محمد قراطاس يكتب: الشعر والإبداع والمقاومة
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
أثير-محمد قراطاس
ما الذي يمكن للشعر والأدب فعله في زمن المقاومة، أو لنقل زمن الحرب إذا جاز التعبير؟ إن الأحداث الأخيرة لغزّة ذكّت الكثير من القرائح على مستوى الوطن العربي وربما العالمي على كتابة قصائد ونصوص تعبّر عن واقع الحال أو تحاول شحذ الهمم. لكن هل هناك جدوى حقيقية من ذلك؟ الإعلام في هذا العصر استطاع أن يأخذ بجدارة مكانة الشعر والأدب في الوصف والتعبير وتحريك القلوب تجاه حدث مثل الحرب على غزة.
هذا من منظور الواقع العام. لكن من المنظور التاريخي فإن الشعر حسب رأيي هو الكائن الوحيد الذي يبقى متدفقاً مهما تقادمت به الأيام ومهما تغيرت الأزمان والأحوال. فقصيدة أبي تمام التي قالها لفتح عمورية لازالت تؤثث لكل صراع بين الباطل والحق واستعادته من المنظور العربي. السيف أصدق أنباء من الكتب … في حدّه الحد بين الجد واللعب.
أو قول زهير: ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه… يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم. والكثير من القصائد والأبيات على مدى العصور السابقة والتي أبقت جذوة الكرامة مشتعلة. ولنضرب مثالا في عصرنا الحالي في أبيات الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي والذي عادت أبياته حية بعد عقود لتشحذ الهمم على التغيير:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.
فالتاريخ يتفق معي على أن الشعر هو من أخطر الأسلحة التي تظل حية وخالدة كسكين في خاصرة كل طاغية أو متجبّر. لكن هل التاريخ سيتفق معي بعد ظهور التواصل الاجتماعي الذي يهيمن على الساحة الإعلامية المؤثرة في العالم؟ فهو سلاح ضخم يمكن من خلاله قلب المفاهيم على رأس الإعلام الموجه في العالم. فمثلا مقابلة مع الكوميدي المعروف باسم يوسف قبل أيام تجاوزت المشاهدات لها في التواصل الاجتماعي عشرات الملايين خلال ساعات، والتي دافع فيها بطريقته عن غزّة وفلسطين، وسخر فيها من الأسباب التي يقف خلفها الغرب لتبرير الطغيان الإسرائيلي، وبشكل ألجم فيه أحد أشهر مقدمي البرامج في العالم، وهذا التأثير المهول على المشاهدين في العالم يمكنه خدمة القضية أكثر من مئات القصائد التي تكتب وتلقى يوميا.
نعم هذه وجهة نظر مهمة، لكن الحقيقة أن هذه المقابلة برغم أهميتها في الدفاع عن غزّة وإظهار الجانب المظلم من الديمقراطية الغربية الكاذبة، سينتهي تأثيرها بعد انتهاء الأحداث، وقد تأتي مقابلة مهمة لنفس الشخصية أو لاسم لامع آخر يدافع عن القضية بشكل آخر مؤثر وتنتهي بعد ذلك أيضا. لكن بيت أو بيتين من شاعر عالي الإبداع سيظل حيا مع الأجيال ومهما طال أمد الظلم. ولو افترضنا أن فلسطين تحررت (حرّرها الله ونصرها)، سينتهي تأثير هذه المقابلات أو التغريدات أو المنشورات في حينها وستكون من ضمن صفحة تاريخية طويت، ولكن جميع الشعر الحقيقي الذي قيل في الأقصى وفلسطين سيظل حيا مناضلا لقضايا أخرى، لأن الشعر خالد والمعاني الشعرية تصلح لكل زمان وحال يشبه الحال التي ولدت فيها.
هل كل من يتعاطى الشعر أو الإبداع اذا لم يكتب عن الأحداث يعتبر مقصرا؟ حسب رأيي لا يعتبر تقصيرا، وذلك أولا أن الإبداع هو شعور غالب خارج نظام التحكم حسب المناسبة، وثانيا أن الشعر ومختلف الفنون محيطات هائلة من الابداع المختلف في النوع والشكل والتأثير. وهناك مبدعون مجيدون في الجانب النضالي تمرسّوا هذا الجانب، كذلك هناك مبدعون مميزون في تحريك المشاعر تجاه القضايا العربية والإنسانية وهم أكثر من يقع عليه هذا الأمر، فيما قد يكتب مبدع غير متمرس في هذا الجانب ويكون تأثير ما كتبه عكسيا. كما يقول ابن حزم: من تكلّم في غير فنه أتى بالعجائب. لكن من يجد في نفسه القدرة فلا يجب أن يمنع نفسه الخلاقة من إبداع ما يمكن أن يساعد في نصرة أهل الحق.
والشعراء وكافة المبدعين هم في النهاية من ضمن هذا النسيج العربي والإنساني ويتأثرون كالباقي بهذا الظلم الطاغي والإرهاب الدموي، ويقفون مع الجميع في صعيد واحد من أجل توقف هذه الكارثة وإعادة الحقوق الإنسانية المسلوبة.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: فی العالم
إقرأ أيضاً:
بيت الشعر العربي يحتفي بمحمد فريد أبو سعدة في أمسية أدبية مميزة
يُنظم بيت الشعر العربي بمركز إبداع الست وسيلة، خلف الجامع الأزهر، أمسية أدبية خاصة بعنوان "ليلة محمد فريد أبو سعدة" تُقام الأمسية يوم الأحد الموافق 12 يناير، في تمام الساعة السادسة مساءً، وذلك في إطار برنامج بيت الشعر للاحتفاء برواد الإبداع من الشعراء، وذلك في إطار فعاليات صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة.
تُشارك في الأمسية نخبة من أبرز الشعراء، من بينهم عزمي عبد الوهاب، طارق عمار، فارس خضر، حنان شافعي، وليد طلعت، وسماح مصطفى. كما يُلقي الشاعر مختار عيسى كلمة خاصة عن مسيرة وحياة الشاعر محمد فريد أبو سعدة، بينما يدير الفعالية الشاعر هاني عويد.
وأكد الشاعر سامح محجوب، مدير بيت الشعر العربي، أن البيت يسعى دائما لتكريم رموز الشعر من خلال إقامة أمسيات تسلط الضوء على إسهاماتهم الأدبية، مضيفاً أن فعالية "ليلة محمد فريد أبو سعدة" تأتي في ظل حضوره المستمر في تشكيل الوعي الثقافي المصري والعربي، مؤكداً أن بيت الشعر هو منصة تجمع بين التراث ودعم المواهب الجديدة،حيث أن الشعر هو نبض الحياة الثقافية ..
ولد محمد فريد صالح أبو بمدينة المحلة الكبرى، وهو شاعر وكاتب مسرحي بارز، حصل على بكالوريوس الفنون التطبيقية، ودبلوم الدراسات العليا في الصحافة. بدأ مسيرته الأدبية عام 1969 بكتابة مسرحية شعرية بعنوان "سيفك يا طومان باي" .. تولى "أبو سعدة" العديد من المناصب الأدبية والثقافية البارزة، منها إدارة النشر الثقافي بمؤسسة دار المعارف، بالإضافة إلى عمله مديرًا لتحرير مجلة "رواق عربي" ووكالة "الصحف العربية" ، كما شغل عضوية عدة مؤسسات ثقافية مهمة، منها لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، اتحاد الكتاب المصري، نادي القلم الدولي، وجماعة "إضاءة 77".