د. سلطان بن خميس الخروصي
sultankami@gmail.com
(1)
لا سيادة تعلو فوق جبروت البارود، ولا حياة أجمل من دمٍ قانٍ في شوارع غزة، ولا مثيل لإرهاب في العالم الحُرّ الديمقراطي بمثل ما يقوم به الفلسطينيون تجاه البُسطاء الفقراء المناضلين من أبناء بني صهيون، ولا حكمة بالغة يُشار لها بالبنان في التعامل مع هذا السِجال كالفلسفة النظامية العربية، ولا حافظ أمنٍ واستقرارٍ للمنطقة إلا بوجود البوارج وحاملات الطائرات والغواصات الأمريكية والغربية في كل شبرٍ من مياه البحر المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر، ولا ضجيج يُزعج هدوء الآمنين إلا مُظاهرات الجموع الإنسانية في كل بقاع العالم المطالبة بوقف الفسفور المحرم دولياً وأطنان القنابل الأمريكية والغربية على البيوت والمباني الغزَّاوية، هنا يمكنك أن تفكر عزيزي القارئ في ماهية ازدواجية المعايير في العالم المتحضر الواهن!
(2)
تمثل القضية الفلسطينية جوهر الارتكاز الوجودي دينيًا وتاريخيًا واجتماعيًا وثقافيًا وحضاريًا في المنطقة العربية؛ مما يحتِّمُ على مؤسسات التنشئة الاجتماعية القيام بدورها المسؤول في تعزيز الولاء والانتماء القِيمي والثقافي لدى الأجيال، فينبغي أن تُطعَّم المناهج الوطنية بصورة مباشرة وغير مباشرة بقيم الدفاع عن الوطن والانتماء له، ونصرة المظلوم، وآليات مُجابهة الطغيان، وتعزيز الثوابت والمبادئ التي لا يُمكن التنازل عنها، وتقويم مهارات البحث عن الحقيقة بعيدًا عن تدليس المؤرخين أو الانتقاص من دور الشخصيات الوطنية المناضلة، وتوعية الأجيال بقصة اغتصاب فلسطين من أهلها وتهجيرهم وإبادتهم وإشباعهم بويلات بخيبات العالم الديمقراطي والرجعي على حد سواء، فما هو واقع مناهجنا العربية في هذه القضية؟
(3)
قبل فترة وجيزة أُثير الكثير من النقاشات في الوسط العربي عمومًا والعُماني على وجه الخصوص فيما يتعلق بموضوعات خُطب الجُمعة وتوجيهات المؤسسات الدينية ذات الصلة، ومما لا يخفى على ذي بصيرة أن منابر الجمعة هي محطَّات تذكيرٍ وتوعيةٍ وإرشاد، وتعزيز للقيم والثوابت وتصحيح للسلوكيات الاجتماعية غير المرغوبة، وفي خضم تلك النقاشات الساخنة في الشارع العُماني قد يكون للمؤسسات الدينية الرسمية تبريرها المنطقي من الخشية في أن تُستغل وفي هذه الظرفية بإثارة عواطف النَّاس وإدخال الغضب وحب الانتقام والثأر في قلوب المكلومين والمقهورين تجاه ما يحصل من إبادة للإنسان في غزة، لكن أيضًا للناس ما يُثير غضبهم أن يُضرب بعواطفهم ومشاعرهم واتجاهاتهم واحتقانهم عرض الحائط، والمنطق يوجهها لطرح الأحداث بأسلوب تربوي واجتماعي وديني رفيع يُجبر خواطر الناس، ويوحِّد دعاءَهم للمظلومين، ويغرس في سجايا النشء ماهية فلسطين وتاريخ نكبتها للاستفادة من أخطاء تلك الحقبة، وتوضيح ماهية اليهود وجيلهم من الصهاينة وصفاتهم وسلوكياتهم مع نبي الأمة الكريم وأصحابه، وتمكين ولاء الأجيال للمسجد الأقصى، وغرس قيمة الفخر والاعتزاز بالنضال والتضحية الفلسطينية الباسلة التي تقف بصدرٍ عارٍ أمام الترسانة العسكرية الحديثة، فليس بالضرورة أن تكون خطبة استنهاضية، وأهل مكة أدرى بشعابها.
(4)
لقد أظهرت جحافل الجيوش الأمريكية والغربية التي توافدت إلى المنطقة هشاشة الكيان الصهيوني، ووجود شرخ بالغ في عمقه الهُلامي، كما أوحت أيضًا بتمسُّك الجيوش الإمبريالية في تثبيت هذه العصابة مهما كانت النتائج، وفي ذلك إشارة واضحة وعلنية للأنظمة العربية وشعوبها أن الوجود من عدمه لهذه العصابة يقوم على سياسة (كسر العظم) دون النظر لأي قوانين أو محددات أو معايير، وفي ذلك دلالة صارخة على أن العالم الحُرّ الديمقراطي الذي يود البعض في عالمنا العربي استيراده بكل تفاصيله هو مجرد فُقاعة كبيرة، وخدعة بالية تُذكِّرنا بالثورة العربية الكُبرى التي غُرِّر بها الشريف حسين (شريف مكة) للثورة ضد العثمانيين ليكون خليفة المسلمين وزعيم العرب في (1916) ليجد نفسه بعد ذلك في موضع (كشّ ملك)، فهل الفلسفة العربية لا تزال تُؤمن بالعالم الغربي بمساحيق الحرية والديمقراطية الفاضلة؟، لتقول بعد حين "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض"؟!
(5)
الفلسطينيون هم خطُّ الدِّفاع الأول لوطنهم والمقدَّسات، جعلوا من صدورهم العارية دروعًا في وجه الترسانة العسكرية الصهيونية الغاشمة، وما مجزرة مستشفى المعمداني عنَّا ببعيد، فليس بغريب عنهم مواقف الأنظمة العربية والإسلامية والغربية، وليس وحشية الكيان الغاصب عنهم بالأمر الغريب أيضًا، فهم طوال سبعة عقود ونيف يُقدِّمون أنهارًا من دمائهم الزَّكية من كل طيف مبارك، لكنهم اليوم يألمون جُرحًا غائرًا بالمباركة العالمية لإبادتهم بل وتقديم الترسانة الحربية والمالية المباشرة لإعلان موتهم في المزاد جهارًا نهارًا دون أن يجدوا من يُكرمهم بدفن إنساني مُستحق في ظل منظمات حقوقية سنفورية، أو إخراج شهدائهم من بين الأنقاض، فهل يصنفهم العالم بأنهم من بني جنسهم؟
(6)
اللهم انصر المُدافعين عن وطنهم وحريتهم وكرامتهم في أرض فلسطين، اللهم سدِّد رميهم، وانصر جُندهم، واهزم الأحزاب من حولهم، وسلِّط جُندك على نحورهم، وزلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم ارحم شُهداء فلسطين، واشفِ جرحاهم، واجمع شملهم، واجبر خواطرهم، وأنزل رحمتك عليهم، واربط على قلوبهم، وأكرمهم بالحُرِّية والكرامة والسلام، يا رب السلام.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وصول وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى مقر جامعة الدول العربية لحضور الجلسة التحضيرية لـ”قمة فلسطين”
جامعة الدول العربية وزير الخارجية أسعد الشيباني 2025-03-03hadeilسابق مديرية التجارة الداخلية تنظم 48 ضبطاً تموينياً في اللاذقية شباط الماضي انظر ايضاً مؤتمر باريس بشأن سوريا ينطلق بمشاركة الوزير الشيبانيباريس-سانا انطلق مؤتمر باريس بشأن سوريا بمشاركة وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني في العاصمة …
آخر الأخبار 2025-03-03مديرية التجارة الداخلية تنظم 48 ضبطاً تموينياً في اللاذقية شباط الماضي 2025-03-03السورية للبريد تُخفّض أسعار خدمات نقل البريد الدولي العاجل بمناسبة شهر رمضان 2025-03-03الدفاع المدني السوري يبدأ تنفيذ ثلاثة جسور مشاة في محافظة إدلب 2025-03-03رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي يطلع على سير العمل في مديريتي تخطيط دمشق وريفها 2025-03-03معسكر محلي لمنتخب سوريا الأولمبي تحضيراً لبطولة غرب آسيا 2025-03-03معمل السجاد الآلي بالسويداء يعود إلى الإنتاج 2025-03-03قسم الأشعة في مشفى حماة الوطني يعود لتقديم خدماته إلى أكثر من 400 مريض يومياً 2025-03-03وزير الشؤون الاجتماعية يبحث مع سفير إندونيسيا تعزيز العلاقات بين البلدين 2025-03-03الخدمات الفنية بحمص تواصل إزالة الأنقاض وتأهيل المدارس وترحيل القمامة 2025-03-03مديرية الإشراف التربوي تواصل جهودها لرفع قدرات الكوادر وتحسين جودة التعليم
صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |