عدن الغد /متابعات

أثرت الحرب في اليمن على كثير من القطاعات الحيوية في البلاد منها قطاع العقارات الذي تدهور بشكل ملموس رغم بعض المبادرات الحكومية لإنعاشه. صفية مهدي ترصد من اليمن أسباب الأزمة الخانقة.

 

"منذ بدء الحرب وما رافقها من أزمات وقيود خسرت الكثير واضطررت للاستغناء عن نصف العاملين. كانت العقارات أحد أبرز الملاذات الأخيرة للحفاظ على ما أمكن من رأس المال، لكنني لم أستطع استكمال آخر عملية شراء، بسبب القرارات التي فرضتها السلطات في صنعاء منذ ما يقرب من عام"، يقول اليمني أحمد منصور، وهو مالك منشأة بيع مواد منزلية مستوردة.


ويرى رجل الأعمال أن الاقتصاد اليمني خسر على مراحل، آخرها سوق العقارات، المجال الوحيد، الذي انتعش على مدى سنوات، لكنه انهار فجأة دون سابق إنذار، على وقع عدة أسباب، كان على رأسها قيود حكومية في صنعاء وأخرى في عدن.

شروط "جنونية" في صنعاء

أحمد منصور الذي اضطر منذ شهور لمغادرة صنعاء بحثاً عن فرص تجارية في مدن أخرى، يقول ، إنه كان واحداً ممن اتجهوا لشراء أراضي بالشراكة مع أخرين، بالترافق مع حركة الانتعاش الكبيرة، التي شهدها هذا القطاع، خلال الحرب، لأسباب متعددة، أبرزها كونه ساحة أكثر أمناً من المشاريع الاستثمارية الأخرى في ظل الحرب، إلى جانب ظروف النزوح، التي اضطرت عدد كبير من اليمنيين إلى بيع أملاكهم لتأمين احتياجاتهم الأساسية، أو الانتقال من منطقة لأخرى.

الصفقة الأخيرة لأحمد منصور كانت قطعة أرض في الجنوب الغربي لصنعاء أواخر العام 2021، تعثر استكمالها بعد أن فرضت السلطات التابعة لجماعة أنصار الله الحوثية، شروطاً يصفها بـ"الجنونية"، من خلال المطالبة بما يصل إلى 20 بالمائة من قيمة الأرض كرسوم للمعاملات، و25 بالمائة من قيمة استئجار أي أرض تابعة للأوقاف (أراضي الدولة).

 

ويضيف المتحدث، أنه كان في السابق يمكن لأي قاض يمارس مهنة القضاء اعتماد الشراء، وتتطلب عملية الشراء نفقات لا تزيد عن 5 بالمائة، أما الآن فتم تحديد "مأذونين" بعينهم، وكل ذلك، دفعه للتوقف عن ممارسة عمله.

ويشدد أحمد منصور على أن الأضرار، نتيجة الركود، تجاوزت العقارات التي تأثر سوقها بنسبة تزيد على 90 بالمائة، إلى مختلف المجالات الاقتصادية الأخرى، المتضررة أساساً. ويرجع ذلك إلى أن العقار له أهمية كبيرة في الاقتصاد حيث يتم إنفاق أموال كبيرة في كل عملية بيع أو شراء.

وفي عدن أيضاً!

في عدن، الوضع ليس بأفضل، رغم وجود حكومة مناهضة للحوثيين، هي الحكومة المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ إذ أن المدينة التي شهدت توسعاً ملحوظاً في العمران والمشاريع العقارية خلال السنوات الماضية، توقفت فيها حركة العقارات والبيع فجأة منذ أكثر من عام، وخصوصاً بعد أن أصدرت السلطات المحلية قراراً بإنشاء ما أسمي "وحدة الأراضي"، كنافذة للحصول على تراخيص، ليس فقط لمجرد شراء أراضي جديدة، بل حتى لترخيص بناء بيوت جديدة، كما يقول خالد عبدالله، وهو مالك مكتب عقارات في عدن.

ويضيف خالد عبدالله، ذهبت مع أحد الأشخاص للحصول على إذن من السلطات المحلية ليقوم ببناء بيت جديد، اشترطوا مبلغاً كبيراً مقابل الترخيص، وأن يقوموا هم، أي "وحدة الأراضي" المعنية بالترخيص، باختيار المقاول الذي يقوم بالبناء.

مثل هذه الإجراءات الحكومية، جعلت حركة البناء وسوق العقارات شبه متوفقة، وفق خالد عبدالله، الذي يضيف أن السلطة المحلية ومن وراءها في الحكومة "اتخذوا قراراً ولم يصدروا آلية لتنفيذه"، وأنه إذا لم "يجدوا حلاً فإن الناس على وشك الانفجار".

 

من الانتعاش إلى الركود المفاجئ

منذ تصاعد الحرب في اليمن عقب سيطرة الحوثي على صنعاء سبتمبر/أيلول 2015، وتدخل التحالف بقيادة السعودية في مارس/آذار من العام نفسه، انهار الاقتصاد اليمني إلى حد كبير وتوقفت الكثير من المشاريع، لكن مع ذلك، شهدت العديد من المدن الرئيسية توسعاً في حركة البناء وانتعاشاً في سوق العقارات، جذب المزيد إليه، ليكون القطاع الوحيد النشط تقريباً في مقابل بقية القطاعات التي أشرفت على الانهيار.

و يرى خبير الاقتصادي اليمني الدكتور عدنان الصنوي، أن سوق العقارات انتعشت بعد العام 2015 في المدن الرئيسية حيث الكثافة السكانية العالية الناتجة عن النازحين الذين هاجروا من الأرياف، بما فيهم أولئك الذين كانوا يعتمدون على المرتبات الوظيفية، وبعد انقطاعها توجهوا إلى المدن للبحث عن أعمال تؤمن لهم الدخل ومن هنا "رأينا الدكاكين والشقق تكتظ بالساكنين".

هذا الاكتظاظ، وفق المتحدث، شجع أرباب الأموال على الاستثمار في شراء الأراضي وبناء المنازل، إلى جانب الأموال التي ضخها التحالف بقيادة السعودية للأفراد الذين التحقوا بمعسكراته وخصوصاً بين العامين 2015 و2018.

وبشأن الركود المفاجئ يقول الصنوي إنه يُمكن أن يعزى إلى الإجراءات التي اتخذتها حكومة صنعاء والمتمثلة بضرورة تعميد ملكية الأراضي لدى الجهات المختصة ودفع ضريبة وزكاة البيع، وهي إجراءات تأخذ مدة زمنية. ويضاف إلى ذلك سبب اقتصادي بحت، يتعلق بـ"الركود الذي أصاب الاقتصاد نظراً لتوقف عرض النقود وتخفيض الإنفاق العام، كل ذلك أدى إلى ندرة العملة في مناطق صنعاء ومحيطها".

كما أن هناك عوامل مرتبطة باقتصاد الحرب، وفقاً للصنوي، حيث أن "التكسب الذي كان يحصل من اشتعالها، خصوصاً في المشتقات النفطية، وما نتج عنها من أسواق سوداء ساعدت في ثراء البعض، إلا أن ذلك انتهى، ما انعكس على سوق العقارات".

وبالإضافة إلى الأسباب اليمنية البحتة، المتعلقة بالقيود الحكومية وتدهور الوضع الاقتصادي، يعتقد خبراء أن جانباً من الأموال الخاصة بالاستثمار في العقارات وغيرها، اتجهت إلى السعودية، التي تستضيف نحو مليوني مغترب يمني، وأقرت "قانون الإفصاح"، الذي يسمح للمستثمرين ورجال الأعمال اليمنيين من المغتربين بالاستثمار فيها.

 

أحد أهم القطاعات المشغلة للعمالة

من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي رشيد الحداد إن القطاع العقاري اليمني يمثل أحد أهم القطاعات الاقتصادية المشغلة للعمالة، والتي تسهم في الحد من الفقر والبطالة وتوفر فرص عمل كثيفة؛ إذ أنه خلال السنوات الماضية كان يعمل في هذا القطاع نحو مليون ونصف شخص، ونتيجة الركود الذي يشهده هذا القطاع "تراجعت الحركة التجارية في قطاع مواد البناء وكذلك فرص العمل أمام العاطلين".

ولا يرجع رشيد الحداد الركود الحاصل منذ أكثر من عام، إلى القرارات الحكومية هنا أو هناك، فحسب، بل يضيف إليه الوضع العام الذي تعيشه البلد منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مطلع أبريل/نيسان2022، حيث شهد الوضع الاقتصادي تراجعاً كبيراً رغم الهدنة، ما أدى لتدهور مستويات الدخل ومستوى الطلب على شراء العقار، سواء في صنعاء أو في المحافظات الجنوبية والشرقية.

أن تأتي متأخراً؟

وفي تطور نادر، بدا كما لو أنه خطوة للتصحيح والاستدراك، أعلنت اللجنة الاقتصادية للحكومة الموالية للحوثيين في صنعاء مؤخراً تسهيلات تحاول إنعاش السوق مجدداً، شملت توجيهات "باتخاذ عدد من الإجراءات الكفيلة بحل الإشكاليات الضريبية المتعلقة بالقطاع العقاري"، ومنها إعفاءات ضريبية مشروطة، وإعفاء بنسبة 50 بالمائة لعملية الشراء بالنسبة للمغتربين اليمنيين خارج البلاد، و50 بالمائة من ضرائب نقل ملكية الشقق، وغيرها من التسهيلات.

هذه التسهيلات بالنسبة لرجل الأعمال أحمد منصور، الذي توقف عن النشاط في القطاع العقاري، يمكن أن تُسهم في إعادة بعض الحركة لهذا القطاع، لكنها غير كافية بنظره: "لا بد أن يترافق ذلك مع انفراج اقتصادي وحلول تسهم في إنقاذ الاقتصاد بشكل عام".

صفية مهدي - DW عربية

 

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: سوق العقارات هذا القطاع فی صنعاء فی عدن

إقرأ أيضاً:

النائب إيهاب أبو كليلة يستعرض طلبه أمام "الشيوخ" حول تفعيل دور صناديق الاستثمار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عرض النائب أيهاب أبو كليلة، عضو مجلس الشيوخ، طلبا أمام الجلسة العامة اليوم الأربعاء، بشأن تفعيل دور صناديق الاستثمار العقاري.

وأشار النائب، إلى أن صناديق الاستثمار العقاري، تقوم على جمع الأموال من المستثمرين عن طريق بيع الأسهم وإصدار السندات من أجل شراء وتأجير الأصول العقارية مثل مراكز التسوق ومباني المكاتب والمباني السكنية والمستودعات واستثمارها في مشروعات عقارية متنوعة مثل المشروعات السكنية، والمكاتب التجارية، والمراكز التجارية والفنادق والمستشفيات وغيرها، ويتم توزيع الأرباح الناتجة عن هذه المشروعات على المستثمرين وفقاً لنسبة محددة يتفق عليها الصندوق مع المستثمرين.

وأشار الطلب، إلى أنه يمكن للمستثمر شراء وبيع أسهم صناديق الاستثمار العقاري في السوق عبر حساب وساطة مالية، مثل أي شركة عامة أخرى، وهذا يجعل صناديق الاستثمار العقاري أكثر أنواع الاستثمار العقاري سيولة، وعلاوة على ذلك يمكن شراء أسهم الصناديق العقارية المتداولة في البورصة التي تمتلك أسهماً في العديد من صناديق الاستثمار العقاري.

وأوضح النائب في طلبه، أن سوق العقارات يلعب دوراً حيوياً في تنمية الاقتصاد الكلي كشكل من أشكال الاستثمار، لكونه من الأسواق الجاذبة للاستثمار في مصر.

وأشار إلى  دراسة حديثة أجرتها شركة "ماكنزي" والتي أكدت أنه يتم تخزين 68% من صافي الثروة العالمية في العقارات، وأكثر من 72% من النمو في الثروة العالمية جاء من ارتفاع أسعار الأصول متجاوزاً المدخرات والاستثمارات بنسبة 28%، وهو ما يؤكد أن  العقارات واحدة من أقوى المجالات الجاذبة للاستثمار على مستوى العالم.

ووفقا لطلب النائب المقدم فإن حجم السوق العقارية المصرية يبلغ حالياً 3.5 تريليون جنيه مصري وفقاً لآخر إحصاء في عام 2023.

ولفت إلى أنه تشكل العقارات السكنية أكبر حصة من السوق المصرية، حيث بلغت قيمتها 2.5 تریلیون جنيه مصري في عام 2023 ، وتأتي العقارات التجارية في المرتبة الثانية بقيمة 1 تريليون جنيه مصري.

ووفقاً لتقرير صادر عن شركة جلوبال كابيتال بارتيزرز فإن قطاع العقارات في مصر سيشهد نمواً بنسبة 8% خلال عام 2024 ، مما يعد إشارة إيجابية للاستثمار في هذا القطاع، ومن المتوقع أن يصل نمو القطاع إلى 5.2 تريليون جنيه مصري بحلول عام 2028.

ووفقاً لوكالة فيتش العالمية، فهناك توقعات بزيادة الاستثمارات في السوق العقاري المصري على المدى الطويل، مدفوعاً بقوة القطاع العقاري التجاري في مصر، وذلك نتيجة جهود الدولة المستمرة في إنشاء المدن الجديدة مما يعزز الاستثمار العقاري، حيث توفر المدن الجديدة للمستثمرين المحتملين فرصاً جذابة وواسعة النطاق للمشروعات العقارية.

وشدد النائب على أن صناديق الاستثمار العقاري، تمثل ملتقى للفرص والابتكار في قطاع العقارات، وهي إحدى أدوات الاستثمار الجديدة، التي تم إطلاقها في السوق المصري خلال السنوات الأخيرة، وتهدف إلى جذب الاستثمارات في القطاع العقاري من تجميع الأموال من المستثمرين وإعادة استثمارها في مشروعات عقارية مختلفة مثل المشروعات السكنية، والمكاتب التجارية، والمراكز التجارية والفنادق والمستشفيات وغيرها، ويتم توزيع الأرباح الناتجة عنها على المستثمرين بنسبة محددة تتفق عليها صناديق الاستثمار العقاري مع المستثمرين.

وقال عضو مجلس الشيوخ: بالرغم من وجود عدد من صناديق الاستثمار العقاري في مصر، إلا أن هذه الصناديق لم يتم تفعيلها بشكل كاف على الرغم من أن السوق العقاري المصري قد شهد طفرة تنموية كبيرة خلال السنوات الماضية في إطار دعم الدولة المصرية للتنمية العمرانية.

ولفت إلى حرص الدولة على تنفيذ العديد من المشروعات في مختلف محافظات الجمهورية والتوسع في إنشاء المدن الذكية أو مدن الجيل الرابع، والتي وصلت إلى 14 مدينة، وهذه المدن ستمنح مصر فرصة الارتقاء بعقاراتها على المستوى العالمي وبالتالي سيكون هناك طلب دولي على العقار في مصر.

مقالات مشابهة

  • الشيوخ يُحيل طلب مناقشة بشأن صناديق الاستثمار العقاري إلى لجنة الشؤون المالية والاقتصادية
  • الشيوخ يحيل طلب مناقشة بشأن تفعيل دور صناديق الاستثمار العقاري للجنة الاقتصادية
  • إيهاب أبوكيلة يعرض تفعيل دور صناديق الاستثمار العقاري
  • وكيلة مجلس الشيوخ: صناديق الاستثمار تقضي على  المضاربة والمخاطر بسوق العقارات
  • النائب إيهاب أبو كليلة يستعرض طلبه أمام "الشيوخ" حول تفعيل دور صناديق الاستثمار
  • اليوم.. «الشيوخ» يناقش تفعيل دور صناديق الاستثمار العقاري
  • قيادي إصلاحي بارز يدعو إلى حوار مباشر مع صنعاء وتقديم تنازلات لإنهاء الحرب بعيداً عن التدخلات الخارجية
  • خبير اقتصادي: القطاع العقاري المحرك الرئيسي للتنمية الشاملة في مصر
  • رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء يمنح مهلة للتعاون مع جهاز الأمن والمخابرات
  • سياسي عُماني: مفاوضات مسقط تُبشر بفرص كبيرة لحل ملفات أساسية تنهي معاناة اليمنيين وتحسّن أوضاعهم الاقتصادية