فك الارتباط مع القوى الغربية ضرورة!
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
فك الارتباط مع القوى الغربية حاجة أم ضرورة؟
بات ممكنا التحرر من الارتباط بالقوى الغربية في ظل التنافس والتصارع الدولي المحتدم بين أقطابه الاقتصادية والعسكرية.
خلاصة الدرس الذي يمكن تعلمه من المواجهة الراهنة مع الاحتلال في قطاع غزة أكدت خطورة الارتباط والاعتماد الكثيف على القوى الغربية.
فك الارتباط محاولة لعقلنة الحراك الشعبي ودفعه نحو آفاق منتجة، تجنبه الصدام الداخلي؛ او الاستنزاف بين الرسمي والشعبي وصولا لتكامل مثمر.
العلاقات غير المتوازنة والمعتمدة على الغرب قادت نحو الاعتراف بالاحتلال كأمر واقع؛ فرضته سياسة الابتزاز المتبعة من قوى الغرب المتحكمة بالواقع العربي.
مطلوب إقامة علاقات متوازنة تسمح بدحر الاحتلال الصهيوني وتصفيته؛ وتعزيز استقلال العرب؛ وتوسعة مروحة خياراتها بعيدا عن المشاريع الغربية في الآن ذاته.
العالم العربي بحاجة لمراجعة علاقته بالغرب وتخفيف مستوى الارتباط والاعتماد عليه وفك الارتباط به عسكريا وأمنيا وبناء العلاقة وفقا لمصالح الأمة واستقلالها وتنميتها.
تكبيل الدول العربية باتفاقات أمنية وسياسية واقتصادية يضع سقوفاً منخفضة لإمكانيات تطورها كقوى اقتصادية واقليمية بعيدا عن المنظومة الغربية.
* * *
الاحداث في قطاع غزة وردود الفعل والمواقف الغربية المنحازة إلى الكيان الصهيوني تدفع الحراك الشعبي العربي المتضامن مع غزة والمقاومة تلقائيا لتوحيد شعاراته، للمطالبة بالدعوة لفك الارتباط مع الغرب عسكريا وسياسيا واقتصادية؛ واقامة علاقات متوازنة تسمح بدحر الاحتلال الصهيوني وتصفيته؛ وتعزيز استقلال الدول العربية؛ وتوسعة مروحة خياراتها بعيدا عن المشاريع الغربية في الآن ذاته.
الفرصة مواتية لتوظيف الزخم المتولد عن الحراك الشعبي للانتقال من مجرد التركيز على مكافحة التطبيع؛ نحو تفكير وهدف استراتيجي اكبر واكثر إنتاجية يذهب نحو التخفف من العلاقات الاقتصادية والامنية والسياسية مع الغرب، وصولا لفك الارتباط معه.
فك الارتباط حاجة اساسية للتطور وضرورة لبناء علاقة اكثر توازنا وصحية مع القوى الغربية؛ فالتطبيع ما هو إلا مظهر من مظاهر هذه العلاقة الشاذة وغير المتوازنة مع الغرب الذي تنشر قواعده العسكرية وسفاراته كالقلاع لدرجة ان بعضها من حيث المساحة والسكان يكاد يضاهي دولة الفاتيكان في روما.
العلاقة غير المتوازنة والمعتمدة على القوى الغربية قادت نحو الاعتراف بالاحتلال كأمر واقع؛ فرضته سياسة الابتزاز المتبعة من قبل القوى الغربية المتحكمة بالواقع الامني والسياسي والاقتصادي للدول العربية.
العلاقة المختلة مع القوى الغربية عكستها معركة غزة الاخيرة عبر طرح حلول سياسة وامنية اقترحتها (واشنطن و باريس ولندن وروما وبرلين) على كل من عمّان والقاهرة؛ لتهجير الفلسطينيين من أرضهم!
فالشراكات القوية والعميقة بين الاردن ومصر من جهة والقوى الغربية وعلى رأسها أمريكا واتفاقات السلام المعقودة مع الكيان الصهيوني لم تشفع لعمان والقاهرة من التحرر من الضغوط الغربية التي سعت لمعالجة أزمة الكيان الصهيوني المصدوم بهزيمة السابع من اكتوبر على حساب البلدين.
الانتشار الواسع لقواعد الامريكية والغربية في الدول العربية والاعتماد الشديد على النظم الاقتصادية والمالية الغربية؛ عبء حقيقي طالما وقف عائقاً امام نمو الدول العربية وتطورها.
فتكبيل الدول العربية باتفاقات أمنية وسياسية واقتصادية وضع سقوفاً منخفضة لإمكانيات تطورها كقوى اقتصادية واقليمية بعيدا عن المنظومة الغربية؛ امر بات الممكن التحرر منه في ظل التنافس والتصارع الدولي المحتدم بين اقطابه الاقتصادية والعسكرية (روسيا والصين واميركا وشركائها في الناتو)، فرصة تعززها المواجهة الاخيرة في قطاع غزة التي فتحت بدورها الباب لحراك شعبي وسياسي رسمي يسعى لخلق توازن معقول مع القوى الغربية المتغولة على الواقع العربي وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
التحولات والصراعات والتشققات في النظام الدولي تسمح باتخاذ إجراءات آمنة في العالم العربي، وصولا إلى فك ارتباط أمن عن القوى الغربية؛ فالمعركة الدائرة مع الاحتلال الاسرائيلي توفر فرصة ثمينة لفعل ذلك؛ خصوصا أن الرأي العام العربي يدعم هذا التوجه عبر حراكه الداعم للمقاومة والفلسطينيين وهو حراك آخذ في التطور وفقا لسيناريوهات متعددة بعضها خطر؛ ما يجعل من فك الارتباط محاولة لعقلنة الحراك الشعبي، ودفعه نحو آفاق منتجة ومثمرة، تجنبه الصدام الداخلي؛ او الاستنزاف بين الرسمي والشعبي وصولا لتكامل معقول ومثمر.
ما تقدم هو خلاصة الدرس الذي يمكن تعلمه من المواجهة الأخيرة مع الاحتلال في قطاع غزة والتي أكدت خطورة الارتباط والاعتماد الكثيف على القوى الغربية.
ختامًا.. العالم العربي بحاجة لمراجعة علاقته بالقوى الغربية (اوروبا واميركا) وتخفيف مستوى الارتباط والاعتماد على الغرب (سياسيا وامنيا واقتصادية) وصولا الى فك الارتباط خصوصا في المجال العسكري والتنسيق الامني وبناء العلاقة وفقا للمصالح العليا للمنطقة التي تؤكد استقلالها ودعم مسار تطورها.
*حازم عياد كاتب صحفي وباحث سياسي
المصدر | السبيلالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الاحتلال قطاع غزة طوفان الأقصى فك الارتباط القوى الغربية التنسيق الأمني الكيان الصهيوني الحراك الشعبي الغرب العرب فک الارتباط مع الحراک الشعبی الدول العربیة فی قطاع غزة الغربیة فی بعیدا عن
إقرأ أيضاً:
شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (9)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار فى كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟) والذى نقله إلى العربية محمد نصر الدين الجبالى بقوله: فما السبب فى حالة الفتور فى العلاقة بين روسيا وألمانيا؟ يعتقد المسئولون فى روسيا أن السبب هو واشنطن. إلا أنه لا ينبغى المبالغة فى تصوير قدرات واشنطن.
صحيح أن أمريكا تسعى إلى التأثير على إستراتيجية ألمانيا من خلال مراكز التحليل وصناعة القرار، وصحيح أن أمريكا تسعى إلى عدم السماح بظهور تحالف روسى أوروبى نظرًا لأن مصلحة واشنطن تظل فى بقاء وجودها فى أوروبا وعدم السماح بوجود منافس روسى فى هذه المنطقة، ووجود مصالح جيوسياسية حيوية لواشنطن فى هذه المنطقة.
إن عدم الفهم المتبادل هو ما يباعد بين أوروبا وروسيا ويرجع السبب فيه إلى الصراعات على خلفية القيم والتباين الثقافى الحاد. وتشهد روسيا عودة إلى الثقافة المسيحية المفقودة حيث عاد الناس إلى التردد على الكنائس والايمان بوجود الله والاهتمام بمؤسسة الأسرة وحب الوطن والتقاليد الوطنية. بينما فى أوروبا يعلى الناس من قيم الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق الذات. وتشهد البلدان الأوروبية المتقدمة صدور قوانين تدعم حقوق الأقليات بما فيها الحقوق الجنسية. فى حين ترى روسيا أنه لا جدوى من إصدار مثل هذه القوانين، وأن السبب يرجع ليس إلى انتشار الرجعية أو كراهية المثليين فى روسيا لأن روسيا الآن أصبحت دولة مسيحية جديدة لا يمكنها القفز مباشرة إلى مرحلة ما بعد الحداثة. فبعد 85 عامًا من الشيوعية يحتاج الناس إلى إستعادة وترسيخ القيم التقليدية المنسية.
وقد أدت التناقضات الدينية العميقة إلى إثارة خلافات حادة سياسية بين البلدين. فالمواطن الألمانى المعاصر يعتقد أن الحدود لم تعد تلعب فى عالمنا اليوم أى دور وأن العالم يسير فى اتجاه التحالفات انطلاقا من القيم الجامعة.
ويدور حديث حول الصدام بين نظريتين للنظام العالمى المستقبلى، حيث يدافع الغرب عن عالم أحادى القطبية فى حين تناضل روسيا من أجل عالم متعدد الأقطاب. ويرى الأوروبيون أن البشرية يجب أن تتقاسم القيم المشتركة فى حين يدعو الروس إلى فكرة التنوع الثقافى والقيمى. وفى سبيل سعيه إلى إيقاف إراقة الدماء وحماية المدنيين يبرر الغرب تدخله فى شئون الدول الأخرى بما فى ذلك التدخل العسكرى. أما روسيا فتدافع عن سيادة الدول. ويرى الأوروبيون أن الفلسفة التقليدية للعلاقات الدولية قد عفا عليها الزمن فى حين يدعو الروس إلى الاسترشاد والاهتداء بقواعد القانون الدولى الحالى والسائد منذ أمد طويل. والغرب لا يرفض تحويل مجموعة الثمانى الكبار إلى حكومة العالم، أما روسيا فترى أن مجموعة العشرين ومجموعة البريكس يجب أن يكونا هما المنوطين بحل قضايا النظام العالمى.
ورغم ذلك لا يجب أن تتحول روسيا فى أوروبا إلى مجرد صبى صغير يعاقب طوال الوقت ولا يجب تحويل الانتقادات الروسية إلى دوجمات. ويجب أن نعى أنه ونظرا للأحداث التاريخية سيكون من الصعب على روسيا الانصهار فى الحضارة الأوروبية المعاصرة بعد أن انتهجت مسارا آخر تماما فى التطوير على مدى القرن الماضى بأكمله.
مازال الألمان يشعرون أنهم يعيشون فى أوروبا التى بناها الآباء بعد الحرب العالمية الثانية، أما روسيا فقد خسرت الحرب الباردة. لقد فاز نظامهم، أما النظام الروسى فقد خسر الحرب الباردة ولم يعودوا فى حاجة إليه. ما زال الألمان يعيشون نشوة النصر وإعلاء القيم الليبرالية والديمقراطيات الغربية والتى يتوجب ليس فقط حمايتها والدفاع عنها بل وتصديرها إلى الآخرين بكل الوسائل بما فيها القوة وغرسها فى الدول الأخرى والثقافات الغربية. وقد دعا الاتحاد السوفيتى قبل 90 عاما إلى انتهاج نفس الفكرة وفرض أفكاره ومبادئه "السعيدة" على العالم.
تعيش أوروبا عصر ما بعد المسيحية، أما روسيا فتراهن حاليا على مشاعر الوطنية والتقليدية والفكرة القومية. وتسود التشريعيات الليبرالية فى أوروبا وتسارع الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى إلى إصدار القوانين التى تكافح التمييز ضد الأقليات الجنسية، وهى قوانين رفضتها أوروبا طوال عقود. أما روسيا فتعيش حالة من الابتعاد عن الغرب والسير فى طريقها الخاص. ولذا يمكن القول إن الغرب وروسيا يعيشان فى عصرين مختلفين. وربما تتخلف روسيا عن التطور ما بعد الحداثة الذى تعيشه أوروبا الغربية الآن بمسافة 30-40 عاما. وربما ستسعى روسيا دائما إلى التحرك وفق رؤيتها المحافظة للتطور. ويجب أن نضع فى اعتبارنا أن ألمانيا ظلت لعقود ومنذ عام 1945 تتحرك قدما صوب الليبرالية والمجتمع المدنى. استغرق الأمر 60 عاما. أما اليوم فالغرب غير صبور ويتصرف بشكل لا يطاق مع التطورات فى روسيا.
ولكن لِمَ نقحم القيم فى حديثنا هذا؟ ألا نهدر الكثير من الوقت على حديث تافه؟ ما كان الاقتصاد هو المحدد للعلاقات بين الدول. وفى هذا الصدد قامت روسيا الاتحادية بخطوة كبيرة للأمام، فقد أصبحت واحدة من الدول التى نجت سريعا من الأزمة وهو ما أثار دهشتة الجميع. وأثبتت روسيا قدرتها على اتخاذ قرارات سليمة فى الأزمات.
وللحديث بقية