السومرية نيوز – دوليات

لا يمكن لأي مواطنٍ عربي أن ينسى وجه الطبيب غسان أبو ستة، وعينيه اللتين تقدحان ألماً وصدمة، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وسط جثث الأطفال في غزة، ليخبرنا عن هول المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي حين قصف المستشفى المعمداني.
كان أبو ستة داخل المستشفى يعالج آلاف الجرحى نتيجة العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذي كان بدأ منذ 13 يوماً، لكنه استطاع أن ينجو بأعجوبة؛ الأمر الذي اعتاد عليه في السنوات العشر الأخيرة.



لا يعود طبيب الجراحة وإعادة الترميم الفلسطيني البريطاني إلى وطنه، فلسطين، إلا خلال الحروب والأزمات. لا يعنيه الخطر الكبير الذي يهدّد حياته، فهو لا يسعى إلا لتضميد جراح أهله والتخفيف عنهم، حتى صار الشاهد الأكبر والأول على معاناتهم.

فمن هو غسان أبو ستة؟
هو أستاذ متخصص في جراحة التجميل وإعادة الترميم، وقد حصل على تعليمه الطبي في جامعة غلاسكو البريطانية، وتدرّج بعد ذلك في لندن.

تخصّص لاحقاً في جراحة القحف والجمجمة للأطفال، وجراحة الحنك المشقوق في مستشفى "غريت أورموند ستريت"، إضافةً إلى إعادة ترميم الإصابات في مستشفى لندن الملكي.

عام 2011، انضمّ إلى المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، حيث ترأس بعد عام قسم الجراحة التجميلية وبرنامج إصابات الحرب لدى الأطفال، وصار المسؤول عن العيادة المتعددة التخصصات بإصابات الحرب.

شارك في عام 2015 بتأسيس منهاج طب النزاعات في معهد الصحة العالمي بالجامعة الأمريكية في بيروت، وأصبح مديراً له. وقد قاد عملية واقع معزز عبر منصة تفاعلية على الإنترنت، كانت الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، ساعدت أحد الجراحين في غزة على إعادة بناء يد طفلٍ كان يعاني من عيبٍ خلقي.

وفي 2020، بالتزامن مع انتشار فيروس كوفيد، عاد إلى بريطانيا واستقرّ فيها بعدما بدأ العمل في الجراحة التجميلية والترميمية في القطاع الخاص. ومنذ عام 2021، يعمل محاضراً في مركز دراسات الانفجارات في جامعة "إمبريال كوليدج".

أصبح غسان أبو ستة عضواً في مجلس جمعية "إنارة"، وهي مؤسّسة خيرية لتوفير الجراحة الترميمية للأطفال من مصابي الحرب في الشرق الأوسط، ومسؤولاً طبياً لمبادرة "الرضوح" في المكتب الإقليمي للشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية.

يساعد أبو ستة كذلك في لجنة التمويل الدولية، التابعة للمعهد الوطني للبحوث الصحية في بريطانيا.

دوره أساسي في غزة
منذ عام 1987، بالتزامن مع الانتفاضة الأولى، حرص غسان أبو ستة على المشاركة في علاج الجرحى الفلسطينيين حين كان لا يزال طالباً في كلية الطب. وعاد إلى غزة إبان الانتفاضة الثانية حين أصبح طبيباً جراحاً، وتطوّع في علاج المصابين كطبيبٍ ميداني.

خلال 4 حروب متتالية شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كان يحرص غسان أبو ستة على أن يكون أول المتواجدين في الميدان، لمساعدة أهله. تكرر الأمر في عدوان 2008-2009، و2012، و2014، ثم 2018، وصولاً إلى عام 2023.

أجرى أبو ستة عمليات جراحية ترميمية طارئة بشكلٍ مستمر، من دون توقف، خلال هذه الحروب؛ وكان ينتقل من مستشفى إلى آخر لمعالجة الفلسطينيين المصابين، والذين غالباً ما كانوا أطفالاً، بأبسط المستلزمات الطبية المتوفرة.

