عاشرًا: «خدمات الدِّفاع المَدني وأساليب مواجهة الكوارث».
يُعرف الدِّفاع المَدني أو «الحماية المَدنيَّة أو الوقاية المَدنيَّة» على أنَّه «جهاز يتولَّى مجموعة من الإجراءات والأعمال اللازمة لحماية السكَّان والممتلكات العامَّة والخاصَّة من أخطار الحريق والكوارث والحروب والحوادث المختلفة وإغاثة المنكوبين، وتأمين سلامة المواصلات والاتِّصالات، وسَير العمل في المرافق العامَّة، وحماية مصادر الثروة الوطنيَّة في زمن السِّلم وحالات الحرب والطوارئ…».
ويتضح من خلال هذه الإضاءة التعريفيَّة، الدَّوْر الواسع والمُهمُّ والصلاحيَّات العديدة التي يتولَّاها الدِّفاع المَدني، لضمان الحماية الشاملة والذَّود عن الأرواح والممتلكات. وعِندما نشَرتُ مقالي في عام 2002م، «دروس من العاصفة»، بهذه الجريدة الغرَّاء (الوطن)، أردْتُ أن أنبِّهَ جهات الاختصاص والمسؤولين إلى أهمِّية الالتفات إلى هذا القِطاع وتطويره وتهيئة وتدريب كوادره ووضعه أهبة الاستعداد لمواجهة أيَّة كارثة مهما كان نَوْعها، أخذًا في الاعتبار محتوى التنبيهات والتحذيرات التي يطلقها خبراء الطقس والبيئة والهيئات الدوليَّة المتخصِّصة بشأن «تغيُّر المناخ» والتبدلات التي تشهدها درجات الحرارة، والتي تتحوَّل إلى تطرُّف في الطقس ينتج عَنْه فيضانات جارفة وجفاف مدمِّر، وزلازل وبراكين وحرائق الغابات… أعدّ المقال من رحم الشَّلالات الهادرة والمخيفة التي تقذف بها سيول العاصفة المداريَّة العنيفة التي ضربت صلالة، من قمم جبال «دربات»، ومقارنة المشهد الذي كنتُ أتابعه من على شاشة قناة التلفزيون العُماني، بآخر افتراضي لغابات جبال مسقط والباطنة والمحافظات الشماليَّة الأخرى، فيما لو مرَّت عَلَيْها حالة مشابهة، في ظلِّ الاعتداءات المستمرَّة على مجاري الأودية والبناء في بطونها وعلى مساراتها، والتخطيط السيء لعددٍ من المناطق السكنيَّة والحيويَّة والشوارع العامَّة والفرعيَّة، وأخذًا في الاعتبار ـ كذلك ـ انقِطاع حالات بحر العرب المتطرفة والعنيفة عن العاصمة لعقود، حرمت المخطِّطين والمسؤولين وجهات الاختصاص من خوض التجربة والاختبار وجسِّ نبض جودة التخطيط ومتانة البنية التحتيَّة وفاعليَّة قنوات التصريف، ثمَّ العمل علَى معالجة أوْجُه القصور والأخطاء المستخلصة، في العام 2007م، كان «جونو» هو الاختبار الحقيقي، فحدَثَ ما نعرفه جميعًا، قِطاع الدِّفاع المَدني أثبت في حالات وأجواء مناخيَّة عديدة، قدرات مشرِّفة، وقدَّم نماذج وجدت التقدير الكبير من المُجتمع، وتمكَّن بجهود عالية من تخفيف الخسائر والوقاية من الأضرار وحماية المواطنين من الغرق، وقام بعمليَّات إنقاذ مبتكرة وناجحة، ولكن هل نحن فعلًا مستعدون وعلى درجة عالية من الجاهزيَّة لِمَا هو قادم وقَدْ ينذر بمخاطر وكوارث جمَّة على ضوء الإشارات التي عرض لها المقال؟ لا أستطيع في حقيقة الأمْرِ الجزم بإجابة فاصلة، ما أؤكد عَلَيْه دائمًا أنَّ العاصمة مسقط والعديد من المحافظات والمُدُن تقع في مواقع تحاصرها المخاطر وقتَ الأمطار الغزيرة وحالات بحر العرب التي ارتفعت نسبتها في السنوات الأخيرة، إذ تحيط بها الجبال العالية والأودية الجارفة، ولَمْ يراعِ المخطِّطون في المقابل تنفيذ شبكة تصريف تواكب متطلبات التنمية والتوسُّع العمراني المستمر، وتمَّ الاعتداء على مجاري الأودية والشِّعاب بشكلٍ سافر بدافع من المصالح الشخصيَّة وتحقيق الثراء لكبار المسؤولين والنافذين الذين استحوذوا على أراضٍ شاسعة شكَّلت مساحات مِنْها جزءًا من مسارات الأودية. ولأنَّهم يملكون المال فقَدْ أقاموا جدرًا وسدود حماية من الخرسانات المسلَّحة قادرة على صدِّ المياه الجارفة، وتحويلها إلى مسارات أخرى جديدة، وهو ما تسبَّب في كوارث ألحقَتِ الضرر بالكثير من المناطق السكنيَّة والمنشآت الحكوميَّة، ظهرت في «جونو»، و»فيت»، و»شاهين»، وحالات مطريَّة أخرى تكررت في السنوات الأخيرة، لِتبرهنَ على حقيقة محتوى التحذيرات التي تطلق بشأن التغيُّر المناخي، وهو ما يتطلب جاهزيَّة عالية وخدمات دفاع مهني تتميز كوادرها بالمهارة والتأهيل والتدريب المتخصّصين، والعدد الكافي، وأجهزة متقدِّمة وتقنيَّات حديثة وآلات تناسب طبيعة الأرض العُمانيَّة وطقسها وخصائص التوسُّع العمراني الذي تشهده، ومن الأهمِّية، كذلك، إرسال كوادر الدِّفاع المَدني للمشاركة في أعمال الإغاثة والطوارئ والإسعاف في الدوَل الأخرى التي تتعرض للكوارث، لاكتساب المهارات والخبرة ورفع مستوى التجارب. تُنفِّذ اليوم بلديَّة مسقط، وبعض جهات الاختصاص، عددًا من المشاريع المُهمَّة كإنشاء سدود الحماية من الفيضانات وبناء شبكات تصريف مياه الأمطار وتوسعة مجاري الأودية أو إيجاد مسارات أخرى جديدة تضْمن تدفُّقها بشكلٍ سلِسٍ بعيدًا عن المساكن والمنشآت… لا شكَّ بأنَّها سوف تُسهم في التقليل من الأضرار، ولكنَّها ستكُونُ أمام اختبار عسير في مواجهة الأعاصير والكوارث الجوِّيَّة، وتبقى
خدمات الدِّفاع المَدني هي الضامن الأهمَّ لسلامة المواطنين وحماية المكتسبات والمنجزات من الأضرار والمخاطر. مجلس الشورى من جانبه، وفي مارس 1996م، قدَّم دراسة متكاملة حَوْلَ «خدمات الدِّفاع المَدني وأساليب مواجهة الكوارث»، تناولت توصياتها «الجوانب المختلفة لأهمِّ الأخطار والكوارث النَّوعيَّة الشَّائعة والمحتملة في البلاد، وذلك بعد التعرف على الواقع الفعلي لخدمات الدِّفاع المَدني في سلطنة عُمان ومدى انتشارها وتناسبها مع حجم الأخطار الطبيعيَّة والبَشَريَّة التي يُمكِن أن تتعرضَ لها السَّلطنة، وتناولت التوصيات أحوال السَّلامة المهنيَّة والأمن الصناعي في المنشآت الخاصَّة وتطبيق لوائح ونصوص قوانين العمل السَّارية في هذا الخصوص، ومراجعة التشريعات المنظَّمة لأعمال الدِّفاع المَدني، وتطوير الأُطر التنظيميَّة لجهاز الدِّفاع المَدني على المستويات التخطيطيَّة والتنفيذيَّة والإقليميَّة والمحلِّيَّة، وتحديث خدمات وأساليب الدِّفاع المَدني وتحسين تدابيره الميسورة كالتوعية والتطوُّع وخطط الإخلاء، وإجراء التجارب والتمارين العمليَّة، وتعزيز ودعم إمكانات الجهاز التنفيذي للدِّفاع المَدني، وتحديد الأساليب العلميَّة للوقاية من الأخطار النَّوعيَّة الشَّائعة أو المحتملة كالحرائق والفيضانات والسيول وهيجان البحر والحوادث والأخطار البحريَّة، والإشعاعات والمواد الخطرة، والزلازل والهزَّات الأرضيَّة… ومراجعة وتعديل اشتراطات وإجراءات الأمن والسَّلامة في المرافق والمنشآت الحيويَّة مِثل منشآت النفط والغاز الطبيعي ومحطَّات خدمات تموين المَركبات، ومستودعات ومَركبات تخزين ونقل الغازات البتروليَّة المسالة، مع مراجعة وتطوير خطَّة إدارة الطوارئ وتجميع ومراجعة التشريعات ذات العلاقة…». مع التنويه إلى أنَّ أوَّل نواة وُجدت في السَّلطنة، لخدمات الدِّفاع المَدني، تمثلت في وحدة الإطفاء التي تأسست في «إبريل 1972م، فيما «دُشّنت خدمات الإسعاف في إبريل 2004م، وأنشئت الهيئة العامَّة للدِّفاع المَدني وفقًا للمرسوم السُّلطاني رقم «3/2013»، تحت مُسمَّى «الهيئة العامَّة للدِّفاع المَدني والإسعاف».
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
من الم
ة التی
إقرأ أيضاً:
خلال جولته بالغربية.. وزير التعليم يحضر حصة دراسات ويشيد برسم الخرائط بالكشاكيل
زار محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، فصول مدرسة سجين الابتدائية الحديثة ، في إطار جولته التفقدية المفاجئة التي يقوم بها اليوم لعدد من مدارس إدارة قطور التعليمية بمحافظة الغربية.
وأشاد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بأداء الطالبات في حصة مادة الدراسات الاجتماعية ومشاركة الطالبات بالصف السادس الابتدائي في رسم الخرائط بكشاكيل الفصل.
وحرص وزير التربية والتعليم والتعليم الفني على إجراء حوارا أبويا مع الطالبة اروي زكريا محمد، التي قامت برسم الخريطة بالألوان بشكل احترافي داخل كشكول الفصل، وقالت الطالبة للوزير أنها لأول مرة تقوم برسم الخرائط كما اكدت حرصها على حضور الحصص وعدم الغياب اطلاقا مهما كان السبب.
ووصل محمد عبد اللطيف، منذ قليل، إلى محافظة الغربية، وذلك في إطار الجولات المفاجئة المستمرة التي يجريها الوزير بالمدارس بمختلف المحافظات لمتابعة انتظام سير العملية التعليمية.
وبدأ وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، جولته بمدرسة الشهيد عبد الله شنيشن الإعدادية بنات بمحافظة الغربية، في زيارة مفاجئة، لمتابعة سير العملية التعليمية.
وتفقد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني عددًا من فصول المدرسة، حيث اطلع الوزير على أداء الطلاب فى كراسات الحصة والواجبات المنزلية للطلاب، ومدى التزامهم.
كما حرص خلال تفقده المدرسة على متابعة نسب حضور الطلاب، ومراجعة دفاتر تسجيل درجات الطلاب في التقييمات الأسبوعية؛ للاطمئنان على مستوى التحصيل الدراسي.
وأكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أن الوزارة تستهدف تعزيز جودة التعليم وضمان توفير أفضل الفرص التعليمية لجميع الطلاب.
وتابع وزير التربية والتعليم والتعليم الفني: "هدفنا فى المرحلة الحالية مواصلة انضباط العملية التعليمية وانتظام الطلاب في الحضور، وتفعيل دور المدارس في التربية والتعلم الحقيقي"، مثمنًا دور هيئة الأبنية التعليمية الذى يعد أحد العناصر الأساسية لحل تحدي الكثافات الطلابية من خلال دراسة أعدتها الهيئة لجميع المحافظات.
ورافق وزير التربية والتعليم والتعليم الفني خلال الجولة، الدكتور أحمد المحمدي مساعد الوزير للتخطيط الاستراتيجي والمتابعة ، ومدير مديرية التربية والتعليم بالغربية ناصر حسن.