رسائل المقصوفين في غزة: لا نزال على قيد الحياة
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
هذه الرسائل التي قد نتأفف من كثرتها وإزعاجها في أوقات السلم والرخاء، قد تكون بريد الأمل الذي نترقبه بلهفة واشتياق في أوقات الحروب والمصائب، ولا ينبئك عن ذلك مثل أهالي المقيمين في غزة هذه الأيام وأحبائهم.
فالقطاع المحاصر منذ عام 2007، قررت إسرائيل خنقه خنقا كاملا إثر عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فشنت حربها عليه، وقطعت إمدادات الماء والكهرباء عنه، ومنعت إدخال الغذاء والوقود إليه، حتى غرق في ظلام دامس وعزلة عن العالم، لا يكسرها إلا بعض الرسائل القصيرة والاتصالات الصعبة التي قد يتمكن سكان القطاع من تسريبها إلى أقاربهم أو أحبائهم، وغالبا ما تحمل عبارة طمأنة أساسية: ما زلنا على قيد الحياة.
في ظل شبه استحالة الاتصال عبر شبكة الهاتف النقال، يعتمد سكان القطاع وأقاربهم على خطوط الهاتف الثابتة القليلة، أو الاتصال عبر الإنترنت الذي بات نادرا بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وشحّ الوقود لتشغيل المولّدات. فقد أدى القصف الإسرائيلي -وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية- إلى قطع اثنين من الخطوط الثلاثة الرئيسية للاتصالات النقالة وشبكة الإنترنت في قطاع غزة.
يقول وليد -الغزي المقيم في باريس- إنه يتصل بأهله عشرات المرات على التوالي، دون أن يتلقى أي ردّ، نظرا لضعف شبكات الاتصال، و"أحيانا تصلني رسالة من اليوم السابق، وأحيانا ينقطع الاتصال بعد 30 ثانية فقط". لكنه، بالرغم من شوقه إليهم وقلقه عليهم، يسارع إلى مقاطعة حديثهم حين يقولون له: "إذا صار لنا شي، دير بالك على حالك"!
لا يحتمل وليد أن يمرّ بخاطره أن مكروها ما سيصيب أهله، رغم أنه يعلم أن كلّ من في غزة معرّض لذلك، لذلك لا غرابة أن تكون رسائل التطمين التي يرسلونها إلى أحبابهم، هي في ذاتها ما يثير قلقهم، ويذكرهم بما يخيفهم عليهم، كالرسالة التي بعثها محمود شلبي المسؤول في جمعية "العون الطبي للفلسطينيين" البريطانية إلى زملائه، قائلا "أسجّل هذه الرسالة التي قد تكون الأخيرة، على الرغم من أنني آمل ألا تكون كذلك".
ويخبر شلبي زملاءه بما يعانيه في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وعن يومياته على إيقاع "القصف الذي يطال الجميع"، ويؤكد لهم "لن أترك منزلي.. سأموت واقفا، مجرد وجودي على هذه الأرض هو فعل مقاومة".
بحث في وجوه الضحايا
لا يوجد في غزة مكان آمن، فحتى المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس عرضة للقصف الإسرائيلي، ولعل المشاهد التي نقلها الإعلام المحلي لمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني لا تزال راسخة في قلوب من شاهدها. لكن هذه المشاهد المؤلمة في ذاتها قد تكون وسيلة بعض الغزيين "للاطمئنان" على ذويهم!.
يقول وليد إنه بعد ساعات من الفشل في الحصول على أنباء من أقاربه، يعمد إلى "مشاهدة وجوه ضحايا القصف عبر شاشة الجزيرة.. فهي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأخبار بشكل مباشر"، بالرغم من أن هذه الأخبار في نفسها قد لا تجلب الطمأنينة.
أما هبّة جمّال، الغزّيّة المقيمة في مدينة ماينهايم الألمانية، فتؤكد أنها بالكاد تستطيع التواصل مع عائلتها، رغم أنهم تمكنوا من التحايل على انقطاع الكهرباء بتشغيل المولدات بالزيوت النباتية، وهو ما مكنهم من شحن هواتفهم. لكنها لم تتمكن خلال عدة أيام من الوصول إلى أي معلومة عن بعض أفراد عائلة زوجها.
تروي هبّة حوارها مع أهلها حين تنجح في الاتصال بهم: "قصفوا اليوم منطقتكم في خان يونس، هل الجميع بخير؟"، فيأتيها الجواب "لم يُقصف منزلنا. الحمد الله، ما زلنا على قيد الحياة".
وإن كانت هبة تتمكن من الوصول المتقطع إلى أهلها، فإن غيرها لا يفلح في ذلك، مثل وفا عليوة المقيم في منطقة هوت سافوا بفرنسا، الذي لم يتمكن من الاتصال بأبويه الستينيين في قطاع غزة بالرغم من محاولاته المتكررة، وبالرغم من أنه لا يزال يتمسك بأمل سماع صوتهما مرة أخرى، فإنه يؤكد أنه يخشى سؤالهما عما يأكلانه في ظل شحّ الغذاء الذي يعاني منه سكان القطاع.
أما الصحفية والكاتبة جميلة توفيق (26 عاما) التي نزحت مع عائلتها إلى خان يونس، فتقول إنها تضطر للمشي من مركز الإيواء المؤقت الذي تقيم فيه مع عائلتها أكثر من 10 دقائق لبلوغ مكان يتوافر فيه اتصال بالهاتف النقال، وبالرغم من مشقة ذلك والمخاطرة بالتعرض للقصف، فإنها تؤكد أن نقل صورة ما يحصل أمر يعنيها مباشرة ويعدّ "مسؤولية مهمة" تحملها.
وكما يحاول المقيمون خارج القطاع الاطمئنان على ذويهم في الاتصالات القليلة التي ينجحون في إجرائها، يحاول من هم في القطاع أن "يطمئنوا" على ردود فعل الدول العربية تجاه الحرب على غزة، ولا ندري أي طرفي الاتصال يكون أكثر شعورا بالخيبة!.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
بعد نتساريم وفيلادلفيا.. "موراغ" أحدث خطط إسرائيل في غزة
بعد إعلان إسرائيل إنشاء "محور موراغ" لفصل خان يونس عن رفح جنوبي قطاع غزة، كثرت التساؤلات بشأن خطة تل أبيب الجديدة لتقسيم قطاع غزة بالتزامن مع الاجتياح البري المحدود، وسط تحذيرات من آثار إنسانية سلبية محتملة.
وأظهرت خرائط نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية أن الممر الجديد يمتد بعرض القطاع من الشرق إلى الغرب، فيما جرى نشر قوات إسرائيلية من الفرقة 36.
وذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيكون "ممر فيلادلفيا ثان" مشيرا إلى الجانب الذي يقع بغزة من الحدود مع مصر جنوبا، الذي تسيطر عليه إسرائيل منذ مايو الماضي.
وأضاف: "إنشاء محور موراغ الجديد للضغط على حركة حماس وأشار إلى أنه سيعزل مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، التي أمر بإخلائها، عن باقي القطاع".
وفي وقت سابق، أعادت إسرائيل التأكيد على السيطرة على ممر نتساريم الذي يفصل الثلث الشمالي لغزة، بما في ذلك مدينة غزة، عن باقي القطاع. ويمتد ممرا فيلادلفيا ونتساريم من الحدود الإسرائيلية إلى البحر المتوسط.
قصة محور "موراغ"
يعد محور "موراغ" أحد الممرات الحيوية في جنوب قطاع غزة، ويمتد من البحر غربًا حتى شارع صلاح الدين شرقًا، وصولًا إلى آخر نقطة على الحدود الفاصلة بين غزة وإسرائيل، وتحديدًا عند معبر "صوفا".
يبلغ طول المحور 12 كيلومترًا، وهو يفصل محافظة "رفح" عن باقي محافظات القطاع.
وقد تم إنشاء هذا المحور الوهمي خلال احتلال الجيش الإسرائيلي للقطاع في عام 1967، قبل انسحابه منه في عام 2005، تنفيذًا لخطة الانسحاب الأحادي الجانب في عهد رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون.
تعتبر "موراغ" إحدى المستوطنات الواقعة في جنوب القطاع، ضمن تجمع مستوطنات "غوش قطيف"، التي تم تأسيسها والإعلان عنها لأول مرة في مايو 1972.
كانت الغاية من إنشائها بناء نقطة عسكرية ثابتة لمراقبة تحركات الفلسطينيين، لكنها تحولت بعد 10 سنوات، أي في عام 1982، إلى تعاونية زراعية تضم مئات الدفيئات الزراعية.
أهمية المحور
يشكل المحور نقطة ارتكاز استراتيجية بسبب موقعه الجغرافي فالمحور الجديد من شأنه اقتطاع مساحة 74 كيلومترًا مربعًا من مساحة قطاع غزة، أي ما يعادل 20 بالمئة من إجمالي مساحة القطاع البالغة 360 كيلومترًا مربعًا.
وتنبع أهمية المحور من كونه أحد أهم شرايين الحياة لنقل الأفراد والبضائع بين جنوب القطاع وشماله، حيث تضم مدينة رفح لوحدها اثنين من أهم 3 معابر تعمل في القطاع، وهما معبر كرم أبو سالم المخصص لنقل البضائع والمساعدات من إسرائيل للقطاع، إضافة إلى معبر رفح الفاصل بين القطاع ومصر، الذي يخصص لنقل الأفراد والبضائع من وإلى القطاع.
بموازاة ذلك، فإن بقاء الجيش الإسرائيلي في المحور سيحرمان القطاع من أهم موارده الزراعية، إذ تُعتبر مدينة رفح من أهم مصادر الغذاء والخضروات المتبقية في القطاع، حيث تغطي المساحات الخضراء أراضي المدينة، وبخاصة منطقة المواصي غربًا.