ازدواجية المثقفين.. كيف تحظر المقاومة وتزيف الثقافة الفلسطينية؟
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
ينبري المثقفون العرب وكذلك الأصدقاء الغربيون الطيبون المؤيدون للقضية الفلسطينية هذه الأيام لإظهار مساندتهم للشعب الفلسطيني أمام الرأي العام الدولي عبر التأكيد على نحو قاطع لا لبس فيه بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تمثل الشعب الفلسطيني بأي شكل، وقد يذهب بعض الحريصين على الدقة للتوضيح أن الحركة لا تمثل سوى شريحة متناهية الصغر من مجتمع فلسطيني لا علاقة له من قريب أو من بعيد بفكرة المقاومة التي تطرحها الفصائل المسلحة في غزة ولا حتى الضفة الغربية.
والواقع أن الحرج الذي طالما سبّبته حماس لهؤلاء في المحافل الدولية ظهر قبل 3 سنوات خلال مهرجان للفيلم المتوسطي بروما، حيث فرض القائمون عليه رقابة على كلمات لإحدى أغاني المقاومة الفلسطينية من فيلم "غزة مونامور"، تقول في أحد مقاطعها "تقدّم يا ابن أقصانا/ ودُكّ الأرض نيرانا". والسبب يعود بشكل واضح لما يبدو كأنه "عنف" يكتنف كلمات الأغنية، في حين أن أصدقاء فلسطين يرون ضرورة الترويج لفكرة مقاومة مرهفة قد تصبح هي أول مقاومة في تاريخ البشرية تتمكن من دحر المستعمر ودك حصونه عن طريق الرقص وإلقاء شعر "الهشاشة".
أشعار الهشاشةورغم أن القوة الناعمة ورقة إستراتيجية لا يستهان بها في الحروب الحديثة، فإن "سارة أجلسيني على حِجرك" و"ريتا أحبّيني كما أحبك" (أبيات مُتخيلة) هي نوعية الأشعار التي يرى أصدقاء فلسطين في الغرب أنها ما قد تشكل قوة ناعمة للعرب في العالم؛ "قوة" لا يبدو أنها قد فرضت احترامها في ساحة الحروب الناعمة اليوم. وإذ تجدر الإشارة إلى أن إحدى أكبر صفحات الشعر الإيطالي على فيسبوك اختارت نصا شعريا عربيا من شعر الحداثة لمرافقة الحرب على غزة هذه الأيام، وقد تراوحت آلاف التعليقات عليه بين "مؤلم"، "هذا النص وحده ينبغي أن يدفعنا لنقف مع إسرائيل"، "وهل هذا اسمه شعر؟".
القوة الناعمة العربية هذه التي تبدو مرتهنة للخيارات "المؤلمة" التي يقوم بها المستشرقون الجدد وترجماتهم المنتقاة بدقة لإظهار أشد أشكال الثقافة العربية وهَنًا، لا يزال يؤكد البعض منذ عقود أنها هي ما من شأنه أن يعطي للمقاومة الفلسطينية الشرعية الإنسانية أمام الرأي العام الغربي. تلك القوة التي من شأنها إظهار هشاشة الفلسطيني، تضعضع نفسيته، عدم ذكوريته، انفتاحه الرقيق على الآخر والتوق إلى احتضانه، في مقابل عجرفة المحتل وقسوته. هذه الوصفة التي قررها "أصدقاء فلسطين" باسم الشعب الفلسطيني، والتي تبدو كوصفة مازوخية بامتياز أكثر من كونها فعلا نضاليا جادا، تتسق على نحو تام مع الفكر اليساري العصري الذي تراجع في السنوات الأخيرة عن دعم حركات المقاومة المسلحة، وانخرط للترويج "للمقاومة الجنسانية"، ويبدو أنه خصص فرع المازوخية والتلذذ بالألم للفلسطينيين.
ازدواجية يساريةولكن بعيدا عما قرره المستشرقون الجدد عن الشكل الأنسب للمقاومة الفلسطينية، نرى أن اليسار نفسه الذي خرّج في العقد الأخير جموعا كبيرة من السِلميين والسِلميات، والمندّدين والمنددات بأي شكل من أشكال المقاومة المسلحة، هو نفسه اليسار الذي روج ثقافيا في إيطاليا بملء الفاه للمقاومة العسكرية في أوكرانيا، ووصل مع بدء الاجتياح الروسي إلى حدّ نشر إعلان وحشي يظهر امرأة أوكرانية تقوم بجزّ رأس رجل روسي بمنجل وتدعو في نهاية الفيديو بـ"الموت لكل الروس".
في المقابل، ينصح خبراء الصورة الغربيون المقاومة الفلسطينية بأن تبتعد عن صور الرشاشات والبدلات العسكرية، حتى إن تعلق الأمر بعمليات تتم ضد مجنّدين في جيش الاحتلال مهنتهم هي الحرب. ذلك أن الثقافة العربية تنطوي في ذاتها على توحش أصيل وعليه يتعين علينا كعرب أن ندحض عنا تهمة العنف أولا قبل الانخراط في فعل المقاومة الذي ينبغي أن يكون هو الآخر تحركا علمانيا صرفا وإلا تحول إلى إرهاب وحشي. والأمر هنا لا علاقة له بالإسلاموفوبيا -لا سمح الله- أو عنصرية ضد المؤمنين الذين لا يحق لهم الثورة، في حين يحق لغيرهم، وقد يعود السبب لكوننا "حيوانات بشرية".
بعدها مباشرة تدخل النظرية النسوية على الخط لتخبرنا أنه يتعين على الفلسطينيين محاربة "الذكورية السامة" للمجتمع الفلسطيني، توأم الكولونيالية الإسرائيلية، ضمن مقاومة هيكلية شديدة التعقيد يطلق عليها اسم "النضال المزدوج". هذا ما تخبرنا به نسويات المنظمات غير الحكومية الممولة من جهات إنسانية لا أجندة سياسية لها.
وهكذا اختُزلت مشاهد المقاومة الفلسطينية في إيطاليا في السنوات الأخيرة بين بكائيات نسوية تقول كل شيء وعكسه، وأكلٍ وشربٍ وكثير من الأبيات المبهمة. عناصر لا تشكل عبئا سياسيا على أحد، بل من شأنها أيضا الترويح على أفئدة المناصرين للقضية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحزب الديمقراطي الإيطالي اليساري الذي اعتبر مؤخرا المقاومة الفلسطينية المسلحة منظمة "أصولية إرهابية يمينية متطرفة" في تعليق لأحد أهم وجوه الحزب ليا كوارتابيللي؛ قام هو نفسه بالترويج لرئيسته الجديدة إيلي شلاين، قبل أشهر في وسائل الاعلام الإيطالية على أنها داعمة لفلسطين، وذلك لأجل إظهار تجذر السياسية الشابة في الفكر الثوري.
شلاين التي استغل مكتبها الإعلامي اسم فلسطين للترويج لثوريتها المزعومة، نددت الأسبوع الماضي بالمقاومة الفلسطينية، بينما لم تعدم في السابق أي مناسبة للتعبير عن دعمها لأوكرانيا.
لماذا يحق لأوكرانيا ما لا يحق لفلسطين؟السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا: إن كان الإيطالي والغربي عامة يحترم المقاومة المسلحة ويروج لصورها، فلماذا يعمد لإخصاء الصوت الثقافي للمقاومة الفلسطينية حصرا؟ أما السؤال الأكبر فلمَ يندد المثقفون العرب بمقاومتهم المسلحة في الوقت الذي يعتز فيه الغرب بالمسلحين الأوكرانيين؟
عن هذا السؤال يجيبنا المثقفون العرب أنفسهم خلال ملتقياتهم في العواصم الأوروبية، وحيث نجد أحدهم يخبرنا في ملتقى له بروما أن "الحضارة الإسلامية حضارة إمبريالية"، وتقول أخرى إن "الثقافة العربية ذكورية متعفنة". وهذا يجعلنا نأخذ فكرة عن ممثلي "القوة" الناعمة العربية في الغرب. أولئك الذين يقع اختيار المستشرقين الجدد عليهم لتمثيل الشعب العربي ومقاومته الثقافية، حتى إن أتى ذلك عبر فن لا يشبه الفن، وشعر لا يشبه الشعر بشهادة القارئ الغربي قبل العربي.
كل هذا في الوقت الذي يجري فيه فرض رقابة على صوت الشعوب الحقيقي وفنونها، تلك التي تولد بعفوية من قلب تطلعاتها. ليصبح السؤال الحقيقي هنا ليس إن كانت حماس هي التي تمثل الشعب الفلسطيني أم لا، بل هل يمثل المثقفون الذين يقفون ضدها ثقافة شعوبهم وإبائها؟!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
الهند تحظر أكثر من 87 ألف حساب على واتساب وسكايب
في إطار حملة واسعة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، قامت الحكومة الهندية بحظر أكثر من 87000 حساب على تطبيقي واتساب WhatsApp وسكايب Skype، وذلك، في إطار التي العملية المرتبطة باللاعتقالات الرقمية.
حدد مركز تنسيق الجريمة السيبراني الهندي (I4C)، الذي يعمل وزارة الشؤون الداخلية (MHA)، 3،962 حسابا على منصة سكايب و 83،668 حسابا على تطبيق واتساب، والتي كانت مرتبطة بعمليات احتيال عبر الإنترنت، بعد أن تم استخدامها لابتزاز الأموال من الأفراد.
شارك وزير الدولة للشؤون الداخلية، سانجاي باندي كومار، المعلومات المتعلقة بالحملة، وكشف أن الحسابات المحظورة كانت تستخدم من قبل مجرمي الإنترنت لانتحال شخصية مسؤولي إنفاذ القانون، من أجل التهديد بالاعتقال أو الابتزاز المالي من الأفراد المطمئنين.
تعد عملية احتيال الاعتقال الرقمي عبارة عن نوعا متزيدا من الاحتيالات عبر الإنترنت، مما تسبب في خسارة الهنود ملايين الروبيات في السنوات القليلة الماضية، وفقا لبيانات الحكومة:
- في عام 2022، تم تسجيل 39،925 حالة تتعلق بالاعتقال الرقمي، حيث خسر الضحايا ما مجموعه 91.14 كرور روبية.
- في عام 2023، تم تسجيل 60،676 حالة من الاحتيال عبر الإنترنت، مع خسائر قدرها 339.03 كرور روبية.
- في عام 2024، سجلت الحكومة 123،672 حالة من عمليات الاحتيال الرقمية، مما أدى إلى خسائر قدرها 1935.51 كرور روبية.
- بحلول فبراير 2025، تم بالفعل الإبلاغ عن 17،718 حالة من عمليات احتيال الاعتقال الرقمي، حيث خسر الضحايا مبلا بلغ مجموعها 210.21 كرور روبية.
تتمثل عملية الاحتيال الرقمية للاعتقال في خداع المحتالين للأفراد عبر التظاهر بصفتهم ضباط شرطة أو وكلاء البنك المركزي العراقي أو ممثلين من وكالات مثل مكتب مراقبة المخدرات (NCB) أو بنك الاحتياطي الهندي (RBI).
تبدأ عملية الاحتيال عادة بتلقي الضحايا مكالمة أو رسالة نصية أو رسالة على منصات مثل واتساب أو سكايب من شخص يدعي أنه مسؤول حكومي كبير، يتهم المتصل ضحية التورط في جرائم خطيرة مثل غسل الأموال أو تهريب المخدرات أو سرقة الهوية.
لاحداث الضغط النفسي على الضحية، يخلق هؤلاء المحتالون شعورا بالإلحاح والخوف، مهددين الضحية بالاعتقال الفوري أو اتخاذ إجراءات قانونية.
في هذه العملية، غالبا ما يتم توجيه الضحايا إلى عزل أنفسهم كجزء من "اعتقال رقمي" لتجنب مناقشة الأمر مع أي شخص، مع الإشارة إلى أسباب مثل "الأمن القومي" أو "السرية".
وفي الوقت نفسه، يدفعون الضحايا لتبادل المعلومات الشخصية الحساسة، مثل التفاصيل المصرفية أو كلمات المرور أو رموز OTP. يتم إجبار الضحايا على تحويل مبالغ كبيرة من المال لتجنب الاعتقال أو العواقب القانونية وتسوية القضية.
ما يجعل عملية الاحتيال أكثر جدية هي أنه لإظهار أن المكالمة شرعية، يستخدم المحتالون أرقام هواتف محوزة تبدو مشروعة، مما يجعلها تبدو من وكالة حكومية حقيقية.
كما أنها توفر في بعض الأحيان تفاصيل أو مستندات قضية مزيفة لتبدو موثوقة ويجعلون الضحايا يؤمنون بالدعوة.
وبالتالي، ينتهي الأمر بالضحية بتبادل بياناتها الحساسة وتحويل الأموال إلى حسابات مصرفية احتيالية كما طلب المحتالون.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الاعتقال الرقمي ليس مفهوما قانونيا وهو مصطلح أنشأه المحتالون لخداع وتهديد الضحايا المطمئنين.