طوفان الأقصى” يدخل أسبوعه الثالث، ويقول: حاصر حصارك لا مفرّ!
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
#طوفان_الأقصى” يدخل أسبوعه الثالث، ويقول: حاصر حصارك لا مفرّ!
د. #علي_أحمد_الرحامنة
أرادوكم أن تتابعوا حياتكم، كما هي، فماذا ينقصكم؟!
غضِبوا أيّما غضب، لأنكم غضبتم جدا، وتجرّأتم على مهاجمة من يحاصركم ويقتلكم ويجرحكم ويعتقلكم ويهينكم ويسحل نساءكم على أرض المسجد الأقصى… فليس لكم الحقّ حتّى في أن تغضبوا، وأنتم إرهابيّون مجرمون وقتَلة إن هاجمتم الجيش الذي تسمح لكم كل الأعراف السماوية والأرضية بمهاجمته!
أمّا أن تصل بكم طبيعتكم “الوحشية” غير البشرية إلى حدّ الخروج من سجنكم في القطاع المحاصر ومهاجمة “فرقة غزة” وإذلالها وأسر ما أمكن نقله من ضباطها وجنودها، وكشف حقيقة وهن جيش الاحتلال، وتفوّق العقل والعزيمة والشجاعة الفلسطينية، فهذا تجاوزٌ لكلّ الحدود!… هذا إرهاب وجنون ووحشية فلسطينية، وهذا يستدعي تدخّلا مباشرا لكلّ “العالم الحرّ الديمقراطي الإنساني الذي يحترم الأعراف والمواثيق الدولية”، أي تدخّلا غربيا مباشرا تقوده الولايات المتحدة، التي يشارك رئيسها ووزير خارجيته ووزير دفاعها في اجتماعات “مجلس الحرب الإسرائيلي” الذي لا يستطيع حضور اجتماعاته إلاّ عدد محدود من الوزراء والقادة العسكريون الإسرائيليون.
ويا أيها الفلسطينيون، أيها العرب، أيها المسلمون، أيها الأحرار في هذا العالم، كائنا من كنتم، يقولون لكم بكلّ وضوح من واقع ما يقومون به، ويقولونه: إسرائيل أُنشت لتكون قاعدة متقدمة لضرب أيّ نهوض عربي، منذ سايكس-بيكو ووعد بلفور والاحتلال البريطاني لفلسطين، مرورا برعاية الولايات المتحدة لهذا المشروع الاستعماري الإحلالي المربح، وصولا إلى استنفار سياسي وعسكري مباشر غير مسبوق، ومشاركة أميركية أساسا لدولة الاحتلال في العدوان على غزة وما تمثله غزة.
إنها حرب كبرى!
إنها ليست مسألة دعم وإسناد أميركي وأوروبي. إنها مشاركة مباشرة ونشطة في دفاع الناتو عن قاعدة عسكرية متقدمة في الشرق الأوسط، فيها جيش إن انكشف أن بالإمكان ليس فقط هزيمته، بل وإذلاله، فإن سلسلة دومينو من النتائج والأسئلة والإجابات ستحيط بالشرق الأوسط ودوله، العربية خصوصا، وستضع كثيرا من القيادات، وأولها السلطة الفلسطينية وقواها الأمنية وفصيلها المركزيّ (فتح)، في مواقع حرج بالغة السوء. والأمر نفسه ينطبق على قوافل “التطبيع الإبراهيمي”، ومعهم في جهة أخرى، وحدة الساحات، وقادة ما يسمّى “محور المقاومة”، وصولا حتى إلى مواقف دولية عبر العالم.
والمرحلة الآن تقول: أن تصعد أيها العربيّ الفلسطينيّ في غزة والضفة ومناطق 48 وفي الشتات لتقول (لا!!)، فأنت تحاصر حصارك… وحصارك لحصارك مصدره، كما قال ضمير فلسطين، الراحل محمود درويش: (لأنه) لا مفرّ!!
لا مفرّ من الهجوم ومحاصرة الحصار بعد مئة عام من النضال، و 75 عاما من عسف دولة الاحتلال وعنصريتها الفاشية، ورفضها حتى الاكتفاء بأربعة أخماس فلسطين تبعا لأوسلو…
سبعة معارك-حروب على قطاع غزة في أثناء نحو 17 عاما من الحصار، وتهويد مباشر وتدنيس يوميّ للأقصى، وابتلاع يوميّ للضفة الغربية المحتلة بالمستوطنات، وقتل وجرح واعتقالات لآلاف الفلسطينيين، وتقطيع أوصال ما تبقّى من الضفة الغربية، وعدد لا يُحصى أبدا من الاعتداءات التي تجاوزت كلّ أساسيات أبسط حقوق الإنسان.
عندما يهاجمك عدوّك، يدعوك “العالم الحرّ” إلى التهدئة وضبط النفس، وكان يجب أن يقولوا، كما يفعلون عمليا (التهدئة وضبط النفس إلى أن تنجز قوات الاحتلال مهمتها في قتلك والانتصار عليك)..
وعندا هاجمتَ أنت، حاصروك بكل ما أوتوا من قوة، بل وحاصروك بسلاسل من الأكاذيب التي حرّكوا معها آلة الحرب الإعلامية، ورفضوا حتى الإشارة إلى وقف إطلاق النار…
أنت محاصَر في الجغرافيا، ومحاصَر في الإعلام، ومحاصَر بالجيوش وحاملات الطائرات، …
ولكنّك تحاصرهم أيضا!
لقد حاصرتَهم حين تفوّق عقلك وشجاعتك وصبرك على كلّ ما أعدّوه …
وحاصرتَهم بشعب صابر مناضل، شُطِبت حتى الآن نحو مئة أسرة من أبنائه من السجل المدني، فقد استشهدوا جميعا، وبعض الأسر بلغ عدد أفرادها 44 شخصا.
وحاصرتَهم بنضال القدس والضفة ومناطق 48 والشتات، والصوت العربي والإسلامي وصوت الأحرار عبر العالم..
وحاصرتَهم ومعك نحو 350 مليون عربي من المسلمين والمسيحيين، ونحو مليارين من المسلمين، ومئات ملايين الشرفاء الأحرار محبّي العدل والحرية عبر العالم. وهؤلاء لا تدير رؤوسهم آلة الكذب الإعلاميّ الوقح، أيّا كان مصدرها. بل إن “الدورة المكثّفة” التي يشارك فيها الآن مئات الملايين من العرب خصوصا، صار عنوانها: “يا قادة الغرب ويا وسائل إعلام الناتو… نعلم أنكم كاذبون، ونعلم ذلك علم اليقين”.
وحاصرتَهم، وهذا هو الحصار الأكبر، حينَ أفهمتَهم أن (لا مفرّ)! ولا شيء لا شيء إلّا الوطن … الموت ولا هجرة أخرى، والموت ولا ما يُسمّى “الوطن البديل”. وهنا، كلّ التحية للمواقف الرسمية التي هدّدت بالحرب إذا ما حاولت دولة الاحتلال تنفيذ مخططات “الوطن البديل”، ولا بدّ القيام بخطوات عملية، وصولا إلى الإعدادات العسكرية، التي توضّح للعدوّ والصديق أن هذا ليس مجرّد شعار أو كلمات عابرة.
“طُوفان الأقصى” يدخل أسبوعه الثالث، وكاذب من يزعم معرفة إلى أين يمضي؛ لأن أصحاب القرار أنفسهم لا يعرفون.
ما نعرفه يقينا هو أن الّذين “حاصروا حصارهم” وأذلّوا جيش الاحتلال، أدخلوا القضية الفلسطينية والإقليم، وربما العالم، في معادلة جديدة … والأكيد أيضا، أن هناك شرق أوسط جديدا يتشكّل الآن.
كلّ العيون على فلسطين، وعلى “الجبهة الشمالية والمحور ووحدة الساحات”، …
رحى الحرب تدور، ويبدو أنها ستدور لأسابيع وربما شهورا، …
أيّ دعم للأهل في غزة، مهما بدا صغيرا، مهمّ، فهم والله لا يجدون الماء للشرب والوضوء، ومستشفياتهم تتحول إلى مقابر، ومجازر الاحتلال أوقعت حتى الآن نحو عشرين ألفا من أهالي غزة، أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء، بين شهيد ومفقود تحن الأنقاض وجريح …
إنها لحظات يختلط فيه الاعتزاز والفخر بالألم والدعاء … وأيّ مبادرة أو عمل يسهم في دعم صمود أهل غزة قد يكون أهمّ ممّا نظن!
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: لا مفر
إقرأ أيضاً:
عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها
قصة قصيرة [ لم أعد حياً .. لكني أتنفس ]
بقلم / عمر الحويج
باغتنا الإنفجار ، جاءنا.. مدوياً ، من فوقنا . جاءنا .. عابراً سماءنا ، تلك التي ظلت .. تظلل صفاءنا ، جاءنا مخترقاً جبالنا ، تلك التي أبداً ، كانت .. أماننا و حِمانا.
حينها .. تحولت قريتنا ، الوادعة ، إلي كتل من اللهب ، والنيران ، والدخان .. تلتها ، لا بل رافقتها ، زخات من المطر الرصاص ، المنهمر علينا ، من كل أنواع الأسلحة ، الخفيف منها ، و الثقيل .. أحاطنا من جميع أركاننا ، من أمامنا ، من خلفنا .. من يميننا ، من يسارنا ، أما من تحتنا ، فقد اهتزت ، بنا الأرض ومادت ، وكأنها زلزلت زلزالا ، رجّتها أصوات الدبابات وحركتها الضاجة ، حين أخذت ، تخبط خبط عشواء ، في أرضنا.. في مساكننا.. في البشر والناس .. و حتى قطعاننا وطيرنا وأنعامنا .
إلا ، أنا .. وجدتني ، مازلت حياً .. أتنفس .. !!
بدأت أتحسس ما حولي ، ببصري .. لا أري ، غير الدخان ، وألسنة النيران واللهب ، كما لا أسمع ، غير ضجيج الدبابات وهديرها ، وهي تجوب المكان هنا وهناك .. مسرعة .
لا أدري ، ما هو فاصل الزمن ، بين بداية الانفجار الأول .. وما تلاه . ولكني وجدت نفسي ، في الحالة الأخيرة ، التي كنت عليها ، حين حملني ، أحفادي الأربعة ، على ظهر ، نقّالتي الخشبية . المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، والتي صنعوها، خصيصاً لحركتي اليومية ، خاصة من قُطّيتي .. سكني إلي حيث شجرتي الظليلة ، و التي تحتويني ، تحت ظلالها ، طيلة نهاري ، وبعض ليلي .
وحتماً .. أن شجرتي الظليلة ، هي التي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً ، بعد كل ما حدث .. وما يزال . وأنا الحي كميت منذ زمان مضى .. بعيد ، حين أصابني ذلك البلاء ، الذي شل كامل جسدي ، عن الحركة ، وترك لي فقط ، بعض من حواسي : عيناي .. اللتان ظلتا ، تخترقان بعض الضوء .. إلا قليلاً. وسمعي .. دون لساني .. وقلبي الذي يخفق .
وهكذا ، أنا .. وجدتني .. ما زلت حياً .. أتنفس ..!!
إلا أن شجرتي الظليلة ، والتي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً . لم تستطع أن تحمي الآخرين . فها أنذا ، قد طال انتظاري ، ولم يأتيني أحد ، من أهلي ، حتى الآن ، ليتفقدني .. كما عودوني .
وأنا .. لا زلت ، لا أرى أمامي ، سوى الدخان .. والفضاء ، حالك السواد ، بعيني الغائمتين . فقط يخترق أذني ، ذلك الهدير الآتي ، من هياج الدبابات وما يلحق بها ، من الآليات العسكرية ، التي أعرفها جيداً ، وأكاد أحدد ، أنواعها .. فقط ، من صوت ، تحرك عجلاتها . ففي زمان مضى .. بعيد ، عملت جندياً ، بعد تجوالي ، في العديد من المهن ، السفلى منها والأسفل.. !!. أذكر في ذلك العهد .. البعيد ، كانوا أيضاً يدفعون بنا دفعاً ، لاقتحام القرى والمدن . لنقتل ونحرق ، في تلك الأنحاء البعيدة .. كبعدنا الآن ، عن هؤلاء الذين جاءوا ، لحرقنا وقتلنا .. لماذا ؟؟ ، لست أدري . ما أدريه الآن فقط ، أن كل ما حولي ، أضحى هامداً خامداً .. ومتلاشياً . أين يا ترى ، إختفى نبض قريتي ، الذي كان يحتويني ، رغم عجزي وقلة حيلتي ، بدفئه وحنيته وحنينه ، أين أهلي؟.. أين ناسي؟ أين حتى ، قطعاننا وطيورنا وأنعامنا ؟. فانا لا أسمع لها : خواراً أو صهيلاً ، نهيقاً أو نقيقاً . ولكني الآن أسمع : قد أتتني ، أصوات أقدام ، تتقدم نحوي ، بخطوات منتظمة، وأخرى مهرولة .. بل بدأت ، أسمع أصوات أصحابها ، يتصايحون .. يتجادلون .. يأمر بعضهم ، ويأتمر البعض الآخر .. عرفتهم ، من أصواتهم .. عرفتهم ، من لسانهم .. الذي به ينطقون ، نعم عرفتهم . لقد عذبني ، هذا اللسان كثيراً : أبني الصغير ، أصغر أبنائي .. في ذلك الزمن .. البعيد . يوم عمّت الفوضى ، تلك المدينة الكبيرة .. وحين استعادوها "من المتمردين" يقولون . أخذوا .. يبحثون ، يفتشون ، ينقبون : في الشوارع ، في البيوت ، في الدّواخل وفي النفوس ، في سحنات الناس ، وفي ألوانهم . وفي الطريق العام ، كان إبني يسير .. حين أوقفوه ، عن اسمه .. سألوه . حين سمعوه أخذوه .. ثم قتلوه . في ذات الطريق العام .. قتلوه . أنا عرفت.. فيما بعد .. أنا عرفت . إبني قتله لسانه.. ولم يقتله سلاحه . والآن .. لا أنا ، ولا أهلي وناسي ، نملك سلاحنا ، وإن كنا نملك لساننا ، وهذا ربما مورد هلاكنا ، وكذلك أحفادي . ولكن أين هم الآن . لماذا لم يأتوا ، ليتفقدوني كعادتهم .. أثار تعجبي منهم . وأندهاشي . أنهم في الأيام الأخيرة ، وبغير عادتهم وجدتهم ، يتحلَّقون حولي ، تحت ظل ، شجرتي الظليلة . أسعدوني بوجودهم قربي ، ولكنهم أحزنوني بحواراتهم ، فعن طريقهم ، عرفت الحرب ، التي تدور حولنا ، عرفت بعنفها .. أغلقت مدارسهم "وعرفت حينها سبب تحلقهم حولي" عرفت منهم ، أن الناس هناك ، يهربون من قراهم ، إلى الكهوف ، في جبالهم.
ما أدمى قلبى ، أن إثنان من أكبر أبنائي ، قد التحقا بها "تلك الحرب اللعينة" ما أدمى قلبى أكثر ، أن أحدهم ، يحارب في جانب ، والآخر في الجانب المقابل . وما أدمى قلبى ، أكثر وأكثر ، أن اثنان من أحفادي ، تعاركا أمامي ، كُل منهم .. دفاعاً عن والده . وأنا العاجز أصلاً ، وجدتني عاجزٌ عن الفهم ، وعاجزٌ أكثر ، عن وقف عِراكهما أمامي ، فقط .. ما قدرني عجزي عليه ، أن دمعت عيناي ، كما الآن .. فقد دمعت عيناي ، لهذا الذي مر بخاطري ، حتى غامتا ، ولم تريا ، أصحاب تلك الأقدام ، التي أخذت تحوم حولي ، بل تتقدم نحوي ، أراهم الآن .. ينحني أربعة منهم ، تقبض أياديهم على أركان ، نقالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، أحسست بعدها ، بارتفاعي المفاجئ عن الأرض ، بعنف لم أعهده في أحفادي ، حين يحملونني برفق ، ليتحركوا بي ، من موقع لآخر . وبعنف أقوى .. مشوا بي ، إلي أين؟.. لست أدري ، فقط مشوا بي ، ثم مشوا . ثم فجأة توقفوا ، ودون انتظار ، دون إنذار ، أطلق أربَعتَّهم ، سراح أيديهم ، من أركان ، نقّالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقَّل الجسد ، وبعنفٍ .. تركوني إرتطم بالأرض ، وقبل أن أفيق قليلاً ، انحنى اثنان منهم ، ومن جانب واحد ، من نقّالتي الخشبية ، دفعا بي إلى أسفل .. ولكن دون نقالتي الخشبية !! . ووجدتني داخل حفرة ، وإن لم تكن عميقة ، لسرعة وصولي .. قاعها ، وحين أفقت .
وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس..!!
وبدأت أتبين ما حولي . أجساد محترقة ، إنهم أهلي .. ناسي . هؤلاء الأربعة .. إنهم أحفادي ، عرفتهم .. بإحساسي عرفتهم ببصيرتي . إثنان منهما ، متلاصقان .. متماسكان ، يحضنان بعضهما ، هل يا ترى كانا يتصافحان ، أم كانا يواصلان عِراكهما .. لست أدري !! . ما أدريه فقط الآن ، أن نظري المتلاشي قد وقع ، على جسد آخر . إنها زوجة حفيدي : صغير السن هو .. صغيرة السن هي ، والآن بكامل زينتها . تزوجها حفيدي ، قبل عام مضى ، أقام لهما والده حفل زواج ، ظل حديث قريتنا زماناً طويلاً ، رقص فيه الشباب .. فتياناً وفتيات ، كما لم يرقصوا من قبل ، إستدعوا فيه ، كل موروثاتهم القديمة والمتنوعة .. رقصاً وغناءً . فقد كانت زوجته من قبيلة مجاورة ، وليسوا من قبيلتنا .. !! .
ولكن .. ما أرى؟؟ .. إنها دماء ، دماء على ساقيها ، دماء على فخذيها .. يا الهي .. لقد أتوها ، حتماً أتوها ،ثم اغتصبوها .. ولكني لا أدري .. إن كان أتوها .. ثم اغتصبوها ، قبل موتها .. أم بعد موتها أتوها .. ثم اغتصبوها . ظللت طيلة سنوات عجزي ، بالنية داخلي .. أصلّي . الآن .. على ضياع صباها أصلّي . وأنا أصلّي .. أتاني من خلفي أنين ، إنه أنين طفلة ، تيقنت منه ، إنه منبعث ، من إبنة حفيدتي .. آخر عهدي بها ، ذاك النهار ، جاءتني .. وتحت ظل شجرتي الظليلة ، علي الأرض ، جلست تحفر ، بأظافرها الرقيقة .. اذكرها ، حين التفتت نحوي ، نادتني : جدي.. جدي.. " أنا جعانة ".. أخذني منها ، صوت آخر ، إنه هدير جرّافة ، أعرفها هذه الجرّافة ، عملت عليها أيام الجندية ، دائماً جاهزة ، هذه الجرّافة.. للحفر والردم .
مالهم هؤلاء الناس !!.. هل سيدفنوننا ، بهكذا عجلة أحياء .. !! .
تذكرت أجدادي .. في ذلك الزمن البعيد ، يحكون لنا .. أن مواراة الميت الثرى عندهم ، تستغرق أياماً بلياليها ، يعدون حفرة الدفن ، بمرقدها .. يتوسدها الميت ، يحيطونه ببعض ، مقتنياته الثمينة . أما هؤلاء .. فما اعجلهم !! .
أسمعها .. الجرّافة ، تتحرك .. تملأ جوفها ، بالرمل والحصى والتراب .. تتقدم نحونا ،
ولا يزال أنين حفيدتي يأتيني من خلفي ، والجرّافة تُفرِغ ما بجوفها ، في حفرتنا .. فيسكت الأنين . أصرخ أنا من داخلي.. يا هؤلاء : هل جئتم تسكتون جوع حفيدتي ، أم جئتم تسكتون أنينها ..؟؟
وعادت الجرّافة مرة اخرى ، بعد أن ملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت حمولتها في حفرتنا ، وبعدها .. لم أعد أرى !!.
ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً.. أتنفس ..!!
وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وقبل أن تُفرِغ حمولتها ، صحت بكل قوتي ، ومن داخلي مرة اخرى .. أمهلني يا هذا حتى .. أتشهد !!. ولكنه .. لن يسمعني .. ولا يريد أن يسمعني . بل سمعته أنا .. يردد : " ... وقتلاهم في النار " .
ثم أفرغ حمولته ، في حفرتنا .
وبعدها .. لم أعد أسمع !!.
ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس ..!!
وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت ما في جوفها ، في حفرتنا .
وبعدها.. لم أعد حياً !! .
ولكني .. وجدتني ، ما زلت .. أتنفس !! .
***
omeralhiwaig441@gmail.com