صحيفة التغيير السودانية:
2024-11-23@12:54:42 GMT

في ذكرى ثورة أكتوبر وَدروسها

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

في ذكرى ثورة أكتوبر وَدروسها

في ذكرى ثورة أكتوبر وَدروسها

تاج السر عثمان بابو

1

أشرنا في مقال سابق إلى الذكرى 59 لثورة أكتوبر 1964 التي تمر هذا العام والبلاد تشهد حرباً لعينة أحدثت دماراً في البنية التحتية وأدت لفقدان الآلاف من الأرواح، ونزوح الملايين داخل وخارج السودان وتدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية والصحية والإنسانية، وقمع ومصادرة للحقوق والحريات الأساسية وإبادة جماعية وتطهير عرقي في غرب دارفور واغتصاب للنساء وغير ذلك من مآسي الحرب مما يتطلب أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي.

واستعادة الثورة بنجاح الفترة الانتقالية وتحقيق أهدافها في: ترسيخ الديمقراطية والعدالة وحكم القانون، والسلام العادل والشامل المستدام، وتحسين الأحوال المعيشية والاقتصادية، والمحاسبة واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة. إلخ.

2

بالتالي من المهم الاستفادة من تجربة انتكاسة أكتوبر حتى لا يتكرر الفشل كما حدث في تجارب الديمقراطية الأولى والثانية والثالثة، والفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر التي انتهت بالحرب حالياً، التي لم يتحقق فيها ترسيخ الديمقراطية، الدستور الدائم، السلام مما أدى لانفصال الجنوب، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، السيادة الوطنية، والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان مما أدى لانفجار الأوضاع في المناطق المهمشة أو الأكثر تخلفاً، إلخ، مما أدى للدخول في الحلقة الجهنمية (ديمقراطية- انقلاب– ديمقراطية. إلخ).

لقد طرحت ثورة أكتوبر آمال وتطلعات شعب السودان في الانعتاق من أسر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي منذ نهوض الحركة الوطنية الحديثة الواسع بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تحقيق الاستقلال في يناير 1956.

بعد الاستقلال كان من المفترض استكماله بالاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بإنجاز مهام النهضة الوطنية الديمقراطية وبناء المجتمع الصناعي الزراعي المتقدم، لكن ذلك لم يحدث، ونشأت الأزمة الوطنية العامة التي بدأت بنقض العهود والمواثيق بعدم إعطاء الحكم الفدرالي للجنوبيين والقسمة الضيزى في وظائف السودنة مما أدى لانفجار تمرد 1955، واشتدت ضغوط حزب الأمة الذي لم يقبل بهزيمته أمام الحزب الوطني الاتحادي بزعامة إسماعيل الأزهري في انتخابات 1954 على الحكومة الوطنية الأولى التي بدأت بأحداث مارس 1954 يوم افتتاح البرلمان بحضور الرئيس المصري اللواء محمد نجيب التي راح ضحيتها عدد من المواطنين، كما حدثت مجزرة عنبر جودة التي راح ضحيتها عدد من المزارعين في ظروف حبس غير إنساني، وواصل حزب الأمة ضغوطاً على الحكومة، وتم لقاء السيدين بهدف إقصاء حكومة الأزهري الذي بدأ يأخذ مواقف مستقلة عن الطائفتين، وبهدف حماية مصالح الطائفتين الاقتصادية، وتحت الضغوط تمت إزاحة الأزهري بعد انقسام الحزب الوطني الاتحادي بخروج حزب الشعب الديمقراطي منه، وتكونت حكومة السيدين الائتلافية والتي فشلت في تحقيق الاستقرار، والدستور الدائم، ووقف الحرب، وحل الأزمة الاقتصادية والمعيشية، إضافة لحرق العملة لأن فيها توقيع الأزهري!!، ولم يتم الاعتراف باتحاد العمال واشتدت المحاولات لشق الحركة النقابية من الحكومة التي فشلت.

أدى كل ذلك لتكوين جبهة عريضة ضمت الحزب الشيوعي، اتحاد نقابات عمال السودان، اتحاد المزارعين، اتحادات الطلاب، الحزب الفدرالي الجنوبي الذي دعا ميثاقها إلى: إلغاء القوانين المقيدة للحريات، رفض المعونة الأمريكية التي باركها حزب الأمة، السيادة الوطنية وتأكيد التزام السودان بالحياد الإيجابي، صياغة دستور قومي ديمقراطي. إلخ.، كما حدث الإضراب العام لاتحاد العمال في 21 أكتوبر 1958 لتحسين الأجور والأوضاع المعيشية التي تدهورت، والاعتراف باتحاد العمال.

