الجزيرة:
2024-07-08@06:43:13 GMT

رسائل المقصوفين في غزة: لا نزال على قيد الحياة

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

رسائل المقصوفين في غزة: لا نزال على قيد الحياة

هذه الرسائل التي قد نتأفف من كثرتها وإزعاجها في أوقات السلم والرخاء، قد تكون بريد الأمل الذي نترقبه بلهفة واشتياق في أوقات الحروب والمصائب، ولا ينبئك عن ذلك مثل أهالي المقيمين في غزة هذه الأيام وأحبائهم.

فالقطاع المحاصر منذ عام 2007، قررت إسرائيل خنقه خنقا كاملا إثر عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فشنت حربها عليه، وقطعت إمدادات الماء والكهرباء عنه، ومنعت إدخال الغذاء والوقود إليه، حتى غرق في ظلام دامس وعزلة عن العالم، لا يكسرها إلا بعض الرسائل القصيرة والاتصالات الصعبة التي قد يتمكن سكان القطاع من تسريبها إلى أقاربهم أو أحبائهم، وغالبا ما تحمل عبارة طمأنة أساسية: ما زلنا على قيد الحياة.

في ظل شبه استحالة الاتصال عبر شبكة الهاتف النقال، يعتمد سكان القطاع وأقاربهم على خطوط الهاتف الثابتة القليلة، أو الاتصال عبر الإنترنت الذي بات نادرا بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وشحّ الوقود لتشغيل المولّدات. فقد أدى القصف الإسرائيلي -وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية- إلى قطع اثنين من الخطوط الثلاثة الرئيسية للاتصالات النقالة وشبكة الإنترنت في قطاع غزة.


يقول وليد -الغزي المقيم في باريس- إنه يتصل بأهله عشرات المرات على التوالي، دون أن يتلقى أي ردّ، نظرا لضعف شبكات الاتصال، و"أحيانا تصلني رسالة من اليوم السابق، وأحيانا ينقطع الاتصال بعد 30 ثانية فقط". لكنه، بالرغم من شوقه إليهم وقلقه عليهم، يسارع إلى مقاطعة حديثهم حين يقولون له: "إذا صار لنا شي، دير بالك على حالك"!

لا يحتمل وليد أن يمرّ بخاطره أن مكروها ما سيصيب أهله، رغم أنه يعلم أن كلّ من في غزة معرّض لذلك، لذلك لا غرابة أن تكون رسائل التطمين التي يرسلونها إلى أحبابهم، هي في ذاتها ما يثير قلقهم، ويذكرهم بما يخيفهم عليهم، كالرسالة التي بعثها محمود شلبي المسؤول في جمعية "العون الطبي للفلسطينيين" البريطانية إلى زملائه، قائلا "أسجّل هذه الرسالة التي قد تكون الأخيرة، على الرغم من أنني آمل ألا تكون كذلك".

ويخبر شلبي زملاءه بما يعانيه في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وعن يومياته على إيقاع "القصف الذي يطال الجميع"، ويؤكد لهم "لن أترك منزلي.. سأموت واقفا، مجرد وجودي على هذه الأرض هو فعل مقاومة".


بحث في وجوه الضحايا

لا يوجد في غزة مكان آمن، فحتى المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس عرضة للقصف الإسرائيلي، ولعل المشاهد التي نقلها الإعلام المحلي لمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني لا تزال راسخة في قلوب من شاهدها. لكن هذه المشاهد المؤلمة في ذاتها قد تكون وسيلة بعض الغزيين "للاطمئنان" على ذويهم!.

يقول وليد إنه بعد ساعات من الفشل في الحصول على أنباء من أقاربه، يعمد إلى "مشاهدة وجوه ضحايا القصف عبر شاشة الجزيرة.. فهي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأخبار بشكل مباشر"، بالرغم من أن هذه الأخبار في نفسها قد لا تجلب الطمأنينة.

أما هبّة جمّال، الغزّيّة المقيمة في مدينة ماينهايم الألمانية، فتؤكد أنها بالكاد تستطيع التواصل مع عائلتها، رغم أنهم تمكنوا من التحايل على انقطاع الكهرباء بتشغيل المولدات بالزيوت النباتية، وهو ما مكنهم من شحن هواتفهم. لكنها لم تتمكن خلال عدة أيام من الوصول إلى أي معلومة عن بعض أفراد عائلة زوجها.

تروي هبّة حوارها مع أهلها حين تنجح في الاتصال بهم: "قصفوا اليوم منطقتكم في خان يونس، هل الجميع بخير؟"، فيأتيها الجواب "لم يُقصف منزلنا. الحمد الله، ما زلنا على قيد الحياة".

وإن كانت هبة تتمكن من الوصول المتقطع إلى أهلها، فإن غيرها لا يفلح في ذلك، مثل وفا عليوة المقيم في منطقة هوت سافوا بفرنسا، الذي لم يتمكن من الاتصال بأبويه الستينيين في قطاع غزة بالرغم من محاولاته المتكررة، وبالرغم من أنه لا يزال يتمسك بأمل سماع صوتهما مرة أخرى، فإنه يؤكد أنه يخشى سؤالهما عما يأكلانه في ظل شحّ الغذاء الذي يعاني منه سكان القطاع.

أما الصحفية والكاتبة جميلة توفيق (26 عاما) التي نزحت مع عائلتها إلى خان يونس، فتقول إنها تضطر للمشي من مركز الإيواء المؤقت الذي تقيم فيه مع عائلتها أكثر من 10 دقائق لبلوغ مكان يتوافر فيه اتصال بالهاتف النقال، وبالرغم من مشقة ذلك والمخاطرة بالتعرض للقصف، فإنها تؤكد أن نقل صورة ما يحصل أمر يعنيها مباشرة ويعدّ "مسؤولية مهمة" تحملها.

وكما يحاول المقيمون خارج القطاع الاطمئنان على ذويهم في الاتصالات القليلة التي ينجحون في إجرائها، يحاول من هم في القطاع أن "يطمئنوا" على ردود فعل الدول العربية تجاه الحرب على غزة، ولا ندري أي طرفي الاتصال يكون أكثر شعورا بالخيبة!.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

قراءة في قضايا العمل وقوانينه

تتشابك قضايا العمل في مجرياتها وتأثيراتها المجتمعية والاقتصادية؛ فتُحدث في داخلنا متاهات من التساؤلات تدفعنا إلى البحث عن الحلول لمشكلات أهمها أزمة الباحثين عن العمل، ومنظومة تقويم الأداء الوظيفي، وجدل التقاعد وقانونه الجديد. قبل الولوج إلى هذه القراءة وتشعباتها نحتاج إلى القول: إنه لا وجود لتقدم وتطور حضاري دون وجود تحديات مصاحبة؛ فنجد المشكلات مع كل تقدم وتنمية تواجه المجتمعات، منها مشكلات العمل التي لا ينحصر وجودها في دولة دون أخرى، إلا أن التفاوت في حجم هذه المشكلات هو ما يمكن أن يكون معيارا وقياسا لقدرة المجتمعات والحكومات على إيجاد الحلول المناسبة التي يمكن أن تخفف من وطأة الأزمات الناتجة.

تعتبر أزمة العمل وخصوصا أزمة الباحثين عن العمل أحد أكبر المعضلات التي تواجه دول العالم دون استثناء ومنها سلطنة عُمان التي تبذل الحكومة بمؤسساتها المعنيّة الجهود الممكنة للوصول إلى أقل معدلات للبطالة؛ فاستنادا إلى الواقع من زاويته المجتمعية بشموليّتها الاجتماعية والاقتصادية، وعبر ما نلتقطه من فئة الشباب الباحثين عن عمل يمكننا المحاولة في طرح قراءة لبعض مفاصل هذه المشكلة، وتحديد بعض مسبباتها مثل ضعف وجود الكوادر الوطنية في سوق العمل الذي يمكنه أن يشغلها بتعليمه الجامعي الذي تنفق الحكومة الأموال الطائلة عليه أو عبر إكسابه الخبرة المطلوبة بواسطة التدريب، وهنا الإشارة إلى سوق العمل في القطاع الخاص الذي يملك فرصا وافرة لكثير من المهن والتخصصات، وكذلك يرجع البعضُ تدني نسبة التعمين في القطاع الخاص لأسباب أهمها ضعف الحد الأدنى للرواتب وعدم توافقه مع غلاء المعيشة، والذي يمكن لبعض مؤسسات القطاع الخاص استغلاله بشكل قانوني يضمن تنفيذها لشرط نسبة التعمين، وفي المقابل تقليل التكلفة المالية الناتجة من التوظيف، وتحقيق مكاسب ربحية تضع الباحث عن العمل أمام خيارات صعبة منها عدم الاستمرارية في العمل نتيجة الإحساس بالضَّيْم وعدم المساواة، وهنا تتجلى الظاهرة النفسية التي نحتاج إلى الالتفات إليها المتولّدة عند الباحث عن العمل، أو الفاقد للحقوق المالية العادلة والمكافِئة للوظيفة ومهامها، أو عند الاضطرار لترك الوظيفة أوالفصل التعسفي، وهذه الظاهرة النفسية لها تأثيرها من جميع النواحي منها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن ترتبط بزيادة معدلات الجريمة والتفكك الأسري والاجتماعي، والأمراض النفسية التي تعوق مسيرة التنمية نظير تراجع معدلات الأداء والإبداع عند فئات الشباب الذي يعدّ عمادَ المجتمعات وأركانها.

لا يمكن أن نوجّه أصابع الاتهام إلى جهة معيّنة ونحمّلها المسؤولية بمجملها؛ إذ يتحتم أن ندرك أن مسؤولية أزمة الباحثين عن العمل يتشارك جميع عناصر المجتمع في مواجهتها وتقليل معدلاتها؛ فيأتي الوعي المجتمعي -المتعلق بفهم حركة العمل وأدواته وفلسفته- وتأسيسه على عاتق جميع عناصر المجتمع نفسه أفرادا ومؤسسات، ومن السهل أن نقرّب مغزى الوعي المجتمعي وأهميته في واقع حركة العمل الحر والمؤسسي التي يمكن لأيّ مجتمع أن يتبنى وجودها، ولنا في مدن وولايات عُمانية الأمثلة الناجحة على ذلك منها مدينة نزوى التي تعطي نموذجا واقعيا لوجود الوعي المجتمعي الخاص بفلسفة العمل الذي ليس بالضرورة أن يُحدَّ بأيّ ظرف خارجي يتعلق بتحديات القطاع الخاص أو القطاع العام؛ فانتهجت مدينة نزوى وغيرها من المدن والولايات العمانية توجها غيّر من قواعد العمل المألوفة؛ إذ نجد نشاطا في سوق العمل بمختلف مجالاته يدب في هذه الولايات ويتحرك بسواعد أبنائها الذين يقتنصون الفرص التي يمكن تسخيرها في تحقيق التنمية الاقتصادية واستدامتها؛ فنجد نموا صاعدا في قطاع السياحة الذي لم يعد حكرا على القوى العاملة الأجنبية بل نرى لهذا القطاع شركات أهلية تُعنى بجذب الشباب العُماني الباحث عن العمل؛ فتجعل منه شريكا يساهم بخبرته وعلمه ويستفيد من الناتج بشكل مجزٍ؛ فيعيد تشكيل خبراته التي يمكن أن تلهمه إلى توسيع دائرة العمل وتطويره، وكذلك يمكن لهذه الشركات الأهلية المساهمة في التنمية المجتمعية التي يمكنها أن تمنح الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للجميع.

