اتفقت رؤى قيادات الأحزاب السياسية - باختلاف توجهاتها - على قدرة الدولة المصرية عبر قيادتها ودبلوماسيتها في حشد قادة وزعماء الدول في قمة السلام بالقاهرة، وذلك لإيصال رسالة واضحة على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتأكيد على ضرورة وقف التصعيد في قطاع غزة، والتزام مصر تجاه القضية الفلسطينية، ورفض الانتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ورفض تصفية القضية الفلسطينية من خلال مخطط التهجير القسري للفلسطينيين إلى غزة.


وثمنت قيادات حزبية مختلفة، موقف الرئيس السيسي الذي جاء معبرًا عن إرادة الشعب المصري بكل أطيافه، المؤكدة على حقوق الشعب الفلسطيني، ووضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته بضرورة وقف التصعيد، وأنه لا حل للقضية الفلسطينية وصولًا إلى السلام إلا عن طريق حل الدولتين، ووقف التصعيد والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.


وقال النائب محمد صبري عضو مجلس الشيوخ وأمين الشئون البرلمانية بحزب مستقبل وطن، إن احتضان مصر لفعاليات قمة القاهرة الدولية للسلام 2023، بمشاركة 31 دولة و3 منظمات دولية، تلبية لدعوة الرئيس السيسي؛ لبحث آخر تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية؛ تؤكد موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، والتزامها بدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.


وأضاف صبري، أن قمة القاهرة للسلام عكست حرص مصر الدائم على تعزيز الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المُستقلة، مؤكدًا أن الدولة لن تدخر جهدًا في دعم القضية الفلسطينية حتى تتحقق تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق في الحرية والاستقلال.


ولفت إلى أن تلك القمة استهدفت وضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته والاضطلاع بدوره حيال الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، والتأكيد على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني بشأن حماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، بالإضافة إلى ضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مُستحقيها من أبناء قطاع غزة.


وشدد صبري، على أن قمة القاهرة كانت تأكيد على إجهاض مخطط التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء بشكل حاسم وصارم لمنع تصفية القضية الفلسطينية.


من جانبه، أكد جلال الهريدي رئيس حزب حماة الوطن، الثقة في قدرة مصر على احتواء الأزمة الفلسطينية؛ لاسيما بعد قمة السلام بالقاهرة والتي شارك فيها عدد من القادة والزعماء على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن كلمة الرئيس السيسي - خلال الجلسة الافتتاحية - جاءت جامعة وشاملة، ووضعت العالم أمام مسئولياته في أهمية مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني من قتل وتجويع وتهجير قسري.


ولفت الهريدي، إلى أن كلمة الرئيس السيسي نبهت إلى صمت المجتمع الدولي أمام الانتهاكات الإسرائيلية؛ ما يعد إهدارًا للقيم الإنسانية، ويكشف ازدواجية التعامل في ملف حقوق الإنسان.


وأكد رئيس "حماة الوطن" موقف مصر الرافض لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير أهالي قطاع غزة، وأنه لا حل للأزمة إلا بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، مثمنًا جهود الدبلوماسية المصرية وتحركات القيادة السياسية التي أسفرت عن فتح معبر رفح البري صباح أمس، لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.


وفي سياق متصل، أشاد عياد رزق القيادي بحزب الشعب الجمهوري، جهود الدبلوماسية المصرية الساعية للتوصل إلى توافق يتسق مع المبادئ الدولية والإنسانية لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة والعدوان الإسرائيلي الغاشم على المدنيين، والتأكيد على أهمية دخول المساعدات الإنسانية للقطاع والدفع نحو تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط.


ولفت رزق إلى أهمية قمة القاهرة للسلام، في توقيت حرج من عمر الوطن العربي، يشهد محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر الإبادة والتهجير، ما يهدد باتساع دائرة الصراع في المنطقة، والتي ستمتد بلا شك إلى الدول الغربية لاسيما تلك التي تتبع سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، مؤكدًا ضرورة حماية المدنيين من الانتهاكات وجرائم الاحتلال وضرورة توفير الممرات الإنسانية والقوافل الإغاثية.


وشدد القيادي بحزب الشعب الجمهوري، على ما أكده الرئيس السيسي - في كلمته - "أنه لن يتم تصفية القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال ولن يتم ذلك على حساب مصر"، مشيرًا إلى جرائم الإبادة والتهجير وجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين واستمرار الدول الغربية في موقفها المؤيد للاحتلال بشكل أعمى، غاضين البصر عن الممارسات التعسفية والعنصرية التي تقوم بها تل أبيب وهو ما يعد في حقيقة الأمر استهانة بحياة الإنسان الفلسطينى.


وقال رزق، إن مصر حريصة على استمرار تدفق المساعدات الموجهة لقطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية ليتم توزيعها بالقطاع، وأن يكون وصول المساعدات دائمًا ومتواصلًا ودون انقطاع.


بدوره، قال اللواء دكتور رضا فرحات نائب رئيس حزب المؤتمر، إن قمة القاهرة للسلام عبرت عن استجابة 31 دولة و3 منظمات دولية كبرى لدعوة الرئيس السيسي لبحث تصاعد الأحداث في فلسطين، وعبرت عن طموحات الشعوب العربية، ما يعد خطوة عظيمة من الدولة المصرية لحشد الدول لدعم تحركات لمعالجة شاملة للقضية الفلسطينية ترتكز على حل الدولتين وتستهدف إرساء التوازن وتهدئة الأوضاع.


ولفت فرحات إلى أن قمة القاهرة أكدت قوة الدبلوماسية المصرية ودورها الريادي في الساحة الإقليمية والدولية، مثمنًا الرسائل الواضحة والقوية التي جاءت في كلمة الرئيس السيسي تعبيرًا عن إرادة الشعب المصري تجاه عدوان الاحتلال وحمل العالم مسئولية ما يحدث وضرورة تضافر الجهود الدولية للحد من التصعيد بحق الشعب الفلسطيني ووضعت خارطة طريق لحل القضية.


وأشار فرحات إلي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يعد أزمة غير مسبوقة تطلب انتباه الجميع للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع فيما تعد قمة "القاهرة للسلام" فرصة كبيرة للوصول لخارطة طريق لحل القضية الفلسطينية عن طريق إدخال المساعدات أولا ثم التهدئة والمفاوضات لحل القضية الفلسطينية على أساس الدولتين .


وأشاد فرحات بجهود الرئيس السيسي لدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في استرداد أراضيه المحتلة، وتأكيد أهمية الاصطفاف العربي والإقليمي والدولي وتفعيل الجهود الرامية إلى تسوية القضية الفلسطينية لا تصفيتها عبر التهجير القسري على حساب دول الجوار، معتبرًا أن فتح معبر رفح قبيل انطلاقة القمة؛ يعد انتصارًا عظيمًا وتتويجًا لجهود الدبلوماسية المصرية لدعم الأشقاء في فلسطين؛ ويعكس قدرة الدولة وقوتها في رفض الضغوط على مدار الأيام السابقة، ومنذ اندلاع الحرب التي يشنها الاحتلال على القطاع.


من جانبه، أكدت الدكتورة جيهان مديح رئيس حزب مصر أكتوبر، أن المشاركة الدولية الواسعة في قمة القاهرة للسلام؛ استجابة للرئيس السيسي؛ عكست جهود الدولة المصرية في التوصل لوضع حل شامل وجذري للقضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن كلمته عبرت عن المأساة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة، وطرح خلالها خارطة طريق لإنهاء هذه الأزمة.


واعتبرت مديح، أن كلمة الرئيس السيسي جاءت معبرة عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصري الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل عبر التهجير القسري، وأن ذلك لن يحدث على حسب مصر أبدًا.
وأشارت رئيس حزب مصر أكتوبر، إلى أن قمة القاهرة للسلام أكدت أن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة على رأس أولويات القيادة السياسية، التي لم تدخر جهدًا في الدفاع عنها، موضحة أن إقامة هذه القمة تزامنًا مع بدء دخول أول قوافل الإغاثة يعد نجاحًا كبيرًا للدولة.