مع اشتداد المقاومة والرفض الواسع لحكومة عبد الله خليل التي كان من المتوقع سحب الثقة عنها في جلسة البرلمان في 17 نوفمبر 1958، وفي هذه اللحظة سلم عبد الله خليل رئيس الوزراء الحكم للفريق إبراهيم عبود.

3

* كانت ثورة أكتوبر نتاجاً لتراكم نضال الشعب السوداني طيلة الست سنوات من الحكم العسكري شارك فيه: العمال، المزارعون، المرأة السودانية، الطلاب، المثقفون، الشعب النوبي ضد التهجير، القوات المسلحة الوطنية، جبهة أحزاب المعارضة، إضافة لصمود المعتقلين في السجون وأمام المحاكم، واستمر هذا التراكم والزخم النضالي حتى لحظة الانفجار التي كانت ندوة جامعة الخرطوم شرارتها التي استشهد فيها الطالب أحمد القرشي، وبعدها اشتعلت الثورة، وتم الإضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات التي تكونت من النقابات والأحزاب السياسية حتى تمت الإطاحة بحكم الفريق عبود (للمزيد من التفاصيل: راجع كتاب ثورة شعب، ست سنوات من النضال ضد الحكم العسكري، إصدار الحزب الشيوعي 1965).

* كان من أهم دروس تجربة أكتوبر تجربة الإضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي أصبح سلاحاً في يد الجماهير لإسقاط النظم الديكتاتورية، كما حدث في انتفاضة مارس– ابريل 1985، وثورة ديسمبر 2018 التي كانت أوسع بتجربتها في الاعتصام، وموكب 30 يونيو 2019 بعد مجزرة القيادة العامة التي ما زالت أسر الشهداء تنتظر نتيجة التقصي فيها وتقديم المجرمين للعدالة ومتابعة المفقودين.

* أكدت ثورة أكتوبر أن ساعة التغيير لأي نظام ديكتاتوري لا تحددها رغبة هذا الحزب أو ذاك، بل تتحدد بتوفر الظروف الموضوعية والذاتية (أو نضج الأزمة الثورية) التي تحددها:

– عجز النظام عن الحكم وتفككه وعمق الصراعات داخله، بحيث يصبح من العسير قمع الثورة، ووصول الجماهير لحالة من الضيق بحيث تصبح الحياة لا تُطاق تحت ظل النظام الحاكم.

– وجود القيادة الثورية التي تطرح البديل لنظام الحكم.

– وجود الجيش الثوري الذي على استعداد لمواصلة الثورة حتى النصر.

وتلك هي نظرية الثورة السودانية التي أكدتها ثورة أكتوبر 1964 وتجارب الثورة المهدية 1881، وانتفاضة مارس– أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2018.

* أحدثت ثورة أكتوبر تحولات كبيرة في المجتمع السوداني وهزت ساكن الحياة في القطاعين الحديث والتقليدي، وفتحت الطريق للتحول الديمقراطي رغم الانتكاسة، وشاركت المرأة بشكل أوسع في البرلمان والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والرياضية، وشقت جماهير القطاع التقليدي أوالريف السوداني طريقها للمطالبة بالتنمية والإصلاح الزراعي الديمقراطي، والتعليم والصحة والخدمات البيطرية والمياه والكهرباء، والإصلاح الإداري والقبلي، وقامت تنظيماتها لذلك الهدف مثل: جبهة نهضة دارفور، اتحاد أبناء جبال النوبا، اتحاد شمال وجنوب الفونج، وقبل ذلك تأسس مؤتمر البجا في أكتوبر 1958، كما قام مؤتمر المائدة المستديرة 1965 الذي لم يصل لحل لمشكلة الجنوب، ولكنه كان فرصة للتعرف على وجهات نظر الجنوبيين وطريقة تفكيرهم. وانتشرت الأندية القبلية في المدن لتطوير مناطقها ومساعدة أبنائها وبناتها في المدن.

كما أكدت أن الحقوق والحريات الديمقراطية عامل مهم لجذب الجماهير للنشاط السياسي والتغيير الاجتماعي، وأن الحقوق الديمقراطية لا تنفصل عن التغيير الاجتماعي.