وفقاً لـ" مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، عمل غسان أبو ستة جراح حرب خلال مختلف حروب المنطقة العربية، مثل: اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان.

British-Palestinian doctor Ghassan Abu Setta describe the brutal Israeli massacre at Al-Ma'madani hospital in Gazapic.twitter.com/3sUh574hvK

— Kuffiya (@Kuffiyateam) October 18, 2023

وقبل ساعات من عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر/تشرين الأول 2023، استطاع الدخول إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح، للانضمام إلى الفريق الطبي الذي يعمل على إنقاذ أكثر من 12 ألف مصابٍ سقطوا في 12 يوماً فقط من القصف الإسرائيلي.

مع الإشارة إلى أن القطاع الصحي الفلسطيني في غزة يعاني من شحٍّ في القدرات البشرية والمستلزمات الطبية، جراء الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال، لدرجة أنه أجرى عملياتٍ جراحية من دون تخدير بعد قصف المستشفى المعمداني.

طبيب في خدمة القضية الفلسطينية
إضافةً إلى تطوعه لإسعاف جرحى قطاع غزة منذ الانتفاضة الأولى، يمكن القول إن غسان أبو ستة يوظف إنجازاته الأكاديمية في عالم الطب لخدمة القضية الفلسطينية، ودعم الفلسطينيين بوجه السردية الإسرائيلية.

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، لا يوفّر أبو ستة فرصةً إعلامية إلا ويستغلها، لإيصال صوت الغزاويين وإخبار العالم عن النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وغياب المياه والكهرباء، إضافةً إلى حجم الدمار والإصابات الهائل في القطاع.

وفي مقابلةٍ تلفزيونية مع "بي بي سي"، تحدث غسان أبو ستة عن الزيارة التي قام بها جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية إلى زوجته في منزلهما ببريطانيا، وكيف تعرّضت لمضايقات وسُئلت عن سبب سفره إلى غزة، وعن الجهة التي دفعت ثمن تذكرة السفر.

وبالتزامن مع ذلك، يوظف غسان أبو ستة حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفضح الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين في غزة وخارجها. فقد أخبر العالم كيف وصل الأمر في غزة إلى أن صار الطاقم الطبي يلجأ إلى الخل، لعلاج التهابات الجروح البكتيرية.

وأخبرنا أيضاً كيف يقيم داخل المستشفى بشكلٍ دائم لأن الخروج خطر، وهو صاحب الشعار الذي غزا العالم الافتراضي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي يقول: "لا مكان أكثر وحدة في الكون من محيط سريرِ طفلٍ موجوع، لم تعد لديه عائلة تعتني به".

Vinegar from the corner shop to treat pseuodomonas bacterial wound infections. Its come to that. pic.twitter.com/mEE4haHMyj

— Ghassan Abu Sitta (@GhassanAbuSitt1) October 19, 2023

إضافةً إلى كل ذلك، يوثق أبو ستة الآثار الصحية للنزاعات الطويلة -لاسيما في غزة- وله مقالات متنوعة تركز على فلسطين وحق الشعب الفلسطيني وما يعانيه، نُشرت في صحف أجنبية وعربية مختلفة.

وفي العام 2020، شارك في تأليف كتاب "سردية الجرح الفلسطيني" مع الكاتب والصحفي ميشال نوفل. وفيه يكشف الرجلان عن سياسة إسرائيلية تهدف إلى خلق مجتمع فلسطيني في غزة، نصفه غير قادر جسدياً على العيش بشكل طبيعي، ونصفه الآخر منشغل بمساعدة النصف الأول، بما يحيل المجتمع كله إلى مجتمع غير قادر على عيش حياة عادية: اجتماعياً، واقتصادياً، وصحياً.

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

من العراق إلى غزة.. كيف يتعامل مسلمو بريطانيا مع الانتخابات؟

لندن– تواجه الأقلية المسلمة في بريطانيا تحديا صعبا في التعامل مع الانتخابات العامة المقررة في الرابع من يوليو/تموز المقبل، وذلك بعد أن وجدت نفسها أمام أحزاب سياسية تصم آذانها عن مطالبها؛ وفي القلب منها المناداة بمواقف قوية ضد الإبادة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ولا يختلف السياق الحالي الموسوم بالتوتر بين الأقلية المسلمة وبين الأحزاب البريطانية خصوصا حزبي العمال والمحافظين، بسبب الموقف من الحرب على غزة، عن سياق غزو العراق سنة 2003 الذي شاركت فيه بريطانيا، وخرجت حينها الأقلية المسلمة رفقة الرافضين للحرب في مظاهرات تاريخية للمطالبة بانسحاب بريطانيا من هذا الغزو بدون أن تجد أي صدى لاحتجاجاتها.

وخلفت حرب العراق إرثا من انعدام ثقة الجالية المسلمة في العملية الانتخابية، وفضّل جزء من هذه الأقلية الانسحاب ومقاطعة الانتخابات التي أعقبت غزو العراق، في المقابل قرر جزء آخر التصويت العقابي ضد حزب العمال الذي كان يقود الحكومة حينها. فهل يتكرر نفس السيناريو مع الانتخابات المقبلة التي تتزامن مع العدوان على غزة؟

البريطاني من أصول فلسطينية سامح حبيب استقال من حزب العمال احتجاجا على سياساته في الملف الفلسطيني (الجزيرة) الانسحاب أو العقاب

وتظهر أرقام الانتخابات التي جرت سنة 2005 مباشرة بعد غزو العراق، كيف تراجع تصويت الجالية المسلمة لصالح حزب العمال بأكثر من 25%، وحينها كان الصوت المسلم قادرا على حسم 10 مقاعد فقط، أما حاليا فالصوت المسلم قادر على حسم أكثر من 42 مقعدا، ومن بينها مقعد مدينة بيرمنغهام التي تسكنها جالية مسلمة كبيرة، حيث تراجع التصويت للعمال بنسبة 21%، ومقعد "بيثنال غرين" الذي تراجع فيه التصويت للعمال بنسبة 16%.

ومن أوجه الشبه بين ما حدث في انتخابات 2005 وما يحدث حاليا، هو أن الجالية المسلمة كانت خلف صعود النائب البرلماني جورج غلاوي إلى البرلمان بسبب موقفه الرافض لغزو العراق، وكذلك فعلت الجالية المسلمة مع النائب نفسه خلال الانتخابات الجزئية بالبرلمان البريطاني مطلع مارس/آذار الماضي، بسبب موقفه الرافض للحرب على قطاع غزة.

وخلال تلك الانتخابات أظهرت دراسة لمركز "إيبسوس" للأبحاث أن 52% من الأقليات قالوا إنهم لم يصوتوا في الانتخابات لـ3 أسباب رئيسية، وهي:

عدم الاهتمام بالسياسة والنقاشات السياسية. وكذلك عدم الثقة في السياسيين. وأخيرا، الإحباط من أن التصويت لا يُحدث أي فرق في تحديد من يحكم البلاد.

موقف غير موحد

واعترف مسعود أحمد، الكاتب العام لمجلس مسلمي بريطانيا، الذي يعتبر أكبر مظلة للمؤسسات الإسلامية في البلاد، بصعوبة توحيد الموقف في صفوف الجالية المسلمة، لأن موقف المرشحين مما يجري في غزة غير موحد، "فقد نجد نوابا في العمال يناصرون فلسطين وكذلك قد نجد نوابا مسلمين فضلوا الصمت عما يقع في غزة".

وحسب اللقاءات والاستطلاعات التي قام بها المجلس، يقول مسعود أحمد للجزيرة نت: "تبين لنا أن هناك من سيواصل دعم الأحزاب التقليدية التي تحظى بدعم الجالية المسلمة كحزب العمال، وهناك آخرون سيبحثون عن بدائل للتعبير عن غضبهم وتحفظهم من الموقف الحزبي تجاه حرب غزة".

