قطاع غزة.. وضع إنساني كارثي غير مسبوق
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
يعيش قطاع غزة حاليا كارثة إنسانية، قد تؤدي إلى إبادة جماعية لساكنيه، وهو ما يسعى إليه الكيان الصهيوني الذي فرض حصارا كاملا على القطاع منذ السابع من أكتوبر الجاري، ولليوم السادس عشر تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف قطاع غزة بغارات جوية مكثفة دمرت أحياء بكاملها وأسقطت آلاف الشهداء والجرحى من المدنيين الفلسطينيين، وقطع عن القطاع الغذاء والماء والدواء والوقود ما تسبب بتفاقم الوضع الإنساني المتدهور.
ودخلت /السبت/ أول قافلة مساعدات إنسانية الى القطاع المحاصر منذ العام 2007 تضم عشرين شاحنة آتية من مصر عبر معبر رفح. لكن هذا الرقم محدود جدا بالنسبة الى الأمم المتحدة التي تريد دخول مئة شاحنة يوميا لإغاثة 2.4 مليون نسمة هم سكان غزة المحرومون من كل شيء.
ويبقى الأمل فيما تعمل عليه الأمم المتحدة في الوقت الحالي، حيث أكدت في أحدث بيان لها نشر منذ ساعات، أن هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 100 شاحنة يوميا تعبر معبر رفح الحدودي وأن أي إدخال للمساعدات يجب أن يكون مستمرا وعلى نطاق واسع، وهو أمر بعيد المنال الآن بسبب القصف الإسرائيلي المدمر للقطاع ليلا ونهارا، إلا أنها تضغط بكل قوة لتمرير مثل هذا الامل.
الكارثة الإنسانية الأكثر وضوحا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، القطاع الصحي، فقد أعلنت وزارة الصحة بغزة خروج 7 مستشفيات و21 مركزا صحيا عن الخدمة في القطاع، كما ذكر أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية /أوتشا/، أن المستشفيات في قطاع غزة دخلت مرحلة الانهيار الكامل فعليا، ومعظمها يعمل بالحد الأدنى من طاقته، وحسب التقرير، تشمل الإجراءات المتخذة للحفاظ على تشغيل غرف الطوارئ تعليق بعض العمليات الجراحية والعمل في الظلام والحد من استخدام المصاعد، وتوقفت بعض الإجراءات الحيوية مثل التعقيم وغسيل الكلى.
وتم نقل معظم جرحى انفجار المستشفى الأهلي /المعمداني/ إلى مجمع الشفاء الطبي، وهو أكبر مستشفى في غزة ويقع في مدينة غزة.. وقبل الحادثة، كان مستشفى الشفاء يعمل بما يفوق طاقته بكثير، حيث كان يعالج حوالي ربع المرضى في غزة.
وقامت وزارة الصحة في غزة بإعادة تخصيص كميات محدودة من الوقود للمستشفيات التي لا تزال متوفرة في المرافق العامة الأخرى للحيلولة دون إغلاقها بالكامل، بينما دعت الأشخاص الذين لديهم وقود للاستهلاك المحلي إلى التبرع به للمستشفيات.
وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية /أوتشا/، إلى أن معدلات الوفيات في غزة، باستثناء الضحايا في سياق الأعمال العدائية، آخذة في الارتفاع بسبب محدودية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية.
وما يثير القلق بشكل خاص، أن ما يقدر بنحو 20 ألف شخص يعانون من أمراض الصحة العقلية وقد انقطعت إمكانية حصولهم على الخدمات الصحية والأدوية، بينما تعرضوا للعنف وسوء المعاملة، واختفوا أثناء الإخلاء. كما يواجه ما يقدر بنحو 50 ألف امرأة حامل تحديات شديدة في الحصول على رعاية ما قبل الولادة والأمومة بسبب المخاطر المرتبطة بالحركة، وتوقف المرافق الصحية، ونقص الإمدادات المنقذة للحياة.
من جهة أخرى، وثقت منظمة الصحة العالمية 59 هجوما على مرافق الرعاية الصحية مما أثر على 26 مرفقا للرعاية الصحية (بما في ذلك 17 مستشفى تضرر) و23 سيارة إسعاف. وكان لا بد من إخلاء أربعة من المستشفيات، جميعها في شمال غزة (بيت حانون، والكرامة، والدرة) ولم تعد قادرة على العمل.
وفي السياق ذاته، حذرت خمس وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن الوضع الإنساني في قطاع غزة بات كارثيا، مؤكدة أن المستشفيات تضيق" بالجرحى وأن الأطفال يموتون بوتيرة مقلقة.
وقالت الوكالات الخمس وهي منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان في بيان، إن الوضع الإنساني في غزة كان بائسا قبل العدوان الإسرائيلي الذي اندلع في السابع من أكتوبر، ودعت المجتمع الدولي إلى القيام بالمزيد لمساعدة سكان غزة.
وأكدت الوكالات الأممية الخمس أن "الأطفال يموتون بوتيرة مقلقة، محرومين من حقهم في الحماية والغذاء والمياه والعناية الطبية.. وأن المستشفيات تضيق بالجرحى.. المدنيون يواجهون مشقة أكبر في الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية". ومن بين الشهداء 51 كادرا صحيا إضافة إلى إصابة 87 آخرين بجروح، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة الفلسطينية.
كارثة أخرى يعيشها أهالي قطاع غزة، هو شريان الحياة.. المياه.. حيث يعادل إنتاج المياه من مصادر المياه الجوفية البلدية حاليا أقل من 5 بالمائة من مستوى ما قبل العدوان الإسرائيلي، ولا تعمل حاليا محطات تحلية مياه البحر الثلاث، التي كانت تنتج قبل العدوان 7 بالمائة من إمدادات المياه في غزة.
وتوقفت عمليات نقل المياه بالشاحنات في معظم المناطق بسبب نقص الوقود وانعدام الأمن وإغلاق الطرق بالحطام، والمياه المعبأة غير متوفرة إلى حد كبير، كما أن سعرها جعلها غير ميسورة التكلفة بالنسبة لمعظم الأسر. وأصبح البائعون من القطاع الخاص، الذين يديرون محطات صغيرة لتحلية المياه وتنقيتها، والتي تعمل في الغالب بالطاقة الشمسية، هم الموردين الرئيسيين لمياه الشرب النظيفة.
ونتيجة لذلك، انخفض متوسط استهلاك المياه من جميع المصادر ولجميع الاحتياجات (بما في ذلك الطبخ والنظافة) إلى ثلاثة لترات فقط يوميا للشخص الواحد، وفقا لتقديرات شركاء مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة العامة.
ولجأ سكان غزة إلى استهلاك المياه قليلة الملوحة المستخرجة من الآبار الزراعية، مما أدى إلى زيادة التعرض للمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الأخرى، مما يعرض السكان لخطر الموت أو تفشي الأمراض المعدية. وتعتبر شرق خان يونس (منطقة بني سهيلا) حاليا واحدة من المناطق القليلة التي يتم فيها إمداد الأسر بالمياه عبر الأنابيب لبضع ساعات في اليوم.
وجاء ذلك في أعقاب قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإعادة تشغيل خط واحد من أصل ثلاثة خطوط مياه تخدم هذه المنطقة، يوفر هذا الخط حوالي 14400 متر مكعب من المياه يوميا، أي أقل من 4 بالمائة من المياه المستهلكة في قطاع غزة قبل العدوان الإسرائيلي، ويتعرض توزيع هذه المياه إلى بقية مدينة خان يونس للإعاقة بسبب نقص القدرة على الضخ.
ومعظم محطات ضخ مياه الصرف الصحي البالغ عددها 65 محطة لا تعمل، مما يزيد من خطر فيضانات الصرف الصحي. وفي بعض المناطق، تتراكم مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة في الشوارع، مما يشكل مخاطر صحية وبيئية، واضطرت جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة إلى التوقف عن العمل بسبب نقص الكهرباء.
كما أشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن مخزونات السلع الغذائية الأساسية تكفي لمدة أسبوعين فقط، ولكن يتم تخزينها في مستودعات في مدينة غزة، والتي يصعب الوصول إليها، في حين لا يوجد سوى أربعة أو خمسة فقط أيام من المخزونات المتبقية في المحال التجارية.
وتعرض أحد المخابز الستة المتعاقدة مع برنامج الأغذية العالمي، والذي يوفر الخبز لحوالي 12000 شخص، للقصف وكان المخبز موجودا في دير البلح بالمنطقة الوسطى ولم يعد يعمل، كما لم تتمكن أربعة مخابز أخرى في أنحاء القطاع من توفير أي خبز بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل الآلات. والمخابز غير قادرة على العمل بسبب النقص في المواد الأساسية، وخاصة دقيق القمح، الذي بدأ ينفد فعليا. ولا تعمل حاليا سوى واحدة من المطاحن الخمس في غزة.
وأدى انقطاع التيار الكهربائي إلى تعطيل الأمن الغذائي من خلال التأثير على التبريد وري المحاصيل وأجهزة حضانة المحاصيل، وبالتالي الإضرار بسبل العيش المختلفة، بما في ذلك الدواجن والماشية والأسماك وغيرها من السلع.
وأثر عدم القدرة على الوصول إلى العلف والأضرار الناجمة عن الغارات الجوية على المزارعين، حيث أبلغ العديد من مربي الماشية، وخاصة صغارهم، عن خسائر كبيرة في حيواناتهم، لا سيما في قطاع الدواجن، ويفقد المزارعون محاصيلهم في الأراضي الزراعية شرق خان يونس ومواقع أخرى.
وفي الوقت الحالي أصبح أكثر من نصف سكان قطاع غزة بلا مأوى أو مسكن، وذكر تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق شئون المساعدات الإنسانية /أوتشا/، إن القصف الجوي الغاشم لقوات الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة دمر 30 بالمائة من الوحدات السكنية فيه، وذكر أن 12845 وحدة سكنية دمرت كليا و9 آلاف أصبحت غير صالحة للسكن وأكثر من 121 ألفا تعرضت لأضرار.
وحدد تقييم لمنطقة محافظة شمال غزة، أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، 927 مبنى مدمرا و4337 مبنى تعرض لأضرار متوسطة إلى شديدة، أي ما يعادل حوالي 15 بالمئة من جميع المباني في تلك المنطقة. وقدر التقرير عدد النازحين داخليا في غزة بحوالي مليون شخص، بما في ذلك أكثر من 527500 شخص يقيمون في 147 ملجأ طوارئ مخصص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في ظروف سيئة بشكل متزايد.
وتشهد مرافق "الأونروا" التعليمية في المناطق الوسطى والجنوبية اكتظاظا شديدا، فيما تعاني الموارد الأساسية مثل الماء والغذاء والدواء من نقص شديد. وفي بعض المديريات التعليمية، اضطرت الأونروا إلى تقنين استهلاك المياه الصالحة للشرب، بحيث لا توفر سوى لتر واحد من الماء للشخص الواحد في اليوم علما أن الحد الأدنى للمعايير الدولية هو 15 لترا.
وأشار التقرير إلى استمرار الحصار والإغلاق الكامل على قطاع غزة، إذ ظلت معابر رفح وكرم أبو سالم وإيرز مغلقة، مما حال دون دخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، بما في ذلك الغذاء والمياه والأدوية والوقود.
وبحسب التقرير يقدر متوسط استهلاك المياه لجميع الاحتياجات (الشرب والطبخ والنظافة) حاليا بثلاثة لترات يوميا للشخص الواحد في غزة. ويستهلك السكان المزيد والمزيد من المياه من مصادر غير آمنة، مما يعرضهم لخطر الموت ويعرض السكان لخطر تفشي الأمراض المعدية.
وذكر التقرير الأممي أن عدد الشهداء المبلغ عنه في غزة أعلى بحوالي 60 بالمائة من إجمالي عدد الشهداء خلال التصعيد في عام 2014، والذي استمر لأكثر من 50 يوما، ولفت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن مئات الأشخاص، بمن فيهم نساء وأطفال، ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض في انتظار الإنقاذ.
وتكافح فرق الإنقاذ، وأغلبها من الدفاع المدني الفلسطيني، لتنفيذ مهمتها، وسط غارات جوية متواصلة، ونقص حاد في الوقود لتشغيل المركبات والمعدات، مع محدودية أو انعدام الاتصال بشبكات الهاتف المحمول.
ووفقا لوزارة الصحة في غزة، فقدت 79 عائلة عشرة أو أكثر من أفرادها، فقدت 85 عائلة من 6 إلى 9 أفراد، وفقدت 320 عائلة من اثنين إلى خمسة من أفرادها.
ويحمل قرار السماح بفتح معبر رفح الحدودي لمرور المساعدات الإنسانية بارقة أمل في ضخ القليل من الدماء في شريان الحياة في القطاع المدمر كليا، فقد عبرت قافلة شاحنات تحمل مساعدات إنسانية طال انتظارها إلى جنوب غزة يوم /السبت/ للمرة الأولى منذ أن بدأت قوات الاحتلال حصارا مدمرا تزامن مع قصف جيشها لشمال القطاع وإنذاره بتكثيف الضربات.
ودخلت 20 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية الطارئة إلى القطاع رافعة أعلاما بيضاء بعد تفتيشها واتجهت إلى منطقة جنوب غزة التي تضم مدينتي رفح وخان يونس الرئيسيتين حيث لجأ مئات الآلاف من السكان النازحين جراء القصف الجوي الإسرائيلي المستمر بلا هوادة.
لكن المسؤولين الفلسطينيين عبروا عن خيبة أملهم حيال عدم وجود إمدادات الوقود ضمن المساعدات، وأضافوا أن هذا يمثل ثلاثة بالمئة فقط مما كان يدخل إلى غزة قبل الأزمة. وقالت وزارة الصحة بالقطاع "استثناء إدخال الوقود ضمن المساعدات الإنسانية سيبقي الخطر قائما على حياة المرضى والجرحى واستمرار الخدمات المنقذة للحياة.. مستشفيات قطاع غزة جفت مواردها تماما بسبب افتقاد أبسط المقومات العلاجية الطارئة بما فيها الوقود".
وللتذكير.. قبل اندلاع الصراع، كان يصل إلى غزة يوميا نحو 450 شاحنة مساعدات في المتوسط.. فهل تنجح جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية ودول العالم أجمع للعودة إلى 50 بالمائة من هذا المعدل؟!
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الهلال الأحمر الفلسطيني: الحصار الإسرائيلي يعرض حياة المرضى للخطر
حذر الهلال الأحمر الفلسطيني من وفاة مزيد من المرضى والجرحى شمال قطاع غزة، مع استمرار الحصار الإسرائيلي للأسبوع السابع على التوالي.
وأكد الهلال الأحمر أن الاحتلال اجتاح معظم المحاور الرئيسية شمال القطاع ومنع دخول المساعدات الغذائية والأدوية، مشيرًا إلى أن الاحتلال يرفض كل النداءات الإنسانية لفتح ممرات آمنة لنقل الشهداء والجرحى.قطاع غزةمن جانبها أكدت مستشفى كمال عدوان في جباليا شمال القطاع، عن تردي الأوضاع الصحية داخل مرافق المستشفى التي تتعرض بين الحين والآخر للقصف الإسرائيلي.
أخبار متعلقة قتلى وعشرات المصابين في غارات إسرائيلية وسط بيروتلبنان تحت القصف.. مقتل 11 شخصًا في غارة إسرائيلية على بيروتوأشارت إلى رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح بدخول الدواء والغذاء والوقود، لافتة النظر إلى أن الاحتلال دمر مولد الكهرباء الوحيد داخل المستشفى.