لجريدة عمان:
2024-11-26@23:46:49 GMT

جنـــــــــــــون !

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

لقد انتهى الاحتلال الأجنبي من كل دول العالم، لم تبق إلا فلسطين، التي راحت ضحية الحكام العرب منذ عام ١٩٤٨، وما أعقبها من فرص ضائعة، إلى أن انتهى الأمر بالقضية إلى المصير الذي نتابعه لحظة بلحظة، وقد اختُزل في الحرب على غزة، التي راحت تدفع الثمن من استشهاد أبنائها وهدم منازلها ومرافقها وتشريد سكانها، تحت نظر العالم المتحضر، الذي رأى المقتول قاتلًا، والمظلوم ظالمًا، وهو أمر لا نظير له في تاريخ البشرية، ورغم ما آلت إليه القضية، بعد أن اكتفينا بالخطب العصماء والغناء (أمجاد يا عرب أمجاد)، ورغم المظاهرات الأخيرة التي ملأت شوارع مدننا العربية، والكثير من ميادين العالم – إلا أن القضية لا تزال معلقة، وأهل غزة يموتون تحت وابل من النيران الإسرائيلية، ولم نشهد حتى كتابة هذا المقال موقفًا ينبئ بانفراجة في المشهد المأساوي.

إذا كان ثمة ما يستحق الكتابة بشأن المشاهد التي أرهقت كل أصحاب الضمائر الحية في العالم، إلا أن أمورًا كثيرة تستحق التنويه، وجميعها تبدأ من البيت الفلسطيني، الذي لم يكن موحدًا في أي وقت، لكن الجديد هذه المرة، والخطير أيضا، هو انقسام الفلسطينيين داخل الأرض الفلسطينية، بعد أن كانوا منقسمين في دول الشتات، وقد اكتفى زعماؤهم بالغنائم التي حصدوها. حكومتان إحداهما في رام الله، والثانية في قطاع غزة، وقد بُذلت محاولات لجمعهما في جبهة واحدة إلا أنه من المُلاحظ أن القضية في القطاع قد اختطفها فريق بذاته، وأحالوها إلى دين بدلًا من كونها قضية سياسية، وبدلًا من أن يفكروا بمنطق الساسة، راحوا يسترجعون من التاريخ حلولًا من أزمان غير أزمانهم، بعد أن راحوا يتعاملون على أنهم حكام وليسوا فصيلًا سياسيًا، لهم حكوماتهم، وميزانياتهم، وعلاقاتهم الخارجية، وهي سياسة باعدت بينهم وبين الحكومة الأخرى في الضفة، التي يترأسها محمود عباس (أبو مازن).

الخطير في الحالة الفلسطينية، تلك العلاقات المعقدة بين السلطة الفلسطينية في رام الله، والسلطة الأخرى في غزة، التي تسيطر عليها جماعة حماس. ومن المؤكد أن الرؤيتين لا تتفقان مع بعضهما أبدا، فبينما حماس ترى حل القضية على أساس ديني، ولا تعترف بأية حلول سياسية من جانب السلطة في رام الله، رغم أن أية حلول منطقية بالضرورة هي حلول دينية (يكمن شرع الله حيث تكمن مصالح الناس)، وبما أننا لسنا بمفردنا في العالم، ومن غير المنطقي أن نقدم خطابًا أيدلوجيا ذا طابع ديني، وهو أمر لم يعد مقبولًا من العالم الذي يملك مقاليد أمورنا، رضينا أم لم نرض، لذا فان الخلاف الفلسطيني الفلسطيني أمر معقد للغاية، والرؤى متباعدة جدا بين الطرفين، وعلينا أن نعترف بصراحة بأن كثيرًا من سياسات الطرفين قد اختُطفت من بعض الدول العربية، وهو ما يزيد المشهد تعقيدًا وبؤسًا.

إذا كان الإخوة أصحاب القضية لم يستفيدوا من الفرص التي بددوها، إلا أن ما يحدث الآن في قطاع غزة قد أعاد القضية الفلسطينية على رأس المشهد السياسي في العالم، لدرجة أنها طغت على الصراع الروسي الأوكراني، لذا فهل نستفيد من التجارب الفاشلة التي آلت بالقضية الفلسطينية إلى هذا المشهد البائس؟ وهل ما يحدث للفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو الضفة من عمليات غير آدمية لا مثيل لها إلا ما حدث للأرمن والغجر واليابان (هيروشيما وناجازاكي) في الحرب العالمية الثانية.

إذا كان ثمة حلول متاحة ناجمة عن الأحداث التي تجري في غزة، التي زادت التصريحات بشأنها في الآونة الأخيرة من بعض زعماء العالم، والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، فهل يمكن للإخوة في غزة ورام الله أن يجلسوا فيما بينهم لحسم الصراع، وتوحيد الصفوف، والإعداد لتقديم رؤية موحدة تمثل كل الفلسطينيين؟ وهل يمكن للعقلاء من حكامنا العرب، وخصوصًا من الدول ذات الاقتصاد الكبير أن تدفع بثقلها بحكم أن العالم الجديد يحكمه الاقتصاد لمساعدة الفلسطينيين لكي يصلوا إلى اتفاق فيما بينهم؟

انكشفت المؤامرة التي كانت تحاك لمصير الفلسطينيين، التي كادت أن تدفع بالقضية إلى نهايتها، بعد أن تبين طبيعة ما كانوا يسمونه بـ(الشرق الأوسط الجديد)، وهو الدفع بالفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، ليقيموا وطنًا بديلًا لهم، وقد تبين أن السيناريو كان معدًا منذ حكم الرئيس باراك أوباما، وأوشك إلى أن يتحقق على أرض الواقع ويتحول إلى حقيقة ابتداء من فترة حكم جماعة الإخوان في مصر، وصولًا إلى ما يحدث الآن في غزة من الدفع بالفلسطينيين، بعد أن تهدمت منازلهم واستهدفت مستشفياتهم، والدفع بهم إلى جنوب قطاع غزة في اتجاه رفح، للضغط على الحكومة المصرية لتنفيذ السيناريو المطلوب. ولم يسأل هؤلاء المتآمرون الذين ينادون بالديموقراطية وحقوق الانسان، أن من حق المظلوم أن يدافع عن ظلمه، ألم يكن من حقوق الإنسان في أدبيات مجلس الأمن هو حق الناس في التمسك بأرضهم ومنازلهم وبذكرياتهم، حتى ولو كانت ذكريات «بائسة»؟

لقد تبين من سياسات أمريكا ومن ورائها بعض الدول الأوروبية، إنهم وراء كل مآسي العالم، وأنهم وراء الدول المستقوية بصرف النظر عن حقوق المستضعفين في أي بقعة من العالم. الفكرة التي أشار إليها رئيس وزراء إسرائيل (نتانياهو) في تصريحاته الأخيرة أكثر من مرة، تستهدف الدفع بالمنطقة إلى سياسات جديدة، قوامها إسرائيل وبعض أصدقائها من العرب، لكي تكون إسرائيل هي المهيمن على الشرق الأوسط، لسبب لا يتجرأ البعض على البوح به، وهو الخوف والهلع من قوى إقليمية بذاتها، معروف عنها العداء لإسرائيل، بعد أن امتلكت لها أذرعًا في عدة عواصم عربية.

إذا كان العرب يبحثون عن طريق للتخلص من القضية الفلسطينية، التي أصبحت عبئا عليهم، فعليهم أن يعودوا إلى أصحابها الحقيقيين للوقوف على رأيهم.

الفلسطينيون، بما فيهم المقيمون في بلاد المنافي والبلاد العربية ما يزالون يحملون في سترات ملابسهم مفاتيح منازلهم التي طردوا منها عام ١٩٤٨، على أمل العودة إلى فلسطين، ولعل ما حدث في السابع من أكتوبر قد ضاعف من حلمهم بالعودة، التي قد تكون قريبة جدًا.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قطاع غزة إذا کان بعد أن إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

العالم إلى أين؟.. أمريكا تكشف لأول مرة نوع الصواريخ التي سمحت لأوكرانيا استخدامها لضرب العمق الروسي

العالم إلى أين؟.. أمريكا تكشف لأول مرة نوع الصواريخ التي سمحت لأوكرانيا استخدامها لضرب العمق الروسي

مقالات مشابهة

  • تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
  • العالم إلى أين؟.. أمريكا تكشف لأول مرة نوع الصواريخ التي سمحت لأوكرانيا استخدامها لضرب العمق الروسي
  • مجلس الأمن يعقد اليوم جلسة حول القضية الفلسطينية
  • اللواء سمير فرج في حواره مع «الأسبوع»: السيسي أخرجنا من العباءة الأمريكية.. وموقف مصر من القضية الفلسطينية «مشرف»
  • عدد جديد من «بانيبال» يسلط الضوء على «القضية الفلسطينية في قلب الأدب»
  • اليوم.. مجلس الأمن يعقد جلسة حول القضية الفلسطينية
  • حزب الغد: مواقف مصر تجاه القضية الفلسطينية ثابتة رغم محاولات التشكيك
  • جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية
  • أستاذ علوم سياسية: غزة تشهد «محرقة يومية» لتصفية القضية الفلسطينية
  • وزير الخارجية المصري يؤكد رفض القاهرة لأي مساع لتصفية القضية الفلسطينية