لجريدة عمان:
2024-11-07@23:41:48 GMT

جنـــــــــــــون !

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

لقد انتهى الاحتلال الأجنبي من كل دول العالم، لم تبق إلا فلسطين، التي راحت ضحية الحكام العرب منذ عام ١٩٤٨، وما أعقبها من فرص ضائعة، إلى أن انتهى الأمر بالقضية إلى المصير الذي نتابعه لحظة بلحظة، وقد اختُزل في الحرب على غزة، التي راحت تدفع الثمن من استشهاد أبنائها وهدم منازلها ومرافقها وتشريد سكانها، تحت نظر العالم المتحضر، الذي رأى المقتول قاتلًا، والمظلوم ظالمًا، وهو أمر لا نظير له في تاريخ البشرية، ورغم ما آلت إليه القضية، بعد أن اكتفينا بالخطب العصماء والغناء (أمجاد يا عرب أمجاد)، ورغم المظاهرات الأخيرة التي ملأت شوارع مدننا العربية، والكثير من ميادين العالم – إلا أن القضية لا تزال معلقة، وأهل غزة يموتون تحت وابل من النيران الإسرائيلية، ولم نشهد حتى كتابة هذا المقال موقفًا ينبئ بانفراجة في المشهد المأساوي.

إذا كان ثمة ما يستحق الكتابة بشأن المشاهد التي أرهقت كل أصحاب الضمائر الحية في العالم، إلا أن أمورًا كثيرة تستحق التنويه، وجميعها تبدأ من البيت الفلسطيني، الذي لم يكن موحدًا في أي وقت، لكن الجديد هذه المرة، والخطير أيضا، هو انقسام الفلسطينيين داخل الأرض الفلسطينية، بعد أن كانوا منقسمين في دول الشتات، وقد اكتفى زعماؤهم بالغنائم التي حصدوها. حكومتان إحداهما في رام الله، والثانية في قطاع غزة، وقد بُذلت محاولات لجمعهما في جبهة واحدة إلا أنه من المُلاحظ أن القضية في القطاع قد اختطفها فريق بذاته، وأحالوها إلى دين بدلًا من كونها قضية سياسية، وبدلًا من أن يفكروا بمنطق الساسة، راحوا يسترجعون من التاريخ حلولًا من أزمان غير أزمانهم، بعد أن راحوا يتعاملون على أنهم حكام وليسوا فصيلًا سياسيًا، لهم حكوماتهم، وميزانياتهم، وعلاقاتهم الخارجية، وهي سياسة باعدت بينهم وبين الحكومة الأخرى في الضفة، التي يترأسها محمود عباس (أبو مازن).

الخطير في الحالة الفلسطينية، تلك العلاقات المعقدة بين السلطة الفلسطينية في رام الله، والسلطة الأخرى في غزة، التي تسيطر عليها جماعة حماس. ومن المؤكد أن الرؤيتين لا تتفقان مع بعضهما أبدا، فبينما حماس ترى حل القضية على أساس ديني، ولا تعترف بأية حلول سياسية من جانب السلطة في رام الله، رغم أن أية حلول منطقية بالضرورة هي حلول دينية (يكمن شرع الله حيث تكمن مصالح الناس)، وبما أننا لسنا بمفردنا في العالم، ومن غير المنطقي أن نقدم خطابًا أيدلوجيا ذا طابع ديني، وهو أمر لم يعد مقبولًا من العالم الذي يملك مقاليد أمورنا، رضينا أم لم نرض، لذا فان الخلاف الفلسطيني الفلسطيني أمر معقد للغاية، والرؤى متباعدة جدا بين الطرفين، وعلينا أن نعترف بصراحة بأن كثيرًا من سياسات الطرفين قد اختُطفت من بعض الدول العربية، وهو ما يزيد المشهد تعقيدًا وبؤسًا.

إذا كان الإخوة أصحاب القضية لم يستفيدوا من الفرص التي بددوها، إلا أن ما يحدث الآن في قطاع غزة قد أعاد القضية الفلسطينية على رأس المشهد السياسي في العالم، لدرجة أنها طغت على الصراع الروسي الأوكراني، لذا فهل نستفيد من التجارب الفاشلة التي آلت بالقضية الفلسطينية إلى هذا المشهد البائس؟ وهل ما يحدث للفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو الضفة من عمليات غير آدمية لا مثيل لها إلا ما حدث للأرمن والغجر واليابان (هيروشيما وناجازاكي) في الحرب العالمية الثانية.

إذا كان ثمة حلول متاحة ناجمة عن الأحداث التي تجري في غزة، التي زادت التصريحات بشأنها في الآونة الأخيرة من بعض زعماء العالم، والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، فهل يمكن للإخوة في غزة ورام الله أن يجلسوا فيما بينهم لحسم الصراع، وتوحيد الصفوف، والإعداد لتقديم رؤية موحدة تمثل كل الفلسطينيين؟ وهل يمكن للعقلاء من حكامنا العرب، وخصوصًا من الدول ذات الاقتصاد الكبير أن تدفع بثقلها بحكم أن العالم الجديد يحكمه الاقتصاد لمساعدة الفلسطينيين لكي يصلوا إلى اتفاق فيما بينهم؟

انكشفت المؤامرة التي كانت تحاك لمصير الفلسطينيين، التي كادت أن تدفع بالقضية إلى نهايتها، بعد أن تبين طبيعة ما كانوا يسمونه بـ(الشرق الأوسط الجديد)، وهو الدفع بالفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، ليقيموا وطنًا بديلًا لهم، وقد تبين أن السيناريو كان معدًا منذ حكم الرئيس باراك أوباما، وأوشك إلى أن يتحقق على أرض الواقع ويتحول إلى حقيقة ابتداء من فترة حكم جماعة الإخوان في مصر، وصولًا إلى ما يحدث الآن في غزة من الدفع بالفلسطينيين، بعد أن تهدمت منازلهم واستهدفت مستشفياتهم، والدفع بهم إلى جنوب قطاع غزة في اتجاه رفح، للضغط على الحكومة المصرية لتنفيذ السيناريو المطلوب. ولم يسأل هؤلاء المتآمرون الذين ينادون بالديموقراطية وحقوق الانسان، أن من حق المظلوم أن يدافع عن ظلمه، ألم يكن من حقوق الإنسان في أدبيات مجلس الأمن هو حق الناس في التمسك بأرضهم ومنازلهم وبذكرياتهم، حتى ولو كانت ذكريات «بائسة»؟

لقد تبين من سياسات أمريكا ومن ورائها بعض الدول الأوروبية، إنهم وراء كل مآسي العالم، وأنهم وراء الدول المستقوية بصرف النظر عن حقوق المستضعفين في أي بقعة من العالم. الفكرة التي أشار إليها رئيس وزراء إسرائيل (نتانياهو) في تصريحاته الأخيرة أكثر من مرة، تستهدف الدفع بالمنطقة إلى سياسات جديدة، قوامها إسرائيل وبعض أصدقائها من العرب، لكي تكون إسرائيل هي المهيمن على الشرق الأوسط، لسبب لا يتجرأ البعض على البوح به، وهو الخوف والهلع من قوى إقليمية بذاتها، معروف عنها العداء لإسرائيل، بعد أن امتلكت لها أذرعًا في عدة عواصم عربية.

إذا كان العرب يبحثون عن طريق للتخلص من القضية الفلسطينية، التي أصبحت عبئا عليهم، فعليهم أن يعودوا إلى أصحابها الحقيقيين للوقوف على رأيهم.

الفلسطينيون، بما فيهم المقيمون في بلاد المنافي والبلاد العربية ما يزالون يحملون في سترات ملابسهم مفاتيح منازلهم التي طردوا منها عام ١٩٤٨، على أمل العودة إلى فلسطين، ولعل ما حدث في السابع من أكتوبر قد ضاعف من حلمهم بالعودة، التي قد تكون قريبة جدًا.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قطاع غزة إذا کان بعد أن إلا أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

أستاذة علوم سياسية: مصر تتحمل عبء القضية الفلسطينية ومُستعدة للتعامل مع أي إدارة أمريكية|فيديو

قالت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية، إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقام بتوجيه جزء من المعونة العسكرية الخاصة بمصر إلى دولة أخرى، بقرار شخصي، وليس من الكونجرس مثلما كان معتادًا. 

محلل سياسي: مؤشرات الانتخابات الأمريكية لا يمكن التنبؤ بها حتى الآن ترامب: أدعو الأمريكيين إلى التصويت من أجل "أمريكا عظيمة"


وتابعت "بكر"، خلال حوارها مع الإعلامي نشأت الديهي، ببرنامج "المشهد"، المذاع على فضائية "ten"، مساء الثلاثاء، أن استراتيجية الولايات المتحدة واضحة وصريحة، ولكن الذي يختلف من إدارة أمريكية لأخرى هو طريقة التنفيذ، مشيرًا إلى أن مصر مُستعدة للتعامل مع أي إدارة أمريكية جديدة.


وأشار إلى أن الرئاسة المصرية تتحمل عبء القضية الفلسطينية، ومن الضروري أن تكون هناك وحدة فلسطينية لمساعدة مصر في التعامل مع هذا الملف.

مقالات مشابهة

  • داليا أبو عميرة: الكنيست أصدر سلسلة قوانين لتصفية القضية الفلسطينية
  • الحوثي: ترامب سيفشل في إنهاء القضية الفلسطينية
  • تأثير فوز ترامب على القضية الفلسطينية والعلاقات العربية
  • ما مستقبل القضية الفلسطينية بعد فوز ترامب؟
  • الرئيس السيسي: مصر تعتبر القضية الفلسطينية صلب قضايا المنطقة
  • السيسي: مصر تعتبر القضية الفلسطينية هي صلب قضايا المنطقة
  • الرئيس السيسي: القضية الفلسطينية صلب قضايا المنطقة
  • المطران عطا الله حنا: لن تتمكن أي قوة غاشمة من تصفية القضية الفلسطينية
  • أستاذة علوم سياسية: مصر تتحمل عبء القضية الفلسطينية ومُستعدة للتعامل مع أي إدارة أمريكية|فيديو
  • علي فوزي يكتب: القضية الفلسطينية بين المطرقة والسندان