بدوره، قال الدكتور ممدوح محمود رئيس حزب الحرية المصرى، أن رفض الرئيس السيسي تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل، وأن ذلك لن يحدث وفي كل الأحوال على حساب مصر أبدًا، ورفض مصر التام للتهجير القسرى للفلسطينيين كان حاسمًا في افتتاح قمة القاهرة للسلام بحضور قادة وزعماء 31 دولة و3 منظمات دولية وإقليمية، لتصبح رسالة حاسمة إلى العالم تعبر عن إرادة الشعب المصري بكل مكوناته.


وشدد محمود على الرسالة الحاسمة برفض التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء؛ لاسيما وأن مصر دفعت ثمنا باهظا من أجل استرداد سيناء وبادرت بنفسها للسلام عندما كان صوت الحرب هو الأعلى وحافظت عليه من أجل التعايش السلمى القائم على العدل، مؤكدًا أن الرئيس السيسي وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته لوقف نزيف الدماء وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.


وثمن رئيس حزب الحرية المصري، تأكيد الرئيس السيسي، على ضرورة استمرار دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة والتوصل إلى توافق على خارطة طريق تستهدف إنهاء المأساة الإنسانية الحالية، وإحياء مسار السلام من خلال البدء بضمان التدفق الكامل والآمن والسريع والمستدام للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، والانتقال فورا للتفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار ثم البدء العاجل فى مفاوضات إحياء عملية السلام وصولا إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية التى تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل على أساس مقررات الشرعية الدولية.


من جانبه، قال المستشار حسين أبو العطا رئيس حزب (المصريين) وعضو المكتب التنفيذي لتحالف الأحزاب المصرية، إن كلمة الرئيس السيسي أمام قمة القاهرة للسلام أكدت أن حل القضية الفلسطينية لا يكمن في التهجير وإنما بالعدل وإحياء عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس قرارات الشرعية الدولية، موضحًا أن الكلمة عبرت عن إرادة جموع المصريين تجاه عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الشقيق، ما يتطلب تضافر الجهود واتخاذ موقف حاسم.


واعتبر رئيس حزب المصريين، أن موقف الرئيس السيسي الواضح، وضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته، بعد استعراض الرؤية المصرية المتوازنة التي تستهدف إحياء عملية السلام والحفاظ على استقرار المنطقة والتصدي لأي محاولات زعزعة أمن واستقرار الشعوب العربية، مؤكدًا أن القيادة السياسية أعادت القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام العالمي من جديد.


وأشار إلى أن القيادة السياسية المصرية جادة في التعامل مع القضية الفلسطينية ووضعها أولوية عاجلة تحتاج لمزيد من التكاتف وتضافر الجهود للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقوقه المشروعة التي كفلتها لهم القوانين الدولية والمقررات الشرعية التي أكدت أحقيتها في أرضها، موضحًا أن قمة القاهرة للسلام تعكس الدور البارز والمؤثر الذي تقوم به الدولة المصرية بالمنطقة من أجل إرساء التوازن وتهدئة الأوضاع بها، فضلا عن أنها تؤكد قوة الدبلوماسية المصرية ودورها الريادي في الساحة الإقليمية والدولية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: تصفیة القضیة الفلسطینیة المساعدات الإنسانیة الدبلوماسیة المصریة الاحتلال الإسرائیلی المجتمع الدولی أمام قمة القاهرة للسلام کلمة الرئیس السیسی القیادة السیاسیة الشعب الفلسطینی أمام مسئولیاته الدولة المصریة التهجیر القسری أن قمة القاهرة عملیة السلام الشعب المصری حل القضیة عن إرادة قطاع غزة رئیس حزب إلى أن مؤکد ا

إقرأ أيضاً:

هل أصبحت “سلطة رام الله” عبئاً على القضية الفلسطينية؟

 

ارتبطت “السلطة الفلسطينية” التي تتخذ من مدينة رام الله مقراً لها، بـ “اتفاقية أوسلو” التي وقّع عليها في البيت الأبيض عام 1993 كل من إسحاق رابين، بصفته رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وياسر عرفات، بصفته رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لم تكن هذه الاتفاقية “معاهدة سلام” بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي، وإنما مجرد “إعلان مبادئ” يوضح الأسس التي ينبغي الاستناد إليها عند تحديد مصير ومستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والتي تم التوافق على التزام “إسرائيل” بالانسحاب منها تدريجياً، وذلك وفقاً لجدول زمني محدد. وتأسيساً على هذا “الإعلان” أمكن التوصل إلى اتفاق تم التوقيع عليه في 4 مايو 1994، عُرف باسم “اتفاق غزة-أريحا”، ثم حلّ محله اتفاق آخر تم التوقيع عليه في 24 و28 سبتمبر عام 1995، عُرف باسم “اتفاق أوسلو 2”.

كان يُفترض، وفقاً لما تم التوافق عليه في هذه الاتفاقيات، وضع الأراضي الفلسطينية التي تنسحب منها “إسرائيل” تحت سلطة تتولّى إدارتها خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، تسمّى سلطة “الحكم الذاتي”، ثم تجري مفاوضات لاحقة تستهدف تحديد الوضع النهائي لمجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة “تبدأ في أسرع وقت ممكن وكحد أقصى في بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية”.

غير أن هذه الاتفاقيات، والتي شكلت انعطافة كبرى في مسيرة الصراع الفلسطيني الصهيوني الممتد، وُوجهت بعاصفة من التحديات على الجانبين، وخضعت لتفسيرات وتوقعات متباينة إلى حد التناقض. فبينما تعامل معها عرفات باعتبارها خطوة مهمة تمهّد لقيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كافة، تعامل معها رابين باعتبارها إحدى أدوات إدارة الصراع التي تساعد على حل معضلة الأمن الإسرائيلي، عبر منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً لا يرقى إلى دولة مستقلة، وتمكين “إسرائيل” في الوقت نفسه من تفكيك “قنبلة ديمغرافية” قد تنفجر في وجهها، في حال إذا ما قررت ضم الضفة والقطاع، وبالتالي تجنيبها المخاطر المترتبة على احتمال فقدانها هويتها اليهودية خلال سنوات معدودة .

لم يكن من المستغرب، في سياق كهذا، أن تساعد ردود الأفعال الغاضبة والمتعاكسة على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي في تهيئة أجواء تفضي إلى اغتيال رابين في 4 نوفمبر 1995، ثم إلى التخلص من عرفات في 11 نوفمبر 2004. بل يمكن القول إن التطرف الصهيوني كان هو المسؤول عما جرى في الحالتين. فمن الثابت الآن أن اليمين الديني المتطرف في “إسرائيل” هيّأ أجواء مواتية لاغتيال رابين، المتهم بالتفريط في حقوق يهودية، رغم شيوع نظريات تدّعي ضلوع أجهزة “الدولة اليهودية العميقة” في ارتكاب هذه الجريمة، وتحيط شكوك كثيرة بالملابسات التي أفضت إلى رحيل عرفات، المتهم فلسطينياً بالتفريط في الحقوق الوطنية وإسرائيلياً بتشجيع الإرهاب والعنف، حيث تشير قرائن متعددة إلى أنه قُتل مسموماً على أيدي عناصر ينتمون إلى الموساد، وذلك بالتواطؤ مع شخصيات فلسطينية تنتمي إلى الدائرة المقربة من عرفات نفسه.

تجدر الإشارة هنا إلى أن عرفات ظل متمسكاً بالأمل في أن تفضي “اتفاقيات أوسلو” إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى بعد سنوات من رحيل رابين، ولم يبدأ هذا الأمل بالتراجع والانحسار إلا عقب فشل مفاوضات كان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قد دعا إلى عقدها في كامب ديفيد عام 2000، وشارك فيها إيهود باراك، رئيس وزراء “إسرائيل” في ذلك الوقت، وبعد أن تأكد له آنذاك أن “إسرائيل” لن تقبل مطلقاً التخلي عن القدس الشرقية.

ولأن عرفات لم يكن مستعداً للقبول بدولة فلسطينية تفرض سيادتها التامة على القدس القديمة، فقد كان من الطبيعي أن يمهد موقفه إبان هذه المفاوضات لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية عام 2000، هي الأولى بعد إبرام اتفاقيات أوسلو، وهو ما يفسر إقدام شارون على محاصرته داخل المقاطعة، والتفكير في البحث عن بديل، وهذا هو السياق الذي راحت فيه الضغوط تمارَس بكثافة على عرفات لحمله على تعيين محمود عباس رئيساً للوزراء، وهو ما تم بالفعل في 19 مارس عام 2003. صحيح أن عباس لم يتمكن من الصمود في منصبه الجديد سوى أشهر قليلة، اضطر بعدها إلى تقديم استقالة عكست سطورها عمق الخلافات القائمة بين الرجلين، غير أنه سرعان ما تبيّن أن لكل من الرجلين رؤية مختلفة حول كيفية إدارة الصراع مع “إسرائيل” في المرحلة المقبلة.

بعد رحيل عرفات، أصبح عباس رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية التي رشحته بدورها لخوض انتخابات الرئاسة التي جرت في 9 يناير 2005، والتي فاز فيها بسهولة، ثم راح يجمع بين يديه تدريجياً المناصب والسلطات كافة التي تولّاها عرفات، حيث أصبح رئيساً لحركة فتح ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيساً للسلطة التنفيذية التي تتولى إدارة المناطق الفلسطينية المحررة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي المناصب التي ظل ينفرد بها طوال السنوات العشرين التي انقضت منذ رحيل عرفات وحتى الآن، رغم تطورات كثيرة طرأت على الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ذلك الحين، خصوصاً بعد أن قرّر شارون الانسحاب من قطاع غزة تحت وقع ضربات المقاومة الفلسطينية المسلحة، و بدأ بإخلاء القطاع من المستوطنات اعتبارا من 15 أغسطس 2005، وبعد أن قررت حماس خوض الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006 وتمكنت من الفوز بأغلبية المقاعد فيها، في إشارة لا تخطئها العين على أن الشعب الفلسطيني في كل من الضفة والقطاع بدأ يشكك في حقيقة النيات الإسرائيلية ويفقد الأمل في إمكانية تحقيق أهداف الاستقلال والتحرر الوطني بالوسائل السلمية.

كان من الطبيعي، في سياق كهذا، أن تطفو على سطح الحياة السياسية في فلسطين رؤيتان متناقضتان، حول الطريقة المُثلى أو الأكثر فعالية في التعامل مع القضايا الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أصبحت هناك سلطة تنفيذية منتخبة، ترى أن الوسائل السلمية هي وحدها الكفيلة بتحقيق أهداف النضال الفلسطيني، وسلطة تشريعية منتخبة ترى أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف. ولأن السلطة التنفيذية سعت إلى تهميش السلطة التشريعية وفرض هيمنتها عليها، فقد كان من الطبيعي أن يتحول الخلاف بين السلطتين حتمياً إلى صدام، وهو ما حدث بالفعل.

لا يهدف هذا المقال إلى تقييم ما جرى على الساحة الفلسطينية منذ رحيل عرفات، أو وضع معايير يمكن الاستناد إليها لترجيح كفة رؤية أيديولوجية أو سياسات بعينها يتبناها هذا الفصيل أو ذاك، فحماية القضية الفلسطينية من عبث العابثين يجب أن تكون هي البوصلة المحددة للوجهة التي ينبغي أن تتجه نحوها جميع القوى السياسية في عالمنا العربي كله، لا على الساحة الفلسطينية وحدها.

غير أن الأمانة العلمية تتطلب منا أن ندلي في هذا التوقيت بمجموعة من الملاحظات المتعلقة بأسلوب عباس في إدارة الشأن الفلسطيني، والذي لم يختلف كثيراً عما اتّسم به أسلوب عرفات من مركزية شديدة وميل غريزي إلى جمع كل الخيوط والإمساك بها على نحو منفرد، رغم الفارق الكبير بين الوزن التاريخي لكل من القيادتين الفلسطينيتين.

وكان الأجدى أن يُولي الرئيس عباس جهداً كبيراً وحقيقياً لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية المختلفة عقب رحيل عرفات، خاصة منظمة التحرير الفلسطينية التي ينبغي أن تكون هي الإطار الجامع والممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني المشتت بين الضفة والقطاع والأراضي المحتلة قبل 48 والمخيمات والتجمعات المنتشرة في مختلف دول العالم. على صعيد آخر، يعتقد كاتب هذه السطور أن الرئيس عباس لم يكن موفقاً على الإطلاق حين ظلّ يصر لفترة طويلة على استخدام تعبير “الصواريخ العبثية” الساخر، وهو تعبير عكس استهانة غير مبرّرة بقدرات وإمكانات فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة.

فقد أثبت “طوفان الأقصى”، وبصرف النظر عن تباين التقديرات المتعلقة بمدى مواءمته من الناحية السياسية، أن هذه الفصائل تقوم بعمل جاد لكسر غطرسة العدو الإسرائيلي وأنها تمكنت من إنجاز ما لم تتمكن جيوش دول عربية كثيرة من إنجازه، وأنها قدمت في سبيل ذلك تضحيات كبرى ينبغي عدم الاستهانة بها أو التقليل من شأنها.

لا شك أن هناك أخطاء سياسية عديدة ارتكبت، خصوصاً خلال فترة “الربيع العربي”، لكن هذا ليس وقت تصفية الحسابات، لا مع حماس ولا مع غيرها من الفصائل الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني كله، بجميع قواعده وفصائله وتجمعاته، يواجه في الوقت الراهن معركة وجودية بالمعنى الحرفي للكلمة، وبالتالي هو مهدد بالتصفية والاستئصال والاقتلاع من الجذور، ما يفرض على جميع القيادات تجنب المعارك الصغيرة، ورصّ الصفوف في مواجهة عدو كشف “طوفان الأقصى” عن معدنه الحقيقي المجرد من كل معاني الإنسانية.

ولأن رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ينبغي أن يكون هو الممثل الحقيقي لشعب كشف صموده الأسطوري في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تُشنّ عليه منذ أكثر من عام ونصف، أنه من أعظم شعوب العالم قاطبةً، فعليه أن يشرع على الفور في اتخاذ ما يلزم من خطوات عملية لتحويل هذه المنظمة إلى حركة تحرر وطني تليق بمقامه الرفيع.

سوف يحتفل الرئيس عباس في نوفمبر المقبل بعيد ميلاده التسعين، ومع تمنياتنا له بطول العمر ودوام الصحة، نأمل أن يسجّل التاريخ أنه القائد الذي نجح في تصحيح مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، وليس القائد الذي تحوّل إلى عبء على القضية الفلسطينية.

 

أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة

 

 

مقالات مشابهة

  • هل أصبحت “سلطة رام الله” عبئاً على القضية الفلسطينية؟
  • الرئيس التونسي يؤكد موقف بلاده الثابت بشأن الحق الفلسطيني
  • زيارة السيسي الخليجية تؤكد الدور المصري المحوري في حل أزمات المنطقة ودعم القضية الفلسطينية
  • قيادي بالشعب الجمهوري: جولة الرئيس السيسي في الخليج تحرك دبلوماسي مهم لحماية القضية الفلسطينية
  • رشاد عبدالغني: جولة الرئيس السيسي الخليجية تدعم القضية الفلسطينية
  • الرئيس الفلسطيني و نظيره الفرنسي يبحثان هاتفيا آخر المستجدات في الأراضي الفلسطينية
  • خبراء أميركيون يستبعدون قدرة نتنياهو على تخريب الدبلوماسية بين ترامب وإيران
  • البخشوان: جولة الرئيس السيسي الخليجية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني
  • ياسر البخشوان: جولة السيسي الخليجية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني
  • الإصلاح والنهضة: جولة السيسي الخليجية تأتي ضمن رؤية لتعزيز التحركات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني