هجوم إسرائيل وتدخل إيران: هل ستصبح هذه الحرب عالمية؟
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
إن القلق الرئيسي الذي يشغل الحكومات الغربية مع دخول الحرب المميتة بين إسرائيل وحماس أسبوعها الثالث ليس محنة الفلسطينيين في غزة، بل احتمال نشوب صراع سريع الانتشار بين القوات الإسرائيلية والأمريكية من جهة، وإيران والأذرع التابعة لها من جهة أخرى، وذلك بسبب الإشارات الحالية التي تشير إلى تدهور سريع، وفي كل هذه الأحداث فإنّ إيران تملك المفتاح.
إن هاتين القضيتين مترابطتان بشكل وثيق، فقد أخبر القادة العرب (أنتوني بلينكن)، وزير الخارجية الأمريكي الزائر، أنه ما لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية التي تتسبب في خسائر بشرية كبيرة على غزة، فإن الحرب قد تتصاعد بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وحذر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من أنه “إذا لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية، فإن أيدي جميع الأطراف في المنطقة ممسكة بالزناد».
لكنّ المؤكد أن إسرائيل لن يوقفها أحد، فالهجوم البري واسع النطاق وشديد الخطورة على شمال غزة أصبح وشيكاً، بالرغم من أن معظم القادة الغربيين يتمنون عدم وقوعه، حتى إنّ (جيمس كليفرلي)، وزير خارجية بريطانيا، حث في وقت متأخر على ضبط النفس، إلا أنه وسط الهزات الارتدادية المستمرة منذ زلزال يوم السبت الأسود، يشعر الغرب بعدم قدرتهم على منع الهجوم.
التصعيد يولد التصعيد، وتقول الولايات المتحدة: إن قرارها بنشر مجموعة حاملة طائرات أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط يهدف إلى تعزيز أمن إسرائيل و«ردع أي دولة أو جهة غير حكومية» عن توسيع الصراع. إنّ هذه العبارات الغامضة تخفي قلقًا عالميًّا بشأن احتمال حدوث تصادم مباشر مع إيران.
فإيران هي الطرف الحكومي الذي يتحكم وينسق بين الجهات الفاعلة غير الحكومية، وهي حماس وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة؛ والتنظيمات الأخرى المدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن؛ وأقواهم جميعا، حزب الله في لبنان، وهذه الجماعات يطلق عليها المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اسم «محور المقاومة».
مما لا شك فيه أن إيران تعد الانتشار العسكري الإضافي تصعيدًا أمريكيًا، محذرة تنظيماتها من أن جبهات حرب جديدة قد تنفتح قريباً، وهذا ما يظهر بالفعل، فإسرائيل تتلقى هجمات يومية محدودة من حزب الله عبر الحدود في الشمال، وتحذر تل أبيب من «دمار لبنان» إذا انضمت هذه الجماعة إلى حماس في الحرب.
تعدّ الضفة الغربية نقطة اشتعال محتملة أخرى وسط ارتفاع مستويات العنف في الأسبوع الماضي. وفي تصعيد إضافي، تتهم إسرائيل إيران بنشر أسلحة جديدة في سوريا أو عبرها لإنشاء جبهة ثانية، بينما تزعم سوريا أن إسرائيل قصفت دمشق وحلب الأسبوع الماضي.
ما هي خطة إيران، على افتراض أن لديها واحدة؟ ماذا تريد؟ هذه الأسئلة تحمل مفتاح الحرب، ففي أعقاب يوم 7 أكتوبر مباشرة، سارع المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون إلى القول بأنه لا يوجد دليل، في الوقت الحاضر، يشير إلى تورط إيران المباشر، كان نفيهم لتورط إيران سريعا، ربما لأنهم يريدون تجنب المواجهة الكاملة في هذه الظروف المشحونة للغاية.
أشارت تقارير لاحقة إلى أن مسؤولين إيرانيين كبار كانوا على اتصال وثيق مع حماس في الفترة التي سبقت الهجوم، ويقال إن الجنرال (إسماعيل قاآني)، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المسؤول عن العمليات العسكرية السرية خارج الحدود الإقليمية، التقى مرارًا وتكرارًا بقادة حماس وحزب الله.
وعلى وجه التحديد، هناك مزاعم بأن أعضاء حماس ناقشوا خطتهم للقيام بعمليات توغل جوية وبرية وبحرية متزامنة في جنوب إسرائيل مع ضباط الحرس الثوري الإيراني في بيروت في 2 أكتوبر، قبل خمسة أيام من الهجوم، وحصلوا على الضوء الأخضر لبدء الهجوم، إلا أنّ حماس تصر على أنها تصرفت بمحض إرادتها، بينما رحبت إيران بالهجوم، لكنها نفت تورطها فيه.
طوال «حرب الظل» الطويلة مع إسرائيل، تعودت إيران أن تعمل من مسافة بعيدة، من خلال وكلاء مثل «الحوثيين» في اليمن، ولذلك فمن الصعب جدًا تصديق فكرة أن طهران، التي تمول وتدرب وتسلح حماس، لم تكن على علم بعملية السبت الأسود واسعة النطاق، وأنها لم تشارك في التخطيط لها.
مَثَلُ إيران كمثل رجل متهم بارتكاب جريمة قتل، لديها دافع قوي في توجيه ضربة إلى إسرائيل الآن، فضلاً عن معارضتها وجود الدولة اليهودية من الأساس، خصوصا أن المرشد الأعلى خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يشعران بضعف إسرائيل عندما يشاهدانها ترتعش بسبب سياسات بنيامين نتانياهو اليمينية المتشددة المناهضة للديمقراطية.
من الناحية الاستراتيجية، تنظر إيران إلى انشغال إدارة بايدن بأوكرانيا وميلها نحو آسيا بمثابة فرص. من جهة أخرى، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق، وإعادة تأهيل النظام السوري، أحداث تعزز تصورا مفاده أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها، وتفقد اهتمامها، بالشرق الأوسط.
تظهر النزعة العدائية المتزايدة لدى إيران أيضا من خلال تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، التي أصبحت الآن من كبار عملاء الأسلحة. وفي الوقت نفسه، فإن إحياء اتفاق إيران مع الغرب للحد من الأسلحة النووية قد فقد جاذبيته، حتى لو كان هناك إمكانية للتوصل إليه، فلطالما وقف خامنئي ضد التوصل إلى تسوية نووية، قائلا إن على إيران أن تتجاهل العقوبات الأمريكية، وأن تصبح أكثر اكتفاء ذاتيا، وتنظر شرقا.
استشهد زعيم حماس، إسماعيل هنية، عندما حاول تبرير هجوم 7 أكتوبر، بالتجاوزات الهجومية بالقرب من موقع المسجد الأقصى المبارك في القدس، والعنف المزمن الذي يمارسه المستوطنون اليهود والاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية، وحصار غزة المستمر منذ 16 عاما.
إن زعماء إيران لن يدعموا دعوة هنية إلى الجهاد الدولي وشن حرب أوسع مع الغرب، فالمرشد الأعلى ليس من داعمي الانتفاضات الشعبية خصوصا بعد الاضطرابات الأخيرة في الداخل الإيراني. ومع ذلك فإنّ هناك سببا عاجلا آخر يدعوه للتحرك السريع.
إن الاتجاه نحو تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل يسبب معضلة لطهران، خصوصا الاحتمال -الذي يُعتقد أنه وشيك- للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي سعودي مدعوم بضمانات أمنية أمريكية، الأمر الذي كان سيؤدي إلى عزل طهران سياسيا واقتصاديا، وتقويض أحلامها في الهيمنة الإقليمية.
لقد أدى هجوم 7 أكتوبر إلى إعادة التوازن لصالح طهران، فالرأي العام في العالم العربي غاضب بسبب الأحداث في غزة، وتماشيا مع هذا المزاج العربي العام، قام السعوديون بتعليق الصفقة الإسرائيلية. الجدير بالذكر أن الرئيس إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقدا أول محادثات لهما على الإطلاق الأسبوع الماضي، وهذا التحول يمثل- بلا شك- مكاسب ملموسة لطهران.
تتضافر كل هذه العوامل لتشير إلى أن إيران المتفائلة تشعر بأن الرياح تدعمها الآن، والسؤال المركزي المطروح الآن في هذه الأزمة الكبرى: هل هذه الثقة الجديدة، إلى جانب الاستخفاف الخطير بالعزيمة الإسرائيلية والأمريكية، سوف تحفز طهران على رفع مستوى الرهان بشكل متهور في الأيام المقبلة؟.
إن المواجهة التي تضع إسرائيل والولايات المتحدة مباشرة ضد إيران نادرا ما تقع. وكما يقول نتنياهو باستمرار، هذه مجرد البداية. فالحرب مع حماس قد تكون على وشك أن تصبح عالمية.
سايمون تيسدال معلق في الشؤون الخارجية، وهو كاتب بارز ومحرر في الشؤون الخارجية، ومحرر للشؤون الأمريكية في صحيفة الجارديان.
عن صحيفة الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
النفوذ الإيراني في اليمن على المحك.. إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل والحوثيين؟
يشهد الوضع الإقليمي تصعيدًا خطيرًا بين إسرائيل وجماعة الحوثي التي تُعد آخر أذرع المحور الإيراني في المنطقة، حيث نفذ الحوثيون هجمات بالصواريخ الباليستية والمسيرات على أهداف إسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب، تحت شعار التضامن مع غزة، فيما ردت إسرائيل بضربات جوية استهدفت منشآت استراتيجية في اليمن، وهددت بالوصول إلى قادة الحوثيين، الذين كثفوا استهداف السفن الدولية في البحر الأحمر، ما يهدد الملاحة البحرية، فيما تتزامن هذه الأحداث مع دعم أمريكي لإسرائيل وضغوط على إيران، بينما يعوّل الحوثيون على ترسانة متطورة من الأسلحة والصواريخ، مما ينذر بمزيد من التصعيد في صراع متعدد الأطراف يؤثر على أمن المنطقة والعالم.
نفذ الجيش الأمريكي ضربات جوية جددة ضد أهداف للحوثيين في صنعاء، معلنًا أن الهجمات استهدفت منشأة لتخزين الصواريخ ومرفق قيادة وتحكم، إضافة إلى طائرات مسيّرة وصاروخ كروز مضاد للسفن فوق البحر الأحمر، وذلك بعد ساعات من هجوم صاروخي شنه الحوثيون على إسرائيل أسفر عن إصابة 16 شخصًا. كما اعترضت الدفاعات الإسرائيلية طائرة مسيّرة قادمة من الشرق. وأكدت القيادة المركزية الأمريكية أن الضربات تهدف إلى إضعاف قدرات الحوثيين على تنفيذ هجمات ضد السفن الحربية والتجارية الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وحذر رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الحوثيين من أن من يمس إسرائيل «سيدفع ثمنا باهظا للغاية. بعد حركة حماس، حزب الله، وسوريا، أصبح الحوثيون تقريبا الذراع الأخيرة المتبقية لمحور الشر الإيراني» فيما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يِسرائيل كاتس، أن «يد إسرائيل الطويلة ستصل إلى قادة الحوثيين في اليمن»، وشنت مقاتلات الجيش الإسرائيلي، بتوجيه من هيئة الاستخبارات وسلاح البحرية، سلسلة غارات طالت أهدافا عسكرية للحوثيين في القطاع الساحلي الغربي وفي عمق اليمن، وتحدثت قناة «المسيرة» اليمنية التابعة للحوثيين عن «مقتل تسعة أشخاص خلال استهداف ميناء، الصليف، بينما قتل اثنان في منشأة رأس عيسى النفطية، بمحافظة الحديدة بغرب اليمن. الغارات استهدفت أيضاً محطتين مركزيتين للكهرباء - حزيز وذهبان - جنوبي وشمالي العاصمة صنعاء».
يأتي التصعيد الأخير بعد أن أعلن الحوثيون تبنيهم لإطلاق صواريخ على إسرائيل في يافا بصاروخين باليستيين فرط صوتيين (من نوع فلسطين 2)، تضامناً مع غزة، ورداً على استهداف إسرائيل مدينتيْ صنعاء والحديدة، حيث دوت صفارات الإنذار في تل أبيب وهشارون وهرتسليا وحولون، مما تسبب في دخول أعداد كبيرة إلى الملاجئ، كما اعترضت القبة الحديدية صاروخا أُطلق الاثنين الماضي من اليمن.
ورد الجيش الأمريكي باستهداف منشأة قيادة وسيطرة يديرها الحوثيون لتنسيق العمليات مثل الهجمات على السفن الحربية والتجارية التابعة للبحرية الأمريكية جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وأشارت القيادة المركزية للجيش الأمريكي «سنتكوم» في منشور على منصة إكس، أن الضربة تعكس التزام القيادة المركزية بحماية القوات الأمريكية وقوات التحالف والشركاء الإقليميين وضمان أمن الشحن الدولي.
وصرح رئيس مجلس الحكم الحوثي، مهدي المشاط، بمناسبة ما يسمى بعيد الاستقلال أن «أي محاولة للتصعيد ضد صنعاء ستواجه بتصعيد أشد ورد أقوى، وهناك محاولات أمريكية لإشعال الجبهة الداخلية»، وأكد استمرار الجماعة في مساندة فلسطين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن والمحيط الهادي والبحر المتوسط، وفي عمق الكيان الغاصب حتى وقف العدوان ورفع الحصار.
وبدأ الحوثيون استهداف السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر في منتصف نوفمبر 2023، وأجبروا حركة الشحن التجارية على إعادة تنظيم مساراتها عبر طرق أخرى أطول وأكثر تكلفة، ووصل عدد السفن التي استهدفتها ميليشيا الحوثي منذ بدء الهجمات إلى نحو 166 سفينة، أغلبها إسرائيلية وبريطانية وأمريكية مثل «يونيتي إكسبلورر»، و«نمبر ناين»، و«أتش إس أم دايموند» البريطانيتين، و«جالاكسي ليدر» الإسرائيلية، و«سي إم إيه» و«سي جي إم» الإسرائيلية، و«سنترال بارك» الإسرائيلية، و«يو إس إس ميسون» الأمريكية، و«يو إس إس كارني» الأمريكية وغيرها.
وهددت ميليشيا الحوثي حركة الملاحة، لاسيما في البحر الأحمر، بعد سيطرتها على ميناء الحديدة، ثاني أكبر موانئ اليمن بعد ميناء عدن، ثم ميناء الصليف والمخصص لإنتاج الملح وتصديره، ثم ميناء رأس عيسى النفطي، والذي يستخدم كمنصة لإطلاق الصواريخ والطائرات المفخخة على السفن العابرة في البحر الأحمر، وخلال إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (2017- 2020) تم تصنيف ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية، لكن تم إلغاء التصنيف في ظل إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، بداعي أن تصنيف الحوثي جماعة إرهابية سيعيق عمل منظمات الإغاثة والطواقم الإنسانية في إغاثة المحتاجين، ثم أعادت إدارة بايدن تصنيف الحوثي إرهابية في 17 يناير الماضي كرد على تصاعد هجماتها على السفن المارة في المياه الدولية في البحر الأحمر.
يرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكثف من التضييق والضربات على الحوثي، تزامنا مع تكثيف الضغط على إيران سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لحل أزمة الورقة النووية لدى إيران في الفترة القادمة، وباعتبار الحوثي هو آخر الأذرع الباقية حاليا على الأرض، وما تزال تنفذ الكثير من الهجمات على أهداف في عمق إسرائيل وفي المياه الدولية لأهداف تابعة لإسرائيل وأمريكا وبريطانيا وغيرها من السفن العابرة في البحر الأحمر بما يهدد حركة الملاحة الدولية.
على الجانب الآخر يعول الطرف الحوثي على مخزون كبير من الأسلحة النوعية والمسيرات والصواريخ الفرط صوتية، حيث يمتلك الحوثي صواريخ من نوع بركان 1 و2 إتش وبركان 3 وفلق وقاصف 1 وقاصف 2 كيه وراصد وقدس 1 وصياد وسجيل وكرار وطوفان وزلزال وجعران وقاهر 1 و2 وبدر 1 بي وبدر إف وتوشكا أو آر تي 21 وسكود سي وتيرميت بي 15 السوفيتيين وهواسنج 5 و6 الكوري الشمالي وسي 802 الصيني، وصواريخ كروز ومضادات السفن والزوارق المفخخة وصواريخ مضادة للسفن مثل مندوب 2 وسجيل والقدس وعاصف وفلق الإيراني وروبيز السوفيتي، كما يمتلك الحوثي مخزونا من الطائرات المسيرة مثل صماد 1 و2 و3 وهدهد 1 ورقيب وغيرها.
اقرأ أيضاًقصف حوثى يُسقط ويصيب 4 أطفال فى اليمن
الصحة العالمية: اليمن يواجه أسوأ أزمة كوليرا عالمية