مراكش الان:
2024-12-17@06:31:26 GMT

الدكتور بنطلحة يكتب: القوة.. وضبابية الحروب

تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT

الدكتور بنطلحة يكتب: القوة.. وضبابية الحروب

د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للأبحاث والدراسات حول الصحراء

من أهم نظريات الحرب الشهيرة عند المفكر الاستراتيجي العسكري كارل فون كلاوزفيتز  تلك المسماة «ضباب الحرب» (Fog oF War)، وتتمثل في أن للحروب مفاجآت لايمكن أن تراها قبل حصولها، لذا تأتي المرونة في تغيير الخطط لمعالجة التغيرات الطارئة وللتقليل من فداحة أخطائها بما في ذلك المستوى السياسي والاستراتيجي العسكري، لأن ضباب الحرب يعكس عدم مطابقة الوقائع لما هو منصوص عليه في الخطة الحربية رغم توفر المعلومة الاستخباراتية والتي قد تكون تضليلية في بعض الوقائع والمعطيات.

إن ضباب الحرب يعكس عدم مطابقة الوقائع لما هو منصوص عليه في الخطة الحربية، وبالتالي الحرب عند كلاوزفيتز ظاهرة لاخطية تسودها حالة من اللايقين، حيث إن التعامل معها بنفس الأدوات المستخدمة في الظواهر الخطية يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، وذلك عكس المدرسة العسكرية التي ترى أن الحرب ظاهرة خطية (Linear) قائمة على ماهو ملموس ويمكن التحكم بمجرياتها، كما أنها قابلة للحساب أي ينظر إليها باعتبارها ظاهرة يمكن التنبؤ بنتائجها، لكن كلاوزفيتز اتهم هؤلاء المنظرين بالدوغمائية والانفصال عن واقع الحروب حيث لايمكن التيقن من أي شئ، وحيث يجب أن تكون الرياضيات قائمة على مجموعة غير محصورة من المتغيرات.

إن التفكير باستنزاف روح «العدو» مثلا عن بعد وبعد ذلك الدخول الآمن والنصر المبين… كثيرا ما يؤدي هذا التفكير إلى الدخول في مستنقع يصعب الخروج منه بل إن آثاره قد تكون مكلفة في العتاد والبشر وفي رسم المستقبلات (Les futurs) وهي نادرا ما تنجح. لقد عَلّمنا التاريخ والوقائع العسكرية أن المملكة المتحدة مثلا خلال الحرب العالمية الثانية تحملت سنوات من القصف العشوائي من الطائرات الألمانية من أجل إجبارها على الاستسلام، لكن البريطانيين حوّلوا ما وصفه رئيس الوزراء وينستون تشرشل بـ«الساعة الأسوأ» إلى أفضل وقت بحوزتهم، كما أن القصف المستمر الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية ضد فيتنام الشمالية لم يجعل شعب هذه الأخيرة يفكر في الاستسلام.

إن الضرب عن بعد يؤدي فعلا إلى تدمير البنى وإزهاق الأرواح، ما يؤدي إلى الإحساس بالعظمة والتفوق، لكن دروس التاريخ تعطينا أكثر من مثال أن الخصم كان يهيأ لفخ منصوب.

إن «ضباب الحرب» يخالف التصور والتصميم المسبق الموغل في الإفراط في الثقة بالقوة والنفوذ لأنه يساهم في ترجيح كفة من ينفث دخانه، إنه نواة الحرب وركن بنيتها، ويبدو أن الأوكرانيين بارعون في هذه «اللعبة» على حد قول جوزيف هنروتينن الباحث في مركز تحليل واستشراف الأخطار الدولية، حيث تناول ضباب هذه الحرب وأشكالها.

إنه في بعض الأحيان يمكن أن يكون ما يأتي بعد الحرب أسوأ من الحرب نفسها، لأن الحرب جزء من سلسلة متصلة تشمل الاقتصاد والتجارة والدبلوماسية والتحالفات وتبديل المواقع… وكل التفاعلات الأخرى التي تقع بين الشعوب والحكومات. وبذلك يتحدى كلاوزفيتز النظريات السابقة التي كانت تنظر إلى الحرب بوصفها «حدثا يبدأ ثم ينتهي».

إن الاستراتيجية، كما يعرفها المفكر الفرنسي أندري بوفر، هي فن الحوار بين إرادتين متضادتين تستخدمان القوة لحل خلافاتهما، وهذا التعريف يحيل إلى كون الاستراتيجية «فنا» ليخرجها من خانة العلم والإدراك الجازم النظري، ليجعلها تفكيرا إبداعيا يسعى إلى إيجاد الحلول، وفكرا «ميتا معرفي» (Metacognitive) يطرح تساؤلات وفرضيات لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلا.

إن الاستراتيجية تعلمنا أن نسعى إلى التعامل مع المستقبل غير معتمدين على التفكير المنطقي الصوري الخطي الذي تحدد مقدماته نتائجها اعتمادا على القوة والحشود، بل تعتمد على ضرب من التفكير الانعكاسي (Reflexive thinking) الذي ينطلق من تخيل صورة المستقبل المرغوب فيه إلى الحاضر معتمدة في ذلك على إعداد مجموعة سيناريوهات.

إن التفكير من طرف أي قوة بهزم «العدو» وإلحاق الأذى بقاعدته الاجتماعية وربما تغيير الخرائط وفرض السلم المشروط من أجل خلق واقع جديد، دون استحضار واقع البيئة المحيطة وتكوينها العقدي والإثني… إن ذلك يحيل إلى بيئة ضبابية يقاربها الاستراتيجيون بنظريتين: «نظرية الفوضى» (Chaos theory) ونظرية التعقيد (Complexity theory)، اللتان تصوران بدقة جوهر سلوك البيئة الاستراتيجية المعروف بسماته الأربع: التقلب، التوجس، التعقيد والغموض.

إن ضبابية الحرب حسب كلاوزفيتز هي كالفرق بين الحرب على الورق والحرب الفعلية.., ومن المستحيل في كثير من المواقف والمحطات أن تتطابق الخطط المعدة على الورق في مراكز العمليات مع ما يدور واقعيا على الميدان، لأن الحرب ميدان مجهول ولا يمكن التكهن بصورة حسابية بنتائجها وآثارها على الشعوب حيث تترك ندوبا يصعب إزالتها.., وهي ليست نزهة بطبيعة الحال…

المصدر: مراكش الان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

مدير إدارة فتاوى المحاكم: الشرع لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد

شهد اليوم الثاني من فعاليات ندوة دار الإفتاء الدولية الأولى انعقاد الجلسة العلمية الثانية، تحت عنوان "حماية الأمن الفكري: التحديات وطرائق الفتوى في المواجهة"، أكد الدكتور محمد الأدهم، مدير إدارة فتاوى المحاكم والمؤسسات بدار الإفتاء المصرية في ختام الجلسة، على أهمية سلامة التفكير كعامل رئيسي في صلاح الكون، مشيرًا إلى أن صلاح الكون أو فساده يتوقف على مدى سلامة تفكير الإنسان الذي يعيش فيه، وأن ضمانة سلامة التفكير تكون عبر "سياج الأمان الأول وهو الوحي".


وأضاف الأدهم أن الشرع الإسلامي لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد والأخلاق فحسب، بل تناول أيضًا الفقه والأحكام الشرعية والفتاوى. وأوضح أن الفتوى قد ساهمت في ضمان سلامة تفكير أفراد المجتمع، حيث عالجت الأمن الفكري من خلال محورين رئيسيين: وضع معايير لضمان سلامة الفتوى، ومحاربة صور الانحراف في الفتوى.
وأكد د. محمد الأدهم على أهمية "سلامة مصدر الفتوى وصحة الاستدلال به"، مشيرًا إلى دور علوم الإسناد وأصول الفقه في ضمان صحة الفتوى. كما تناول شروط المفتي، موضحًا أن الفتاوى التي تصدر عن غير المؤهلين لها قد تتسبب في "ضياع حقوق وخراب بيوت".


وفي معرض حديثه عن مواجهة الفتوى للانحرافات الفكرية، استعرض مدير إدارة فتاوى المحاكم والمؤسسات بدار الإفتاء بعضَ صور الانحراف الفكري، مثل الأعراف الفاسدة، والتمسك بظواهر النصوص دون فهم مقصودها. كما أكد على دَور دار الإفتاء المصرية في محاربة محاولات التغريب والغزو الفكري، والفتاوى المتطرفة، ومنع ظاهرة التكفير.
واختتم الدكتور محمد الأدهم كلمته بالإشارة إلى أنَّ "دار الإفتاء المصرية تسعى دائمًا لتصحيح المفاهيم وإرساء دعائم الأمن الفكري"، من خلال الفتاوى التي تعالج القضايا الملحَّة في المجتمع، مؤكدًا أهمية هذه الجهود في تعزيز الفكر الصحيح والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع.

مقالات مشابهة

  • طقس المملكة.. استمرار الموجة الباردة وتكوّن الصقيع على المناطق
  • ضباب وموجة باردة.. خريطة طقس المملكة في ساعات الصباح الباكر
  • مدير إدارة فتاوى المحاكم: الشرع لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد
  • حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (65)
  • حظك اليوم الاثنين| توقعات الأبراج الهوائية.. لا تبالغ في التفكير
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: اكتشاف آثار برتغالية جنوب رأس الحدّ في بحر عُمان
  • الإمارات..الطقس المتوقع الأيام المقبلة
  • محافظ الحديدة يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس
  • محافظ الحديدة يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس مهدي ​المشا
  • محافظ الحديدة يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس المشاط