الدمار في قطاع غزة: القانون الدولي يسمح بالدفاع عن النفس، لكنه يضع حدوداً لذلك.

الحرب قاسية ومروعة؛ لأن الحرب هي عنف، أو بتعبير أدق: استخدام العنف المنظم لتحقيق أهداف سياسية. إن تأطير هذا العنف بقواعد هو هدف القانون الدولي. ولكن بالنسبة لما يحدث في إسرائيل وغزة ليست الأمور بتلك السهولة.

مختارات مسؤول أممي يندد باحتجاز حماس لرهائن وإساءة معاملتهم وبالحصار على غزة DW تتحقق: هل أرسلت مصر مئات الدبابات للقتال في غزة؟ صراع إسرائيل وحماس .

. هل اُرتكبت جرائم حرب؟ انتقادات دولية وأممية لطلب إسرائيل إخلاء مدينة غزة خلال 24 ساعة

بيد أن تصنيف الهجوم الوحشي الذي نفذه إرهابيو حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأسفر عن مقتل أكثر من 1300 شخص واختطاف ما يقرب من 200 كرهائن، واضح جلي. يرى المختص الألماني بالقانون الدولي، شتيفان تالمون، للوهلة الأولى في الهجوم "قتل جماعي". لكنه وعند وضعه في إطار الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين توصل تالمون إلى استنتاج: "نظراً لأن هذا الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر أخذ تلك الأبعاد والشدة، فإن القانون الدولي يفترض أننا نتعامل مع صراع مسلح هنا".

وبناء على ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حالة الحرب. في اليوم التالي للمذبحة التي وقعت في جنوب إسرائيل، قال نتنياهو بوضوح شديد إن جميع الأماكن التي تنشط فيها حماس أو التي تختبئ فيها سوف تتحول إلى أنقاض. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيل غزة. وذكرت مجلة إيكونوميست البريطانية أنه تم إلقاء 6 آلاف قنبلة في ستة أيام من الحرب المستمرة حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

وقال دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن "مئات الأطنان من القنابل" أسقطت على غزة، مضيفاً أن "التركيز ينصب على التدمير وليس على الدقة". ووفقاً للأرقام الفلسطينية، قُتل ما لا يقل عن 3000 شخص حتى الآن (19 تشرين الأول/أكتوبر 2023). وتبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً فقط، وهي مساحة مدينة كولونيا الألمانية تقريباً.

جثث بعض قتلى هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1300 شخص

الدفاع عن النفس، ولكن بحدود

إن حق إسرائيل فيالدفاع عن النفس ضد أي هجوم مسلح بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أمر لا جدال فيه، إلا أن هذا الحق في الدفاع عن النفس مقيد بالقانون الدولي الإنساني. وأحد أهم المبادئ فيه هو شرط التمييز: يجب على الأطراف المتحاربة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. لكن هذا يعني فقط أن المدنيين أو الأهداف المدنية يجب ألا يكونوا هدفاً للهجمات بشكل متعمد. وبالتالي، فإن قتل المدنيين محظور فقط إذا أمكن إثبات أنه تم عن عمد.

ومن الناحية العملية، يوضح أستاذ القانون الدولي، شتيفان تالمون، أن هذا يعني: "إذا قامت حماس بوضع موقع صاروخي في منطقة سكنية مدنية، فإن لإسرائيل الحق في ضرب موقع الصواريخ ذلك، حتى مع وجود خطر تضرر السكان المدنيين. وهذا الضرر الجانبي يمكن أن يكون مرتفعاً جداً، حسب الهدف وظروف العملية العسكرية".

إن التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية الذي يفرضه القانون الدولي يكاد يكون مستحيلاً في قطاع غزة، وهي واحدة من أكثر المناطق المأهولة بالسكان والأبنية على وجه الأرض. وتمتد أنفاق حماس كذلك تحت المباني السكنية، وتقع مقرات ومنشآت حماس أحياناً في المباني السكنية والمكاتب التجارية. والقانون الدولي لا يولي سوى القليل من الاعتبار لذلك.

"وجود حماس وقيادتها في المدارس والمساجد والمستشفيات يجعل من تلك المنشآت أهدافاً عسكرية مشروعة. وفي الوقت نفسه، إقامة حماس مواقع عسكرية في مناطق مدنية يعتبر جريمة حرب"، يوضح شتيفان تالمون.

العقاب الجماعي محظور

وتفرض إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة. وتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عن حصار كامل سيتم من خلاله قطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والوقود عن غزة. وتتهم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية، "بتسيلم"، إسرائيل بارتكاب جرائم حرب نظراً لحجم الضربات الجوية والحصار. وتحدثت منظمة "أطباء بلا حدود" عن تعرض غزة لعقاب جماعي، ما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

ووفقاً للبروفيسور شتيفان تالمون: "يحظر القانون الدولي ما يسمى بالعقاب الجماعي، وفي هذه الحالة العقاب الجماعي لجميع السكان الفلسطينيين في قطاع غزة. ليس جميعهم أعضاء في حماس وليسوا جميعاً مسؤولين عن هذا الهجوم لكنهم يتأثرون برد فعل إسرائيل، أي بشكل عشوائي".

وبالإضافة إلى ذلك، يحظر القانون الدولي صراحةً تجويع السكان المدنيين. ويقول شتيفان تالمون: "إذا فرضت حصاراً كاملاً، فسوف ينفد الطعام أو مياه الشرب في مرحلة ما، وستكون هناك حالة مجاعة للسكان المدنيين. وهذا محظور بموجب القانون الدولي".

شتيفان تالمون: إذا قامت حماس بوضع موقع صاروخي في منطقة سكنية مدنية، فإن لإسرائيل الحق في ضرب ذلك الموقع

الإخلاء قانوني، والتهجير غير قانوني

في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون مدني في الجزء الشمالي من قطاع غزة، أي ما يقرب من نصف إجمالي السكان، بالانتقال إلى جنوب القطاع. وينطبق الأمر نفسه على المنظمات الدولية. ومن ناحية أخرى، دعت حماس السكان إلى البقاء، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد منعتهم من الفرار.

ونظراً لأن البنية التحتية في قطاع غزة مدمرة، ولقلة عدد الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها هذا العدد الكبير من الناس، فإن الأمم المتحدة تعتبر عملية الإخلاء مستحيلة. ووصف جان إيغلاند، وزير خارجية النرويج السابق والرئيس الحالي لمنظمة الإغاثة "المجلس النرويجي للاجئين"، وكذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمر الإخلاء بأنه انتهاك للقانون.

لكن حتى تنفيذ الأمر الإسرائيلي لا يضمن السلامة؛ إذ أظهرت لقطات فيديو تحققت منها صحيفة واشنطن بوست عدداً من الأشخاص، من بينهم عدة أطفال، قتلى على ما يبدو في هجوم إسرائيلي أثناء فرارهم جنوباً يوم الجمعة الماضي (13 تشرين الأول/أكتوبر).

ومع ذلك، يوضح شتيفان تالمون: "من حيث المبدأ، فإن إجلاء السكان المدنيين من قبل قوة احتلال مسموح به بموجب القانون الدولي. على سبيل المثال، لضمان حماية وأمن السكان ولإعطاء الفرصة والحيز للعمليات العسكرية". وفي رأي أستاذ القانون الدولي، فإن إسرائيل لا تتصرف هنا "بشكل مخالف للقانون".

القانون الدولي الإنساني "قانون قديم"

"يحظر القانون الدولي أي محاولة لإسرائيل تهجير السكان من قطاع غزة بأكمله. لكن داخل أراضي العدو، يمكنني بالتأكيد تنفيذ عمليات إجلاء أو نقل قسري للسكان من أجل حمايتهم وأمنهم"، يتابع شتيفان تالمون.

بشكل عام، يعتبر القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي للحرب، كما كان يُطلق عليه في السابق، قانوناً قديماً، كما يقول شتيفان تالمون: "لقد وضعت القانون دول تفترض أنها ستشن حرباً في يوم من الأيام؛ لذلك لم ترغب في وضع أنفسها في أغلال أو فرض قواعد لا يمكنها الالتزام بها".

يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

ماتياس فون هاين/ خ.س

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: إسرائيل حماس غزة القانون الدولي القانون الدولي الإنساني جرائم حرب تهجير إخلاء قطاع غزة الصليب الأحمر الدولي أخبار ألمانيا انتهاكات استهداف المدنيين العقاب الجماعي التجويع الحصار إسرائيل حماس غزة القانون الدولي القانون الدولي الإنساني جرائم حرب تهجير إخلاء قطاع غزة الصليب الأحمر الدولي أخبار ألمانيا انتهاكات استهداف المدنيين العقاب الجماعي التجويع الحصار تشرین الأول أکتوبر القانون الدولی فی قطاع غزة عن النفس

إقرأ أيضاً:

خبير أميركي: إضعاف حماس لا يكفي.. وغياب قوة بديلة يطيل الصراع

أفاد الجيش الإسرائيلي، السبت، أن سلاح الجو نفذ عمليات استهدفت أكثر من 50 موقعا في قطاع غزة ولبنان، مشيرا إلى "مقتل عشرات المسلحين وتدمير وسائل قتالية عديدة".

وأوضح المصدر ذاته، أن "الفرقة 162 تواصل العمل في منطقة جباليا، وقضت خلال الأيام الأخيرة على عشرات المسلحين"، كما عثرت القوات ودمرت مستودع أسلحة في المنطقة، وفق البيان.

وارتفع عدد ضحايا الحرب في القطاع إلى أكثر من 43.500 قتيل منذ اندلاع الصراع قبل أكثر من عام بحسب وزارة الصحة التي أشارت إلى إنها أحصت خلال 24 ساعة 44 قتيلا على الأقل نقلوا إلى المستشفيات.

وعلى الصعيد السياسي يتوقع مراقبون استمرار حالة الجمود التي تتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. والتي تهدف إلى إعادة الرهائن الإسرائيليين خاصة مع إعلان قطر انسحابها من جهود الوساطة في القطاع.

وبحسب مصادر دبلوماسية فقد أبلغت قطر حماس أن مكتبها في الدوحة لم يعد يخدم الغرض منه. وعلى الصعيد الإنساني تؤكد الأمم المتحدة أن ما يقرب من 70 بالمئة من قتل الحرب في غزة هم من النساء والأطفال.

وقالت إن هناك احتمالا قويا بحدوث مجاعة وشيكة في مناطق بشمال قطاع غزة. ما يستدعي تحركا فوريا من جميع الجهات الفاعلة المشاركة مباشرة في الصراع أو المؤثرة في مجراه لتجنب هذا الوضع الكارثي وتخفيف حدته.

الأمر الذي تنفيه إسرائيل وتقول إن الخبراء في مجال الأمن الغذائي العالمي يعتمدون على بيانات جزئية ومتحيزة ومصادر سطحية لها مصالح خاصة.

الجيش الإسرائيلي قال أيضا إنه عزز جهود تقديم المساعدات بما شمل فتح معبر إضافية. وأن 39 ألف شاحنة تحمل أكثر من 840 ألف طن من المواد الغذائية دخلت غزة خلال الشهرين الماضيين. نعود إلى ضيفنا من فرجينيا.

في حوار مع قناة "الحرة"، يجيب ريتشارد ويدز، مدير مركز التحرير السياسي العسكري في معهد هاتسون، عن سؤال محوري بشأن استمرار العمليات العسكرية في غزة رغم إضعاف قدرات حماس العسكرية.

ويوضح ويدز أن استمرار العمليات يعود إلى عدة عوامل، بينها أن بالرغم من أن حماس كبنية عسكرية منظمة قد ضعفت، إلا أننا نرصد محاولاتها المستمرة لإعادة تنظيم صفوفها، كما أن هناك حركات مسلحة أخرى لا تزال نشطة في المنطقة.

ويضيف في تحليله للوضع الراهن: "نعلم أن هناك مناقشات أميركية-إسرائيلية حول دور محتمل للسلطة الفلسطينية أو بعض الدول الأخرى، لكن الوضع الحالي يتسم بحالة من الفوضى، مع مخاوف متزايدة من إمكانية إعادة حماس لتنظيم صفوفها من جديد."

ويرى مدير مركز التحرير السياسي العسكري في معهد هاتسون، أن الصراع الحالي يكشف عن تعقيدات استراتيجية وعسكرية عميقة، موضحا أن  التحدي الرئيسي بشأن الوضع بغزة يكمن في ثلاثة عوامل: "حماس أضعف الآن، والإسرائيليون يقاتلون بشدة، ولكن لا توجد قوة بديلة".

وبشأن تقييم الخطط الإسرائيلية، يضيف: "معظم الناس، بما فيهم أنا، اعتقدوا أن الإسرائيليين سيتمكنون من بسط سيطرتهم مبكراً. لكننا استهنا ببنية حماس التحتية وقدرتها على الاستمرار في القتال وإعادة تنظيم صفوفها."

وفيما يتعلق بقضية الرهائن، يرى ويدز أن الحل العسكري قد لا يكون مجدياً: "لا أعتقد أن الجيش يستطيع تحريرهم كلهم. ربما يكون الحل في عرض بدائل غير عسكرية، مثل السماح لمسلحي بأخذ عائلاتهم ومغادرة إسرائيل، أو تقديم حوافز أخرى."

وعن مستقبل الصراع، يميز ويدز بين الوضع في غزة ولبنان: "أنا أكثر تفاؤلا على الجبهة اللبنانية لأن هناك لاعبين دوليين آخرين منخرطين. مع حزب الله، يمكن التوصل إلى حل يقضي بسحب قواته إلى مسافة معينة. أما في غزة، فحماس ضعيفة ومنقسمة، والحكومة الإسرائيلية لا تسعى لحل تفاوضي."

ويرى المتحدث ذاته، أن "إدارة بايدن تفتقر إلى القدرة على فرض حل، كما هو الحال بالنسبة للقطريين وآخرين. في بعض الحالات لا يوجد حل محتمل، كما هو الحال هنا."

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تؤكد مقتل أربعة من جنودها شمالي غزة وتكشف التفاصيل
  • حماس تُعقب على هجوم إسرائيل "الوحشي" على بيت حانون بعد إدخال المساعدات
  • مصدر فلسطيني: لا اتفاق بين فتح وحماس بشأن غزة
  • ميقاتي: لبنان تعاني من اعتداء إسرائيلي صارخ ينتهك أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف
  • ولي عهد الكويت: لا يجب التعامل مع إسرائيل باعتبارها فوق القانون الدولي
  • أبو الغيط: انعدام محاسبة إسرائيل وغياب القانون الدولي شجع قياداتها على تنفيذ مخططاتها
  • اندلاع حرائق شمال إسرائيل إثر سقوط مسيرة قرب بلدة ليمان بالجليل
  • خبير أميركي: إضعاف حماس لا يكفي.. وغياب قوة بديلة يطيل الصراع
  • قطر تؤكد تعليق وساطتها في غزة بين إسرائيل وحماس حتى "توافر الجدية اللازمة"
  • انتكاسة دبلوماسية.. قطر تتخلى عن وساطتها في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس