تحاول اسرائيل الذهاب نحو مستوى مختلف من الردود العسكرية على "حزب الله" واعماله الحربية التي باتت تشكل استنزافاً خطيراً للجيش الاسرائيلي غير القادر على المبادرة ضد لبنان، لذلك فإن الهدف اليوم هو رفع التكلفة البشرية للحزب لكي يصبح أكثر حذرا من التصعيد العسكري، او في عملياته عند الحدود، وهذا ما حصل أمس، اذ رفعت تل ابيب وتيرة الاستهدافات وقصفت عدة مواقع توجد فيها عناصر للحزب، كما استهدفت سيارة تابعة للمقاومة في تطور بارز.



رفع السقف الاسرائيلي جاء بعد عدة ايام ظهرت خلالها اسرائيل كمن بتجنب الذهاب الى الحرب مع الحزب مهما كلف الأمر، فإنكشف السقف الذي تريد تل ابيب اللعب تحته، وهو تجنب الذهاب الى المواجهة المفتوحة، ما فتح الباب امام الحزب للقيام بعمليات أكثر ايلاماً تستهدف قتل جنود وضباط اسرائيليين، ولعل احدى هذه العمليات حصلت امس، حيث استهدف الحزب آلية عسكرية اسرائيلية واصابها اصابة مباشرة ومن ثم استهدف الدبابة التي حاولت تأمين التغطية لانتشال القتلى والجرحى منها.

هذا الاستهداف، الذي ادى الى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ووُصف في الاعلام الاسرائيلي بالحدث الكبير شمالاً، دفع الجيش الإسرائيلي للقيام بردة فعل قاسية تهدف الى منع حزب الله من تكرار مثل هذه العمليات المؤلمة للاسرائيليين والتي قد تؤدي في حال استمرارها الى تعطيل الحركة العسكرية الاسرائيلية عند الحدود ، وهذا ما لا تريده تل ابيب وتحديداً في هذه الظروف الحساسة.

يحاول "حزب الله" عدم الانزلاق الى حرب مفترحة ربطاً بتطور الاحداث في الجنوب اذ يسعى ان يكون قرار الحرب مرتبطا بشكل عضوي بتطور الأحداث العسكرية في غزة، على اعتبار ان اولويته تكمن في ان تحقق غزة صمودا والفصائل الفلسطينية انتصاراً عسكريا من دون ان يضطر الى الذهاب الى المواجهة المفتوحة وحرب متعددة الجبهات التي قد يكون لها وقت مناسب اكثر، عسكريا وسياسياً. 

لكن في مثل هكذا مواجهات تصبح العودة عن الحد الاقصى من التصعيد الذي يتم الوصول اليه صعبة، اذ ليس سهلا على تل ابيب ان تتراجع عن حجم التصعيد التي وصلت اليه ضد "حزب الله" لانها ستظهر بمظهر الخائف من تطور الاحداث وهذا ينطلق ايضا على الحزب الذي لن يقبل الا أن يحافظ بحزم على قواعد الاشتباك ليمنع الجيش الاسرائيلي من القيام بأي خطوات غير محسوبة تجاهه عبر استهدافات كاسرة للتوازن في الداخل اللبناني. 

لذلك فإن مستوى المواجهة المرتفع الذي سيسيطر على طول خط الجبهة جنوب لبنان في الايام المقبلة، سيكون مؤشراً واضحاً على المسار الذي ستأخذه التطورات خصوصا أن موضوع الاجتياح البري لقطاع غزة ستظهر حقيقته خلال وقت قصير. يسعى جميع الاطراف الى منع التدحرج في المعركة، والعمل على ان يكون رفع مستوى التصعيد نابعاً من قراءتهم الاستراتيجية ومصالحهم العميقة وليس بسبب خطأ في الحسابات الميدانية وردود الفعل الآنية على هذه الاخطاء.  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله تل ابیب

إقرأ أيضاً:

ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟

ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.

ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.

هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.

فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.

لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.

أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.

وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟

في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.

إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.

لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • بايدن يعلن وقف إطلاق النار.. وهذا ما سيحصل إذا خرق الحزب الاتفاق!
  • إيران وابنها البكر.. موجة تحولات جذرية تنتظر حزب الله
  • إيران وابنها البكر.. موجة تحولات جذرية بانتظار حزب الله
  • بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في لبنان؟
  • الدول العربية تحذر من التصعيد الإسرائيلي مع العراق: محاولات مكشوفة لتوسيع الحرب
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • بالفيديو .. صواريخ حزب الله تضرب مستوطنة بيتح تكفا شرق تل ابيب
  • من هو ''أبو علي حيدر'' العقل الأمني لحزب الله الذي فشلت اسرائيل في اغتياله؟
  • صواريخ حزب الله تضرب مستوطنة بيتح تكفا شرق تل ابيب
  • من هو محمد حيدر الذي تدعي إسرائيل استهدافه بغارة بيروت؟