عودةً للسؤال عن الضمير اليهودي
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
«ألا تحفظون قليلا من الشعر كي توقفوا المذبحة؟!»
محمود درويش في «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخير»
تدخل الجريمة الإسرائيلية، المسلحة أمريكيًا، أسبوعها الثالث في قطاع غزة، في استئناف حي ومباشر للإبادة العرقية المستمرة بحق الفلسطينيين العرب منذ ثمانية عقود، مُشرِعةً حكاية النكبة الطويلة على نهايات تاريخية مؤجلة، تهدد المستقبل البشري، بمختلف مكوناته الدينية والعرقية والثقافية، باندلاع طاقة كراهية غير مسبوقة في أماكن أخرى بعيدة وآمنة نسبيا، طاقة كراهية منفلتة من الردع القانوني والاستيعاب الفكري، راح ضحيتها إلى الآن الطفل الفلسطيني ذو الستة أعوام، وديع الفيومي، بعد 26 طعنة حتى الموت سددها إلى جسده الضئيل مسعورٌ أمريكي مؤيد لإسرائيل!
هي ليست لحظة حرب تندلع فيها الكراهيات الكامنة حول العالم فحسب، كما أنها ليست مجرد عودة جديدة إلى مرحلة «رهاب الإسلام» التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر؛ بل هي لحظة انتكاس حضاري ستطول معالجة آثارها الفتاكة لعقود قادمة.
لقد بات واضحا أن الجريمة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لا توقظ في الإنسان السوي منزعه الفطري والطبيعي (والإنساني في نهاية المطاف) للكُره فحسب، بصرف النظر مؤقتا عن أشكال تحرر طاقة هذا الكره إلى فعل، بل هي جريمة تعمل على خلط كل أوراق الكراهية الممكنة في العالم لتعيد الصراع من جديد إلى بؤرة العنصرية المكثفة، وإلى سؤال ديني أسطوري عن هوية الذبيح: إسحاق أم إسماعيل؟ وهي بذلك تموِّل عُلوقنا الطويل في الثنائيات القاتلة بين الشرق والغرب، بين الإسلام واليهودية، بين «نحن وهم». ففي أسبوع واحد خلطت إسرائيل الأوراق معلنةً حربها على الأديان السماوية في معركة واحدة؛ فقصفت الخميس الماضي كنيسة القديس برفيريوس، ثالث أقدم كنائس العالم، على من فيها من لاجئين مسلمين ومسيحيين. ولم تتورع قبلها بيومين عن قصف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، مرتكبة واحدة من أبشع مجازرها منذ النكبة.
هكذا لم تتوقف إسرائيل يوما عن تفخيخ حربها على البشر والمقدسات بفكرة الدفاع عن الضحية اليهودية، معلنةً حربًا دينية على الأديان كلها، في إطار حملتها «الملحمية» على العرب الذين يهددون برميها في البحر. في حين صدَّق مثقفون يهود على طرد جيش «الدفاع» الإسرائيلي (الذي تطور عن العصابات الصهيونية في الأربعينات) أصحابَ المكان خارج البر والبحر والنَّص بأبشع استغلال سردي ممكن لتراجيديا «الهولوكوست» التي جرى التعامل معها كعلامة تجارية ناجحة لمواصلة هذا المشروع الذي يواصل ابتزاز العالم وتهديده بموجة عنف دينية وعرقية جديدة: علينا وعلى أعدائنا! وكان إدوارد سعيد، قبل رحيله بعامين، قد باغت المثقفين اليهود عندما أعلن في حوار مع صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية قائلا: «أنا هو المثقف اليهودي الأخير» واصفا المثقفين اليهود في إسرائيل بأنهم مجرد «وجهاء ضواحي»: «من عاموس عوز إلى جميع هؤلاء الذين يقيمون في أمريكا... أنا هو المريد الحقيقي الوحيد لأدورنو».
وكانت صدمة بالفعل أن يخاطب إسحق دويتشر «اليهودي اللايهودي» الإسرائيليين الأوائل في منتصف القرن الماضي بقوله: «إنها لمأساة حقيقية مروعة أن يكون هتلر هو أكبر مجدد للهوية اليهودية. وهذه تعدّ أحد أصغر الانتصارات التي حققها بعد موته. لقد كانت مذبحة «أوشفيتز» بمثابة السرير الهزاز والمرعب للوعي اليهودي الجديد، وللأمة اليهودية الجديدة. وإنه لأمر غريب ومؤلم أن يفكر أولئك الذين أكدوا على الهوية اليهودية وبقائها بأن إبادة ستة ملايين يهودي قد أعطت الحياة لليهودية». وربما تكون كلمات دويتشر تلك قد وجدت صداها اليوم في هتافات منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام JVP» وفي حملات يهودية مشابهة مناهضة للدولة الصهيونية ترى أن نتانياهو وزمرته هم المثال الصارخ على النازية الجديدة، وليست «حماس».
أما في الجامعات الأمريكية والغربية، حيث نعوم تشومسكي وآفي شلايم وإيلان بابيه نورمان فرانكشتاين... وآخرون، فمن الواضح أن مساحات هؤلاء تتقلص يوميا في ظل اتساع رقعة الاتهام بمعاداة السامية التي تطورت من اللاسامية إلى لاسامية جديدة تلاحق أي مثقف يهودي ينتقد سياسات إسرائيل تجاه العرب لتصمه باليهودي الذي يكره نفسه، وهي التهمة التي أسس لها بن جوريون عام 1943، أي قبل تأسيس إسرائيل حتى، حين قال: «من الآن فصاعدا؛ أن تكون مناهضا للصهيونية يعني أنك مناهض للسامية»!
سالم الرحبي شاعر وكاتب
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هذا عدد أسرى الاحتلال الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة
كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، اليوم السبت، عن عدد أسرى الاحتلال الإسرائيلي الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023.
وذكرت الصحيفة أن "41 أسيرا إسرائيليا من بين 251 أسرتهم حماس في غزة، قُتلوا في الأسر، بعضهم قُتل بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شنتها على غزة".
وأضافت أن "الخرائط العسكرية تؤكد أن موقع مقتل 6 من الأسرى على يد الجيش الإسرائيلي في أغسطس/ آب الماضي، كان ضمن مناطق العمليات المحدودة".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الجيش الإسرائيلي عندما نشر تحقيقه حول مقتل الأسرى الستة، قال إنه لم يكن يعلم بوجودهم في المنطقة"، مؤكدة في الوقت ذاته أن الجيش "كان على علم بالخطر الذي يحدق بالأسرى عندما عمل في المنطقة التي قُتل فيها الرهائن الستة".
يشار إلى أن الأسرى الإسرائيليين الستة الذين تم قتلهم هم: هيرش جولدبرج بولين، أوري دانينو، إيدن يروشالمي، أليكس لوبانوف، كارميل جات، وألموج ساروسي.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه "رغم قرار وقف نشاط الجيش الإسرائيلي في مدينة خانيونس (جنوب) بقطاع غزة، بسبب المخاوف على حياة الأسرى، إلا أنه بعد توقف ليوم واحد فقط، قرر الجيش مواصلة عملياته هناك بهدف تحديد مكان زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار".
وأشارت إلى أنه "بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، تقرر أن العثور على السنوار كان أكثر أهمية من إنقاذ أرواح الأسرى الإسرائيليين (لم يتم تحديد مكانه في حينه)".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أي بعد نحو عام على بدء عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من حرب إسرائيلية مدمرة ضد قطاع غزة، اغتيل السنوار بمدينة رفح جنوب القطاع برصاص الجيش الإسرائيلي وهو يقاتل.
ورغم تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة من المسؤولية عن مقتل أسرى إسرائيليين في قطاع غزة وتحميل حركة حماس مسؤولية ذلك، إلا أن المعارضة الإسرائيلية تحمله مسؤولية مقتل عدد كبير من الأسرى جراء عرقلته لأشهر طويلة التوصل إلى صفقة لإعادتهم خوفا من انهيار ائتلافه الحكومي، الذي كان وزراء من اليمين المتطرف به يضغطون لمواصلة حرب الإبادة على غزة.
ومطلع آذار/ مارس الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية التي تشمل إنهاء الحرب.
ويريد نتنياهو، مدعوما بضوء أخضر أمريكي، تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين دون تقديم مقابل أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.
مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلق الاحتلال الإسرائيلي مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها، كما تهدد إسرائيل بإجراءات تصعيدية أخرى وصولا إلى استئناف حرب الإبادة الجماعية.
وبدعم أمريكي ارتكب الاحتلال بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.