ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

إن القلق الرئيسي الذي يشغل الحكومات الغربية مع دخول الحرب المميتة بين إسرائيل وحماس أسبوعها الثالث ليس محنة الفلسطينيين في غزة، بل احتمال نشوب صراع سريع الانتشار بين القوات الإسرائيلية والأمريكية من جهة، وإيران والأذرع التابعة لها من جهة أخرى، وذلك بسبب الإشارات الحالية التي تشير إلى تدهور سريع، وفي كل هذه الأحداث فإنّ إيران تملك المفتاح.

إن هاتين القضيتين مترابطتان بشكل وثيق، فقد أخبر القادة العرب (أنتوني بلينكن)، وزير الخارجية الأمريكي الزائر، أنه ما لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية التي تتسبب في خسائر بشرية كبيرة على غزة، فإن الحرب قد تتصاعد بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وحذر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من أنه “إذا لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية، فإن أيدي جميع الأطراف في المنطقة ممسكة بالزناد».

لكنّ المؤكد أن إسرائيل لن يوقفها أحد، فالهجوم البري واسع النطاق وشديد الخطورة على شمال غزة أصبح وشيكاً، بالرغم من أن معظم القادة الغربيين يتمنون عدم وقوعه، حتى إنّ (جيمس كليفرلي)، وزير خارجية بريطانيا، حث في وقت متأخر على ضبط النفس، إلا أنه وسط الهزات الارتدادية المستمرة منذ زلزال يوم السبت الأسود، يشعر الغرب بعدم قدرتهم على منع الهجوم.

التصعيد يولد التصعيد، وتقول الولايات المتحدة: إن قرارها بنشر مجموعة حاملة طائرات أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط يهدف إلى تعزيز أمن إسرائيل و«ردع أي دولة أو جهة غير حكومية» عن توسيع الصراع. إنّ هذه العبارات الغامضة تخفي قلقًا عالميًّا بشأن احتمال حدوث تصادم مباشر مع إيران.

فإيران هي الطرف الحكومي الذي يتحكم وينسق بين الجهات الفاعلة غير الحكومية، وهي حماس وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة؛ والتنظيمات الأخرى المدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن؛ وأقواهم جميعا، حزب الله في لبنان، وهذه الجماعات يطلق عليها المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اسم «محور المقاومة».

مما لا شك فيه أن إيران تعد الانتشار العسكري الإضافي تصعيدًا أمريكيًا، محذرة تنظيماتها من أن جبهات حرب جديدة قد تنفتح قريباً، وهذا ما يظهر بالفعل، فإسرائيل تتلقى هجمات يومية محدودة من حزب الله عبر الحدود في الشمال، وتحذر تل أبيب من «دمار لبنان» إذا انضمت هذه الجماعة إلى حماس في الحرب.

تعدّ الضفة الغربية نقطة اشتعال محتملة أخرى وسط ارتفاع مستويات العنف في الأسبوع الماضي. وفي تصعيد إضافي، تتهم إسرائيل إيران بنشر أسلحة جديدة في سوريا أو عبرها لإنشاء جبهة ثانية، بينما تزعم سوريا أن إسرائيل قصفت دمشق وحلب الأسبوع الماضي.

ما هي خطة إيران، على افتراض أن لديها واحدة؟ ماذا تريد؟ هذه الأسئلة تحمل مفتاح الحرب، ففي أعقاب يوم 7 أكتوبر مباشرة، سارع المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون إلى القول بأنه لا يوجد دليل، في الوقت الحاضر، يشير إلى تورط إيران المباشر، كان نفيهم لتورط إيران سريعا، ربما لأنهم يريدون تجنب المواجهة الكاملة في هذه الظروف المشحونة للغاية.

أشارت تقارير لاحقة إلى أن مسؤولين إيرانيين كبار كانوا على اتصال وثيق مع حماس في الفترة التي سبقت الهجوم، ويقال إن الجنرال (إسماعيل قاآني)، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المسؤول عن العمليات العسكرية السرية خارج الحدود الإقليمية، التقى مرارًا وتكرارًا بقادة حماس وحزب الله.

وعلى وجه التحديد، هناك مزاعم بأن أعضاء حماس ناقشوا خطتهم للقيام بعمليات توغل جوية وبرية وبحرية متزامنة في جنوب إسرائيل مع ضباط الحرس الثوري الإيراني في بيروت في 2 أكتوبر، قبل خمسة أيام من الهجوم، وحصلوا على الضوء الأخضر لبدء الهجوم، إلا أنّ حماس تصر على أنها تصرفت بمحض إرادتها، بينما رحبت إيران بالهجوم، لكنها نفت تورطها فيه.

طوال «حرب الظل» الطويلة مع إسرائيل، تعودت إيران أن تعمل من مسافة بعيدة، من خلال وكلاء مثل «الحوثيين» في اليمن، ولذلك فمن الصعب جدًا تصديق فكرة أن طهران، التي تمول وتدرب وتسلح حماس، لم تكن على علم بعملية السبت الأسود واسعة النطاق، وأنها لم تشارك في التخطيط لها.

مَثَلُ إيران كمثل رجل متهم بارتكاب جريمة قتل، لديها دافع قوي في توجيه ضربة إلى إسرائيل الآن، فضلاً عن معارضتها وجود الدولة اليهودية من الأساس، خصوصا أن المرشد الأعلى خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يشعران بضعف إسرائيل عندما يشاهدانها ترتعش بسبب سياسات بنيامين نتانياهو اليمينية المتشددة المناهضة للديمقراطية.

من الناحية الاستراتيجية، تنظر إيران إلى انشغال إدارة بايدن بأوكرانيا وميلها نحو آسيا بمثابة فرص. من جهة أخرى، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق، وإعادة تأهيل النظام السوري، أحداث تعزز تصورا مفاده أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها، وتفقد اهتمامها، بالشرق الأوسط.

تظهر النزعة العدائية المتزايدة لدى إيران أيضا من خلال تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، التي أصبحت الآن من كبار عملاء الأسلحة. وفي الوقت نفسه، فإن إحياء اتفاق إيران مع الغرب للحد من الأسلحة النووية قد فقد جاذبيته، حتى لو كان هناك إمكانية للتوصل إليه، فلطالما وقف خامنئي ضد التوصل إلى تسوية نووية، قائلا إن على إيران أن تتجاهل العقوبات الأمريكية، وأن تصبح أكثر اكتفاء ذاتيا، وتنظر شرقا.

استشهد زعيم حماس، إسماعيل هنية، عندما حاول تبرير هجوم 7 أكتوبر، بالتجاوزات الهجومية بالقرب من موقع المسجد الأقصى المبارك في القدس، والعنف المزمن الذي يمارسه المستوطنون اليهود والاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية، وحصار غزة المستمر منذ 16 عاما.

إن زعماء إيران لن يدعموا دعوة هنية إلى الجهاد الدولي وشن حرب أوسع مع الغرب، فالمرشد الأعلى ليس من داعمي الانتفاضات الشعبية خصوصا بعد الاضطرابات الأخيرة في الداخل الإيراني. ومع ذلك فإنّ هناك سببا عاجلا آخر يدعوه للتحرك السريع.

إن الاتجاه نحو تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل يسبب معضلة لطهران، خصوصا الاحتمال -الذي يُعتقد أنه وشيك- للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي سعودي مدعوم بضمانات أمنية أمريكية، الأمر الذي كان سيؤدي إلى عزل طهران سياسيا واقتصاديا، وتقويض أحلامها في الهيمنة الإقليمية.

لقد أدى هجوم 7 أكتوبر إلى إعادة التوازن لصالح طهران، فالرأي العام في العالم العربي غاضب بسبب الأحداث في غزة، وتماشيا مع هذا المزاج العربي العام، قام السعوديون بتعليق الصفقة الإسرائيلية. الجدير بالذكر أن الرئيس إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقدا أول محادثات لهما على الإطلاق الأسبوع الماضي، وهذا التحول يمثل- بلا شك- مكاسب ملموسة لطهران.

تتضافر كل هذه العوامل لتشير إلى أن إيران المتفائلة تشعر بأن الرياح تدعمها الآن، والسؤال المركزي المطروح الآن في هذه الأزمة الكبرى: هل هذه الثقة الجديدة، إلى جانب الاستخفاف الخطير بالعزيمة الإسرائيلية والأمريكية، سوف تحفز طهران على رفع مستوى الرهان بشكل متهور في الأيام المقبلة؟.

إن المواجهة التي تضع إسرائيل والولايات المتحدة مباشرة ضد إيران نادرا ما تقع. وكما يقول نتنياهو باستمرار، هذه مجرد البداية. فالحرب مع حماس قد تكون على وشك أن تصبح عالمية.

سايمون تيسدال معلق في الشؤون الخارجية، وهو كاتب بارز ومحرر في الشؤون الخارجية، ومحرر للشؤون الأمريكية في صحيفة الجارديان.

عن صحيفة الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  

 

 

القدس المحتلة - رحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس بمذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق فيما يتصل بالحرب على غزة.

وقالت السلطة الفلسطينية في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إن "دولة فلسطين ترحب بالقرار" بإصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وقالت المحكمة الجنائية الدولية إنها وجدت "أسبابًا معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت يتحملان "المسؤولية الجنائية" عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، فضلاً عن الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.

وقال البيان الفلسطيني إن "قرار المحكمة الجنائية الدولية يمثل الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته"، وحث الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية على قطع "الاتصالات والاجتماعات" مع نتنياهو وغالانت - الذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر.

ولم يشر البيان الصادر عن السلطة الفلسطينية التي تمارس سيطرة إدارية جزئية على الضفة الغربية المحتلة إلى مذكرة الاعتقال التي صدرت الخميس أيضا بحق القائد العسكري لحركة حماس محمد ضيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقالت إسرائيل إنها قتلت الضيف في غزة في يوليو/تموز، لكن حماس لم تؤكد وفاته.

ولم تذكر المجموعة، في بيانها الخاص بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية، ضيف أيضًا.

وقالت حماس إن مذكرات الاعتقال الصادرة بحق القادة الإسرائيليين "خطوة مهمة نحو العدالة ويمكن أن تؤدي إلى إنصاف الضحايا بشكل عام".

لكن عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم قال إن "الخطوة ستبقى محدودة ورمزية إذا لم تدعمها كل دول العالم بكل الوسائل".

- "مجازر" -

وفي رد على سؤال لوكالة فرانس برس حول مذكرة اعتقال الضيف، قال مسؤول في حماس طلب عدم الكشف عن هويته إنه "لا مقارنة بين المحتل المجرم والضحية".

وأشار الفلسطينيون الذين هجروا من منازلهم في غزة إلى أن أوامر المحكمة الجنائية الدولية لن تحدث أي فرق في معاناتهم.

وقال يوسف أبو هويشل، من داخل ملجأ هش ذو أرضية ترابية في وسط غزة، "من المهم أن نرى شخصا يتحدث عن هذه المجازر والشعب المضطهد"، ولكن "لا تزال هناك الولايات المتحدة" التي تدعم إسرائيل.

وفي المخيم ذاته في الزوايدة، قال حسن حسن إنه متأكد من أن "القرار لن ينفذ لأنه لم يتم تنفيذ أي قرار لصالح القضية الفلسطينية على الإطلاق".

وأسفرت حرب غزة، التي اندلعت ردا على هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن مقتل 1206 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفقا لإحصاءات وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

وتم احتجاز نحو 250 رهينة خلال الهجوم، ولا يزال 97 أسيراً في غزة، بما في ذلك 34 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.

وأسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية الانتقامية عن مقتل 44056 شخصا على الأقل خلال أكثر من 13 شهرا من الحرب، معظمهم من المدنيين، وفقا لأرقام وزارة الصحة في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • مستشار للمرشد الإيراني: نجهز للرد على إسرائيل
  • بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
  • هل العراق مستعد لحرب عالمية ثالثة محتملة؟
  • لابيد: حكومة إسرائيل تطيل أمد الحرب بلا داع وحان وقت التحرك
  • قائد الحرس الثوري الإيراني: قطعاً سننتقم من إسرائيل
  • کبیر مستشاري المرشد الإيراني: للتوصل إلى اتفاق نووي جديد يجب تعويض خسائر إيران
  • الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  
  • مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج النووي الإيراني في عهد ترامب
  • لا إيران تنهي الحزب ولا إسرائيل تنهي الحرب
  • وزير خارجية إيران: المقاومة في لبنان كيان مستقل