كان قصف المستشفى الأهلي العربي "المعمداني"، الواقع في "حي الزيتون" في مدينة غزة، هو ذروة سنام جرائم الاحتلال الإسرائيلي في حربه الحالية ضد القطاع المُحاصر. يقول الطبيب الفلسطيني "غسان أبو ستة"، الذي كان في المستشفى وقت قصفه، إن الأطباء سمعوا صوت انفجارات قوية ثم سقط جزء من سقف غرفة العمليات أثناء قيام الأطباء بإجراء عملية جراحية لأحد المصابين.

 

مع ظهور بشاعة الجريمة، حاول الاحتلال الإسرائيلي غسل يديه منها بمعاونة الولايات المتحدة، عبر الزعم -دون دليل- على أن المستشفى أُصيب بصاروخ أُطلق عن طريق الخطأ من قطاع غزة. لكن ذلك لا يفسر سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية المتواصلة لمنشآت غزة الصحية، فبعد فترة قصيرة من "مجزرة المعمداني"، قصف الاحتلال محيط المستشفى الأوروبي في خان يونس جنوب غزة. ويوضح "ريتشارد بيبركورن"، ممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أن 51 هجوما وقعت على مرافق صحية في القطاع خلال الأيام الماضية (حتى يوم 18 أكتوبر)، ما أسفر عن مقتل 15 عاملا في مجال الصحة وإصابة 27 آخرين (2).

 

الطب الخطير في ظلال الحرب تستهدف خدمات الرعاية الصحية خلال الحروب بهدف تدمير الروح المعنوية وبثّ الرعب في نفوس السكان. (الصورة: الأناضول)

لا تُعدُّ الاستهدافات الأخيرة للنظام الصحي في قطاع غزة جملة شاذة في سياق ممارسات الاحتلال وجرائمه، على سبيل المثال، قصف طيران الاحتلال في مايو/أيار 2021 محيط مستشفى الإندونيسي ومركز صحي هالة الشوا شمال القطاع، الأمر الذي أدى إلى تدمير الطرق المؤدية إليهما وخروجهما من الخدمة، كذلك ألحقت غاراته أضرارا بمقر وزارة الصحة ومستشفى بيت حانون ومركز صحي الدرج، وهو ما وصفه الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية آنذاك بقوله: "إن الاحتلال تعمد إصابة المنظومة الصحية في مقتل" (3).

 

هذا الاستهداف، الذي يتكرر مرارا بما لا يدع مجالا للشك أنه مُتعمَّد، نجد تفسيرا له في آراء الجنرال والمؤرخ الحربي البروسي "كارل فون كلاوزفيتز"، الذي يُعَدُّ أبرز منظّري الحروب في مطلع القرن التاسع عشر. كان "كلاوزفيتز" يرى أن النهاية الأخلاقية للحرب تتمثل في تحقيق نصر سريع وإن حدث ذلك عبر "الوحشية"، ولم يترك مجالا أمام ضبط النفس أو الرحمة.

 

في كتابه الشهير "عن الحرب" (On War)، يستفيض "كلاوزفيتز" في مناقشة أهمية خدمات الرعاية الصحية خلال الحروب، وينصح باستهدافها لمنع الجنود من تلقي العلاج الذي قد يعيدهم إلى القتال، ويشير إلى أن القضاء على الموارد الصحية يزعزع الاستقرار الداخلي ويؤدي إلى فقدان الثقة في الدولة ويُشكِّل درجة أعلى من القمع، كما أن ثمة جانبا نفسيا يتمثل في تدمير الروح المعنوية وبثّ الرعب في نفوس السكان. وأحيانا تتمركز القوات المعادية وتضع أسلحتها داخل المستشفيات بعد الاستيلاء عليها، وهو ما يقلل من قدرة المقاومة على الردّ، خوفا على حياة الأهالي الذين يتلقون العلاج.

كتاب "عن الحرب" (On War) للمؤرخ الحربي البروسي "كارل فون كلاوزفيتز". (الصورة: مواقع التواصل)

وتتفق "ماريون دوبراي"، المتعاونة العلمية في برنامج "الحق في الوصول إلى الحقيقة"، مع "كلاوزفيتز" فيما يخص الآثار الناجمة عن استهداف الأنظمة الصحية، وتضيف أن تهديد المنشآت الصحية يُثني المصابين عن استخدامها حتى في ظل الحالات الحرجة (4). ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن للأمر كذلك عواقب على الصحة العقلية للعاملين في مجال الصحة، كما يؤثر على استعدادهم للذهاب إلى العمل (5).

 

ورغم التقارير التي تشير إلى تزايد استهداف نظم الرعاية الصحية خلال السنوات الأخيرة، فإن الدراسات حول ذلك لم تتوسع بالشكل المطلوب، ولا توجد سوى بضعة مؤلفات حديثة موثوقة تناقش المسألة، مثل "الحرب أو الصحة" للطبيب والناشط الفنلندي "إيلكا تايبال"، وكتاب الأميركي "فيكتور سيديل" المعنون بـ"الحرب والصحة العامة" الصادر عام 2007. غير أن الكتاب الأكثر شمولا في مناقشة تلك المسألة هو كتاب "الطب الخطير: النضال من أجل حماية الرعاية الصحية من عنف الحرب"، الصادر عام 2021 عن منشورات جامعة كولومبيا الأميركية من تأليف "ليونارد روبنشتاين".

 

و"روبنشتاين" هو أستاذ ومدير برنامج حقوق الإنسان والصحة في حالات الصراع في كلية "جونز هوبكنز" للصحة العامة، وكان في السابق رئيسا لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان. ورغم أن الكتاب دراسة عالمية، فإن المنطقة العربية تحتل مساحة بارزة في فصوله، ما يعكس استهداف الرعاية الصحية بشكل إستراتيجي ومنهجي في تلك المنطقة.

 

يتكون كتاب "الطب الخطير" من 8 فصول، يحاول عبرها "روبنشتاين" الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة باستهداف الأنظمة الصحية خلال النزاعات، وهي: ما الدافع وراء تلك الهجمات؟ هل أدت طبيعة الحرب المعاصرة إلى زيادتها؟ هل تتآكل القيم الإنسانية؟ ما الذي يمكن فعله لحماية الرعاية الصحية من العنف؟ وما الموانع التي تحول دون تنفيذ الخطوات المطلوبة؟ كما يرصد الكتاب بعض حوادث الاستهداف خلال الربع الأخير من القرن.

كتاب "الطب الخطير: النضال من أجل حماية الرعاية الصحية من عنف الحرب" من تأليف "ليونارد روبنشتاين". (الصورة: مواقع التواصل)

ويذكر "روبنشتاين" في مقدمة الكتاب حقيقة مثيرة للقلق، وهي أن مستهدفي أنظمة الرعاية الصحية لم يُقدَّموا  إلى العدالة إلا في مرة واحدة، بعد الهجوم على مستشفى "فوكوفار" في كرواتيا عام 1991، وهو يُرجِع ذلك إلى استخدام حق النقض "الفيتو" من قِبَل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إذ يوفرون من خلاله الحماية للجناة.

 

ويشير "الطب الخطير" إلى مُنظّر بروسي آخر هو "فرانسيس ليبر" باعتباره أحد الذين رسخوا فكرة إلحاق الضرر بالمدنيين من أجل إنهاء الحرب سريعا، وتنظيرات "ليبر" تقوم على فكرة "أنه من الأخلاقي استخدام وسائل وحشية لإنهاء حرب عادلة"، مثلما أعلن أنه لا يجب الالتزام بحماية المستشفيات إلا بالقدر الذي تسمح به طوارئ القتال. ويؤكد "روبنشتاين" أن ذلك المنطق لا يزال حاضرا إلى اليوم في تفكير بعض قادة الجيوش، وأن نهج "ليبر" المتمثل في إخضاع الإنسانية للضرورة تسبب في عواقب وخيمة على الرعاية الصحية، خاصة مع توفر تقنيات حربية حديثة مثل القوة الجوية.

 

الأمر المثير أن وزارة الحرب الأميركية (تم ضمها لوزارة الدفاع في نهاية الأربعينيات) قامت بتعيين "ليبر" عام 1863 عضوا في مجلس إدارة الحرب، ورغم كونه المدني الوحيد بين الأعضاء، فإنه صاغ أغلب مدونة تنظيم سلوك جنود الاتحاد في الحرب الأهلية، ومنذ ذلك الحين عُرف باسم قانون "ليبر"، ولا يزال تأثيره ممتدا إلى اليوم. وتكفي الإشارة إلى قيام الجيش الأميركي بمراجعة قانون "ليبر" قبيل الحرب العالمية الأولى، واعتماده مرجعا في قواعد الحرب البرية، ولا تزال النسخة الحالية من دليل قانون الحرب الصادر عن وزارة الدفاع تشيد بقانون "ليبر"، واصفة إياه بأنه "وثيقة قانون الحرب الأساسية للولايات المتحدة"، رغم أنها تعترف أن "أجزاء منه لم تعد تعكس القانون الحالي".

