الجيش المصرى على مدار تاريخه جزء لا يتجزأ من شعب مصر العظيم، وإن من أسباب قوة هذا الجيش أنه لم يعتمد يومًا على المرتزقة الأجانب وإنما اعتمد على المصريين أبناء الأرض الطيبة.
وعلى مر العصور.. حظى الجيش المصرى بمكانة عظيمة واحترام شعبى ودولى لتاريخه العريق ودوره الوطنى داخليًا وإقليميًا بل وعالميًا، ولم يكن الجيش المصرى يومًا مجرد أداه للحروب بل كانت المؤسسة العسكرية نواة للتنمية الشاملة وقاطرة التحديث بالمجتمع والبوتقة التى تنصهر بها كل الخلافات محققة الاندماج الوطنى واليد المصرية القوية.
إن القوات المسلحة المصرية، من أعرق المؤسسات على مر التاريخ، ولا يخفى على أحد دور الجيش المصرى منذ عهد الفراعنة، حتى تأسيسه فى الدولة الحديثة على يد محمد على باشا، ليصبح وقتها حتى الآن أقوى الجيوش فى المنطقة، ومشاركًا أساسيًا فى تحديد مستقبل شعبه وشعوب المنطقة، ليثبت أنه وبحق خير أجناد الأرض.
يعد الجيش المصرى من أقدم الجيوش النظامية فى العالم حيث تأسس قبل أكثر من 5200 عام، وكان ذلك بعد توحيد الملك نارمر لمصر حوالى عام 3200، قبل ذلك العام كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه، ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر.
واكتسب الجيش المصرى على مدار تاريخه قدرات هائلة على الصمود والنهوض مجددًا بعد كل كبوة، ولا أدل على ذلك ما حدث فى 5 يونيو 1967 وهزيمته فى معركة لم تتح له فيها فرصة للقتال الحقيقى.. وكان للميراث التاريخى دور فى صمود جيش مصر، وظهر معدن المقاتل المصرى بعد أيام قليلة من النكسة وبالتحديد فى أول يوليو 1967، كما ظهر فى ملحمة «رأس العش» وتدمير المدمرة «إيلات» قبالة سواحل بورسعيد باستخدام لنشات الصواريخ لأول مرة فى التاريخ العسكرى البحرى، وملحمة بناء حائط الصواريخ بأيدى المصريين مدنيين، وعسكريين، عمال ومهندسين، وفنيين وفلاحين، ومهدت حرب الاستنزاف الطريق لجيش مصر لخوض أعظم معاركه فى التاريخ الحديث معركة العبور العظيم يوم السادس من أكتوبر 1973 والتغلب على أكبر مانع مائى فى تاريخ الحروب وتحطيم خط بارليف الحصين الذى وصف بأنه أقوى من خط «ماجينو».
وأثبتت حرب أكتوبر عظمة شعب مصر والتحامه التام مع قواته المسلحة فقدم أولاده فداء لمصر ولا أدل على ذلك من أنه لا تخلو قرية مصرية فى طول البلاد وعرضها من مدرسة تحمل اسم الشهداء، وبرهنت حرب أكتوبر على تحضر شعب مصر إذ لم تسجل محاضر الشرطة جريمة واحدة طوال أيام الحرب التى جمعت الكل على قلب رجل واحد من أجل مصر، ومع تزايد الأخطار حول مصر بدرجة غير مسبوقة وتعدد التهديدات المحيطة بها.. ومع ظهور أجيال الحرب الجديدة تحتم الحصول على مصادر قوة تواكب أحدث ما فى العصر من تطور لنوعيات التسليح لمواجهة التحديات.
لذا شهدت قواتنا المسلحة فى الآونة الأخيرة طفرة نوعية وكمية هائلة فى مجال التسليح غير مسبوقة فى تاريخ الحديث، ولأول مرة منذ إعادة بناء القوات المسلحة بعد 1967 نجحت القيادة المصرية فى تحقيق قفزات واسعة الخطى فى أسلحة كافة الأفرع الرئيسية ووضعتها فى مصاف الجيوش الرائدة.
نجحت مصر فى عقد صفقات سلاح مهمة وفاعلة مع عدة دول من الشرق والغرب، هذه الصفقات تنقل مصر إلى مرتبة لا تتفوق عليها فى قائمتها إلا الدول العظمى، وبهذه الصفقات تصبح مصر القوة الضاربة بحريًا فى الشرق الأوسط، وتصبح سماؤها مؤمنة تمامًا وتستعيد القوات المسلحة المصرية ريادة مستحقة بما تمتلكه من قيادات مؤهلة ومستويات متفوقة فى العالم مع هذا المستوى المتنامى من التسليح الأحداث عالميًا.
إن امتلاك الدولة السلاح القوى الرادع مع تنوع مصادره يجعل من الموقف المصرى فى غاية القوة فلا يمكن أن ترضخ لأى ضغوط كانت فى حال عدم اعتمادها على مصدر واحد فى التسليح.
إن القدرة العسكرية المصرية العالية جعلت أكبر دول العالم وأقواها عسكريًا تطلب تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات المصرية، وهو ما يثبت قدرة وكفاءة القوات المصرية والسلاح المتطور الذى تمتلكه مصر، وقدرة الأفراد على استيعاب التكنولوجيا الحديثة فى مجالات التسلح باختلاف أنواعها، واستيعاب المدارس المختلفة فى التدريبات.
للذى لا يعرف: إنهم رجال قواتنا المسلحة المصرية الباسلة الذين عانقوا بهاماتهم الشامخة قمم المجد، زرعوا فى تراب الوطن الغالى أزهار الحرية التى يفوح منها عبق الشهادة وعطر الانتصار وسطروا فى كتب التاريخ صفحات مشرفة تقود الأجيال إلى درب البطولة والتضحية والفداء ليسيروا عليها بخطى ثابتة نحو تحقيق النصر والتحرير.
هذه رسالة تحمل تحية تقدير وإعزاز إلى رجال القوات المسلحة المصرية المخلصين الأوفياء الذين كانوا وما زالوا متحملين مسئوليتهم الوطنية تجاه شعب مصر العظيم بكل عزيمة وإصرار وفخر، جيش الحرب وجيش السلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجيش المصرى الجيش شعب مصر العظيم المصرية القوية المسلحة المصریة القوات المسلحة الجیش المصرى شعب مصر
إقرأ أيضاً:
من “التجديد” إلى التحديث
بقلم : أحمد عصيد
لـ”التجديد” معنى وللتحديث معنى آخر، إذ لكل من المفهومين سياق نشأة وتطور، كما يرتبط بمنظومة ثقافية وبنسق مفاهيمي وفكري خاص.
يستعمل مفهوم “التجديد” في الفكر الإسلامي انطلاقا من الخبر المشهور المنسوب إلى النبي محمد:” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها “، وبغض النظر عن الدلالة السياسية الواضحة لهذا الحديث، الذي وُضع أساسا بعد وفاة الرسول لشرعنة الحركات الدينية المعارضة، خاصة في العهد الأموي وما بعده بقليل في العصر العباسي الأول، إلا أنه على المستوى الفكري فُهم على أنه بعد كل مرحلة طويلة من التحولات المتلاحقة التي يعرفها المجتمع الإسلامي، “يزيغ” الناس عن “النموذج الأصلي” للتدين لفرط ما يطرأ على حياتهم من تغيرات و”بدع” محدثة، اعتبرها الفقهاء “ضلالات”، إذ كلما بعدت المسافة بين المسلمين وفترة النبوة والتنزيل كلما كانوا أبعد عن النبع الأصلي وأقل فهما للدين وأقل اكتراثا بتعاليمه بسبب مغريات الحياة المادية وجاذبية المنافع الدنيوية، وبسبب “ضرورات الوقت” التي تفرض على الناس الانصياع لأوضاع جديدة غير مسبوقة في حياتهم. وقد حتّم هذا الوضع ظهور المصلحين والدعاة المجددين الذين صارت مهمتهم في كل مرحلة إعادة الناس إلى “صحيح الدين” ونفض غيار البدع عن النبع الأصلي، وهكذا صار على المسلمين أن “يعودوا” إلى نماذج السلوك والوعي النمطية التي اختطت منذ البداية، بداية الدعوة النبوية، ويتخلوا عن كثير مما اكتسبوه وانضاف إلى فطرتهم الإيمانية الأولى التي تجعلهم مسلمين منذ الولادة (كل مولود يولد على الفطرة).
وعلاوة على ما في هذا التصور من نزوع مثالي، حيث لا تعدو أن تكون صورة البدايات والصفاء الأول صورة متخيلة مبنية على عناصر منتقاة بعناية، فإن الملفت للانتباه هو أثر هذا الفهم “السلفي” للحديث المذكور على الفكر والحضارة الإسلاميين، فقد أصبح للزمن في الوعي الإسلامي شكل دائري ينتهي حيث يبدأ، ويبدأ حيث ينتهي، ليشبه بذلك الثعبان الذي يعضّ ذنبه، ويقصي معاني الصيرورة والتراكم الكمي المفضي إلى انتقال نوعي يجسده التطور والترقي في مدارج الحضارة، والمانع من ذلك التطور والصيرورة هو اعتبار النبع الأصلي ممثلا لأقصى درجات الكمال والرقي، التي لم تعد تمثل الماضي فقط، بل ما ينبغي أن يكون مستقبلا أيضا، لكنه مستقبل معلوم وليس مجهولا، ولا يتحقق عبر الاكتشاف والمعرفة، بل عبر استعادة وتملك النص المقدّس، الذي يتضمن الأجوبة على كل الأسئلة، لأن كل ما يمكن أن يقال قد قيل، والحقيقة محدّدة سلفا وبشكل نهائي ومُحكم.
أدى مفهوم التجديد عكس ما يُتصور إلى “انحباس حضاري” دخل معه المسلمون رويدا في عصر ظلمات طويل بعد نهضة نسبية لم تعمر طويلا، كما يفسر ذلك كيف هيمنت النزعة السلفية على الفقه الإسلامي عبر العصور، فانتقل من تأسيس المذاهب الفقهية الكبرى إلى إنتاج الشروح والحواشي والمتون التي تدور في فلك ما أنتجه السابقون.
هكذا انبنى صرح الفكر الإسلامي بكل مكوناته على أساس منهجي يعتبر العودة إلى الأصول والقياس عليها (قياس الغائب على الشاهد)، وإرجاع “الفرع” أو “النازلة” إلى “الأصل” الذي تقاس عليه، بغرض الحكم فيها بالتحليل أو التحريم، فنشأ علم أصول الفقه الذي فتح الباب أمام “الاجتهاد” المحكوم بـ”ضوابط” تجعله على الدوام مرتبطا بالأصل، وسرعان ما تحولت قواعد علم الأصول إلى قوالب جاهزة ومحنطة جعلت الفقهاء ينتهون دائما إلى نفس النتائج السابقة، فقالوا “لا اجتهاد مع وجود نص”، وقالوا أيضا “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، وواجهوا كل اجتهاد خارج الضوابط بعبارة “رأي شاذ خارج عن إجماع علماء الأمة”، مما جعل الواقع المتحرك محاصرا من طرف الفقه الجامد، الذي حول النص الثابت إلى إطار يتم عبره تحجيم حركية الواقع وديناميته، وأوقع بالتالي المجتمع الإسلامي في التخلف والركود على مدى قرون طويلة.
أما مفهوم التحديث فهو من “الحداثة”، الكلمة التي تضم في ثناياها معنى التعارض مع كل ما هو قديم أو جامد، وهي بذلك ترمز إلى المعاني النسبية للتغيير والتجاوز، سواء عبر القطيعة النسبية، أو عبر استيعاب الماضي من خلال نقده في سياق معرفي جديد هو سياق الحاضر الذي يحكمه منطق التطور والرهانات المستقبلية.
إن الفرق بين “التجديد” والتحديث إذن إنما يتمثل في أن الأول اشتغال من داخل المنظومة التقليدية مع مراعاة تامة لمنطقها الداخلي، القائم على ترسانة من المفاهيم والقواعد والمناهج المتوارثة، بينما التحديث هو اشتغال من منطلق الواقع المتغير ذي الأسبقية الحاسمة، ومن الرصيد المعرفي والعلمي الجديد الذي تأسس في الأزمنة الحديثة.
هكذا يعتبر التحديث تغييرا للمنطق الداخلي لمنظومة الفكر والسلوك، اعتمادا على تطور التجربة الإنسانية، وعلى الوعي النقدي الذي يضع أدوات الفكر ومناهجه ومفاهيمه موضع مراجعة دائمة لا تتوقف.