في جانب آخر فإن تعويلنا على دور الوعي المجتمعي لفلسفة العمل -الذي أمكن أن نرى نتائجه في بعض الولايات العمانية ومدنها- لا ينبغي أن نجعله بديلا يمنع حق مشاركة الكوادر العمانية في سوق العمل العام والخاص الذي سقنا بعض مسببات ركوده التي يمكن أن تعالج بقرارات تعيد النظر في قوانين العمل منها رفع الحد الأدنى للأجور، ورفع نسبة التعمين للوظائف بجميع مستوياتها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة -وفي هذا المفصل لا ننكر الحراك الذي تبذله الحكومة عبر تحديثها المستمر لنسب التعمين ورفعها وفقا للتخصصات التي يمكن للكوادر العمانية أن تتولى تنفيذها-، ورفع معدلات الأمان الوظيفي -الذي أيضا نرى تحسّنه وفقا لمستجدات قانون العمل والحماية الاجتماعية-، وينبغي أن يصاحب أيّ مستجدات في هذه القوانين متابعة حثيثة ودقيقة يمكن بواسطتها تحقيق أقصى تنفيذ ممكن لهذه القوانين.

من منظور آخر يخص حركة العمل واستدامته لابد أن نلتفت في قراءتنا الحالية إلى منظومة التقويم الوظيفي وأدواتها المستعملة التي تتفاوت في آليتها وقياساتها وأدواتها من قطاع إلى آخر، إلا أننا في هذا المقال المعني بقضايا العمل نركّز على المنظومة الحالية المعتمدة في القطاع العام المدني التي يراها كثيرٌ من العاملين في القطاع العام بأنها منظومة بحاجة إلى مراجعة شاملة تعيد آلية تقويم الأداء الوظيفي بشكل مرضٍ وعادل للجميع مما يقلل من ظاهرة الإحباط وعدم المبالاة وضعف الأداء، وفي هذا الشأن من الممكن أن ندخل الذكاء الاصطناعي ونماذجه للمساعدة سواء في تحليل كفاءة هذه المنظومة وتحديد نقاط ضعفها أو في إعادة بنائها وتشغيلها. كذلك قانون العمل الذي ارتبط به نظام التقاعد الجديد بحاجة إلى إعادة النظر في مفاصله الكثيرة التي تخص الحاضر والمستقبل وتخص الزوايا المتعلقة بالأداء الوظيفي والاجتماعي والأسري والنفسي؛ فهذه زوايا من السهل أن تجتمع في تشكيل مجتمع منهك لا يرى وضوحا لمستقبله الذي يستحق أن يكون في صورة أكثر مرونة من حيثُ الميولات الشخصيّة ورغباتها، وتمنح فرص استئناف الحياة بصور أخرى؛ فتسمح لكوادر وطنية أخرى أن تكمل مسيرة العمل دون تأخير يسرق سنوات العمر من الجيلين السابق والجديد.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • حزب الله: استهدفنا مقر قيادة الفرقة 91 الإسرائيلية في ثكنة إييليت
  • مركز سلمان للإغاثة: الاحتلال الإسرائيلي يرتكب أكبر جريمة ضد الإنسانية في غزة
  • النفايات والمياه العادمة .. كارثة صحية تعمق معاناة غزة / شاهد
  • حركة فتح: إسرائيل تريد القضاء على أي أفق لإقامة الدولة الفلسطينية
  • حركة "فتح": إسرائيل تريد القضاء على أي أفق لإقامة الدولة الفلسطينية
  • اتحاد الصناعات: الحكومة السابقة بذلت جهودا في مناخ صعب ومشكلات كثيرة
  • التنسيقية في أسبوع.. رسائل للحكومة الجديدة ومناقشات حول مواجهة "انقطاع الكهرباء" و"محو الأمية المالية"
  • قراءة في قضايا العمل وقوانينه
  • الحكيم في خطاب عاشوراء رسائل في بريد النظام السياسي
  • "الشعبية": الشعب الفلسطيني هو من سيقرر مستقبل القطاع أو شكل الحكم فيه