 

فلسطين.. معاناة يومية حين يُنظر إلى مجتمعات بأكملها باعتبارها أعداء، جراء تعصب واختلاف عقائدي على سبيل المثال، الأمر الذي يؤدي إلى استهداف المدنيين ونظام الرعاية الصحية بدم بارد. (الصورة: الفرنسية)

ويسلط "الطب الخطير" الضوء على معاناة النظام الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر فصل كامل، بدءا من التأثير الضار الذي يُحدثه تعنت نقاط التفتيش العسكرية لدولة الاحتلال، خلال انتقالات العاملين في مجال الصحة، والتأخير المتعمد من قِبَل جيش الاحتلال لعربات الإسعاف التي تحمل المرضى، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الوفيات أو تفاقم الإصابة في الكثير من الأحيان.

 

ويوثق "روبنشتاين" حادثة استشهاد 6 فلسطينيين من مسعفي الطوارئ على أيدي جنود الاحتلال، إبان ذروة الانتفاضة الثانية في الأراضي المحتلة في مارس/آذار 2002، حين كان المسعفون يقومون بإجلاء المصابين جراء القتال الدائر في الضفة الغربية. كان "روبنشتاين" في تلك الأثناء يقود مجموعة من المحققين الطبيين من "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في غزة والضفة. ويروي أن من بين الضحايا الدكتور "خليل سليمان"، مدير جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وهي جزء من الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، في مدينة جنين بالضفة الغربية، والدكتور "أحمد عثمان"، مدير مستشفى قرب بيت لحم.

 

إحدى الملاحظات الذكية التي يوردها "الطب الخطير" وتصلح للتطبيق على الشأن الفلسطيني، حين يُنظر إلى مجتمعات بأكملها باعتبارها أعداء، جراء تعصب واختلاف عقائدي على سبيل المثال، الأمر الذي يؤدي إلى استهداف المدنيين ونظام الرعاية الصحية بدم بارد. ويذكر "روبنشتاين" أنه ما بين عامي 2000-2002، أصاب جنود الاحتلال 134 شخصا من مسعفي الطوارئ التابعين لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وألحقوا أضرارا بـ174 سيارة إسعاف، كما يورد مشهدا دمويا وصفه أحد قادة الكيان، حين رأى دبابة تسحق سيارة إسعاف فلسطينية دون ضرورة!

 

ويوضح "روبنشتاين" أن آثار تلك الهجمات تتعدى مناطق الاشتباك، إذ تغذي مشاعر انعدام الحسّ الأخلاقي وفقدان الثقة في المحيط وتُرسِّخ الغضب، كذلك تهدد قيما أخلاقية مثل حياد مقدمي الرعاية الصحية، وهي القيمة التي تحفظ حق الفرد في العلاج بغض النظر عن انتمائه أو عِرقه. ويتساءل "روبنشتاين": كيف يمكن أن يلتزم طبيب بالحياد عند تفجير مكان عمله وتعريض حياته للخطر؟ بل إن السلبيات تمتد كذلك إلى أمور أكثر خطورة، والكتاب يعطي مثالا واضحا عبر الإشارة إلى الهجمات على العاملين في حملة التطعيمات في باكستان، الأمر الذي قد يدفع الكوكب بأكمله سنوات إلى الوراء، ويقوّض الجهد المبذول على مدار عقود للقضاء على مرض مثل شلل الأطفال.

