لجريدة عمان:
2024-10-05@15:39:55 GMT

عودةً للسؤال عن الضمير اليهودي

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

«ألا تحفظون قليلا من الشعر كي توقفوا المذبحة؟!»

محمود درويش في «خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخير»

تدخل الجريمة الإسرائيلية، المسلحة أمريكيًا، أسبوعها الثالث في قطاع غزة، في استئناف حي ومباشر للإبادة العرقية المستمرة بحق الفلسطينيين العرب منذ ثمانية عقود، مُشرِعةً حكاية النكبة الطويلة على نهايات تاريخية مؤجلة، تهدد المستقبل البشري، بمختلف مكوناته الدينية والعرقية والثقافية، باندلاع طاقة كراهية غير مسبوقة في أماكن أخرى بعيدة وآمنة نسبيا، طاقة كراهية منفلتة من الردع القانوني والاستيعاب الفكري، راح ضحيتها إلى الآن الطفل الفلسطيني ذو الستة أعوام، وديع الفيومي، بعد 26 طعنة حتى الموت سددها إلى جسده الضئيل مسعورٌ أمريكي مؤيد لإسرائيل!

هي ليست لحظة حرب تندلع فيها الكراهيات الكامنة حول العالم فحسب، كما أنها ليست مجرد عودة جديدة إلى مرحلة «رهاب الإسلام» التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر؛ بل هي لحظة انتكاس حضاري ستطول معالجة آثارها الفتاكة لعقود قادمة.

إنها المرحلة التي يتراجع فيها السؤال عن قضايا الحداثة وما بعدها (مكافحة التلوث والتغير المناخي، وغزو الفضاء، والذكاء الاصطناعي، وأنسنة المدن، والطاقة البديلة... إلخ) عودةً إلى حقبة الغاب والحديث عن الانتقام والاستشفاء من العنف بمزيد من العنف... هي عودة تدريجية إلى «هيروشيما» تسترعي الآن أكثر من أي وقت مضى انتباه الضمير اليهودي حول العالم لمراجعة أخلاقية جادة لفداحة الحل الذي اقترحته الصهيونية للمشكلة اليهودية قبل أكثر من قرن.

لقد بات واضحا أن الجريمة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لا توقظ في الإنسان السوي منزعه الفطري والطبيعي (والإنساني في نهاية المطاف) للكُره فحسب، بصرف النظر مؤقتا عن أشكال تحرر طاقة هذا الكره إلى فعل، بل هي جريمة تعمل على خلط كل أوراق الكراهية الممكنة في العالم لتعيد الصراع من جديد إلى بؤرة العنصرية المكثفة، وإلى سؤال ديني أسطوري عن هوية الذبيح: إسحاق أم إسماعيل؟ وهي بذلك تموِّل عُلوقنا الطويل في الثنائيات القاتلة بين الشرق والغرب، بين الإسلام واليهودية، بين «نحن وهم». ففي أسبوع واحد خلطت إسرائيل الأوراق معلنةً حربها على الأديان السماوية في معركة واحدة؛ فقصفت الخميس الماضي كنيسة القديس برفيريوس، ثالث أقدم كنائس العالم، على من فيها من لاجئين مسلمين ومسيحيين. ولم تتورع قبلها بيومين عن قصف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، مرتكبة واحدة من أبشع مجازرها منذ النكبة.

هكذا لم تتوقف إسرائيل يوما عن تفخيخ حربها على البشر والمقدسات بفكرة الدفاع عن الضحية اليهودية، معلنةً حربًا دينية على الأديان كلها، في إطار حملتها «الملحمية» على العرب الذين يهددون برميها في البحر. في حين صدَّق مثقفون يهود على طرد جيش «الدفاع» الإسرائيلي (الذي تطور عن العصابات الصهيونية في الأربعينات) أصحابَ المكان خارج البر والبحر والنَّص بأبشع استغلال سردي ممكن لتراجيديا «الهولوكوست» التي جرى التعامل معها كعلامة تجارية ناجحة لمواصلة هذا المشروع الذي يواصل ابتزاز العالم وتهديده بموجة عنف دينية وعرقية جديدة: علينا وعلى أعدائنا! وكان إدوارد سعيد، قبل رحيله بعامين، قد باغت المثقفين اليهود عندما أعلن في حوار مع صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية قائلا: «أنا هو المثقف اليهودي الأخير» واصفا المثقفين اليهود في إسرائيل بأنهم مجرد «وجهاء ضواحي»: «من عاموس عوز إلى جميع هؤلاء الذين يقيمون في أمريكا... أنا هو المريد الحقيقي الوحيد لأدورنو».

وكانت صدمة بالفعل أن يخاطب إسحق دويتشر «اليهودي اللايهودي» الإسرائيليين الأوائل في منتصف القرن الماضي بقوله: «إنها لمأساة حقيقية مروعة أن يكون هتلر هو أكبر مجدد للهوية اليهودية. وهذه تعدّ أحد أصغر الانتصارات التي حققها بعد موته. لقد كانت مذبحة «أوشفيتز» بمثابة السرير الهزاز والمرعب للوعي اليهودي الجديد، وللأمة اليهودية الجديدة. وإنه لأمر غريب ومؤلم أن يفكر أولئك الذين أكدوا على الهوية اليهودية وبقائها بأن إبادة ستة ملايين يهودي قد أعطت الحياة لليهودية». وربما تكون كلمات دويتشر تلك قد وجدت صداها اليوم في هتافات منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام JVP» وفي حملات يهودية مشابهة مناهضة للدولة الصهيونية ترى أن نتانياهو وزمرته هم المثال الصارخ على النازية الجديدة، وليست «حماس».

أما في الجامعات الأمريكية والغربية، حيث نعوم تشومسكي وآفي شلايم وإيلان بابيه نورمان فرانكشتاين... وآخرون، فمن الواضح أن مساحات هؤلاء تتقلص يوميا في ظل اتساع رقعة الاتهام بمعاداة السامية التي تطورت من اللاسامية إلى لاسامية جديدة تلاحق أي مثقف يهودي ينتقد سياسات إسرائيل تجاه العرب لتصمه باليهودي الذي يكره نفسه، وهي التهمة التي أسس لها بن جوريون عام 1943، أي قبل تأسيس إسرائيل حتى، حين قال: «من الآن فصاعدا؛ أن تكون مناهضا للصهيونية يعني أنك مناهض للسامية»!

سالم الرحبي شاعر وكاتب

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الخطأ الذي كلف نصر الله حياته.. تقرير يكشف كيف اخترقت إسرائيل حزب الله وعلاقة سوريا

 

كشفت وسائل إعلام غربية عن الأسلوب الذي تمكنت من خلاله إسرائيل من اختراق “حزب الله” استخباراتيًا، وربطت ذلك بدور الحزب في الحرب السورية حيث دعم الحزب النظام السوري في النزاع.

في تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز“، ذكرت أن زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، نجا من ثلاث محاولات اغتيال خلال حرب لبنان عام 2006، ولكنه لم يستطع الإفلات من الضربة التي استهدفت مقر الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الماضي، والتي أسفرت عن مقتل عدد من القادة، أبرزهم قائد منطقة الجنوب علي كركي. وطرحت الصحيفة تساؤلات حول الفارق بين هذه الحرب وسابقتها.

 

أشارت الصحيفة إلى آراء مسؤولين سابقين وحاليين أكدوا أن الفارق الرئيسي يكمن في التطور الكبير الذي شهدته الاستخبارات الإسرائيلية، التي ظهرت بشكل واضح في عملية اغتيال قائد أركان “حزب الله”، فؤاد شكر، في يوليو الماضي.

 

ووفقاً لتلك المصادر، يُعتبر هذا التطور جزءاً من جهود أوسع للاستخبارات الإسرائيلية في أعقاب حرب لبنان الثانية عام 2006. فقد تمكنت “الوحدة 8200” وجهاز الاستخبارات العسكرية من جمع كميات هائلة من المعلومات حول “حزب الله”، وهو ما كان غائباً عن إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان في عام 2000، الذي اعتبر حينها نصراً للحزب.

 

وتقول الضابطة الإسرائيلية أيسن إن “الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اضطرت لتعويض هذا النقص بتوسيع نطاق تصورها لـ”حزب الله” ليشمل طموحاته السياسية وعلاقاته المتنامية مع إيران ونظام الأسد في سوريا، بالإضافة إلى دوره العسكري” . وأشارت إلى أن “إسرائيل بدأت تتعامل مع حزب الله كجيش إرهابي متكامل، بدلاً من التعامل معه كمنظمة عدائية صغيرة”.

 

ووفقًا لـ”فايننشال تايمز”، فإن التدخل العسكري لـ”حزب الله” في سوريا لدعم النظام السوري منذ 2012 منح إسرائيل فرصة لتوسيع عملياتها الاستخباراتية، إذ تمكنت من تتبع نشاطات الحزب ومعرفة المسؤولين عن عملياته، ومن يتم ترقيته ومن يتورط في الفساد.

 

ورغم اكتساب مقاتلي الحزب خبرة قتالية خلال الصراع في سوريا، فإن هذا التوسع الكبير في صفوفه أدى إلى فتح ثغرات أمام الاختراقات الإسرائيلية. فبحسب المحللة راندا سليم من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، “كانت الأزمة السورية بداية توسع حزب الله، لكنها أضعفت آليات الرقابة الداخلية، مما أتاح فرصًا للتسلل”.

 

من جانب آخر، أضافت الصحيفة أن الحرب السورية التي بدأت عام 2011 أوجدت كماً هائلاً من المعلومات المتاحة للعامة، والتي استفادت منها الاستخبارات الإسرائيلية. وكان من بين تلك المعلومات “ملصقات الشهداء” لمقاتلي “حزب الله” الذين قتلوا في سوريا، والتي تضمنت تفاصيل دقيقة عنهم، مثل مكان مقتلهم ودوائرهم الاجتماعية، ما سهّل عملية التعرف على هيكلية الحزب.

 

وختمت الصحيفة بتصريح لمسؤول لبناني سابق في بيروت، الذي قال إن انخراط “حزب الله” في سوريا واحتكاكه بأجهزة استخبارات دولية كان له ثمن، حيث اضطر الحزب للتواصل مع تلك الأجهزة بطريقة لم تكن لتحدث لولا مشاركته في الحرب السورية.

 

مقالات مشابهة

  • الريشة التي حركت ضمائر العالم
  • "ما الذي ينمو في راحة يدكِ؟" يفوز بجائزة بمهرجان سلا لفيلم المرأة
  • قيادي بحماس يدعو للتصدي لاقتحامات المستوطنين للأقصى خلال الأعياد اليهودية
  • الخارجية الفلبينية: لا فلبينيين على متن ناقلة النفط التي هاجمها الحوثيون في البحر الأحمر
  • الخطأ الذي كلف نصر الله حياته.. تقرير يكشف كيف اخترقت إسرائيل حزب الله وعلاقة سوريا
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • من هو النصف الآخر للسنوار الذي أعلنت إسرائيل مقتله؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • من هو جعفر قصير الذي اغتالته إسرائيل؟.. صهر حسن نصر الله
  • عودة ميسي لقيادة الأرجنتين في تصفيات كأس العالم