ولا يقوم المجلس بعملية الحشد أو الدعم لأي مرشح، وفق تأكيد أحمد، وهذا راجع لطبيعة المجلس الذي تنضوي تحته مئات المؤسسات الإسلامية "ولكن كل جهدنا ينصب على الدعوة للمشاركة في العملية الانتخابية وضرورة اتخاذ قرار واعٍ يخدم مصالحهم في مناطقهم ومصالح القضايا التي يدافعون عنها".

وتوقع الناشط السياسي البريطاني أن نسبة المشاركة في صفوف الجالية المسلمة "ستكون جيدة ولن نشهد انسحابا من العملية السياسية، لأن الناس لديها رغبة في تغيير المعادلة السياسية والاحتجاج على السياسات التي تراها مجحفة في حقها".

وأوضح أنه يجب عدم إغفال "شريحة مهمة يمكن أن تكون صامتة ولكن أيضا ذات وزن معتبر، وقد لا تذهب لصناديق الاقتراع لأنها ترى أن صوتها لن يسمع، وأن بنية النظام السياسي يصعب اختراقها أو تغيير موقفها من القضايا الأساسية".

مشاركة مكثفة

ويتفق رئيس مجلس أمناء مسجد "فينسبري بارك" في لندن محمد كزبر، مع مسعود أحمد في توقع مشاركة مكثفة للجالية المسلمة في الانتخابات المقبلة. ويؤكد أن هؤلاء "لن يكتفوا فقط بالذهاب للتصويت في يوم الاقتراع، ولكن من الواضح أنهم منخرطون بشكل فاعل في الحشد للمرشحين سواء المستقلين أو من حتى المنضوين تحت لواء الأحزاب ولكنهم داعمون للقضية الفلسطينية".

وكشف كزبر في حديث مع الجزيرة نت، عن وجود "عمل دؤوب من خلال المؤسسات الإسلامية لتأطير الناخبين وتوعيتهم أيضا بأهمية هذه الانتخابات في صناعة الفَرق، والتأكيد على أهمية الصوت المسلم ودعم القضايا التي تهمهم، وهذا يؤسس لمرحلة مهمة في تاريخ انخراط الجاليات المسلمة في الشأن السياسي البريطاني ككتلة انتخابية يجب أن تكون موحدة من أجل الضغط وفرض قضايا على أجندة السياسة البريطانية" كما قال.

ومن خلال العمل الذي قامت به الجالية المسلمة وانخراطها في النقاش السياسي منذ اندلاع الحرب على غزة، يقول كزبر إن الأحزاب بدأت تشعر بالضغط "ولاحظنا على الأقل تململا في موقفها الداعم لإسرائيل مع بداية الحرب، والذي بدأت تعدله مع إدراكها أنها قد تخسر أصوات خزانها الانتخابي التقليدي في مناطق يكون فيها الصوت العربي والمسلم حاسما في ترجيح كفة مرشح دون آخر، وهذا واضح مثلا في موقف حزب العمال".

وفي الوقت نفسه، يقول كزبر إن هناك أحزابا تعاملت بمبدئية مع القضية الفلسطينية كحزب "الخضر" الذي أيد حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وندد بالحرب الإسرائيلية على أهالي قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • احتياجات الحسكة ولا سيما المائية… محور مباحثات صيوح مع مسؤولين دوليين وأمميين
  • الانتقالي يحذر و يتوعد بهاوية من الحروب وعدم الاستقرار في البلاد
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل سفير اليونان بمصر
  • وماذا بعد تلك التصريحات؟
  • يغذيها الحوثي.. تصاعد الحروب القبلية في مناطق سيطرة المليشيات
  • هل نحبّ بلادنا حقّا
  • اعلاميون من أجل الحرية: 140 صحافياً سقطوا في الحرب على غزة
  • من العراق إلى غزة.. كيف يتعامل مسلمو بريطانيا مع الانتخابات؟
  • المهارات الحياتية: في الحياة الطبيعية وأثناء الحروب، وأهميتها للأطفال
  • مزحة السفيرة الأميركية