لجريدة عمان:
2024-12-26@21:34:32 GMT

عودةً للسؤال عن الضمير اليهودي

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

«ألا تحفظون قليلا من الشعر كي توقفوا المذبحة؟!»

محمود درويش في «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخير»

تدخل الجريمة الإسرائيلية، المسلحة أمريكيًا، أسبوعها الثالث في قطاع غزة، في استئناف حي ومباشر للإبادة العرقية المستمرة بحق الفلسطينيين العرب منذ ثمانية عقود، مُشرِعةً حكاية النكبة الطويلة على نهايات تاريخية مؤجلة، تهدد المستقبل البشري، بمختلف مكوناته الدينية والعرقية والثقافية، باندلاع طاقة كراهية غير مسبوقة في أماكن أخرى بعيدة وآمنة نسبيا، طاقة كراهية منفلتة من الردع القانوني والاستيعاب الفكري، راح ضحيتها إلى الآن الطفل الفلسطيني ذو الستة أعوام، وديع الفيومي، بعد 26 طعنة حتى الموت سددها إلى جسده الضئيل مسعورٌ أمريكي مؤيد لإسرائيل!

هي ليست لحظة حرب تندلع فيها الكراهيات الكامنة حول العالم فحسب، كما أنها ليست مجرد عودة جديدة إلى مرحلة «رهاب الإسلام» التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر؛ بل هي لحظة انتكاس حضاري ستطول معالجة آثارها الفتاكة لعقود قادمة.

إنها المرحلة التي يتراجع فيها السؤال عن قضايا الحداثة وما بعدها (مكافحة التلوث والتغير المناخي، وغزو الفضاء، والذكاء الاصطناعي، وأنسنة المدن، والطاقة البديلة... إلخ) عودةً إلى حقبة الغاب والحديث عن الانتقام والاستشفاء من العنف بمزيد من العنف... هي عودة تدريجية إلى «هيروشيما» تسترعي الآن أكثر من أي وقت مضى انتباه الضمير اليهودي حول العالم لمراجعة أخلاقية جادة لفداحة الحل الذي اقترحته الصهيونية للمشكلة اليهودية قبل أكثر من قرن.

لقد بات واضحا أن الجريمة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لا توقظ في الإنسان السوي منزعه الفطري والطبيعي (والإنساني في نهاية المطاف) للكُره فحسب، بصرف النظر مؤقتا عن أشكال تحرر طاقة هذا الكره إلى فعل، بل هي جريمة تعمل على خلط كل أوراق الكراهية الممكنة في العالم لتعيد الصراع من جديد إلى بؤرة العنصرية المكثفة، وإلى سؤال ديني أسطوري عن هوية الذبيح: إسحاق أم إسماعيل؟ وهي بذلك تموِّل عُلوقنا الطويل في الثنائيات القاتلة بين الشرق والغرب، بين الإسلام واليهودية، بين «نحن وهم». ففي أسبوع واحد خلطت إسرائيل الأوراق معلنةً حربها على الأديان السماوية في معركة واحدة؛ فقصفت الخميس الماضي كنيسة القديس برفيريوس، ثالث أقدم كنائس العالم، على من فيها من لاجئين مسلمين ومسيحيين. ولم تتورع قبلها بيومين عن قصف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، مرتكبة واحدة من أبشع مجازرها منذ النكبة.

هكذا لم تتوقف إسرائيل يوما عن تفخيخ حربها على البشر والمقدسات بفكرة الدفاع عن الضحية اليهودية، معلنةً حربًا دينية على الأديان كلها، في إطار حملتها «الملحمية» على العرب الذين يهددون برميها في البحر. في حين صدَّق مثقفون يهود على طرد جيش «الدفاع» الإسرائيلي (الذي تطور عن العصابات الصهيونية في الأربعينات) أصحابَ المكان خارج البر والبحر والنَّص بأبشع استغلال سردي ممكن لتراجيديا «الهولوكوست» التي جرى التعامل معها كعلامة تجارية ناجحة لمواصلة هذا المشروع الذي يواصل ابتزاز العالم وتهديده بموجة عنف دينية وعرقية جديدة: علينا وعلى أعدائنا! وكان إدوارد سعيد، قبل رحيله بعامين، قد باغت المثقفين اليهود عندما أعلن في حوار مع صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية قائلا: «أنا هو المثقف اليهودي الأخير» واصفا المثقفين اليهود في إسرائيل بأنهم مجرد «وجهاء ضواحي»: «من عاموس عوز إلى جميع هؤلاء الذين يقيمون في أمريكا... أنا هو المريد الحقيقي الوحيد لأدورنو».

وكانت صدمة بالفعل أن يخاطب إسحق دويتشر «اليهودي اللايهودي» الإسرائيليين الأوائل في منتصف القرن الماضي بقوله: «إنها لمأساة حقيقية مروعة أن يكون هتلر هو أكبر مجدد للهوية اليهودية. وهذه تعدّ أحد أصغر الانتصارات التي حققها بعد موته. لقد كانت مذبحة «أوشفيتز» بمثابة السرير الهزاز والمرعب للوعي اليهودي الجديد، وللأمة اليهودية الجديدة. وإنه لأمر غريب ومؤلم أن يفكر أولئك الذين أكدوا على الهوية اليهودية وبقائها بأن إبادة ستة ملايين يهودي قد أعطت الحياة لليهودية». وربما تكون كلمات دويتشر تلك قد وجدت صداها اليوم في هتافات منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام JVP» وفي حملات يهودية مشابهة مناهضة للدولة الصهيونية ترى أن نتانياهو وزمرته هم المثال الصارخ على النازية الجديدة، وليست «حماس».

أما في الجامعات الأمريكية والغربية، حيث نعوم تشومسكي وآفي شلايم وإيلان بابيه نورمان فرانكشتاين... وآخرون، فمن الواضح أن مساحات هؤلاء تتقلص يوميا في ظل اتساع رقعة الاتهام بمعاداة السامية التي تطورت من اللاسامية إلى لاسامية جديدة تلاحق أي مثقف يهودي ينتقد سياسات إسرائيل تجاه العرب لتصمه باليهودي الذي يكره نفسه، وهي التهمة التي أسس لها بن جوريون عام 1943، أي قبل تأسيس إسرائيل حتى، حين قال: «من الآن فصاعدا؛ أن تكون مناهضا للصهيونية يعني أنك مناهض للسامية»!

سالم الرحبي شاعر وكاتب

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي

#نهاية_إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي
أ.د رشيد عبّاس
هناك حقيقة عالمية مشتركة تؤكد أن (نهاية) كثير من الإمبراطوريات العظيمة عبر التاريخ كانت نتيجة لتمددها وتوسعها الجغرافي, فأعظم خمس إمبراطوريات عرفتها البشرية على مر الزمن اندثرت أو ربما تراجعت نتيجة حتمية لتمددها وتوسعها الجغرافي, وذلك طمعاً في جلب أكبر قدر ممكن من الثروات الطبيعية, وغير الطبيعية في المناطق التي ضمتها إليها هذه الإمبراطوريات.
ومن اجل توضيح الصورة وجلاءها دعونا نتوقف عند بعض من هذه الإمبراطوريات العظيمة, فالإمبراطورية (الفارسية) على سبيل المثال بقيت تتمدد لتطال ثلاث قارات كبيرة, وقد وصلت لأقصى اتساع لها حتى شكّلت أضخم إمبراطورية في التاريخ القديم, وكان لهذا الامتداد وملحقاته الأثر الكبير على عدم القدرة على إدارة شؤون هذه المناطق الجغرافية, الأمر الذي أدى إلى تقهقر وانهيار هذه الإمبراطورية, أما الإمبراطورية (الأموية) فقد زادت مساحة الأراضي التي سيطرت عليها هذه الإمبراطورية, حيث كانت أكبر إمبراطورية حينها في العالم, وهي خامس أكبر امبراطورية متواصلة الأراضي في العالم, إلا أنه كان لهذا الأتساع وما يتعلق به من إدارة شؤون المناطق الأثر الكبير في انهيار هذه الإمبراطورية.
ولمزيد من الأمثلة على اثر اتساع رقعة الأراضي التي تحاول الإمبراطورية ضمها إليها نجد أن إمبراطورية (المغول) بدأت بالأتساع تدريجياً عبر الغزوات المتواصلة لتصل إلى أقصى اتساع لها إلى أن ما لبثت أن تتجزأ هذه الإمبراطورية وتنقسم إلى عدة أجزاء حتى أستقر بها الأمر إلى التفكك والاندثار بعد أن عجزت عن إدارة شؤون المناطق التابعة لها, ومن جهة أخرى نجد أن إمبراطورية (الروم) اتسمت بالأتساع السريع في الأراضي المسيطر عليها, وقد امتدت زمنياً لتصل إلى أكثر الإمبراطوريات عمراً في التاريخ, وقد نتج عن هذا الأتساع الكبير انقسامات كبيرة, أدت في نهاية المطاف إلى عدم القدرة على إدارة شؤون المناطق عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً, والذي نتج عنه سرعة الاندثار والتلاشي.
وهنا لا بد لنا من الوقوف أيضاً عند أكبر إمبراطورية في تاريخ العالم حتى الآن, والتي أطلق عليها الإمبراطورية (البريطانية) والتي لا تغيب عنها الشمس, فقد تربعت هذه الإمبراطورية على أكبر مساحة في التاريخ, ومع حكمها لأكثر من ربع سكان العالم, وقيادتها للتطور العلمي والاقتصادي في التاريخ الحديث, فان سلطتها لم تقف عند حدودها الجغرافية بل امتدت إلى جميع أنحاء العالم, وقد انحصرت وتراجعت في نهاية المطاف, وكان لخسارتها الكبيرة للهند أكبر النكسات التي مرت بها الإمبراطورية البريطانية, فضلاً عن تسليمها لهونغ كونغ إلى جمهورية الصين الشعبية, وقد تراجعت هذه الإمبراطورية في كثير من بقاع العالم وذلك لعدم قدرتها على إدارة الشؤون الاقتصادية والعسكرية لهذه المناطق, وذلك بسبب المساحات الشاسعة التي كانت تسيطر عليها في العالم.
ويبقى التساؤل قائماً هنا: كيف تفكر (إسرائيل) بالتمدد الجغرافي اليوم؟ ثم هل مقومات التمدد متوفرة لديها؟ وهل نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي؟
كان لتمدد الإمبراطوريات سابقة الذكر مقومات عسكرية واقتصادية واجتماعية للتوسع الجغرافي الذي حصل لكل إمبراطورية من الإمبراطوريات العالمية, ومع أنها استمرت بالسيطرة لفترات طويلة من الزمن, إلا أنها في نهاية المطاف تقهقرت واندثرت وتلاشت لتراجع مقومات هذه الامبراطوريات في إدارة الشؤون العسكرية والاقتصادية والاجتماعية معا لهذه المساحات الكبيرة والواسعة, تلك التي كانت تديرها وتسيطر عليها.
وفيما يخض إسرائيل:
إسرائيل ليست إمبراطورية باي شكل من الأشكال, وإسرائيل كيان تابع للغرب, وليست دولة مستقلة عن مساعدات الغرب لها عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً, بل هي دولة مُتطفّلة تستمد بقاءها من الغرب, وأن تفكيرها بالتوسع تفكير عدميًّ ليس فيه أي منطق عقلي أو قانوني, وليس له أي مقومات عسكرية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية, وأن نهاية إسرائيل يكمن في تمددها وتوسعها الجغرافي, فهي قاصرة عن التمدد والتوسع الجغرافي لأكثر من سبب, ولعل من أبرز هذه الأسباب هو أن التوسع الجغرافي يتطلب مقومات عسكرية واقتصادية واجتماعية لإدارة شؤون أي بقعة جغرافية إضافية جديدة, وأكثر من ذلك إسرائيل ليس بوسعها فتح أبواب التطبيع مع جميع دول الجوار على مصرعيها, لأن فتح أبواب التطبيع مع جميع دول الجوار على مصرعيها سيؤدي إلى اختراقات عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بالنسبة لها, الأمر سيؤدي إلى تقهقرها وتلاشيها لاحقاً, وهذا ما يخشاه بعض الساسة المفكرين الإسرائيليين.
أعتقد جازماً أن (مقومات) تمدد وأتساع إسرائيل غير متوفرة لديها على الإطلاق, وأن نهاية إسرائيل يكمن فيما إذا فكرت في تمددها وتوسعها الجغرافي أولاً, ثم في فتح أبواب التطبيع على مصرعيها ثانياً, لأن ضريبة هذه الخطوات باهظة الثمن على الصعيد المادي والمعنوي عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بالنسبة لهذا الكيان الطارئ على المنطقة.
وبعد..
هذا يدعونا أيضاً لفتح اسئلة مشابهة جديدة بالنسبة (لإيران) في قادم الأيام.

مقالات مشابهة

  • نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي
  • بالفيديو.. ناقد يكشف تفاصيل مفاجئة عن تدعيمات الأهلي قبل كأس العالم للأندية 2025
  • أبرز أحداث عام 2024 التي شغلت العالم
  • إسرائيل تقتل 5 صحافيين في غزة في قصف سيارتكم التي تحمل رمز الصحافة
  • غلوبس: عودة الارتفاع الحاد بالإيجارات في إسرائيل
  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
  • طرابزون حدد سعره.. تفاصيل عودة تريزيجيه إلى الأهلي بسبب كأس العالم
  • إسرائيل: حماس تراجعت عن التنازلات التي أدت لاستئناف مفاوضات غزة
  • إسرائيل: عودة المفاوضون من قطر بعد إجراء مفاوضات مهمة بشأن الرهائن
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم