"لو ذاقَ أيوبُ بعضاً من مصائِبِنا.. لكان سُمِّيَ أيوب الفلسطيني"

إن ما يكتبه الشعراء الصورة التي يراهم بها الناس ويشكل هوياتهم وتعريفهم الذي اشتهروا به، مثل قصيدة "نشيد الصعاليك" للشاعر حيدر محمود، الذي طُرد من وظيفته العالية بسببها.

وبعض الأبيات تذهب مثلاً شهيراً، ويُعرف أصحابها بها.. مثل هذا البيت الذي افتتحت به المقال، الذي سبب لشاعرنا تسمية أيوب، بسببه.

.

ومنذ يومين قرأتُ قصيدة متينة عن القدس، بعنوان "الأنبياء جميعهم فيها"، تساءلتُ في نفسي لمن هذه القصيدة الجزِلة الألفاظ والمعاني، فلم يتأخر جواب الغوغل أنها لحيدر محمود.. ونظراً لجمال القصيدة، قررتُ أن أكتب عن هذا الشاعر وأن أختم المقال بها.

ترجمته

هو حيدر محمود حيدر المولود عام 1942 في بلدة طيرة حيفا في فلسطين. لجأ مع عائلته عام 1948 إلى مخيم الكرامة في الأردن حيث درَسَ المرحلة الابتدائية في مدرسة الكرامة، وهناك بدأ بنظم الشعر وهو صغير.. ثم انتقلت أسرته إلى عمّان عام 1955، وهناك أنهى الثانوية العامة في كلية الحسين عام 1959، وتوقف عن التعليم مؤقتاً ليعمل في أعمال يومية يستطيع الاستعانة بمردودها على العيش. لكنه لم يتوقف عن المطالعة الخارجية وشراء الكتب وتثقيف نفسه..

في هذه الأثناء عمل كسكرتير تحرير في جريدة الجهاد المقدسية، ثم عمل لدى إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية. وذلك في بداية ستينيات القرن المنصرم، ثم ما لبث وأن أصبح كبير المذيعين فيها، وهو في بداية منتصف العشرينات من عمره، وذلك نظراً لاجتهاده وصوته الرخيم.

أُعجب به رئيس الوزراء وصفي التلّ (الذي شغل سابقاً منصب رئيس الإذاعة والتلفزيون)، فأوفده إلى بريطانيا لدراسة الإعلام، وحصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام من لندن عام 1963.

بعد عودته، عمل في التلفزيون الأردني مذيعاً للأخبار، ومُعِداً للبرامج. ثم مراقِباً عاماً للإذاعة لثلاث سنوات. ثم انتقل إلى تلفزيون دبي لمدة سنة واحدة، عاد بعده في عام 1980 إلى الأردن بأمر من الملك حسين ليشغل، منصب مدير عام دائرة الثقافة والفنون لمدة ثماني سنوات.

أكاديمياً، حصل في تلك الفترة، على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا عام 1979. ونال الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية العالمية للآداب في الصين.

بقي في منصب مدير عام دائرة الثقافة والفنون ثماني سنوات من عام 1980 إلى 1988. ثم أصبح مستشار رئيس الوزراء عام 1989، حتى كتب قصيدته الشهيرة "نشيد الصعاليك"!

ألقى الشاعر هذه القصيدة في احتفال أقامته جامعة اليرموك في أرربعين رحيل شاعر الأردن «عرار» واسمه مصطفى التل في 3 نيسان (أبريل) 1989، قبل هَبَّة مَعَان الكبيرة في 15 نيسان (أبريل)، انتقد فيها الفساد والمحسوبيات في الدولة.. فعُزل على إثرها من منصبه، واعتقلته المخابرات وسُجن. لكن الملك حسين أمر بإطلاق سراحه الليلة نفسها. وأُبعد عن العمل السياسي الداخلي في المملكة. وعُيّن مستشاراً لقائد القوات المسلحة لسنة واحدة، ثم سفيراً للأردن في تونس لمدة تسع سنوات (1991 ـ 2000).

يقول في قصيدته "نشيد الصعاليك":

عفا الصّفا، وانتفى، يا مصطفى            ..               وعلتْ ظهورَ خير المطايا شرُّ فرسانِ
فلا تَلُمْ شعبك المقهورَ، إنْ وقعتْ           ..               عيناكَ فيه، على مليون سكرانِ!
قد حَكّموا فيه أَفّاقينَ، ما وقفوا              ..                يوماً بإربدَ أو طافوا بشيحانِ
ولا بوادي الشّتا ناموا ولا شربوا           ..                من ماءِ راحوبَ، أو هاموا بحسبان!
فأمعنوا فيه تشليحاً وبهدلةً                   ..               ولم يقلْ أَحدٌ كاني ولا ماني!
ومن يقولُ؟ وكلُّ الناطقين مَضَوْا          ..                 ولم يَعُدْ في بلادي غيرُ خُرسانِ!
ومَنْ نُعاتبُ؟ والسكيّنُ مِنْ دَمِنا             ..                 ومن نحاسِبُ؟ والقاضي هو الجاني!
يا شاعرَ الشَّعبِ، صارَ الشّعبُ مزرعةً      ..                  لحفنةٍ من عكاريتٍ وزُعرانِ!
لا يخجلونَ، وقد باعوا شواربَنا               ..                  من أن يبيعوا اللحى، في أيّ دكّانِ!!
فليس يردعُهُمْ شيءٌ، وليس لهمْ         ..                  هَمُّ سوى جمعِ أموالٍ، وأعوانِ!
ولا أزيدُ. فإنّ الحالَ مائلةٌ                         ..                  وعارياتٌ من الأوراقِ، أَغصاني!
وإنّني، ثَمَّ، لا ظهرٌ، فيغضبَ لي               ..                    وإنّني، ثَمَّ، لا صدرٌ فيلقاني!
ولا ملايين عندي كي تُخلّصني              ..                    من العقابِ، ولم أُدعَمْ بنسوان!
وسوف يا مصطفى أمضي لآخرتي      ..                    كما أتَيْتُ: غريبَ الدّارِ، وحداني!

عودته

بعد عودته من تونس عام 2000، أصبح عضواً في مجلس الأعيان السادس والعشرين والسابع والعشرون.

ثم وزيراً للثقافة في (2002 ـ 2003) ومرة ثانية في حكومة 2003.

‏كتب الشعر الوطني في فلسطين والأردن، يعترض عليه البعض أن أردنيّته غلبت فلسطينيته، غير أن ذلك لم يكن مقياساً تنافسياً، وأن المغالبة غير موجودة بين الجنسيتين.. لذلك كثيراً ما يُعرّف عنه بالشاعر الأردني، فهو يُعتبر من أبرز الشعراء الأردنيين حيث كانت له إسهامات كبيرة في إثراء الحركة الثقافية الأردنية، وقد تُرجمت بعض أعماله الشعرية إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.

كان ينشر قصائده ضمن "رابطة الوعي الإسلامي"، وهي أول رابطة للشعراء من ذوي التوجه الإسلامي، وكان مقر الرابطة في سوريا. وهو يقترب من الصوفية من دون أن ينخرط فيها، يعجبه ابن عربي وكتابه "الفتوحات المكية" الذي يقول بأنه قرأه أكثر من عشرين مرة.

مؤلفاته

ـ يمرَ هذا الليل 1969
ـ اعتذار عن خلل فني طارئ 1979
ـ شجر الدفلى على النهر يغني 1981
ـ لائيات الحطب 1985
ـ من أقوال الشاهد الأخير 1986
ـ الأعمال الكاملة "الطبعة الأولى" 1990
ـ النار التي لا تشبه النار 1999
ـ الجبل 1999
ـ الأعمال الكاملة "الطبعة الثانية" 2001
ـ في البدء كان النهر 2007
ـ عباءات الفرح الأخضر 2008
ـ أراجيل وسيوف (مسرحية) 1969
ـ برجاس (مسرحية) 1977

التكريم والجوائز

ـ جائزة ابن خفاجة الأندلسي الإسبانية 1986 عن ديوان لائيات الحطب.
ـ جائزة الدولة التقديرية في الأردن عام 1990
ـ جائزة الشعر في جوائز الملك عبد الله الثاني للإبداع.
ـ وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة سنة 1970
ـ وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية سنة 1980
ـ وسام الاستقلال من الدرجة الأولى سنة 1991
ـ وسام الاستحقاق الثقافي من تونس سنة 1999
ـ وسام مئوية الدولة، من الملك في احتفال عيد الاستقلال بتاريخ 25 مايو 2021

صدر عن مؤسسة عبد الحميد شومان، كتاب جديد بعنوان "حيدر محمود.. شاعراً وإنساناً". ويتضمن الكتاب الذي يقع في 272 صفحة، يضم وقائع الندوة التي نظمتها المؤسسة تكريماً للشاعر باعتباره "ضيف العام" في 2016، وشارك فيها أكاديميون وكتاب ومثقفون أردنيون وعرب.

من أشعاره

قَدَرٌ أنْ تَسيلَ منكِ الدماءُ

قَدَرٌ أنْ تَسيلَ منكِ الدماءُ             ..               يا عَروساً خُطَّابُها الشًهداءُ
لستِ أرْضاً، كسائرِ الأرض         ِ..                لكنّكِ في أعينِ السًماءِ سَماءُ
من هنا تَبْدأ الطًريقُ إلى اللهِ          ..                وقد مَرّ مِن هنا الأنبياءُ
ويمُرّون من هنا كلما هَبَّ            ..                 نسيمٌ أو لاحَ منها سناءُ
ليقولوا للقادمين إلى الجَنّة            ..                 منها، بكم يطيبُ اللقاءُ
يا سخاءَ الشًتاءِ، في غَيْمِها           ..                  الرًاعِفِ هذا هو السّخاءُ السّخاءُ
كُلًما سالَ، قالت الأرضُ: زيدي      ..                  مَطَراً فالعُروقُ فيَّ ظِماءُ
مِنْ زمانٍ لم يَحْملِ الغَيْمُ غيثاً         ..                  من زمانٍ ما بلَّ ثَغريَ ماءُ
من زمانٍ لم يُطْلعِ الرَملُ ورداً           ..                 مِنْ زمانٍ لم تُمرعِ الصَحراءُ
من زمانٍ لم تصْهلِ الخيلُ                ..                 والنخلُ عقيمٌ.. والشَعرُ والشعراءُ
لَكِ يا قُدْسُ ما يليقُ بعيْنَيْك             ِ..                من الكُحْلِ، والدَمُ الحِنَاءُ
عَيْبُنا أنَنا عَجِزْنا عن الموتِ                    ..                 ولكنْ لم يَعْجَزِ الأبناءُ
فَلَقد أقبلوا، كأنَ صلاح الدين           ..                 فيهم، وفي يديْهِ اللواءُ
أيُها الطًيٍبونَ، لن تستجيب                ..               الأرض لكنْ سَتَسْجيبُ السَماءُ

نشيد إلى غزة

لك المجدُ يا أرضَ الشهادةِ
وانفضي غبارَ الأسى
 عن هذه الأَنْفُسِ التَّعْبى
 وَمُدّي إليها ريحَك الصَّرْصَرَ التي
 ستُخِرجُ منها الزَّيفَ، والخوفَ، والرٌّعبا
 فهذا أوانُ الحَسْمِ:  نُوشِكُ أنْ نرى
 ولو مرّةً نَصْراً يُعلّي لنا الكَعْبا!
 فأكبادُهم ليست أَعَزَّ من التي
 تُقَطِعُها سكّينُ أحقادِهِمْ إرْبا
 ولا دَمُهُمْ أغلى
 من الأحمر الذي يسيلُ غَزيراً
 وَهْوَ لم يقترفْ ذَنْبا!
 ويا رَمْلَنا المقَهورَ ثُرْ في شعابِنا
 وأَعْلِنْ على «كُلّ الصَهّاينةِ» الحَرْبا
 فلا كانت الصَّحراءُ صحراءَ عِزّنا
 إذا لم تَكُبَّ الطامعين بِها كَبّا
 ويا بحرُ أغْرِقْهُمْ بموجِكَ
 وابتلعْ أساطيلَهُمْ
 واشربْ بوارِجَهُمْ نَخْبا
 ليعرفَ «صُهيونٌ» ويعرفَ «رَبْعُهُ»
 بأنّ لهذا البحرِ من أهْلِهِ سُحْبا
وما شَهِدَ الغازونَ. مِنْ مُرّ طعنِهِمْ أَمَرَّ،
 ولا ذاقوا كضربِهِمو ضَرْبا!
 ويا "غَزّةَ الأحرارِ"،
 فَجْرُكِ قادِمٌ قَرِيباً
فإنّ اللهَ خَصَّكِ بالعُقْبى!!


الأنبياء جميعهم فيها
إنْ لم تُطارِدْهُمْ حجارةُ دُورِها
فَلَسَوْفَ يَخْنُقُهُمْ تُرابُ قُبورِها
شُهداؤها الأحياءُ حٌرّاسٌ على
أحيائها الشُّهَداءِ فَوْقَ صُخورِها
سَيُعاوِدونَ بِناءَ ما هَدَمَ العدا
وَسَيُخْرِجونَ "جِدارَهُمْ" مِنْ "سورِها"
الأنبياءُ جميعُهُم فيها، ومِنْ
أنفاسِهِمْ سَيفوحُ نَهْرُ عَبيرِهـا
قَسَماً بِهـا، وَهْيَ التي منها إلى
رَبِّ السّماءِ، يَمُرُّ دَرْبُ نَذِيرِهـا
لن يَسْلَمَ الغازي منَ الغَضَبِ الذي
يَمْتَدُّ بين شَهيقِها وَزَفيرِهـا
وَسَيَنْتَهي الليلُ الطويلُ، كما انتهت
كُلُّ الليالي، باكْتِمالِ بُدورِهـا
مَنْذورَةٌ عَيْني لِيَوْمِ لِقائِها
وهي الوَفِيَّةُ دائِماً لِنُذورِها
عَيْني على مِحْرابِها.. عَيْني على
أبوابِها، وعيونِها، وثُغورِها
عَيْني على زَيْتونِها يبكي على
"زَيْتونها" فَتَفيضُ أدْمُعُ "طورِها"
وأُسائِلُ الطّورَ العظيمَ: إلى متى
سَتَطولُ غيْبةُ نارِها عن نورِها؟
فَيُجيبُني: "والتّينِ والزّيتونِ" سوفَ
تَرَوْنَ.. حينَ ترَوْنَ "جَمْرَ" طُيورِهـا

*كاتب وشاعر فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطيني الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذی ی ـ وسام

إقرأ أيضاً:

حسن المطروشي ... معلّقة عمانيّة

تعود معرفتي بالصديق الشاعر حسن المطروشي الذي توّج فائزًا بالمركز الأول في برنامج «المعلّقة» في الشعر الفصيح، إلى قبل أكثر من ربع قرن، عندما استمعت إلى شعره في أمسية أقيمت بنادي (سداب) وأبهرتني ألفاظه التي يبرع في انتقائها، ورسم صور فنية مدهشة، مستدعيًا رموزًا من التاريخ العام والشخصي، ليصبّها في قالب تعبيري جديد، وبعد انتهاء الأمسية، أحببتُ أن أحيي الشاعر، الذي وجدت نفسي مشدودا إلى فضائه الشعري، فانتظرته، عند باب النادي، ولم يطل انتظاري، فقد جاء بصحبة الصديق الشاعر محمد البريكي الذي كان من بين المشاركين، وقد لفت نظري نصّه أيضا، فصافحتهما، وعلى الفور اتفقنا على لقاء قريب، وفيه طلبت الاطلاع على المزيد من شعره، فأهداني نسخة من ديوانه (قَسَم)، وهو الثاني له بعد ديوانه الأول (فاطمة)، وحين قرأت (قَسَم) وجدتُ أن طاقته الشعريّة أكبر منه، فالموضوعات لم تخرج عن السائد، إلّا في التعبير، والبناء المحكم، والانضباط العروضي، وكنتُ حريصًا على توضيح ذلك في لقائنا الجديد، ولكنني لم أكن أعرف كيف ستكون ردّة فعله، وحين التقينا، ودار حديث حول الديوان، قلت له رأيي بصراحة، وفوجئت بردّة فعله، فقد ضحك طويلا، وشاركني الرأي، وعلمت أن المناخ الشعري التقليدي السائد يملي، أحيانًا، على الشاعر مسايرته، فارتحت كثيرا لردّة فعله، وتقبّله الملاحظات، وإن كانت قاسية، هذا التقبل يعني أنه يمتلك ذائقة شعرية ونقدية عالية، وقد لاحظت أنه حين جمع أعماله الشعرية عام 2022م رفع ديوانيه الأول (فاطمة) والثاني( قَسَم) منه، وفي ذلك اللقاء، أسمعني نصوصا جديدة لم يكن قد دفعها للنشر بعد، فعاد انبهاري الأول به، وكانت تلك النصوص عربون صداقة بقيت مستمرّة لليوم، وأذكر أنني كنت يومها مراسلًا لأكثر من مطبوع عربي من بينها: مجلّة (الصدى) الإماراتية، و(الفينيق) الأردنيّة، و(الزمان) اللندنيّة، فأخذت عددًا من تلك النصوص، وبعثتها لتلك المطبوعات، ونشرت، وحين أقيم مهرجان (المربد) الشعري عام 2000م كان اسمه في مقدّمة الأسماء التي رشّحتها للمشاركة، إلى جانب الصديق البريكي والشاعر الراحل يحيى الإزكي والشاعر السوري هاني نديم، وفي بغداد التي احتضنت فعاليات المهرجان، حقّق المطروشي مع زملائه الحضور الذي كان متوقّعا، وعاد من بغداد بدعوة جديدة لبيت الشعر في الأردن من الشاعر الراحل حبيب الزيّودي -رحمه الله- وكان الزيّودي من المشاركين في المهرجان، ووجد في صوت المطروشي الشعري ما يعزّز المهرجان، ثم شارك المطروشي، في مسابقة مجلة الصدى الإماراتية، ونال المركز الثاني، وفي (دبي) التقى بالفائزين الذين يشكّلون اليوم علامات واضحة في المشهد الشعري العربي، ومن بينهم: جاسم الصحيح وعارف الساعدي، وأحمد بخيت، وعماد جبار، وعامر عاصي، وتوالت مشاركاته خارج سلطنة عمان، ومن بينها مشاركته في ملتقى الشارقة الثالث للشعر العربي، الذي أقيم في الفترة ٦- ٨ أكتوبر ٢٠٠٣م، وأكّد تميّزه، ولم يتوقّف عند ذلك، فقد بذل جهودًا في القراءة، وخاض تجارب حياتية، وزاد احتكاكه بالتجارب الشعرية العربية المتحقّقة، فنضجت تجربته، وأصدر مجموعة من الدواوين من بينها: (وحيدًا .. كقبر أبي)، و(على السفح إيّاه)، و(لَدَيَّ ما أنسى)، و(مكتفيا بالليل)، و(ليس في غرفتي شبح)، و(أحدّق باتّجاه الريح)، وأنجزت عن شعره أطروحة ماجستير بعنوان (الصورة الفنية في شعر حسن المطروشي) للباحث راشد السمري، وأخرى بعنوان (التناص في مجموعة «وحيدا .. كقبر أبي») للباحثة فتحية السيابية، وترجمت أعماله الشعرية إلى عدّة لغات، منها النصوص التي ترجمها الشاعر الفلسطيني نزار سرطاوي إلى الإنجليزيّة، وترجمت مجموعته الشعرية (لديّ ما أنسى) إلى الفرنسية، حيث قامت بترجمتها الشاعرة المغربية عزيزة رحموني، وصدرت ترجمة إسبانية لمختارات من شعره بعنوان (أطلّ عليكم من هذه الكوة) عن وزارة الثقافة بكوستاريكا.

اللافت في شعر المطروشي أنه يستقي رؤاه ولغته ورموزه من التراث العربي كونه تسلّح بثقافة تراثية قبل أن يفتح تجربته على هواء الحداثة:

«ما ليلةُ القدرِ؟

كانَ حمامكِ يهدلُ في مدخلِ الغارِ

حتى دنا مطلعُ الفجرِ

ثم تساءلتُ:

هل بلغتْ هِـجرتي سدرةَ المُـنتهى؟

كانت ظباؤكِ مَـذعورةً .. يا لها !»

يقول الدكتور إبراهيم السعافين: «شعر حسن المطروشي يضرب بجذوره في تراث الشعر العربي، ولكنه لا يقلد ولا يحاكي، بل يهضم ويمثّل، ثم يبدع ويجدّد، ويَمْضي شوطًا بعيدًا في دروب الحداثة، في الرؤية وَفي اللغة، من حيث المعجم والصورة والإيقاع»، ويستعين بالسرد، والحوار، والسؤال موظّفا تقنيّات القصيدة الحديثة في رسم المشهد الشعري:

«بلا شجرٍ أو حَمائمْ

وحيدًا كقبرِ أبي

تتقاسمني الليلَ عينان ِ نضَّـاختان ِ

ويهتفُ بي ناسِـكُ الرمل ِ:

( يا حاديَ العيس ِعـِّرج ... )

ولكنني حائرٌ،

أين ألقي بهذي الهزائمْ ؟

وحتى الغموض الذي نجده في بعض نصوصه سرعان ما يكشف عن رؤى عميقة، وفي ذلك يقول الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين: إن المطروشي يكتب «قصائده بضبابية موحية، والضبابية في الشعر تقدّم منطق الاحتمالات الخصب على منطق اليقين المحدد».

وقد جاء تتويجه بجائزة (المعلّقة) تعزيزا لرحلة مع الكتابة الشعرية التي سلكها سائرا على هذا الطريق الصعب والطويل.

مقالات مشابهة

  • نجم فم الحوت
  • حسن المطروشي ... معلّقة عمانيّة
  • طبيبة تكشف عن المدة التي ينبغي أن ترتدي فيها مثبت الأسنان بعد التقويم
  • أوزين: السياسة بالمغرب يطالها تسويف ومراوغات أدت إلى تشييع جثمانها والفاعل فيها أصبح مجرد "كومبارص"
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: مصر هي العمق الاستراتيجي الأول للقضية الفلسطينية
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: القمة العربية الطارئة تاريخية وغير مسبوقة
  • نجم العيوق
  • شعر عن يوم المرأة العالمي 2025
  • حيدر: نعمل لحل موضوع تعويضات نهاية الخدمة بأسرع وقت
  • جائزة الأوسكار لوثائقي عن تهجير الفلسطينيين في حفلة حضرت فيها السياسة بخجل