سرايا - أكملت الحرب على غزة أسبوعها الثاني، وأحرق لهيبها آلاف الأرواح، ومحى أحياء عدة من خريطة الحياة، ودمر مستشفيات بمن فيها من طفل جريح ومسعف وطبيب يغالب موجة الموت الهادر.

وفي حين تتعمق أنياب الأزمة في الجسد الفلسطيني، يحشد جيش الاحتلال عشرات الآلاف من جنوده على مشارف غزة، ويستعد للحرب البرية التي تستعد لها فصائل المقاومة أيضا.



وبين هذا وذاك، يعيش العالم على أعصابه في انتظار الجولة القادمة من حرب مدمرة، تتباين فيها موازين القوى، وتخرق فيها الأيام كل حين عادات المتوقع من العداء بين جيش دولة، وتنظيمات شعب محاصر، وضمن هذا التباين الكبير، تبدو لكل طرف نقاط قوة متعددة، وسياق محلي ودولي، وتحديات عائقة، قد تزيد من تعقيد خيار الحرب البرية.
لا يريد الاحتلال في ما يعلن من أهدافها تجاه حماس غير الإبادة والإزاحة، بينما يشير اتساع دائرة الموت وضحايا القصف المتواصل في القطاع إلى أن الاحتلال يفترض أن كل غزي عضو "مفترض" في حماس، وبالإمكان أن يكون هدفا تلقائيا للصواريخ وقاذفات الحمم.
بيد أن تحقيق الأهداف التي يعلنها الاحتلال حاليا، وما تخطط له من حرب برية طويلة الأمد قد تستمر لسنوات، تقف أمامه عقبات متعددة تشكل في مجملها نقاط قوة للمقاومة الفلسطينية وفرصا لتعزيز أدائها، كما أنها تمثل عوائق أمام قدرة الاحتلال على خوض حرب طويلة الأمد ذات خسائر كبيرة، ومن بينها:
"النصر بالرعب": فقد تحولت حركة حماس في الوجدان للمحتل إلى هاجس رعب يكب القادة والجنود على الأذقان، وتضخمت في الضمير الالاحتلالي العام القدرات "الخارقة" التي تملكها كتائب القسام، وفصائل المقاومة في غزة.
كما ان انهيار فرقة غزة: وهي قوات النخبة للاحتلال المتخصصة في شؤون غزة، والأكثر قدرة وإمكانات على مواجهة الفصائل الغزاوية، والكتائب القسامية، إذ أسرع "طوفان" الموت والأسر إلى عدد كبير من هؤلاء، وارتحل بمئات منهم إلى قائمة القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين.
بالاضافة الى تعدد الجنسيات في صفوف المستوطنين والجنود المحتلين: مما يجعل الفرار من الحرب -من دون تحيز إلى فئة أو تحرفا لقتال- خيارا محتملا بشكل كبير إذا حمي الوطيس أمام عدد من حملة السلاح في الاحتلال.
واستعداد حركات المقاومة الفلسطينية وتعدد وسائلها للدفاع: وتعزز قوتها العسكرية خلال السنوات الأخيرة، مقابل تصاعد الإخفاقات والهزات العسكرية والسياسية في الاحتلال.
وايضا حالة التراجع الاقتصادي في الاحتلال: التي ستجعل أي حرب طويلة المدى تضفي متاعب جديدة على الاقتصاد الهش والمرتبط بشكل خاص بحركة التجارة، وعمل الموانئ والمطارات.
كما ان الانشطارات المجتمعية: التي غرق فيها المحتلين الفترات الأخيرة، وما يتحدث عنه بعض الكتاب من تضاؤل للروح الوطنية، وما تشير إليه بعض استطلاعات الرأي من تراجع ثقة المحتلين في دولتهم ومؤسساتهم، وهو ما يشير إلى أن الجيل الحالي من سكان الاحتلال أقل قدرة على المقاومة وأقل "مناعة اجتماعية" من الأجيال السابقة.
كما قد يؤدي استمرار الحرب أيضا إلى انهيار مشروع التطبيع العربي، وذلك بعد أن خنقته بحبال الموت صبيحة السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، مما دفع البعض إلى تجميد أي خطوات جديدة في مسار التطبيع، في حين تخلصت أنظمة أخرى من الإحراج والضغوط التي كان عرابو التطبيع يمارسونها عليها.
وتخشى دوائر متعددة من تكرار تجربة الولايات المتحدة في العراق والصومال وأفغانستان، وما جلبته من استنزاف غير مسبوق لخزائن واشنطن وأرواح جنودها قبل ما وصفه بعض خصوم واشنطن بالخروج "المخزي" الذي تسلمت بموجبه القوى الأكثر عداوة لواشنطن زمام الحكم وإدارة البلدان المنكوبة.
وايضا انعدام البديل عن حماس: فحتى مع افتراض نجاح الاحتلال في إسقاط حكم حماس في غزة، وهو أمر دونه مصاعب وعوائق كثيرة، فإن البديل عنها يبقى الاختبار الأصعب أمام الاحتلال، ومختلف القوى الدولية، خصوصا أن قادتها وجماهيرها لن تعجزهم أي وسيلة لإعادة تجميع الشتات وترتيب الأوراق والسير في نمط مقاومة جديدة، إذ ليست حماس إلا تعبيرا عن وجه من المقاومة، وللفلسطينيين قدرة هائلة في التكيف المقاوم للاحتلال.
ورغم كل ذلك، فإن الاحتلال لا تعدم وسيلة للجواب، وترى أن غزة بعد الإبادة ستكون ملفا دوليا يناقشه العالم، ويحسم رأيه فيه، ولا يعني تدويل ملف غزة أكثر من تعدد الرؤوس والإستراتجيات وهو ما تخشاه الولايات المتحدة بشكل خاص، وهي تواجه تسارعا عدائيا للحضور الروسي والصيني في المناطق التي تعتبرها واشنطن جزءا تقليديا من "مائدتها الإستراتيجية"، وسيزيد الدم الغزاوي طين الإخفاق الأميركي بلة، إذا فتحت الحرب نافذة حرب أخرى غير مباشرة بين واشنطن وموسكو، تنضاف إلى حربها بالوكالة في أوكرانيا.
ورغم محدودية الدور المتوقع لدى روسيا والصين في خوض حرب مباشرة أو تحرك دبلوماسي مؤثر في منطقة الشرق الأوسط، فإنهما تبقيان لاعبين "خشنين" ولا يمكن أن يسد دونهما أي مرمى، خصوصا إذا كان هشا وزلقا بالدماء.
والواقع أن الاحتلال لا يملك حاليا -وباعتراف قادته وقادة داعميه- رؤية لما بعد حماس، هذا إذا تمكنت بالفعل من تحقيق هدفها بإبادة قادة الحركة وإزاحتها عن الحكم في غزة، وهو خيار بعيد في الحال، ويتباعد أكثر كلما طال الانتظار.
ومع أن تل أبيب قد حسمت -في ما يظهر من تصريحات ومؤشرات- قرار الحرب البرية، فإنه لا أحد حتى الآن يعرف أي الخيارات سيتجه إليه الكيان.
ومع أن خيار التوغل المحدود في عمق غزة، واحتلال أجزاء من المدينة المحاصرة، يمثل أسهل خيارات الحرب البرية بالنسبة لالاحتلال، لكنه يبقى أيضا مكلفا، خصوصا عند إرادة الانسحاب والخروج، كما أنه لا يمثل بالنسبة للمتطرفين في الاحتلال -المتعطشين للقضاء على فصائل المقاومة في غزة- الوسيلة المثلى للانتقام منها.-(وكالات)


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: فی الاحتلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

رفض عشائري لإدارة قطاع غزة.. وعجز إسرائيلي عن إيجاد بديل لحماس

أكد محللون ومراقبون في قطاع غزة، أن رؤساء العشائر المحلية القوية، غير مستعدين لإدارة قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة منذ تسعة أشهر.

ووفق محادثات أجرتها "رويترز" مع خمسة أفراد من العشائر الكبيرة في غزة، ومن بينهم رئيس إحدى العشائر، فإن المرشحين المعقولين الوحيدين في غزة للدور الذي يريده الاحتلال في اليوم التالي للحرب، غي مستعدين للمشاركة في الخطة الإسرائيلية.

وقالت تهاني مصطفى، المحللة البارزة في الشأن الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مركز أبحاث مقره بروكسل، إن "إسرائيل تبحث جاهدة عن عشائر وعائلات محلية على الأرض للعمل معها (..)، وهم يرفضون".

وأضافت تهاني التي لها اتصالات ببعض العائلات وأصحاب المصلحة المحليين الآخرين في غزة، أن "العشائر لا تريد المشاركة، ويرجع ذلك جزئيا إلى خوفها من انتقام حماس".

وهذا التهديد حقيقي لأنه، على الرغم من هدف الاحتلال الصريح من الحرب المتمثل في تدمير حماس، ما زال للحركة أفراد فاعلون يفرضون إرادتها في شوارع غزة، وفقا لستة من السكان تحدثوا مع رويترز.

وتتمثل الخطة الإسرائيلية لقطاع غزة بعد الحرب، والتي عرضتها تل أبيب على حلفاء الولايات المتحدة، في إدارة القطاع بالتعاون مع عشائر محلية ذات نفوذ.

لكن المشكلة هي أنه لا أحد يرغب في أن يُرى وهو يتحدث إلى العدو، في مكان ما زالت تتمتع فيه حركة حماس بنفوذ قوي جدا.



ويتعرض الاحتلال لضغوط من واشنطن لوقف نزيف الخسائر البشرية، وإنهاء هجومه العسكري بعد نحو تسعة أشهر، لكنه لا يريد أن تتولى حماس المسؤولية بعد الحرب. ومن ثم، يحاول المسؤولون الإسرائيليون رسم مسار لما بعد توقف القتال.

وبحسب تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين بارزين فإن أحد الركائز الأساسية للخطة يتمثل في تشكيل إدارة مدنية بديلة، تضم جهات فلسطينية محلية ليست جزءا من هياكل السلطة القائمة ومستعدة للعمل مع إسرائيل.

وردا على سؤال عن النتيجة التي سيحصل عليها أي رئيس عشيرة ذات نفوذ في غزة إذا تعاون مع "إسرائيل"، قال إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: "أتوقع أن يكون الرد مميتا لأي عشيرة أو جهة ترتضي أن تنفذ مخططات الاحتلال، أتوقع أن يكون الرد مميتا من قبل فصائل المقاومة".

واعترف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، بوجود تحديدات، قائلا: "وزارة الجيش حاولت بالفعل التواصل مع العشائر في غزة، لكن حماس قضت على المحاولات".

وتابع نتنياهو قائلا: "وزارة الجش لديها خطة جديدة"، لكنه لم يذكر تفاصيل سوى الإشارة إلى عدم رغبته في مشاركة السلطة الفلسطينية التي تحكم حاليا الضفة الغربية.

وناقش وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت خطط ما بعد الحرب، في اجتماع عُقد في واشنطن الأسبوع الماضي مع مسؤولين أمريكيين.

وقال غالانت في مؤتمر صحفي خلال الزيارة: "الحل الوحيد لمستقبل غزة هو أن يحكمها الفلسطينيون المحليون. لا يتعين أن تكون إسرائيل ولا يتعين أن تكون حماس"، ولم يذكر العشائر تحديدا.

مقالات مشابهة

  • عاجل.. حركة حماس تصدر بيانا بشأن عملية الطعن في مستوطنة كرمئيل
  • رفض عشائري لإدارة قطاع غزة.. وعجز إسرائيلي عن إيجاد بديل لحماس
  • المقاومة بغزة تعيد تنظيم صفوفها وتسليحها وسط توقعات بـ حرب استنزاف طويلة
  • محللون عسكريون: إسرائيل باتت في خطر الغرق في حرب طويلة الأمد مع “حماس”
  • صحيفة أمريكية: حماس تُعيد تجميع صفوفها.. “إسرائيل” قد تغرق في صراع طويل الأمد
  • “وول ستريت جورنال”: حماس تُعيد تجميع صفوفها.. “إسرائيل” قد تغرق في صراع طويل الأمد
  • التصنيع في زمن الحرب..المقاومة تصنع المعجزات
  • الاحتلال يعلن مقتل ضابط برتبة رقيب وإصابة آخر بفخ أعدته المقاومة
  • (وول ستريت جورنال) : التصعيد في غزة يهدد بحرب استنزاف طويلة الأمد
  • «وول ستريت جورنال»: التصعيد في غزة يهدد بحرب استنزاف طويلة الأمد