الركود العقاري في اليمن.. انطفاء آخر الأنفاس الاقتصادية
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
أثرت الحرب في اليمن على كثير من القطاعات الحيوية في البلاد منها قطاع العقارات الذي تدهور بشكل ملموس رغم بعض المبادرات الحكومية لإنعاشه. صفية مهدي ترصد من اليمن أسباب الأزمة الخانقة.
"منذ بدء الحرب وما رافقها من أزمات وقيود خسرت الكثير واضطررت للاستغناء عن نصف العاملين. كانت العقارات أحد أبرز الملاذات الأخيرة للحفاظ على ما أمكن من رأس المال، لكنني لم أستطع استكمال آخر عملية شراء، بسبب القرارات التي فرضتها السلطات في صنعاء منذ ما يقرب من عام"، يقول اليمني أحمد منصور، وهو مالك منشأة بيع مواد منزلية مستوردة.
ويرى رجل الأعمال أن الاقتصاد اليمني خسر على مراحل، آخرها سوق العقارات، المجال الوحيد، الذي انتعش على مدى سنوات، لكنه انهار فجأة دون سابق إنذار، على وقع عدة أسباب، كان على رأسها قيود حكومية في صنعاء وأخرى في عدن.
شروط "جنونية" في صنعاء
أحمد منصور الذي اضطر منذ شهور لمغادرة صنعاء بحثاً عن فرص تجارية في مدن أخرى، يقول لـDW عربية، إنه كان واحداً ممن اتجهوا لشراء أراضي بالشراكة مع أخرين، بالترافق مع حركة الانتعاش الكبيرة، التي شهدها هذا القطاع، خلال الحرب، لأسباب متعددة، أبرزها كونه ساحة أكثر أمناً من المشاريع الاستثمارية الأخرى في ظل الحرب، إلى جانب ظروف النزوح، التي اضطرت عدد كبير من اليمنيين إلى بيع أملاكهم لتأمين احتياجاتهم الأساسية، أو الانتقال من منطقة لأخرى.
الصفقة الأخيرة لأحمد منصور كانت قطعة أرض في الجنوب الغربي لصنعاء أواخر العام 2021، تعثر استكمالها بعد أن فرضت السلطات التابعة لجماعة أنصار الله الحوثية، شروطاً يصفها بـ"الجنونية"، من خلال المطالبة بما يصل إلى 20 بالمائة من قيمة الأرض كرسوم للمعاملات، و25 بالمائة من قيمة استئجار أي أرض تابعة للأوقاف (أراضي الدولة).
ويضيف المتحدث، أنه كان في السابق يمكن لأي قاض يمارس مهنة القضاء اعتماد الشراء، وتتطلب عملية الشراء نفقات لا تزيد عن 5 بالمائة، أما الآن فتم تحديد "مأذونين" بعينهم، وكل ذلك، دفعه للتوقف عن ممارسة عمله.
ويشدد أحمد منصور على أن الأضرار، نتيجة الركود، تجاوزت العقارات التي تأثر سوقها بنسبة تزيد على 90 بالمائة، إلى مختلف المجالات الاقتصادية الأخرى، المتضررة أساساً. ويرجع ذلك إلى أن العقار له أهمية كبيرة في الاقتصاد حيث يتم إنفاق أموال كبيرة في كل عملية بيع أو شراء.
وفي عدن أيضاً!
في عدن، الوضع ليس بأفضل، رغم وجود حكومة مناهضة للحوثيين، هي الحكومة المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ إذ أن المدينة التي شهدت توسعاً ملحوظاً في العمران والمشاريع العقارية خلال السنوات الماضية، توقفت فيها حركة العقارات والبيع فجأة منذ أكثر من عام، وخصوصاً بعد أن أصدرت السلطات المحلية قراراً بإنشاء ما أسمي "وحدة الأراضي"، كنافذة للحصول على تراخيص، ليس فقط لمجرد شراء أراضي جديدة، بل حتى لترخيص بناء بيوت جديدة، كما يقول خالد عبدالله، وهو مالك مكتب عقارات في عدن.
ويضيف خالد عبدالله لـ DW عربية، ذهبت مع أحد الأشخاص للحصول على إذن من السلطات المحلية ليقوم ببناء بيت جديد، اشترطوا مبلغاً كبيراً مقابل الترخيص، وأن يقوموا هم، أي "وحدة الأراضي" المعنية بالترخيص، باختيار المقاول الذي يقوم بالبناء.
مثل هذه الإجراءات الحكومية، جعلت حركة البناء وسوق العقارات شبه متوفقة، وفق خالد عبدالله، الذي يضيف أن السلطة المحلية ومن وراءها في الحكومة "اتخذوا قراراً ولم يصدروا آلية لتنفيذه"، وأنه إذا لم "يجدوا حلاً فإن الناس على وشك الانفجار".
من الانتعاش إلى الركود المفاجئ
منذ تصاعد الحرب في اليمن عقب سيطرة أنصار الله (الحوثيين) على صنعاء سبتمبر/أيلول 2015، وتدخل التحالف بقيادة السعودية في مارس/آذار من العام نفسه، انهار الاقتصاد اليمني إلى حد كبير وتوقفت الكثير من المشاريع، لكن مع ذلك، شهدت العديد من المدن الرئيسية توسعاً في حركة البناء وانتعاشاً في سوق العقارات، جذب المزيد إليه، ليكون القطاع الوحيد النشط تقريباً في مقابل بقية القطاعات التي أشرفت على الانهيار.
وفي حديث خاص لـDW عربية، يرى خبير الاقتصادي اليمني الدكتور عدنان الصنوي، أن سوق العقارات انتعشت بعد العام 2015 في المدن الرئيسية حيث الكثافة السكانية العالية الناتجة عن النازحين الذين هاجروا من الأرياف، بما فيهم أولئك الذين كانوا يعتمدون على المرتبات الوظيفية، وبعد انقطاعها توجهوا إلى المدن للبحث عن أعمال تؤمن لهم الدخل ومن هنا "رأينا الدكاكين والشقق تكتظ بالساكنين".
هذا الاكتظاظ، وفق المتحدث، شجع أرباب الأموال على الاستثمار في شراء الأراضي وبناء المنازل، إلى جانب الأموال التي ضخها التحالف بقيادة السعودية للأفراد الذين التحقوا بمعسكراته وخصوصاً بين العامين 2015 و2018.
وبشأن الركود المفاجئ يقول الصنوي إنه يُمكن أن يعزى إلى الإجراءات التي اتخذتها حكومة صنعاء والمتمثلة بضرورة تعميد ملكية الأراضي لدى الجهات المختصة ودفع ضريبة وزكاة البيع، وهي إجراءات تأخذ مدة زمنية. ويضاف إلى ذلك سبب اقتصادي بحت، يتعلق بـ"الركود الذي أصاب الاقتصاد نظراً لتوقف عرض النقود وتخفيض الإنفاق العام، كل ذلك أدى إلى ندرة العملة في مناطق صنعاء ومحيطها".
كما أن هناك عوامل مرتبطة باقتصاد الحرب، وفقاً للصنوي، حيث أن "التكسب الذي كان يحصل من اشتعالها، خصوصاً في المشتقات النفطية، وما نتج عنها من أسواق سوداء ساعدت في ثراء البعض، إلا أن ذلك انتهى، ما انعكس على سوق العقارات".
وبالإضافة إلى الأسباب اليمنية البحتة، المتعلقة بالقيود الحكومية وتدهور الوضع الاقتصادي، يعتقد خبراء أن جانباً من الأموال الخاصة بالاستثمار في العقارات وغيرها، اتجهت إلى السعودية، التي تستضيف نحو مليوني مغترب يمني، وأقرت "قانون الإفصاح"، الذي يسمح للمستثمرين ورجال الأعمال اليمنيين من المغتربين بالاستثمار فيها.
أحد أهم القطاعات المشغلة للعمالة
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي رشيد الحداد إن القطاع العقاري اليمني يمثل أحد أهم القطاعات الاقتصادية المشغلة للعمالة، والتي تسهم في الحد من الفقر والبطالة وتوفر فرص عمل كثيفة؛ إذ أنه خلال السنوات الماضية كان يعمل في هذا القطاع نحو مليون ونصف شخص، ونتيجة الركود الذي يشهده هذا القطاع "تراجعت الحركة التجارية في قطاع مواد البناء وكذلك فرص العمل أمام العاطلين".
ولا يرجع رشيد الحداد الركود الحاصل منذ أكثر من عام، إلى القرارات الحكومية هنا أو هناك، فحسب، بل يضيف إليه الوضع العام الذي تعيشه البلد منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مطلع أبريل/نيسان2022، حيث شهد الوضع الاقتصادي تراجعاً كبيراً رغم الهدنة، ما أدى لتدهور مستويات الدخل ومستوى الطلب على شراء العقار، سواء في صنعاء أو في المحافظات الجنوبية والشرقية.
أن تأتي متأخراً؟
وفي تطور نادر، بدا كما لو أنه خطوة للتصحيح والاستدراك، أعلنت اللجنة الاقتصادية للحكومة الموالية للحوثيين في صنعاء مؤخراً تسهيلات تحاول إنعاش السوق مجدداً، شملت توجيهات "باتخاذ عدد من الإجراءات الكفيلة بحل الإشكاليات الضريبية المتعلقة بالقطاع العقاري"، ومنها إعفاءات ضريبية مشروطة، وإعفاء بنسبة 50 بالمائة لعملية الشراء بالنسبة للمغتربين اليمنيين خارج البلاد، و50 بالمائة من ضرائب نقل ملكية الشقق، وغيرها من التسهيلات.
هذه التسهيلات بالنسبة لرجل الأعمال أحمد منصور، الذي توقف عن النشاط في القطاع العقاري، يمكن أن تُسهم في إعادة بعض الحركة لهذا القطاع، لكنها غير كافية بنظره: "لا بد أن يترافق ذلك مع انفراج اقتصادي وحلول تسهم في إنقاذ الاقتصاد بشكل عام".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد ركود الحرب سوق العقارات أحمد منصور هذا القطاع فی صنعاء فی عدن
إقرأ أيضاً:
مظاهرات عارمة في اليمن دعما لغزة ولبنان.. وجهت رسالة إلى ترامب (شاهد)
انطلقت مظاهرات حاشدة، الجمعة، في 14 محافظة يمنية بينها العاصمة صنعاء للتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة ضمن عدوانه الوحشي على قطاع غزة ولبنان، وللتأكيد على تضامنهم مع الشعبين الفلسطيني واللبناني.
وتظاهر عشرات آلاف اليمنيين دعما لغزة ولبنان في صنعاء وصعدة وحجة والجوف وذمار وعمران وريما وإب والضالع ولحج والحديدة وتعز، تحت شعار "مع غزة ولبنان.. جهوزية واستنفار ضد قوى الاستكبار"، حسب وكالة الأناضول.
صاروخ ???? الى #إسرائيل و طوفان بشري مليوني مع #غزة و #لبنان
جهوزية ضد قوى الإستكبار و استنفار عام ✌️#اليمن_مع_غزة_ولبنان_حتى_النصر #الاتحاد_العروبة #الجمعه #Trump2024 pic.twitter.com/0wUBRqSBQC — Yahya (@yemswe) November 8, 2024 مظاهرات في مارب وتعز تدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة ضد جرائم الاحتلال#غزة pic.twitter.com/BnHjP00mC1 — محيط اليمن (@AlymnMhyt51123) November 8, 2024
وأظهرت لقطات مصورة حشود عارمة في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء للتنديد بالحرب الدموية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد لبنان وقطاع غزة.
ورفع المتظاهرون أعلام لبنان وفلسطين واليمن، مرددين شعارات مناصرة للمقاومة في لبنان وفلسطين ومناهضة للاحتلال الإسرائيلي.
وأصدر المتظاهرون في المحافظات اليمينة المذكورة بيانا موحدا، شددوا فيه على "موقف الشعب اليمني الإيماني والمبدئي المساند للشعبين الفلسطيني واللبناني".
ووجه المتظاهرون في البيان خطابهم إلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، قائلين "كل تحالفاتكم السابقة فشلت وتفككت وحاملات طائراتكم فرت من المنطقة تجر أذيال الهزيمة".
وأضافوا في حديثهم الموجه إلى ترامب "أنت تعرف الشعب اليمني سابقا وستعرفه اليوم أكثر، وما لم تستطع تحقيقه في ولايتك السابقة لن تحققه اليوم".
ويتدفق اليمنيون إلى الميادين العامة خاصة ميدان السبعين في مظاهرات عارمة كل يوم جمعة بوتيرة دائمة للتضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ولليوم الـ399 على التوالي، يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على أهالي قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على الـ43 ألف شهيد، وأكثر من 101 ألف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
ومن جانب آخر، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أواخر شهر أيلول /سبتمبر الماضي غارات جوية عنيفة وغير مسبوقة على مواقع متفرقة من لبنان، ما أسفر عن سقوط الآلاف بين شهيد وجريح، فضلا عن نزوح ما يزيد على الـ1.2 مليون، وفقا للبيانات الرسمية.
في حين يواصل حزب الله عملياته ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي موسّعا نطاق استهدافاته؛ ردا على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في لبنان، منذ بدء التصعيد الإسرائيلي الكبير ضد الأراضي اللبنانية.
هذا الخروج المليوني في صنعاء إسناداً لغزة ولبنان ماهو إلا دليل دامغ على أن اليمن ضمير هذه الأمة، عقلها المفكر، ويدها الضاربة#مع_غزة_ولبنان pic.twitter.com/ePGAxhZ7It — محمد الملاحي (@almalahi33) November 8, 2024 ???? صور أولية للجماهير المليونية الحاشدة في مسيرة: (مع غزة ولبنان، جهوزية واستنفار ضد قوى الاستكبار) من ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء
06 جماد أول 1446ھ
08 نوفمبر 2024م#اليمن_مع_فلسطين#جاهزون_لأي_تصعيد#معركة_الفتح_الموعود_والجهاد_المقدس pic.twitter.com/tAWvupjksw — الشيخ هادي النهمي (@hady22225) November 8, 2024