ولد هشام شرابي عام 1927 في نفس العام الذي ولد فيه عبدالخالق محجوب و لكن الفرق بين هشام شرابي أن إرثه من النخب في بلاده كان ثري مقارنة بإرث عبد الخالق من نخب كان مستوى تعليمهم متدني و إنعكس على مستوى وعيهم في مناشطهم السياسية.
لكن الفرق بين هشام شرابي أنه طوّر بحوثه و إنتبه في عمر مبكّر الى معوقات نهضة الشعوب العربية رغم أن في بلاد الشام و فلسطين و العراق كانت هناك أجيال واعية منذ عشرينيات القرن المنصرم و كما قلنا في مقال سابق أن هناك جيل سبق جيل علي الوردي عالم الاجتماع العراقي و كان على مستوى متقدم و منذ ذلك الزمن البعيد و قد كانت دعوتهم الى الفكر الليبرالي مؤسسة على فكر جيد و هذا سبب كافي لأمثال علي الوردي و هشام شرابي أن يكون الطريق معبد أمامهم نحو فكر ينشد مفارقة فكر المثقف التقليدي الذي غاص في وحوله الأستاذ عبد الخالق محجوب.


في بلاد الشام و العراق كانت هناك أجيال من المسيحيين على إتصال بتطوّر الفكر في أوروبا منذ أزمنة بعيدة و كذلك لعب هيمنة الدولة العثمانية على الدول العربية أن يكون وعي كثير من النخب المسيحية في نشدان الحرية بمعناها المعاصر وفقا للفكر في الدول الغربية. و هي بالطبع مفارقة لثقافة الدولة العثمانية و نجده في كتاب هشام شرابي المثقفون العرب و الغرب في هذا الكتاب يمكن للقارئ أن يجد الكثير المفيد و يفتح لك نافذة بسعة حلم نعم نقول حلم أن تعرف لماذا وقف المثقفون السودانيون طويل أمام حواجز وحل الفكر الديني؟ و لماذا لم يستطع عبد الخالق محجوب تخطّي وعي النخب السودانية الغائصة في وحل الفكر الديني؟
و هنا نقصد أن عبد الخالق محجوب ذهب في طريق معاكس تماما لطريق هشام شرابي أي أن عبد الخالق محجوب ذهب ليبحث عن دور للدين في السياسة و لك أن تتخيل من ذلك الزمن البعيد أي نهاية الستينيات من القرن المنصرم لم نجد إلا ما تحدث عنه هشام شرابي وسط النخب الشيوعية في السودان و هو جبن و عدم شجاعة أتباع اليسار السوداني الرث و إنصياعهم لسطوة الخطاب الديني الى لحظة تقليد محمد ابراهيم نقد لأستاذه عبد الخالق ليخرج لنا بعلمانية محابية للأديان. في وقت وصل فيه هشام شرابي الى أن الخطاب الديني يمثل أكبر حاضنة لفكر سلطة الأب و ميراث التسلط.
لهذا السبب نجد الشيوعي السوداني في تبجيله و تقديسه لعبد الخالق محجوب رغم إضافة صفة الأستاذ له ما هو إلا تجسيد للأنساق الثقافية المضمرة و هي الخنوع لسلطة الأب التي لا تنتج فكر ينشد الحرية للفرد و هنا ينام عداء الشيوعي السوداني للفكر الليبرالي الذي ينشد الحرية للفرد.
و حتى نشرح عكسية المعادلة بين عبد الخالق محجوب و هشام شرابي نجد أن هشام شرابي رفض و بشكل واضح يعاكس رأي عبد الخالق و بحثه لدور للدين في السياسة و قد وصل هشام شرابي فكرة عقلنة الفكر و علمنة المجتمع في وقت وقف الشيوعي السوداني في محطة محمد ابراهيم نقد و علمانيته المحابية للاديان كجهد فكري يريد أن يكرّم عبره أستاذه عبد الخالق محجوب الذي بحث عن دور للدين في السياسة.
و لك أن تقارن فكر هشام شرابي و هو ينشد عقلنة الفكر و علمنة المجتمع و فكر عبد الخالق و بحثه عن دور للدين في السياسة السودانية و ما نتج عنه من بشتنة للشيوعيين السودانيين في علمانيتهم المحابية للأديان. و عليه لا تستغرب أن تجد شيوعي سوداني كعبد الله علي ابراهيم في تلازم بلا قسور مع الكيزان بل قد كرّمه الكيزان و زاره السائحيين و الدبابين الكيزان و قد غنى لهم حبايبي الحلوين أهلا جوني و أنا ما قايل حلويين زي ديل بزوروني. و كذلك غنى للكيزان أغنية كلام الحب كله قلتوه بس كلامي أنا ما عرفتوه.
بالمناسبة بشتنة عبد الله علي ابراهيم قد أتت من ماضي بعيد و هو أن الأستاذ عبد الخالق مقارنة مع هشام شرابي يعتبر عبد الخالق يتيم لم يسبقه جيل سوداني له فكر و باع طويل في القراءة عبر الفكر الليبرالي كما كان هناك جيل سابق لهشام شرابي و علي الوردي كما قلنا في أعلى المقال.
لهذا لم يتخطى عبد الخالق محجوب و حتى لحظة إعدامه وعي جيل ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 و قد وصفهم ريموند أرون بأنهم جيل الوعي الزائف. و كانت لهم مشكلة كبيرة في مسألة تحول المفاهيم. و لهذا كان مسيطر على أفقهم إلتباس شديد عن فكرة الدولة و ممارسة السلطة في مجتمع ما بعد الثورة الصناعية.
و هذا المشكل نجده في الحزب الشيوعي السوداني من إنعكاس لفكر عبد الخالق محجوب و ما زال مسيطر على أفق الشيوعي السوداني و يتجسد في أن الدولة أداة في يد الطبقة المهيمنة و بالتالي لا يؤمن الشيوعي السوداني بفكرة الدولة من الأساس.
و لهذا نجدهم يركزون على نقابات العمال و إتحادات العمال و غيرها من منظمات المجتمع المدني و يعتمدون على أن دور الحزب الشيوعي السوداني الذي أصبح بديل في ذهن الشيوعي السوداني للدولة أي دور الحزب الشيوعي السوداني أن يرفع مستوى الوعي الثوري وسط النقابات و اتحاد العمال و منظمات العمال التي تدور في فلك الحزب الشيوعي الى لحظة ثورة البروليتاريا التي توصلنا الى نهاية التاريخ و تقضي على فكرة الدولة التي لا يؤمن بها الشيوعي السوداني.
و بالتالي عبر الثورة نصل الى تحطيم الدولة و بها نصل الى مجتمع بلا طبقات و هنا نوضح أن الشيوعي السوداني و حزبه الذي يحل محل الدولة في ذهنه كما الكوز لا يؤمن بالدولة و لا توجد فكرة الدولة للكوز إلا في سياجه الدوغمائي و لهذا فشل الشيوعي السوداني و الكوز لأنهما لا يؤمنان بفكرة الدولة من الأساس كما قلنا و نكرر ذلك حتى يفهم الشعب خطر الشيوعي و الكوز و من هنا ندعو لفكرة تأسيس فكرة الدولة كمفهوم حديث لا يؤمن بها الكوز و الشيوعي و لهذا كان فشل الكوز طيلة ثلاثة عقود و هم في الحكم وحدهم.
يمكن تتبع خطاء الأستاذ عبد الخالق في مسألة دور للدين في السياسة فلا تجد له أثر إلا وسط مفكري ما بعد الحداثة قبل أن يعودوا من جديد الى عقل الأنوار و أفكار الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس كما يقول بودلير و لكن عبد الخالق ليس أمامه أجيال سودانية تفتح له طريق فكر عقل الأنوار كما كان لهشام شرابي.
على العموم نجد ميشيل فوكو كان على خطاء كبير عندما إحتفى بالخمينية إلا أنه إنتقد موقفه من الخمينية و فكرة أن يكون للدين دور في السياسة كما كان يظن عبد الخالق محجوب و قال أي ميشيل فوكو أنه أخطاء خطاء كبير يجعله لا يثق في نفسه و لا يستطيع أن يقول أنه مفكر إستراتيجي فهل يمكننا أن نقول إذا كان عبد الخالق موجود الى يومنا هذا هل سيصل لمعرفة خطاء بحثه لدور للدين في السياسة كما وصل لذلك ميشيل فوكو؟
على العموم نجد هشام شرابي في نفس لحظة بحث عبد الخالق لدور للدين كما كان يظن ميشيل فوكو كان هشام شرابي في وعي متقدم جدا و خاصة بعد أن بداء بحثه عن معوقات الشعب العربي من تحقيق فكر النهضة. هشام شرابي من ذلك الزمن البعيد وصل لفكرة أن على النخب العربية إعادة إكتشاف ماركس كما فعلت نخب أوروبا الغربية حيث لم يعد موجود غير ماركس في الأغلال و ليس ماركس الطليق كما هو موجود وسط اتباع الحزب الشيوعي السوداني و هذا لم يصل لفهمه إلا أمثال هشام شرابي.
لذلك وصل لفكرة أن أمثال عبد الخالق محجوب ضحايا لخطاء إعتقاده في مفهوم المثقف العضوي و لمن يريد المزيد أبحث عن مفهوم المثقف العضوي و فكرة إعادة إكتشاف غرامشي لكي تعرف أن عبد الخالق كان مقتله نتيجة خطاء إعتقاده الخاطئ عن مفهوم المثقف العضوي الذي لا يوجد وسط أتباع الايدولوجيات المتحجرة كما هي في نسخة الشيوعية السودانية و كذلك لا يوجد وسط أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب الطائفية و الكيزان.
و أقصد عندما تقراء هشام شرابي و تطور فكره تجد نفسك أمام مثقف طوّر نفسه و أصبح يمشي كتف بكتف مع مفكري الغرب و هذا هو نوع المثقف غير التقليدي الذي نريده أن يقود مسيرة الفكر في السودان كبديل للمثقف التراجيدي الذي يجسده الشيوعي السوداني و هو يحمل خطاء و خطيئة عبد الخالق محجوب و إعتقاده الخاطئ عن المثقف العضوي و إعتقاده الخاطئ أيضا فيما يتعلق ببحثه لدور للدين في السياسة السودانية.
قلنا هشام شرابي كان منذ زمن مبكر أي منذ منتصف الستينيات من القرن المنصرم قد أصبح ندا للمفكريين الغربيين و قد وصفه تلميذه بيل كلنتون الرئيس الامريكي السابق بأنه مثقف ألمعي. و هنا يمكنني أن أقول للقارئ لا يمكن أن نتحدث عن هشام شرابي و لا يسوقنا الحديث الى إدورد سعيد و لكني هنا سوف أتحدث عن أعتذار إدورد سعيد عام 1993 على أن كتابه الإستشراق للأسف خدم الأصولية الدينية و الأصوليين أكثر من أن يخدم التنوير.
و قال إن الخطأ الإبستمولوجي أي المعرفي العميق الذي إرتكبته الأصولية هو أنها إعتقدت أن الأصول عبارة عن مقولات لا تاريخية أو فوق تاريخية تعلو على كل تفحص نقدي. و هذا القول أعلاه مأخوذ من مقال في جريدة الشرق الأوسط لهاشم صالح هل إعتذر إدورد سعيد؟
على أي حال ذكرنا تجربة هشام شرابي و إدورد سعيد و هدفنا ان نوضح أن أكبر خطأ وقع فيه عبد الخالق محجوب هو بحثه لدور للدين في السياسة السودانية و هذا ما شجع الطائفية في أن تظن ان خطابها الديني صحيح و كذلك الكيزان في إجادتهم لمحاكاة الغريم أي تقديم خطاب ديني موازي لخطاب الطائفية و هنا كسد الفكر السوداني لو قارنا مفكريه بإدورد سعيد المعتذر عن كتابه الإستشراق الذي خدم الأصولية أكثر من التنوير و هشام شرابي.
إدورد سعيد بعد إعتذاره نجده بعد ذلك جسد كتابه الأخير الأنسة و النقد الديمقراطي و هو كتاب يمثل روح النزعة الإنسانية المفارقة للمصادقة و المساكنة و المجاورة بل يمكنك أن تقول روح تجاوز الفكر الديني الذي غاص في وحله المثقف السوداني التقليدي و حتى الشيوعي السوداني. هل كان بإمكان عبد الخالق محجوب الإعتذار عن بحثه لدور للدين في السياسة كما فعل إدورد سعيد لو كان حيا؟
ألم يحن الوقت لأتباع الأستاذ الشيوعي الكف عن البحث عن دور للدين في السياسة كما هو في علمانيتهم المحابية للأديان؟ على العموم نكتب هذا المقال و النخب السودانية في أديس أبابا يبحثون عن توحيد جهودالشعب السوداني في منظماته المدنية لإيقاف الحرب العبثية و نقول لهم يجب أن يتقدم الشعب لأنكم أتباع أحزاب سودانية ما زالت غائصة في وحل الفكر الديني و ما زال غائب من دفاتركم مفهوم الدين التاريخي.
و ما زلتم حتى الشيوعي السوداني ينادي بعلمانية محابية للأديان و هذا فكر لا يحقق تحول ديمقراطي و كان شعار ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة شعار ينشد الحرية بعيدا عن وحل الفكر الديني أي الحرية بمعناها الحديث كما هي في المجتمعات الحية أي مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و فيها يعني التحول الديمقراطي أن الديمقراطي قد أصبحت بديلا للفكر الديني عند أتباعه من كل شاكلة و لون و يصبح الدين شأن فردي.
في الختام نقول أن أقصر الطرق هو طريق الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي لأنه يقدم معادلة الحرية و العدالة و هي مفتاح ظاهرة المجتمع البشري و كما قال الأب الشرعي للفكر الليبرالي جون لوك إذا كان هناك مطلق واحد يجب الايمان به هو فصل الدين عن الدولة لأنك لا يكمنك أن تتحدث عن التسامح و أنت منطلق من خطاب ديني أي دين كان جون لوك يمقت الإلحاد كما يمقت عدم فصل الدين عن الدولة و لهذا نقول قد جاء زمن عقلنة الفكر و علمنة المجتمع.

taheromer86@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی الشیوعی السودانی عبد الخالق محجوب فی السیاسة کما فکرة الدولة لا یؤمن کما کان

إقرأ أيضاً:

جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار


 

أحمد بن محمد العامري

الأسرة هي الخلية الأولى التي يتكون فيها الإنسان وفيها تنشأ أولى علاقاته الاجتماعية والنفسية، فالعلاقة بين الزوجين تشكل العمود الفقرى لهذه المؤسسة حيث يتشاركان مسؤولية التربية والرعاية بما يضمن لأفراد الأسرة بيئة صحية ومستقرة. ومع ذلك، يظهر في هذه العلاقة أحياناً خطاب يعكس اختلافات في التصورات بين الزوجين حول دور كل منهما في حياة الأبناء، ومن أكثر العبارات لفتاً للانتباه هو خطاب الزوجة الذي يتبدل بين "أولادك" عند الحديث عن المشكلات أو الأعباء، و"أولادي" عند الحديث عن الإنجازات أو اللحظات المشرقة أو العكس، هذا التباين الظاهري في اللغة يعبر عن أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية عميقة تستحق التأمل.

عندما تلجأ الزوجة إلى استخدام عبارة "أولادك" أثناء مواجهة المشكلات أو تحمل أعباء المصاريف فإنها تعبر عن محاولة نفسية لتخفيف الضغط الواقع عليها، علم النفس يفسر ذلك على أنه آلية دفاعية تُعرف بالإسقاط، حيث يُلقى جزء من المسؤولية على الطرف الآخر لتخفيف الشعور بالعبء أو الفشل، هذا الخطاب قد يعكس كذلك شعوراً بعدم التوازن في تقسيم المهام داخل الأسرة، حيث تحمل الأم العبء الأكبر من العناية اليومية بالأبناء وتنتظر من الأب أن يشارك بشكل أكبر عند ظهور التحديات.

على الجانب الآخر، عندما تقول الزوجة "أولادي" في لحظات الفخر أو الاعتزاز بإنجازات الأبناء فإنها تعبر عن ارتباط عاطفي عميق معهم وشعور بأنها المساهم الأكبر في تربيتهم ونجاحهم، هذه اللغة تتماشى مع ما يُعرف في علم النفس بنظرية الإنجاز الذاتي، التي تبرز كيف يرى الفرد إنجازات الآخرين، خاصة المقربين منه، كامتداد لجهوده الشخصية وهويته، هذا الفخر ينبع أيضاً من القرب اليومي والعاطفي الذي يربط الأم بالأبناء، وهو نتاج الدور التقليدي الذي يجعلها الأقرب إلى تفاصيل حياتهم.

على المستوى الاجتماعي، يعكس هذا الخطاب توزيع الأدوار داخل الأسرة كما تحدده الثقافة، كثير من المجتمعات تُعتبر الأم الحاضن العاطفي الأول للأبناء والمسؤولة عن تفاصيل حياتهم اليومية، بينما يُنظر إلى الأب كمصدر للسلطة والمسؤول عن توفير الموارد وحل الأزمات. لذلك، عندما تواجه الأم تحديات مع الأبناء، ترى في الأب شريكاً يتحمل المسؤولية عن الأزمات التي لا تستطيع السيطرة عليها بمفردها، مما يجعل عبارة "أولادك" أداة ضمنية لدعوته إلى التدخل. في المقابل، يُبرز استخدام "أولادي" في اللحظات الإيجابية شعوراً بأن الأم هي الأقدر على فهم الأبناء ورؤية جهودها في نجاحاتهم.

لكن الأثر الحقيقي لهذا الخطاب لا يتوقف عند الزوجين، بل يمتد ليطال الأبناء أنفسهم. اللغة التي يُخاطب بها الأبناء تؤثر بشكل كبير على تكوين شخصيتهم وشعورهم بالانتماء داخل الأسرة، فعندما يسمع الأبناء عبارة "أولادك" في سياقات سلبية قد يشعرون بأنهم عبء أو مصدر للمشكلات، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم أو يعزز شعورهم بالانفصال عن أحد الوالدين. على النقيض، استخدام "أولادي" في سياقات إيجابية يعزز شعور الأبناء بالفخر والانتماء لكنه قد يُشعرهم أحياناً بأن العلاقة بينهم وبين الأب أقل قوة إذا لم يُظهر الأب نفس التقدير.

إن الخطاب الأبوي المتوازن يلعب دوراً محورياً في تعزيز استقرار الأسرة وبناء الثقة بين أفرادها، واستخدام لغة تشاركية مثل "أولادنا" يعكس إحساساً مشتركاً بالمسؤولية ويُظهر للأبناء أنهم ثمرة شراكة بين الوالدين، كما أن إظهار التقدير المتبادل بين الزوجين لجهود كل منهما في التربية يعزز روح التعاون ويُزيل أي شعور بالتنافس أو تحميل المسؤولية. من المهم أيضاً أن يتم التعامل مع المشكلات المتعلقة بالأبناء كقضايا مشتركة بعيداً عن إلقاء اللوم، ما يُظهر نموذجاً إيجابياً للأبناء حول كيفية حل المشكلات بطريقة بناءة.

الثقافة المجتمعية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل هذا الخطاب، حيث تحدد معايير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة. في المجتمعات التي تتبنى نماذج تشاركية حديثة، يظهر خطاب أكثر توازناً بين الزوجين، بينما في الثقافات التقليدية قد يميل الخطاب إلى تقسيم الأدوار بشكل يبرز الفروقات بين الأب والأم، ولكن مع تطور المفاهيم الأسرية وتزايد الدعوات للمساواة في الأدوار، يمكن تعزيز خطاب أكثر تشاركية يعكس تغيرات إيجابية في بنية الأسرة.

في النهاية، حديث الزوجة مع الزوج حول الأبناء بين "أولادك" و"أولادي" ليس مجرد تفصيل يومي عابر، بل هو مرآة تعكس التفاعلات النفسية والاجتماعية داخل الأسرة، ومن خلال العمل على تطوير هذا الخطاب ليكون أكثر شمولية وتوازناً، يمكن تعزيز الروابط الأسرية وضمان بيئة إيجابية لنمو الأبناء.
الأبناء ليسوا مجرد مسؤولية فردية، بل هم ثمرة شراكة تحمل في طياتها تحديات وإنجازات مشتركة، والنجاح الحقيقي في التربية يتحقق عندما يشعر كل فرد في الأسرة، سواء كان أباً أو أماً أو ابناً، بأنه جزء من كيان واحد يُبنى على الحب والدعم والمسؤولية المشتركة.
ahmedalameri@live.com

مقالات مشابهة

  • مبادرة الحزب الشيوعي خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح
  • ملاحظات نقدية حول مبادرة الشيوعي لوقف الحرب
  • عبد الخالق عبد الله: أمراء حرب في سوريا يبحثون عن مجد شخصي.. ومخاوف من تكرار السيناريو الليبي
  • ديمقراطية ضد الديمقراطية عند مارسيل غوشيه ماذا تعني عند الشيوعي السوداني
  • قرابة غير متوقعة.. ما الذي يجمع نسمة محجوب وساندي بـ ممدوح عبدالعليم؟
  • بعد طرحه داخل مصر.. نسمة محجوب تروج لـ فيلم «الأسد الملك»
  • طرق دبي تستكمل توسعة تقاطع شارع عمر بن الخطاب مع شارع آل مكتوم
  • دبي.. إنجاز توسعة تقاطع شارع عمر بن الخطاب مع «آل مكتوم»
  • تسجيل الأذان بصوته.. إيهاب توفيق يحكي أسرارا عن ألبومه الديني
  • جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار