هذا ما أعده الله للكاظمين الغيظ في الدنيا والآخرة.. فرصة عظيمة اغتنمها
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
كظم الغيظ والاحتساب من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاللحظة الأولى عند الغضب يجب أن يحتسب المرء الأمر عند الله وبعدها يكظم الغيظ، وذلك عملا بحديث النبى: "لا تغضب لا تغضب لا تغضب".
جزاء الكاظمين الغيظ عند الله يوم القيامةالجنة هي مكانة الكاظمين الغيط يوم القيامة، حيث جعل الله هذه الصفة من صفات المؤمنين قال الله تعالى « وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
فمن يكظم غيظه عن الناس فى الدنيا يخيره الله تعالى بين الحور العين ليتزوج منهم ما شاء، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-« من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء».
كظم الغيظ مكانة كبيرة عند الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، فعن معاذ بن أنس الجهنيِّ "رضى الله عنه" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظـًا وَهُوَ قَـادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَـاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَـا شَـاءَ"، رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ" رواه البخاري في "صحيحه.
"كَظَم غَيْظَا" أي سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه، قال الإمام ابن عطيَّة: "كَظم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه"، وقال أيضًا: "الغَيْظ: أصل الغَضَب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسَّر بعض النَّاس الغَيْظ بالغَضَب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغَيْظ: فعل النَّفس، لا يظهر على الجوارح. والغَضَبُ: حالٌ لها معه ظهورٌ في الجوارح، وفعلٌ ما ولا بدَّ، ولهذا جاز إسناد الغَضَب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يُسْند إليه تعالى غيظٌ".
يحرص الشيطان دائما عند المنازعات والخصومات على أن يثير غيظ بني آدم وغضبه؛ لأن ذلك يُسَهِّل سيطرته عليهم، ويدفعهم بذلك إلى شرورٍ غير متوقعة.
وكان إبليس يعرف ذلك عن آدم عليه السلام وذريته منذ بداية الخليقة، فعن أنس بن مالك "رضي الله عنه" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ، يَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ، عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ" رواه مسلم.
ومعنى "لا يتمالك" أي: ليس لديه القدرة على أن يملك نفسه عند الغيظ والغضب، أو لا يملك نفسه، ويحبسها عن الشهوات، أو لا يملك دفع الوسواس عنه - كما ذكر ذلك الإمام النووي - ومن هنا كان من سُنَّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يمنع كيد الشيطان بكظم الغيظ وعدم إنفاذه، والترغيب في ذلك بالمنزلة العالية يوم القيامة.
وقد عظَّم الله جل وعلا أجر الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؛ فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
ومما يروى في هذا الصدد، أنه كان للمأمون - الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد - خادم، وهو صاحب وضوئه، فبينما هو يصب الماء على يديه إذ سقط الإناء من يده، فاغتاظ المأمون عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال المأمون: قد كظمت غيظي عنك، قال: {وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ} قال: قد عفوت عنك، قال: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهب، فأنت حر. فما أعظمها مِنْ سُنَّة، تنفعنا في الدنيا بهدوء الحال، وتنفعنا في الآخرة بطيب المال.
تفسير والكاظمين الغيظ والعافين عن الناسفسر الشيخ الراحل الإمام الشعراوي، قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ إن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، فالله سبحانه وتعالى يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضًا، لكن الانفعال المناسب للحدث الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر].
وأضاف "الشعراوي"، أن هذه بعض من صفات المتقين {والكاظمين الغيظ} لأن المعركة- معركة أُحد- ستعطينا هذه الصورة أيضًا، فحمزة وهو سيد الشهداء وعم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقتل. وليته يُقتل فقط ولكنه مُثِّل به، وأُخِذ بضع منه وهو كبد فلاكته (هند)، وهذا أمر أكثر من القتل. وهذه معناها ضغن دنيء، وحينما جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مقتل حمزة وقالوا له: إن (هندًا) أخذت كبده ومضغتها ثم لفظتها، إذ جعلها الله عَصِيَّة عليها، قال: (ما كان الله ليعذب بعضًا من حمزة في النار) كأنها ستذهب إلى النار، ولو أكلتها لتمثلت في جسمها خلايا، وعندما تدخل النار فكأن بعضًا من حمزة دخل النار، فلابد أن ربها يجعل نفسها تجيش وتتهيأ للقيء وتلفظ تلك البضعة التي لاكتها من كبد سيد الشهداء.
وأشار الى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شبه هذه الحادثة بأنها أفظع ما لقي. إنها مقتل حمزة فقال: (لئن أظفرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، وهنا جاء كظم الغيظ ليأخذ ذروة الحدث وقمته عند رسول الله في واحد من أحب البشر إليه وفي أكبر حادث أغضبه، وينزل قول الحق: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}.. [النحل: 126].
وتابع: كي نعرف أن ربنا- جل جلاله- لا ينفعل لأحد؛ لأن الانفعال من الأغيار، وهذا رسوله فأنزل سبحانه عليه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ويأتي هنا الأمر بكظم الغيظ، وهو سبحانه يأتي بهذا الأمر في مسألة تخص الرسول وفي حدث (أٌحد). وبعد ذلك يُشيعها قضية عامة لتكون في السلم كما كانت في الحرب. وتكون مع الناس دون رسول الله؛ لأنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، {والكاظمين الغيظ} ونعرف أن كل الأمور المعنوية مأخوذة من الحسّيات. وأصل الكظم أن تملأ القِرْبة، والقِرَب- كما نعرف- كان يحملها (السقا) في الماضي، وكانت وعاء نقل الماء عند العرب، وهي من جلد مدبوغ، فإذا مُلئت القربة بالماء شُدّ على رأسها أي رٌُبط رأسها ربطًا محكمًا بحيث لا يخرج شيء مَمّا فيها، ويقال عن هذا الفعل: (كظم القربة) أي ملأها وربطها، والقربة لينة وعندما توضع على ظهر واحد أو على ظهر الدابة فمن ليونتها تخرج الماء فتكظم وتربط بإحكام كي لا يخرج منها شيء.
وأردف: كذلك الغيظ يفعل في النفس البشرية، إنه يهيجها، والله لا يمنع الهياج في النفس لأنه انفعال طبيعي، والانفعالات الطبيعية لو لم يردها الله لمنع أسبابها في التكوين الإنساني، إنما هو يريدها لأشياء مثلا: الغريزة الجنسية، هو يريدها لبقاء النوع، ويضع من التشريع ما يهذبها فقط، وكذلك انفعال الغيظ، إن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، لا، هو سبحانه يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضًا، لكن الانفعال المناسب للحدث، الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر.
وأشار الى أن المؤمن ليس مطبوعًا على الشدة، ولا على الرحمة، ولكن الموقف هو الذي يصنع عواطف الإنسان، فالحق سبحانه يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين}.. [المائدة: 54].
وقلنا: إن هناك فرقًا بين الانفعال في ذاته، فقد يبقى في النفس وتكظمه، ومعنى كظم الانفعال: أن الإنسان يستطيع أن يخرجه إلى حيز النزوع الانفعالي، ولكنّه يكبح جماح هذا الانفعال. أما العفو فهو أن تخرج الغيظ من قلبك، وكأن الأمر لم يحدث، وهذه هي مرتبة ثانية. أما المرتبة الثالثة فهي: أن تنفعل انفعالًا مقابلًا؛ أي أنك لا تقف عند هذا الحد فحسب، بل إنك تستبدل بالإساءة الإحسان إلى من أساء إليك. إذن فهناك ثلاث مراحل: الأولى: كظم الغيظ. والثانية: العفو. والثالثة: أن يتجاوز الإنسان الكظم والعفو بأن يحسن إلى المسئ إليه.
وهذا هو الارتقاء في مراتب اليقين؛ لأنك إن لم تكظم غيظك وتنفعل، فالمقابل لك أيضًا لن يستطيع أن يضبط انفعاله بحيث يساوي انفعالك، ويمتلئ تجاهك بالحدة والغضب، وقد يظل الغيظ ناميًا وربما ورّث أجيالا من أبناء وأحفاد.
وتابع: لكن العقل البشري يفقد ذكاءه في مواقف الغضب؛ فالذي يسيء إلى إنسان يحسبه عدوٍّا. لكن على الواحد منا أن يفهم أن الذي يسيء إليك إنما يجعل الله في جانبك؛ فالذي نالك من إيذائه هو أكثر مما سلبك هذا الإيذاء. هنا يجب أن تكون حسن الإيمان وتعطي المسيء إليك حسنة.
ويضيف الحق من بعد ذلك في صفات أهل الجنة: {والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله...}.
قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من يكظم غيظه ويعفو عن غيره وهو قادر عن رد الإساءة بالإساءة له جنة عرضها السموات والأرض حيث قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران:34].
وأضاف عثمان، فى إجابته على سؤال «ما هى مكانة الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؟»، أن الكاظمين الغيظ لهم عند الله جنة عرضها السموات والأرض ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من كظم غيظا وهو قادر على إنفاذه ملأ الله قلبه يوم القيامة رجاءً)).
وأشار الى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغضب لنفسه قطّ، بل كان غضبه لله، وهو أشرف البشر صلى الله عليه وسلم، وليس إلى السلامة باب، إلا أن نتخلَّق بهذه الصفات العظيمة التي تنجو بصاحبها إلى شاطئ الأمن والأمان، لاسيما أن الله امتدح أصحابها بقـولــه: ـ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }، ولقد حضَّ الإسلام على الإصلاح بين المتخاصمين.
صفات المتقين عند اللهعلى المؤمن أن يبتغي مرضاة الله في أفعاله لا الناس وعملاً بالآية الكريمة"وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين".
صفات المتقين عند الله ،وهم الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ،ولكي يصل الإنسان لهذه المكانة من الصبر عليه أن ينظر للنتيجة وهي الجنة مع المتقين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم یوم القیامة الله تعالى عند الله ال غ ی ظ الغ ض ب الغ ی ظ
إقرأ أيضاً:
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
قالت دار الإفتاء المصرية إن الاحتفالُ بِلَيْلَةِ النصف مِن شهر شعبان المبارك مشروعٌ على جهة الاستحباب، وقد رغَّبَ الشرع الشريف في إحيائها، واغتنام نفحاتها، ويكون ذلك بقيام ليلها وصوم نهارها؛ سعيًا لنيل فضلها وتحصيل ثوابها، وما ينزل فيها من الخيرات والبركات.
ليلة النصف من شعبانوأوضحت الإفتاء أنه دَرَجَ على إحياء ليلة النصف من شعبان والاحتفال به المسلمون سلفًا وخلفًا عبر القرون من غير نكير، ولا يؤثر في ثبوت فضل هذه الليلة ما يُثَار حولها من ادعاءات المتشددين القائلين بأنها بدعة، نؤكدة أنه لا يجوز الالتفات إلى مثل آرائهم الفاسدة.
التفضيل بين الأزمنة والأمكنة
وخلق الله عزَّ وجلَّ الزمان والمكان، وفضَّل بعضه على بعض في سائر الدهور والأعصار؛ ومن ذلك: تفضيل بعض الشهور؛ كرمضان، وبعض الأيام؛ كالعشر من ذي الحجة، والسِّتِّ من شوال، وبعض الليالي؛ كليلة القدر، والنصف من شعبان.
وقد حثت الشريعة الإسلامية على زيادة الاعتناء بهذه الشهور والأيام، وإحيائها بشتى صور العبادات؛ لما فيها من الفضل والإحسان وزيادة التَّجلي والإكرام، حيث ورد الأمر الشرعي بالتذكير بهذه الأيام؛ كما في قوله سبحانه: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]، كما ورد الأمر بالتعرّض لنفحاتها واغتنامها، وأنَّ ذلك يكون سببًا لصلاح الحال وهناء البال على الدوام؛ في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا». أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والطبراني في "المعجم الأوسط" واللفظ له، والبيهقي في "شعب الإيمان".
فضل شهر شعبان
ومن الشهور المفضلة التي اختصها الله سبحانه وتعالى وأَوْلَاها من المنزلة بمكان: شهر شعبان؛ فمَيَّزه بمنزلة كريمة، ومكانة عظيمة، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يختص أيامه بالصيام؛ لكونها محلًّا لرفع الأعمال؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». أخرجه ابن أبي شيبة والبغوي في "المسند"، والنسائي في "السنن الصغرى" واللفظ له، والبيهقي في "فضائل الأعمال".
فضل ليلة النصف من شعبان
ثم اختصَّ سبحانه من هذا الشهر: ليلةَ النصف منه ونهارَها، وفضَّلهما على غيرهما من أيامه ولياليه، ورغَّبَ في إحيائها، واغتنام نفحها؛ بقيام ليلها وصوم نهارها؛ سعيًا لنيل فضلها وتحصيل ثوابها، وما ينزل فيها من الخيرات والبركات.
وقد ثبت ذلك بنصوص الكتاب والسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين ومَن بعدهم سلفًا وخلفًا، وعليه العمل إلى يوم الناس هذا.
الأدلة على فضل ليلة النصف من شعبان
فأما الكتاب:
فقد جاء في تفسير قول الله تعالى: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4]: أنها ليلة النصف من شعبان؛ يبرم فيها أمر السَّنَة، وتنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاجّ؛ فلا يُزَاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد؛ كما نقل ذلك الإمام الطبري في "جامع البيان" (22/ 10، ط. مؤسسة الرسالة)، وابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" (10/ 3287، ط. مكتبة نزار)، والإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (3/ 379، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب)، والإمام الكرماني في "غرائب التفسير" (2/ 1073، ط. دار القبلة)، والإمام البغوي في "معالم التنزيل" (4/ 172، ط. دار إحياء التراث)، وغيرهم من المفسرين.
وأما السنة النبوية:
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا؟ أَلَا كَذَا؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» أخرجه ابن ماجه في "السنن" واللفظ له، والفاكهي في "أخبار مكة"، وابن بشران في "أماليه"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ» أخرجه ابن راهويه وأحمد في "المسند"، والترمذي وابن ماجه -واللفظ له- في "السنن"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وعنها أيضًا رضي الله عنها أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَفْتَحُ اللهُ الْخَيْرَ فِي أَرْبَعِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان؛ ينْسَخُ فِيهَا الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ، وَيَكْتُبُ فِيهَا الْحَاجَّ، وَفِي لَيْلَةِ عَرَفَة إِلَى الْأَذَانِ» رواه الدارقطني في "غرائب مالك"، والخطيب في "الرواة عن مالك"، وابن الجوزي في "مثير العزم"، والديلمي في "الفردوس".