 

جرائم الحرب؟! القانون الدولي الإنساني يحمي المستشفيات على وجه التحديد، واتفاقيات "جنيف" وبروتوكولاتها الإضافية تنصّ على حماية المرضى والجرحى والطواقم الطبية.  (الصورة: رويترز)

وفيما يخص القوانين الدولية، يوضح "أليكس وايتنج"، المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية وأستاذ القانون الدولي بجامعة هارفارد (6)، أن القانون الدولي مراوغ بعض الشيء حيال استهداف المنشآت الصحية أثناء الحروب، ومن أجل وضع ذلك في إطار جرائم الحرب، يجب إثبات أن الهجوم تم عن عمد، أما إذا كانت هناك أهداف عسكرية قريبة من المنشأة الصحية، فإن إثبات جريمة الحرب يُعَدُّ أمرا صعبا، الأمر الذي يوفر ثغرة للكيان المُحتل ويسوّغ له الإفلات بجرائمه، إذ يدعي دوما أن غاراته على غزة تستهدف في المقام الأول الأنفاق والمقار التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية "حماس". في الوقت ذاته، اتهمت عدة تغريدات على منصة إكس (تويتر سابقا) "موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC" بالضلوع في تحريض الاحتلال على قصف منشآت الرعاية الصحية في غزة، إثر مزاعم من "ليز دوسيه"، كبيرة المراسلين الدوليين في جنوب دولة الاحتلال، بوجود أنفاق للمقاومة أسفل المستشفيات والمدارس والمساجد في غزة (7).

 

وتختلف "ماريون دوبراي" مع "وايتنج" في الرأي (8)، إذ تشير إلى أن القانون الدولي الإنساني يحمي المستشفيات على وجه التحديد، واتفاقيات "جنيف" وبروتوكولاتها الإضافية تنصّ على حماية المرضى والجرحى والطواقم الطبية، ولا يجوز استهدافها تحت أي ظرف، بل وينطبق هذا أيضا على العسكريين الجرحى الذين يعالجون في المستشفى، وعلى العاملين الطبيين المسلحين، إذا ما كانوا مسلحين للدفاع عن حياتهم وحياة الجرحى.

 

وتنصّ اتفاقيات جنيف الأولى والرابعة على أن الاستثناء الوحيد يكون عند استخدام المستشفيات والوحدات الطبية خارج نطاق واجبها الإنساني، لارتكاب أعمال عسكرية، مثل وجود هجوم من المستشفى ذاته. لكن حتى مع ذلك، يجب أن يسبق الهجوم تحذير، وعلى المهاجم اتخاذ جميع التدابير التي من شأنها حماية حياة المدنيين والمرضى داخل المنشأة (9)، بل إن البروتوكول الإضافي الأول أدرج كذلك التعدي على الوحدات الطبية العسكرية ضمن جرائم الحرب.

————————————————————————————-

المصادر: موقع الجزيرة 17 أكتوبر 2023 تغطية الجزيرة 18 أكتوبر 2023 موقع وزارة الصحة الفلسطينية Geneva Solution March 2022 تقرير الأمم المتحدة، أغسطس 2021. Newsweek July 2022 BBC 16 Oct. 2023 المصدر رقم 4 Geneva Protocol, rule 28

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الرعایة الصحیة القانون الدولی الصحیة خلال الأمر الذی الذی ی من أجل

إقرأ أيضاً:

كيف أثرت الحرب على الحالة الصحية لسكان قطاع غزة؟

غزة- خلال شهور الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، عانى 10 من أحفاد نهلة أبو عشِيبة (62 عاما)، من أمراض لم تسمع عنها من قبل.

في البداية، وفي شهر أبريل/نيسان الماضي، أُصيب اثنان من أحفادها (17 و18 عاما) بمرض التهاب الكبد الوبائي (أ)، ودخلت حفيدتها "فرح" حالة الخطر الشديد جراء هذا المرض دون توفر أي علاج متاح، عدا تناول السكريات والابتعاد عن الدهون، حسبما أخبرها الأطباء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"عملية يافا" وطوفان الاستشهاديين.. كيف تُغيّر مسارات الحروب؟list 2 of 2غلوبس: قطاع التكنولوجيا في إسرائيل يواجه “عاصفة كاملة”end of list

ورغم أن المرض شديد العدوى، فإن عزْل الحفيدين كان صعبا على العائلة البالغ عدد أفرادها نحو 60 شخصا، ويقيمون في مركز إيواء بمخيم دير البلح وسط القطاع.

انتشار الأمراض

وما إن شُفيا، حتى بدأ وباء آخر بإصابة أحفادها، وهو مرض القوباء الجلدي البكتيري، شديد العدوى، الذي يحتاج لتناول مضاد حيوي فموي ومرهم يُدهن على الجلد لعلاجه. وبلغ عدد الأحفاد المصابين بالمرض الجلدي 8، دون توفر علاج لهم في عيادات الحكومة أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولا حتى في الصيدليات الخاصة.

ويشكو سكان القطاع من أمراض عديدة أصابتهم خلال الحرب، أغلبها مستجد ولم يألفوه من قبل، كما أن العديد منها مجهول ولم يتم تشخيصه.

وتُلقي وزارة الصحة بغزة باللائمة على إسرائيل بسبب تدميرها الممنهج للقطاع الصحي، وحرمان السكان من مياه الشرب النقية، وحصارها المشدد المفروض على الأدوية والوقود اللازم لتنقية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي والتخلص من النفايات، بالإضافة إلى دفع السكان للنزوح المتكرر والإقامة في مراكز إيواء مزدحمة للغاية دون أي مقومات للحياة.

وأعلنت الوزارة، خلال العام الماضي، اكتشاف فيروس وباء شلل الأطفال، وسبقه انتشار وباء التهاب الكبد الوبائي (أ) والعديد من الأمراض الجلدية.

يرى الدكتور ماهر شامية وكيل وزارة الصحة المساعد في غزة، أن الحرب أثرت بشكل خطير على حالة الصحة العامة للسكان، وكانت البداية من قرار إسرائيل تدمير القطاع الصحي بشكل منهجي لدفع السكان إلى الرحيل.

مرضى يتكدسون أمام صيدلية في إحدى عيادات وكالة أونروا للحصول على بعض الأدوية (الجزيرة) استهداف قطاع الصحة

وأضاف الدكتور شامية -للجزيرة نت- أن الحرب استهدفت السكان بشكل أساسي ومقومات صمودهم وأهمها الصحة. وعدّد أهم استهدافات الاحتلال لها على النحو التالي:

تدمير المؤسسة الكبرى، مجمع الشفاء الطبي في شمالي القطاع، وفي الجنوب إخراج مستشفيات أبو يوسف النجار، والهلال الأحمر الإماراتي، والكويتي، ودار السلام، عن الخدمة، في حين يعمل المستشفى الأوروبي جزئيا، وما زال مستشفى "ناصر" تحت التهديد، أما المستشفى الوحيد بالمنطقة الوسطى "شهداء الأقصى" فيعمل بنحو 10% من طاقته. تدمير المستشفى الوحيد المتخصص للأورام وهو "الصداقة التركي الفلسطيني" منذ بداية الحرب، مما أدى إلى تفاقم معاناة المرضى لعدم توفر الأدوية والأخصائيين ومكان يقدم الخدمة. إخراج 3 مستشفيات للأطفال عن الخدمة بعد تدميرها وهي "النصر"، و"عبد العزيز الرنتيسي"، و"محمد الدرة". تدمير مستشفيي "الصحة النفسية، والعيون"، المتجاورين، وإخراجهما عن الخدمة. تدمير مراكز الرعاية الأولية وأهمها "صبحة الحرازين"، و"شهداء الزيتون"، و"السلام"، و"شهداء الرمال"، و"الشيخ رضوان"، و"شهداء جباليا".

تدمير مختبر الصحة العامة المركزي، وهو الوحيد الذي يفحص الأدوية وكل ما يُشرب ويؤكل. منع إدخال الأدوية والمهمات الطبية، حيث وصلت نسبة العجز فيها 83%، وإحراق 70% من مستودعات الأدوية الحكومية. تحييد غالبية الأجهزة الطبية المهمة في المستشفيات والمراكز الطبية، فمثلا لا يوجد أي جهاز رنين مغناطيسي يعمل في القطاع. تدمير 130 سيارة إسعاف من أصل 200. عدم توفر أخصائيين في شمالي القطاع، فمثلا لا يوجد أي إخصائي "صدرية" و"أورام"، ويعود ذلك على بقية التخصصات. توقف خدمات القسطرة القلبية تماما في شمالي القطاع، وإجراؤها للحالات الطارئة فقط في المستشفى الأوروبي بالجنوب. توقف خدمات التأهيل بشكل كامل، بعد تدمير مستشفيات الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، و"الوفاء"، و"الأمل". إيقاف العمليات المجدولة مثل استئصال المرارة والفتاق والبواسير وغيرها، منذ عام، بهدف توفير غرف العمليات لجرحى الحرب. صيدليات "أونروا" تعاني من نقص حاد في الأدوية جراء الحصار الإسرائيلي لغزة (الجزيرة) أخطار مستقبلية

ويحذر الطبيب شامية من مخاطر صحية كبيرة سيواجهها قطاع غزة بعد انتهاء الحرب جراء الكم الهائل من المتفجرات التي استخدمتها إسرائيل، والتي ستؤدي إلى مشاكل جمّة، ليس أقلها تلوث الهواء والتربة والمخزون المائي الجوفي.

كما تطرق إلى الآثار النفسية الخطيرة التي سيعاني منها السكان عقب العدوان وستحتاج إلى فترات علاج طويلة، ولن "تجدي عمليات التفريغ النفسي والدعم الاجتماعي معها نفعا".

وأدت الحرب إلى انتشار أمراض لم تُسجل في القطاع منذ عقود طويلة مثل الجرب والالتهابات البكتيرية والفطرية وحمو النيل، وزادت من حالات الإكزيما والحساسية الجلدية.

انهيار الوضع الصحي في غزة أدى إلى بيع الأدوية على الطرقات (الجزيرة)

ويقول الطبيب موسى عابد مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة، إن مرض شلل الأطفال كان أخطر ما تم كشفه، وتم تداركه عبر حملة تطعيم بدعم دولي.

ويؤكد أن اكتشاف أمراض خطيرة وقاتلة مثل الكوليرا، هي "مسألة وقت ليس إلا في حال استمرت الحرب"، مستشهدا بتسجيل بعض الحالات في اليمن. وتطرق إلى انتشار الأمراض الجلدية، متهما الاحتلال بالمسؤولية عن ذلك، مؤكدا عدم توفر العلاج اللازم لها جراء منع الاحتلال إدخال الأدوية.

ويلفت أخصائي التغذية والجهاز الهضمي الطبيب محمد الراعي إلى أن إسرائيل أثرت على صحة سكان القطاع عبر سياسة التجويع وسوء التغذية طوال عام كامل.

ويضيف للجزيرة نت أن وجبة الغذاء السليمة يجب أن تحتوي على جميع العناصر الغذائية كالكربوهيدرات والبروتين والدهون، والمعادن والفيتامينات، لكن وجبات غالبية السكان -طوال عام مضى- لا تحتوي إلا على الخبز أي الكربوهيدرات فقط، مؤكدا أن هذا الأمر ألحق ضررا بكافة فئات السكان، سواء كانوا أطفالا أو كبار السن، أو من الفئة المتوسطة.

لا يوجد عدد كاف من الأَسِرّة في المستشفيات وغرف العمليات ما يضطر الأطباء إلى فحص المرضى وهم ملقون على الأرض (الجزيرة)

وأوضح أن الأطفال وخاصة من هم أقل من 5 سنوات عانوا من النحافة ونقص الوزن، وهو ما يؤثر على طولهم ونموهم وقد يؤدي إلى تقزمهم وضعف مناعتهم، وبالتالي الإصابة بالأمراض ودخول المستشفيات.

وحذر من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى "كارثة"، وإلى تدهور صحة كبار السن والأطفال، وانتشار فقر الدم "الأنيميا" وأمراض مثل "الكساح" للأطفال، وعدم القدرة على المشي، و"عواقب أخرى لا تحمد عقباها".

مقالات مشابهة

  • منحة “صحة أبوظبي” و”معاً” تجمع 15 مليون درهم لتمويل أبحاث الرعاية الصحية
  • سفير السويد: ندعم بناء القدرات وتبادل المعرفة بقطاع الرعاية الصحية مع مصر
  • وزير الصحة: نظام الرعاية الصحية في مصر يشهد مراحل تطور سريعة
  • جمع 15 مليون درهم لتمويل أبحاث الرعاية الصحية في أبوظبي
  • بوريل: «الاحتلال الإسرائيلي» يستهدف العاملين بمجال الرعاية الصحية في بيروت
  • منحة صحة أبوظبي ومعاً تجمع أكثر من 15 مليون درهم لتمويل أبحاث الرعاية الصحية
  • دائرة الصحة – أبوظبي وهيئة المساهمات المجتمعية – معاً تجمعان أكثر من 15 مليون درهم لتمويل منحة أبحاث وابتكارات الرعاية الصحية في الإمارة
  • وزير الصحة: الرعاية الأولية خط الدفاع الأول للمنظومة الصحية
  • كيف أثرت الحرب على الحالة الصحية لسكان قطاع غزة؟
  • وزير الصحة: استراتيجيات شاملة لمكافحة السمنة تبدأ من مراكز الرعاية الصحية الأولية