كواليس هزيمة الصهاينة في حرب الاستخبارات
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
يمانيون – متابعات
تعيش “إسرائيل”، حكومة وجيشا ومجتمعا، حالة صدمة كبيرة على إثر هجوم “طوفان الأقصى” المباغت الذي شنته “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس على منطقة “غلاف غزة”، المتاخمة لحدود القطاع، وهو الهجوم الذي أسفر في حصيلته الأولية عن مقتل 600 جندي ومستوطن، وجرح 2000 آخرين، فضلا عن أسر العشرات من الجنود والمستوطنين وجلبهم إلى قطاع غزة، فهناك شبه إجماع في أوساط المراقبين في تل أبيب بأن الفشل الذي منيت به “إسرائيل” في المواجهة المتواصلة مع حركة حماس يفوق بكثير فشلها في حرب 1973، من منطلق أن “إسرائيل” واجهت في تلك الحرب دولا تحوز جيوشاً قوية، فضلا عن أن “إسرائيل” تملك حاليا مقدرات عسكرية وتتمتع بكفاءة استخبارية لا يمكن مقارنتها مع ما كانت عليه الأمور في 1973.
بطبيعة الحال، اعتمد البيت الأبيض استراتيجية الدبلوماسية والضغط لمنع إعلان “نبأ موت إسرائيل”، ويحاول من خلال الترويج لحرب هجينة جديدة فتح هامش أمان جديد للصهاينة، وحول هذا السياق، كتب مرتضى سيمياري في افتتاحية صحيفة جاوان حول فشل المخابرات الصهيونية في عملية اقتحام الأقصى ورحلة بايدن إلى الأراضي المحتلة وقال، “في الخريف الماضي، أفادت قناة الجزيرة عن اعتقال عدد من ضباط الموساد في ماليزيا، وذكر في هذا الخبر القصير أن الشرطة الماليزية ألقت القبض على بعض الأشخاص الذين كانوا يحاولون اختطاف أحد قادة المقاومة في قلب كوالالمبور، وتبين بالتحقيقات أنهم أعضاء في فرق الموساد وكانوا يعتزمون تنفيذ عملية تخريبية”.
ولفت الكاتب إلى أنه في ذلك الوقت، قام موقع “ديبكا” الصهيوني، الذي كثيراً ما ينشر الأخبار الأمنية لبعض الدوائر السياسية في الأراضي المحتلة، بتحليل هذا الفشل بالذات في جنوب شرق آسيا في مذكرة وكتب أن “إسرائيل” خسرت أمام منافسيها في لعبة معلوماتية مرة أخرى!
وأشار الكاتب، لكن ماذا خسر الصهاينة في مدينة كوالالمبور التي تعد من أهم مراكز حرب الاستخبارات في العالم، وماذا كانت نتيجة تلك الهزيمة القاسية؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى العودة لعام، ففي يوم 15 تشرين الأول، حلقت طائرات شراعية تابعة لمقاتلي حماس فجأة فوق المناطق المحتلة ووصلت إلى أهداف محددة سلفا في بعض الثكنات العسكرية دون أن ترصدها الرادارات، ولقد عطلت تلك الطائرات قدرة العدو على التعرف عليها، وفي هذه العملية، تم أيضًا تعطيل المعدات وأنظمة الإنذار الحدودية.
وعلقت الكاتب أنه بعد يومين من عملية اقتحام الأقصى الرائعة، تناول موقع إنتل تايمز الإخباري في تقرير له أبعاد المقاومة الفلسطينية للصهاينة وكتب أن “إسرائيل” فقدت هيبتها الاستخباراتية والعسكرية، وأشار هذا التقرير إلى أن الضربة الأمنية للكيان الصهيوني كانت أصعب من الضربة العسكرية، وكانت مصدر فشل الموساد في عملية ماليزيا، وفي نهاية هذا التقرير كتب أن كرات يد حماس كانت أعلى من كرات يد غزة، وتم تعزيز وتدويل المقاومة الفلسطينية.
وقبل عملية طوفان الأقصى، حاول الصهاينة كسب حرب الاستخبارات من خلال تصوير أنفسهم كذبا وتأمين الفضاء الخارجي، لكن حاليا عجز مجتمع الاستخبارات الصهيوني لدرجة أنهم ما زالوا لا يعرفون كيفية عمل الرشاشات التي تعمل بالتحكم عن بعد على الحدود، وقال يوئيل جوزانسكي، المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن مليارات الدولارات أهدرت في جمع معلومات عن مختلف الجماعات الفلسطينية، لدرجة أن جهاز مخابرات النظام لم يعرف حتى نهاية اليوم الأول عدد الجماعات الفلسطينية التي كانت موجودة والمشاركة في العملية.
إن الوضع الكابوسي الذي تعيشه أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية قد تسبب في إصابة جيش النظام الصهيوني الإجرامي بالدوار وما يسمى بـ “أشيمز”؛ خلف حدود غزة، وهم الان لا يملكون القدرة على التقدم ولا إمكانية الاختراق، لدرجة أن قصف المدنيين في غزة أصبح مهمة بلا هدف ومتكررة، و”إسرائيل” لا تأخذ زمام المبادرة وتكرر الأمر نفسه باستمرار، وقد أدى هذا الوضع إلى تجميد الصراعات، كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب وزيارة بايدن للأراضي المحتلة هي عامل التنفس الاصطناعي الوحيد للصهاينة.
وتشير الزيارات المتكررة لمسؤولين استخباراتيين وسياسيين أمريكيين إلى الأراضي المحتلة إلى أن استراتيجية الضغط على الزناد نشطة على مستوى عال، وأن الشعارات الجوفاء التي أطلقها وزير الحرب الإسرائيلي غالانت لتسوية غزة تحولت إلى تسليح ل”إسرائيل” في الضفة الغربية بأكملها، وبينما يقدر الأمريكيون أن طوفان الأقصى هي حقيقة ضعف “إسرائيل”، إلا أن الحقيقة هي أن النظام الصهيوني قد مات وضاعت إمكانية إحيائه في العصر الذهبي، حرب هجينة جديدة وتحاول فتح هامش أمني جديد للصهاينة.
لقد تمظهر الفشل الإسرائيلي في هذه المواجهة في إخفاق الأجهزة الاستخبارية للاحتلال في الحصول على معلومات مسبقة كان يمكن أن تسهم في إحباط الهجوم أو على الأقل تقلص الأضرار الناجمة عنه، مع العلم أنه لا خلاف على أن “كتائب القسام” خططت لهذا الهجوم منذ مدة طويلة، فضلا عن أن الكثير من قيادات “الكتائب” وعناصرها كانوا منغمسين في الإعداد له مما كان يفترض أن يساعد الاستخبارات الإسرائيلية على الحصول على معلومات مسبقة عنه.
كما تمثل فشل الاحتلال في تهاوي الدفاعات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية أمام الهجوم الذي شنته “كتائب القسام”. فعلى الصعيد البري تمكن مقاتلو “كتائب القسام” من اجتياز الجدار الحدودي الذي أنفقت “إسرائيل” مليات الدولارات من أجل تدشينه بحيث يحول دون السماح بتسلل المقاومين.
ما أثار استهجان النخب الإسرائيلية أن الفرقة العسكرية التي تتولى تأمين الحدود والمستوطنات الواقعة في تخومها، والتي تضم ثلاثة من ألوية الصفوة في سلاح المشاة، يصل تعدادها أكثر من ألفي ضابط وجندي، قد تبخرت ولم تتمكن من صد الهجوم، فقد تمكن عناصر “القسام” من اجتياز الحدود والسيطرة على المواقع العسكرية واقتحام المستوطنات وقتل عدد كبير من الجنود والمستوطنين وأسر آخرين، كما أن عمليات الإنزال التي نفذتها “كتائب القسام” عبر الجو بواسطة الطائرات الشراعية وعبر البحر عبر قوارب، عكست أيضا تهاوي الدفاعات الجوية والبحرية، كما مثل الهجوم الذي ترافق مع إطلاق “كتائب القسام” آلاف الصواريخ مؤشرا إضافيا على عجز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية وتحديدا “القبة الحديدية”
فضلا عن ذلك، فإن السهولة التي نقلت بها “كتائب القسام” أسراها من عمق “إسرائيل” إلى داخل قطاع غزة دون تمكن جيش الاحتلال من اعتراضها، ومواصلة “كتائب القسام” عمليات التسلل والسيطرة على المستوطنات حتى بعد مرور حوالي 36 ساعة على بدء الهجوم يعد فشلا آخر مدويا ل”إسرائيل” وجيشها، كما أن حالة الإرباك التي أصابت الحكومة الإسرائيلية التي عجزت عن تقديم إجابات للجمهور الإسرائيلي حول ما جرى وحقيقة الخسائر البشرية التي لحقت بالجيش والمستوطنين أثارت الكثير من التساؤلات حول أهلية المستوى السياسي لإدارة أزمة من هذا القبيل.
لقد دلل الهجوم الذي شنته “كتائب القسام” على فشل الافتراضات التي حكمت سياسة “إسرائيل” تجاه غزة، حيث اعتقدت القيادتان العسكرية والسياسية في تل أبيب أن حركة حماس غير معنية بالتصعيد، وكل ما يعنيها تثبيت حكمها في القطاع عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب ذلك فقد أثرت مظاهر نجاح الهجوم الحمساوي، كما عكست ذلك الفيديوهات التي بثتها “كتائب القسام” والتي وثقت عمليات الاقتحام والتسلل والسيطرة على المواقع وأسر الجنود والمستوطنين ونقلهم إلى عمق قطاع غزة، على الوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي بأسره ومست بمعنويات الإسرائيليين. وقد تُكرس انطباع لدى المراقبين في تل أبيب أن حركة حماس قد حققت انتصارا مبكرا بغض النظر عن النتائج النهائية للحرب التي أعلنتها “إسرائيل” على غزة في أعقاب الهجوم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: کتائب القسام الهجوم الذی فضلا عن تل أبیب
إقرأ أيضاً:
الثورة الفلسطينية الكبرى.. يوم قام القسام ضد الإنجليز والمنظمات الصهيونية
ثورة بدأت عام 1936م وامتدت حتى 1939م. اندلعت في منتصف أبريل/نيسان بعدما هاجم أتباع الشيخ عز الدين القسّام قافلة شاحنات بين مدينتي نابلس وطولكرم، وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون الصهيونية في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين قرب قرية بيتح تكفا.
وتلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا فانطلقت بذلك "الثورة الفلسطينية الكبرى"، التي استمرت 3 أعوام، وتعاضد فيها الأعيان والنخب مع الفلاحين والبسطاء من أهل الريف.
الظروف التاريخية للثورة الفلسطينية الكبرىمهدت عدة أحداث وتطورات الطريق لهذه الثورة، فقد كانت فترة الثلاثينيات من القرن الـ20 في فلسطين -كما في غيرها من البلدان- فترة اضطراب اقتصادي شديد، وفيها أصاب الفلسطينيين في الريف ضرر كبير نتيجة عمليات نزع ملكيتهم وتراكم الديون عليهم، جرّاء سياسات سلطات الانتداب البريطاني المشجعة لجهود المنظمات الصهيونية لشراء الأراضي بالإكراه.
وملأت الهجرة من الريف إلى الحضر حيفا ويافا بالفلسطينيين الفقراء الباحثين عن عمل، فبرزت أشكال جديدة من التنظيمات السياسية التي ركّزت على الشباب والفئات الاجتماعية الشعبية بدل الأشكال القديمة القائمة على النخب، كما أدى تزايد العداء لليهود في أوروبا إلى زيادة هجرتهم إلى فلسطين.
ونتجت عن تلك التطورات والأحداث اضطرابات دورية، ابتداء بثورة البراق سنة 1929، ثم اندلاع المظاهرات في العديد من مدن فلسطين ضد الانتداب البريطاني عام 1933.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1935، تم اكتشاف كمية من الأسلحة شُحنت لحساب منظمة الهاغاناه في ميناء يافا، مما أجّج المخاوف الفلسطينية، خاصة وأن الهجرة اليهودية بلغت ذروتها، ففي الفترة من 1933 إلى 1936 وصل أكثر من 164 ألف مهاجر يهودي إلى فلسطين، وبين 1931 و1936 زاد عدد السكان اليهود أكثر من الضعف من 175 ألفا إلى 370 ألفا، وانتقلت نسبتهم من 17% إلى 27% من مجموع السكان.
إعلانوفي عام 1930، أسس الشيخ عز الدين القسام منظمة "الكف الأسود"، المناهضة للصهيونية وللسياسات الاستعمارية البريطانية، وجنّد الفلاحين والعمال وأقام لهم دورات تدريبية عسكرية.
وبحلول عام 1935 كان قد جند المئات، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه اشتبك اثنان من رجاله بالأسلحة النارية مع دورية للشرطة البريطانية وقتلوا شرطيا.
وفي أعقاب هذه الحادثة طاردت الشرطة القسّام، وحاصرته في كهف بالقرب من قرية يعبد ومعه 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام، وبعد قتال من الصباح حتى العصر استشهد الشيخ برصاصة في جبينه، واستشهد معه 3 من رفاقه، وأصيب اثنان منهم وأسر الباقون.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات لمتابعة نهجهم والسير على منوالهم، وبقيت تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936.
ويعد عبد القادر الحسيني أول من بدأ قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 بحشده رجال المقاومة في كل الأراضي لمواجهة الاحتلال، وقد استشهد في الثامن من أبريل/نيسان 1948 وهو يخوض معركة تحرير قرية القسطل الإستراتيجية المشرفة على طريق القدس يافا.
مراحل الثورة الفلسطينية الكبرى
مرت الثورة الفلسطينية الكبرى بـ3 مراحل:
المرحلة الأولىبدأت من ربيع عام 1936 وحتى يوليو/تموز 1937، وهي مرحلة اشتعال الثورة بعد تأجج التوترات في فلسطين وتراكمها منذ خريف 1935.
ففي منتصف أبريل/نيسان 1936، هاجم أتباع القسّام قافلة من الشاحنات بين نابلس وطولكرم وقتلوا سائقين يهوديين، فردت منظمة الإرغون في اليوم التالي بقتل عاملَين فلسطينيين بالقرب من بيتح تكفا، ثم تلت ذلك اضطرابات دامية في تل أبيب ويافا.
وفي 19 أبريل/نيسان، شُكّلت في نابلس لجنة وطنية اتُّفق فيها على إعلان الإضراب، كما شُكلت لجان وطنية في مدن أخرى دعت بدورها إلى الإضراب.
إعلانوفي 25 أبريل/نيسان، تم تشكيل اللجنة العربية العليا من رؤساء الأحزاب الخمسة، و5 آخرين من رجالات البلاد. وكان أعضاء اللجنة هم: الحاج أمين الحسيني وراغب النشاشيبي وأحمد حلمي عبد الباقي والدكتور حسن الخالدي ويعقوب فراج وعوني عبد الهادي وعبد اللطيف صلاح وألفرد روك وجمال الحسيني ويعقوب الغصين، وانتخب أمين الحسيني رئيسا لتنسيق ودعم إضراب وطني عام انطلق في الثامن من مايو/أيار وشلّ النشاط التجاري والاقتصادي في فلسطين 6 أشهر.
وفي تلك الأثناء كان الفلسطينيون في أنحاء الريف كافة يشكّلون مجموعات مسلحة لمهاجمة أهداف للسلطات البريطانية والحركات الصهيونية المسلحة، وكان عملهم في البداية عفويا ومتقطّعا، ثم انتظم بعد ذلك بشكل متزايد، وانضم إليه متطوعون عرب من خارج فلسطين، وإن بأعداد قليلة.
واستخدم البريطانيون أساليب وتكتيكات مختلفة لوقف الإضرابات وقمع العصيان المسلّح في المناطق الريفية، وزادوا أعداد رجال الشرطة البريطانيين واليهود، وتعرّضت المنازل للتفتيش والمداهمات الليلية، وأهلها للضرب والسجن والتعذيب والترحيل.
ووصل القمع البريطاني إلى حد هدم أحياء واسعة في مدينة يافا القديمة، وتزامنت تلك العمليات العسكرية والتدابير القمعية مع إرسال الحكومة البريطانية لجنة برئاسة اللورد بيل للتحقيق في الأسباب الجذرية للتمرد.
وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1936، وتحت وطأة ضغوط السياسات القمعية البريطانية، وضغوط بعض الملوك والأمراء العرب من خلال وعود وتطمينات، وكذا العواقب الاقتصادية للإضراب على السكان الفلسطينيين، أوقفت اللجنة العربية العليا الإضراب ووافقت على التعاون مع لجنة بيل.
بدأت لجنة بيل عملها، وانخفضت التوترات مؤقتا، وبعد إعلان نتائج تحقيقها، الذي صدر في يوليو/تموز 1937، أوصت اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للعرب، فثار الشعب الفلسطيني مجددا وأطلق تمردا مسلّحا أكثر شدة من سابقه، وبدأت المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.
إعلان
المرحلة الثانية
وامتدت من يوليو/تموز 1937 إلى خريف 1938، وحققت فيها الثورة مكاسب كبيرة، إذ سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي الجبلية، بما في ذلك البلدة القديمة في القدس لفترة من الزمن، فأحلوا فيها مؤسسات وطنية محل تلك التي كانت تابعة للانتداب البريطاني، مثل المحاكم وخدمة البريد وغيرها.
وكان حادث اغتيال لويس يلاند أندروز -حاكم لواء الجليل- على يد جماعة القسام يوم 26 سبتمبر/أيلول 1937 المؤشر البارز على بدء المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.
وقد اعتبر مقتل أندروز صدمة كبيرة للسلطات البريطانية، إذ كان أول اغتيال لشخصية مدنية كبيرة، واعتبر إعلانا صريحا للثورة ضد الحكم البريطاني.
فما كان من البريطانيين إلا أن اتخذوا تدابير أشد قسوة في محاولة لسحق الثورة، فأعلنت سلطة الانتداب عدم شرعية اللجنة العربية العليا والأحزاب السياسية الفلسطينية كافة، وألقت القبض على القادة السياسيين والأهليين، ونفت عددا من الشخصيات العامة رفيعة المستوى.
كما لجأت إلى تصعيد الوسائل العسكرية لمكافحة التمرد، فنشرت الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة في جميع أنحاء فلسطين، وطبّقت العقاب الجماعي في حق الفلسطينيين، فزجّت بآلاف منهم في "معسكرات الاعتقال"، كما دمرت أحياء سكنية وأغلقت مدارس وغرمت قرى بشكل جماعي وأجبرتها على إيواء الشرطة والقوات البريطانية.
وأمام هول ما كان يحدث للشعب الفلسطيني، استفادت المنظمات العسكرية الصهيونية من الوضع لبناء قدراتها بدعم بريطاني، وبحلول أوائل سنة 1939 حصل 14 ألف رجل من "شرطة المستعمرات اليهودية" على الدعم والزي الرسمي والسلاح من الحكومة البريطانية.
وكانت منظمة الهاغاناه تعمل خلف تلك الواجهة، إضافة إلى ما يسمّى الوحدات الليلية الخاصة المشكَّلة من يهود وبريطانيين، وكانت تنفذ "عمليات خاصة" ضد القرى الفلسطينية.
إعلان
المرحلة الثالثة
واستمرت تقريبا من خريف 1938 حتى صيف 1939، إذ كان البريطانيون قد عينوا في يناير/كانون الثاني 1938 لجنة تحقيق أخرى بقيادة السير جون وودهيد لدراسة الجوانب الفنية لتنفيذ التقسيم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1938، خلص تقرير لجنة وودهيد إلى أن التقسيم ليس عمليا، مما جعل البريطانيين يتراجعون بعض الشيء عن توصية بيل، إلا أنهم أطلقوا في الوقت ذاته هجوما شاملا على الفلسطينيين، فشهد عام 1939 قتل المزيد منهم وإعدام المزيد شنقا واعتقال ما يقارب ضعفي عدد معتقلي سنة 1938.
وقد فرضت هذه الأوضاع ضغوطا هائلة على الثوار الفلسطينيين، مما أدى إلى تفاقم الخلافات بين قادة اللجنة العربية العليا من السياسيين المنفيين إلى دمشق وبين القيادة المحلية، ومن جهة ثانية بين مجموعات الثوار وسكان القرى الذين كان من المتوقع أن يدعموهم.
ووقع الخلاف بشكل أساسي بين الفلسطينيين المستعدين للتوصل إلى تسوية مع البريطانيين وأولئك الملتزمين بالثورة، وتم تشكيل ما سمّي "فرق السلام" الفلسطينية بدعم بريطاني لمحاربة أنصار الثورة.
وفي مايو/أيار 1939 نشرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض الجديد الذي نص على "الوفاء بالتزامات بريطانيا تجاه فكرة الوطن القومي لليهود، واستمرار السماح بهجرة 75 ألف يهودي جديد إلى فلسطين في الأعوام الخمسة التالية، واستحواذ اليهود على الأراضي فيها (وهما بندان يتعارضان مع التزامات بريطانيا تجاه الفلسطينيين).
كما نص الكتاب الأبيض على أنه "بعد انقضاء السنوات الخمس تصبح الهجرة اليهودية خاضعة للموافقة العربية ويسمح بنقل ملكية الأراضي في مناطق معينة فقط، فيما تكون العملية مقيدة ومحظورة في مناطق أخرى، وذلك لمنع حرمان الفلسطينيين من الأراضي، ويتم إنشاء دولة موحدة مستقلة بعد 10 سنوات، مشروطة بعلاقات فلسطينية يهودية مواتية".
إعلانوفي أواخر صيف 1939، أوصلت الجهود البريطانية العسكرية والدبلوماسية المشتركة، الثورة إلى نهايتها، وفي السنوات الثلاث للثورة قُتل حوالي 5 آلاف فلسطيني وجُرح ما يقارب 15 ألفا، إضافة إلى نفي القيادات الفلسطينية واغتيالها وسجنها وتأليب بعضها ضد بعض.
أما خسائر الإنجليز، فكانت مقتل 16 رجل شرطة و22 جنديا وجرح 10 رجال شرطة و148 عسكريا ومقتل 80 يهوديا وجرح 308 آخرين.
أبرز معارك الثورة الفلسطينية الكبرى معركة نور شمس: وقعت يوم 23 مايو/أيار 1936. معركة عنبتا: وقعت يوم 21 يونيو/حزيران 1936. معركة وادي عزون: وقعت يوم 28 يونيو/حزيران 1936. معركة الفندقومية: وقعت يوم 30 يونيو/حزيران 1936. معركة باب الواد: وقعت يوم 29 يوليو/تموز 1936. معركة رأس عامر: وقعت في الثالث من أغسطس/آب 1936. معركة صفد: وقعت في التاسع من أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الأولى: وقعت في العاشر من أغسطس/آب 1936. معركة عصيرة الشمالية: وقعت يوم 17 أغسطس/آب 1936. معركة وادي عرعرة: وقعت يوم 20 أغسطس/آب 1936. معركة عين دور: وقعت يوم 29 أغسطس/آب 1936. معركة بلعا الثانية: وقعت في الثالث من سبتمبر/أيلول 1936. معركة الجاعونة: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936. معركة ترشيحا: وقعت في التاسع سبتمبر/أيلول 1936. معركة حلحول: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة جبع: وقعت يوم 24 سبتمبر/أيلول 1936. معركة بيت مرين: وقعت يوم 29 سبتمبر/أيلول 1936. معركة الخضر: وقعت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1936. معركة كفر صور: وقعت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1936.