصم الذي كان لديه الوقت لإعداد دفاع جيد، والذي لن يستسلم بسرعة، فإن الأمر يستغرق وقتًا".

والوقت هنا هو إحدى السلع التي من المحتمل ألا تمتلكها إسرائيل، حيث أن الاهتمام العالمي بغزة يغذي الضغوط السياسية من أجل وقف إطلاق النار، ولأن استدعاء أكثر من 300 ألف جندي احتياطي يلحق الضرر بالاقتصاد، كما يقول الكاتب.

وقال مايكل نايتس، الخبير في معهد واشنطن للشرق الأدنى، إن المفارقة العسكرية هنا هي أنه كلما اضطرت إسرائيل إلى التحرك بشكل أسرع، كلما اضطرت إلى استخدام القوة الغاشمة، مما يزيد من الخسائر في صفوف المدنيين والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في غزة.

اقرأ أيضاً

كمائن وقناصة ومسيّرات.. صعوبات تنتظر قوات إسرائيل حال اجتاحت غزة

إمكانيات الإسرائيليين

وفي القتال الحضري، يلعب تدريب القوات وتجهيزها وتحفيزها دورًا حاسمًا، أكثر بكثير من البيئات الأخرى.

وعلى الرغم من إخفاقات إسرائيل الأولية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما اجتاحت "حماس" المستوطنات الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل نحو 1400 شخص، فإن قوات الدفاع الإسرائيلية تتمتع بقدرات عسكرية أكبر بكثير من القوات الروسية في ماريوبول، ناهيك عن القوات العراقية وقوات التحالف، كما يقول الكاتب.

ويؤكد العقيد بالجيش الأمريكي جويل رايبورن، مستشار الاستخبارات الاستراتيجية السابق للقيادة المركزية الأمريكية والذي عمل كمبعوث أمريكي خاص لسوريا في الفترة 2018-2021، أنه ليس لديه أدنى شك في أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادرًا على تحقيق أهدافه في غزة، وأن المعركة هناك ستكون أسهل من معركة العراق في الموصل.

ويضيف: "الأمر مفروغ منه، ستتم هزيمة حماس تكتيكيا في غزة، ولن يتمكنوا من الدفاع عن القطاع بطريقة مستدامة".

ويردف: "من الناحية العسكرية، غزة مثل الجزيرة، لا يمكن أن يكون هناك دفاع فعال عن غزة لأن حماس ليس لديها وسيلة لإعادة إمداد نفسها ولا توجد منطقة خلفية لدعم عمليات الخطوط الأمامية".

اقرأ أيضاً

البيت الأبيض يتراجع عن تصريح لبايدن حول علاقة العملية البرية في غزة بالرهائن

تجارب إسرائيلية سابقة

ويلفت الكاتب إلى أن إسرائيل تتمتع بالفعل بتجربة عمليتين بريتين في غزة، في الفترة 2008-2009 و2014، رغم أن كلتا العمليتين كانتا تهدفان إلى ردع "حماس" بدلا من استئصالها بالكامل، وهو تحد أكثر صعوبة بكثير.

وفي عام 2014، تكبد لواء النخبة "جولاني" الإسرائيلي خسائر فادحة أثناء محاولته الاستيلاء على حي الشجاعية في مدينة غزة، ولم يتمكن من التقدم إلا بعد الغارات الجوية والقصف المدفعي المكثف الذي تسبب في مقتل العديد من المدنيين.

تجهيزات "حماس" الجديدة

وقد زودت إيران حماس بأسلحة أكثر تطوراً منذ ذلك الحين، بما في ذلك الصواريخ الموجهة الحديثة المضادة للدبابات، ووالطائرات الصغيرة بدون طيار التي إما تلقي ذخائر أو تصطدم بالدبابات أو المركبات المدرعة.

وفي حين أن الدبابات والمركبات المدرعة الإسرائيلية الأكثر تقدماً تمتلك دفاعات الكأس الحديثة ضد الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة، إلا أنها لا توفر بالضرورة حماية مضمونة.

ويقول كوبي مايكل، زميل أبحاث كبير في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والرئيس السابق لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "حماس تنتظر، حماس أعدت نفسها للغزو البري، وستكون هناك خسائر، لا شك في ذلك".

اقرأ أيضاً

الحرب على غزة.. ماذا يعني استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض؟

بدوره، يقول المارشال الجوي المتقاعد إدوارد سترينجر، الرئيس السابق للعمليات في الوزارة البريطانية: "عليهم أن ينتصروا في هذه الحرب، لكن عليهم أن يثبتوا أنهم يفعلون ذلك من خلال تصميم عملياتي ذكي للغاية وقدرات عسكرية مثيرة للإعجاب حقًا تعتمد على الاستخبارات، وليس عبر استخدام كل الأسلحة الثقيلة لتسوية غزة بالأرض تاركين حلفاءهم يعانون من محاولة الدفاع عن تلك الممارسات".

المصدر | ياروسلاف تروفيموف / وول ستريت جورنال - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة حماس طوفان الأقصى حرب غزة الموصل ماريوبول الجيش الإسرائيلي الاستیلاء على التی کانت اقرأ أیضا على غزة فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

إسرائيل ترد على جوتيريش بشأن نقص المساعدات بغزة

القدس المحتلة - الوكالات

نفت إسرائيل وجود "نقص في المساعدات في قطاع غزة" بعدما اتّهمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بعدم الوفاء بالتزاماتها، من خلال عدم سماحها بدخول أي مساعدات إلى غزة منذ مطلع مارس.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أورين مارمورستين: "لا يوجد نقص في المساعدات في قطاع غزة".

وتابع: "أكثر من 25 ألف شاحنة دخلت قطاع غزة خلال (...) وقف إطلاق النار.

وأضاف أن حماس "استخدمت هذه المساعدات لإعادة بناء آلتها الحربية"، متّهما جوتيريش بـ"نشر افتراءات ضد إسرائيل"، حسب تعبيرها.

وكان جوتيريش رفض، الثلاثاء، مقترحا إسرائيليا جديدا للتحكم في إيصال المساعدات إلى غزة، قائلا إنه ينذر "بمزيد من التحكم في المساعدات وتقييدها بشدة حتى آخر سعر حراري وحبة دقيق (طحين)".

وأضاف لصحفيين: "لأكن واضحا.. لن نشارك في أي ترتيب لا يحترم المبادئ الإنسانية احتراما كاملا.. الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد".

ولم تصل أي مساعدات إلى الجيب الفلسطيني الذي يقطنه نحو 2.1 مليون نسمة منذ الثاني من مارس.

وقالت إسرائيل إنها لن تسمح بدخول أي سلع أو إمدادات إلى غزة حتى يفرج مسلحو حركة حماس عن جميع الأسرى المتبقين لديها.

واجتمعت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الوكالة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات، قبل أيام مع وكالات للأمم المتحدة وجماعات إغاثة دولية وقالت إنها اقترحت "آلية هيكلية للمراقبة ودخول المساعدات" إلى غزة.

وقالت الوحدة -على منصة "إكس"- يوم الأحد: "الآلية يراد بها دعم منظمات الإغاثة وتعزيز الرقابة والمساءلة وضمان وصول المساعدات إلى السكان المدنيين المحتاجين بدلا من تحويل مسارها وسرقتها من حماس".

وقال جوناثان ويتال، القائم بأعمال مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة والضفة الغربية، قبل أيام، إنه لا يوجد دليل على تحويل المساعدات عن مسارها.

مقالات مشابهة

  • اقرأ غدًا في "البوابة".. غزة ساحة قتل.. الأمين العام للأمم المتحدة يندد بمنع إسرائيل المساعدات الإنسانية
  • لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد
  • إسرائيل تنشر فيديو لعمليتها في رفح وتعلن استهداف قيادي "بارز" في حماس
  • المقاومة العمياء التي أخذت غزة إلى الجحيم
  • إسرائيل ترد على جوتيريش بشأن نقص المساعدات بغزة
  • إسرائيل: ترقب قرار المحكمة العليا التي تنظر بالتماسات ضد إقالة رئيس الشاباك
  • وول ستريت جورنال: المحادثات الأمريكية الإيرانية تختبر قدرة ترامب على كبح جماح برنامج طهران النووي
  • عاجل | سي إن بي سي: مايكروسوفت تفصل المهندسة ابتهال أبو السعد التي احتجت على تزويد الشركة إسرائيل بأنظمة ذكاء اصطناعي
  • فيديو.. “كتائب الشهيد أبو علي مصطفى” تستولي على مسيرة إسرائيلية من طراز “EVO MAX 3”
  • بعد الموصل.. الانبار تعتقل شاباً سب الصحابة عبر التواصل