* من نواقص ثورة أكتوبر، لم يكن للجماهير أفق للتغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بعد الثورة، ولكنها اكتفت بإنهاء الحكم العسكري والعودة للديمقراطية البرلمانية التي أجهضتها الأحزاب التقليدية. وكانت القوى المضادة للثورة أسرع من قوى الثورة، لأن الحكم العسكري أبقى على مصالحها الطبقية، وقام الحكم العسكري أصلاً لحماية مصالح قوى اليمين الطبقية، كما كان من عناصر الضعف عدم تمكن الجماهير من حماية الثورة، عندما شهرت القوى المضادة للثورة بمليشياتها السلاح في وجهها.

* رغم انتكاسة ثورة اكتوبر، إلا أن جذوتها ما زالت متقدة، ومن المهم عدم التقليل من أهميتها، فهي تجربة وذخيرة ورصيد مفيد لشعب السودان، وكان لها إنجازاتها في استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية التي كرّسها دستور 1956 المعدل 1964، وإلغاء قانون النقابات 1960، إجازة قانون النقابات 1966 الذي اعترف باتحاد العمال، دعم حركات التحرر الوطني في العالم وموقف شعب السودان الرافض لهزيمة يونيو 1967، وقيام مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في أغسطس 1967 الذي خرج بلاءاته الثلاثة: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، إلغاء قانون الجامعة لعام 1960، إطلاق سراح المعتقلين وعودة الضباط المفصولين في ظل الحكم العسكري، صدر قانون الانتخابات 1965 الذي أعطى النساء حق الترشيح. إلخ.

* واجهت ثورة أكتوبر، كما تواجه ثورة ديسمبر الآن، المؤامرات التالية: الضغوط على حكومة سر الختم الخليفة رئيس الوزراء ومحاصرته بالمليشيات المسلحة حتى تمّ اجباره على الاستقالة، وفرض الانتخابات المبكرة قبل إنجاز مهام الفترة الانتقالية، وعدم مشاركة أغلب جماهير المديريات الجنوبية بسبب الحرب، أحداث الأحد الدامي التي راح ضحيتها عدد من الأشخاص، المحاولة الانقلابية في 9/ 11/ 1964 (التي تمت مقاومتها في ليلة المتاريس) وتم إقالة المجلس العسكري وإجبار الفريق عبود على التنحي، بعد الانتخابات المبكرة في عام 1965 وقيام الجمعية التأسيسية ضاقت الأحزاب التقليدية (الأمة، الوطني الاتحادي، الإخوان المسلمون) بالديمقراطية، وتمت مؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، مما خلق أزمة سياسية ودستورية وأخلاقية بالفبركة ومحاكمة حزب بأقوال طالب لا علاقة له بالحزب الشيوعي، وانتهاك استقلال القضاء برفض حكم المحكمة العليا بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي، كما استمرت الصراعات الحزبية غير المنتجة مثل: انقسام حزب الأمة لجناحي الصادق والهادي المهدي، والدعوة للجمهورية الرئاسية والدستور الإسلامي، مما أدى لاشتداد حرب الجنوب والتوتر السياسي في البلاد، والأزمة الدستورية الثانية التي نشأت بعد حل الجمعية التأسيسية في فبراير عام 1968، وقيام محكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه عام 1968، والهجوم الإرهابي الذي قام به الإخوان المسلمون على معرض الفنون الشعبية الذي أقامته جمعية الثقافة الوطنية والفكر التقدمي بقاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم والذي أدى لمقتل طالب وجرحى، والذي وجد استنكاراً واسعاً، كما تدهورت الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتم الإضراب العام الذي قام به اتحاد العمال عام 1968 لتحسين الأجور والأوضاع المعيشية، وتم الفشل في التوافق على الدستور الداتم واشتد الانقسام في المجتمع والأحزاب وموجة الإضرابات والاحتجاجات. في هذه اللحظة وقع انقلاب 25 مايو 1969.

4

* وأخيراً، من المهم الاستفادة من تجربة أكتوبر لنجاح الفترة الانتقالية بداية بوقف الحرب وتحقيق أهدافها في الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتحقيق السلام المستدام الشامل والعادل بعيداً عن نهج المحاصصة والحلول الجزئية الذي يعيد إنتاج الحرب، ورفض السير في طريق رفع الدعم وتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي في تخفيض الجنيه السوداني وتحرير الأسعار والخصخصة التي دمرت اقتصادنا، وأدت لتدهور الأوضاع المعيشية كما هو الحال الآن.

– الغاء قانون النقابات 2010، وإصدار قانون ديمقراطي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، والمحاسبة، وقيام المجلس التشريعي، وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب والاغتصاب للمحاكمات والإسراع في التقصي في مجزرة فض الاعتصام ومحاكمة والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين.

– تحسين الأوضاع المعيشية وتركيز الأسعار، واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة، وعودة شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات والجيش والأمن والدعم السريع لولاية المالية، وسيطرة البنك المركزي على أسعار العملات الصعبة، وتغيير العملة، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي وتأهيل قطاع النقل، بما يقوي الصادر وقيمة الجنيه السوداني.

– إصدار قرار سياسي بعودة كل المفصولين العسكريين والمدنيين، وحل كل المليشيات (دعم سريع.. مليشيات الكيزان. قوات الحركات) وقيام الجيش القومي المهني الموحد.

قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية. وغير ذلك من أهداف الثورة..

alsirbabo@yahoo.co.uk

ذكرى ثورة أكتوبر ووقف الحرب

الوسومأحمد القرشي طه إبراهيم عبود إسماعيل الأزهري السودان الوطني الاتحادي انتفاضة مارس أبريل تاج السر عثمان بابو ثورة أكتوبر ثورة ديسمبر حزب الأمة عبد الله خليل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إسماعيل الأزهري السودان الوطني الاتحادي ثورة أكتوبر ثورة ديسمبر حزب الأمة الفترة الانتقالیة الأوضاع المعیشیة الوطنی الاتحادی الحزب الشیوعی الحکم العسکری اتحاد العمال ثورة دیسمبر ثورة أکتوبر حزب الأمة مما أدى کان من

إقرأ أيضاً:

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

سواء في لبنان أو في غزة يظل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أمراً شديد الأهمية؛ لأنه يعني وقف القتل والتخريب والتهجير الذي يوشك أن يصبح آتياً من طرفٍ واحدٍ هو الطرف الإسرائيلي. بيد أنّ المشكلات الأخرى المتكاثرة بعد الحرب على الجبهتين هي بالصعوبة نفسها، بل قد تكون أكثر عسراً واستعصاءً، وستقتصُر المعالجة هنا على الجبهة في لبنان.

إنّ الصعوبة الأولى بعد وقف النار إن حصل تتمثل في دخول الجيش اللبناني إلى منطقة الليطاني الحدودية والتي اخترقتها إسرائيل من الوريد إلى الوريد. وبالطبع، فإنّ الانسحاب الإسرائيلي ينبغي أن يحصل أولاً، وإن حصل فهل يكون دخول الجيش سهلاً وسلِساً؟ المنطقة المقصودة خالية من السكان تقريباً، لكنها لا تخلو من عناصر الحزب وربما لا تزال هناك أسلحة ومخابئ إن لم تكن هناك أيضاً أنفاقٌ لم يدمّرها الإسرائيليون بالكامل. فهل يستطيع الجيش إخلاء المنطقة من السلاح والمسلحين بطول مائة كيلومتر تقريباً؟ للمرة الأولى منذ ثمانينات القرن الماضي ما حصلت ضربةٌ للحزب كضربة هذه الحرب. وقد كان سابقاً ينفّس عن نفسه بدعاوى الانتصار التي لا يستطيعها الآن؛ ولذلك ستنصبّ مماحكاته على الجيش و«يونيفيل» الذين لن يقاتلوه لكنهم سيصرُّون على الخروج والإخراج وهم تحت رقابة الإسرائيليين والأميركيين والفرنسيين.
إشكاليات الخروج والإخراج، تتلوها إشكاليات الموقف الداخلي. لدينا منذ قيام دولة لبنان الكبير الذي لم يعد كذلك لا لجهة سورية ولا لجهة إسرائيل ولا لجهة المناطق التي ينتشر فيها الحزب ومسلَّحوه. منذ قيام الدولة في العشرينات منذ القرن الماضي تحضر مشكلات الهوية الفصامية بين المسيحيين والمسلمين وقد صارت الآن رباعية وليست ثنائية: المسيحيون والسنة والشيعة والدروز. وقد كانت المظلومية الشيعية سيدة الموقف من ستينات القرن الماضي، وهي ستعود الآن بعد الصدمة الهائلة على الصعد كافة: كيف سيعود الشيعة إلى منازلهم على الحدود ومعظم المنازل مدمَّرة؟ وهم سيشهدون الدمار الهائل وسيبتزون الحكومة العاجزة بحجة رفع الظلم. وبعد الحكومة هناك عشرات ألوف المساكن التي يحتلها المهجَّرون في سائر الأنحاء بإيجار ومن دون إيجار، وهناك عشرات المدارس التي لا تستطيع فتح أبوابها للطلاب لأنّ المهجَّرين فيها! وربما لا يمون الحزب على مناطق التهجير، لكنه لن يسهِّل عودة أصحابها إليها وسيكون هذا الإباء جزءاً من الصدمة التي نزلت بالحزب وسائر اللبنانيين.
قبل الحرب كان «الثنائي الشيعي» يحتجز رئاسة الجمهورية ويريد فرض مرشح معين من أجل الأمن الاستراتيجي للحزب! أما الآن فسائر الشيعة غير آمنين ولا في مساكنهم، والذي أتصوره أن الرهان سيزداد تعقيداً لأن الفصامية ازدادت بين الشيعة والمسيحيين وما عاد عندهم ما يمكن تبادله. هناك من اللبنانيين من يعتقد أن إعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة هما همّان يمكن أن يجمعا اللبنانيين. لكنّ الأمر ليس كذلك الآن. كان هناك «مجنون» بإعادة إعمار بيروت وهو رفيق الحريري يعاونه السعوديون والفرنسيون، لكنّ التضامن العربي والدولي ليسا حاضرين الآن. مفاوض الشيعة الوحيد على وقف النار وعلى استعادة الكيان السياسي واحد ووحيد هو نبيه بري وأمل الشيعة فيه مشروط، إنما لا ثقة للآخرين به. وعلى أي حال، فكل تنازُلٍ من جانبه سيقابل بالإنكار والاستنكار. لكن، هناك انطباعٌ الآن أنّ إيران تريد أخيراً وقف الحرب بعد أن كانت قد أثارتها. ويقال إنّ علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني إنما زار بري ولبنان لهذا الغرض. وبالطبع الجميع الآن يعتبر إسرائيل هي العقبة وقد جاء آموس هوكستين مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان لهذا الغرض، ويقال إنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يدعمه أيضاً!
الجميع الآن يترقب نوايا وأفعال ترمب الذي يقال إنه يريد وقف كل الحروب ومنها الحرب على لبنان وستبيّن الأيام القليلة المقبلة مدى الصدق في هذه المقولة. لكن على ماذا يراهن الحزب المقاتل بعد هلاك الألوف من عناصره وطائفته، وإذا كان «يعاني» سابقاً غرور فائض القوة، فهو يعاني اليوم الضعف الشديد الذي أوصلته إليه الحرب الإسرائيلية ويسخر المتحدثون الإسرائيليون ويزعمون أنهم يريدون تحرير اللبنانيين من سطوة الحزب وداعميه، ويصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الغرور إلى مخاطبة الشعب الإيراني بأنه يريد تحريرهم من نظام حكمهم الفظيع!
الصعوبات قبل وقف النار وبعده لا تُعدُّ ولا تُحصى. وعندما جاء هوكستين إلى بيروت قابل ثلاثة، هم: الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون الذي من المفروض أن يرسل جحافله الجرارة إلى منطقة الليطاني للحلول محلَّ تحصينات الحزب وأنفاقه.
المطربة اللبنانية الشهيرة فيروز بلغت التسعين، ويتخذها اللبنانيون ومحبو لبنان من العرب دليلاً على «خلود» لبنان رغم ضخامة المشكلات فيه داخلياً وخارجياً.

مقالات مشابهة

  • الحكم على السائق المتهم بدهس 7 لاعبين من فريق نادي 6 أكتوبر.. بعد قليل
  • برمة ناصر: بيان مؤسسة الرئاسة بحزب الأمة القومي غير شرعي والقرار الذي اتخذ في مواجهة إسماعيل كتر جاء بعد مخالفات واضحة، تتجاوز صلاحياته كمساعد الرئيس
  • المعارضة تفشل في مواجهة حزب الله: لا تسوية معه
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!
  • قائد الثورة: الأمريكي شريك أساسي مع العدو الإسرائيلي في كل جرائمه التي يرتكبها على مدى عقود من الزمن
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • في ذكرى وفاتها.. سهير البابلي نجمة الفن التي أضاءت المسرح والشاشة
  • لجنة التنسيق اللبنانية - الكندية في ذكرى الاستقلال: على المعارضة الاتحاد وإطلاق ثورة جديدة
  • في ذكرى استشهاده..من هو عز الدين القسام