كاتبة أمريكية: الغرب يحاول إسكات الأصوات الفلسطينية
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
قالت الكاتبة أورسولا ليندسي إن وجهات النظر الفلسطينية تم التعامل معها منذ فترة طويلة بالاستعلاء والشك في الغرب، وما حدث في معرض فرانكفورت للكتاب دليل على ذلك.
تضيف ليندس في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" إن معرض فرانكفورت للكتاب في ألمانيا أعلن في 13 تشرين الأول/ أكتوبر أنه لن يستضيف بعد الآن حفل توزيع جوائز للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي وكتابها "تفصيل صغير".
وقال مدير معرض فرانكفورت للكتاب، يورغن بوس، إن "الحرب الإرهابية ضد إسرائيل تتناقض مع كل القيم التي يدافع عنها فرانكفورتر بوخميسي. لقد كان معرض فرانكفورتر بوخميسي دائما يدور حول الإنسانية، وكان تركيزه دائما على الخطاب السلمي والديمقراطي". وأضاف: "نريد أن نجعل الأصوات اليهودية والإسرائيلية مرئية بشكل خاص في معرض الكتاب".
من المفهوم أن يشعر الناس، وخاصة في ألمانيا، بالحاجة إلى الوقوف بشكل لا لبس فيه ضد القتل الوحشي لليهود. ولكن لم يتم توضيح السبب الذي جعل المشاركة في الحداد الإسرائيلي يتطلب إسكات كاتب فلسطيني لا علاقة له بحماس، ولماذا لا يستطيع الفلسطينيون أن يكونوا جزءا من الخطاب السلمي والديمقراطي في معرض الكتاب. من الواضح أن مجرد فكرة الاعتراف بالفلسطيني والتحدث علنا كانت فكرة غير مقبولة.
عندما أعلنت لأول مرة عن جائزة شبلي، وصفت ليتبروم روايتها بأنها "عمل فني مؤلف بدقة يحكي عن قوة الحدود وما تفعله الصراعات العنيفة للناس وبهم". يقول موقع ليبتروم الإلكتروني إن هدفه هو الترويج للأدب غير الممثل من الجنوب العالمي ومساعدة القراء على "معرفة أن هناك وجهات نظر مختلفة، ولكنها ذات صلة بالعالم الواحد الذي نعيش فيه". لكن الحقيقة هي أن وجهات النظر الفلسطينية تم التعامل معها منذ فترة طويلة بالاستعلاء والشك في الغرب. وليس أكثر وضوحا منه الآن، حيث يتعرض الفلسطينيون للعقاب الجماعي بسبب هجوم حماس، ويُحرمون من الفرصة للتعبير عن قلقهم بشأن الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة أو مشاركة تاريخهم المكبوت وآلامهم.
تنقسم رواية شبلي الصغيرة والحادة (التي ترجمتها إليزابيث جاكيت إلى الإنجليزية عام 2020، ويمكن تنزيلها مجانا من ناشرها البريطاني ( Fitzcarraldo Editions) إلى جزأين. الأول هو إعادة بناء حدث حقيقي، استنادا إلى سجلات الجيش الإسرائيلي ونشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. بعد وقت قصير من الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، في صيف عام 1949، ألقت وحدة من الجيش الإسرائيلي التي كانت تقوم بدورية على خط الهدنة مع مصر في جنوب إسرائيل القبض على فتاة بدوية وأعادتها إلى معسكرهم. جردوها من ملابسها، وغسلوها بالخرطوم، وقصوا شعرها ونظفوه بالكيروسين، ثم اغتصبوها وقتلوها.
في النصف الثاني من الكتاب، تصبح امرأة فلسطينية تعيش في رام الله عام 2004 مهووسة بالقصة وتسافر إلى جنوب إسرائيل، وتشق طريقها بقلق عبر نقاط التفتيش، إلى مسرح الجريمة. تروي شبلي القصة بأسلوب خافت يكاد يكون مخدرا. إنه يتكشف بمنطق كابوس متوتر وغريب ولا مفر منه ومليء بالرهبة. وصفه الباحث الأدبي والناقد روبين كريسويل بأنه "تأمل في تكرار التاريخ، والماضي كصدمة متكررة".
على الرغم من أن كتاب شبلي واجه اتهامات بمعاداة السامية من قبل حفنة من النقاد الألمان، إلا أنني لم أر أي دليل يدعم هذه الاتهامات، ولم أر أي حجج بأن الجريمة التي ترويها في كتابها غير صحيحة، ولا إشارات إلى أي تعليقات ربما أدلت بها في الوقت الحالي حول الأحداث. إن مجرد كونك كاتبا فلسطينيا يروي قصة فلسطينية - حقيقة الوجود الفلسطيني والتعبير عن الذات - هو ما اعتبر تحريضيا.
ووفقا لرسالة دعم لشبلي، موقعة من قبل كتاب من جميع أنحاء العالم، كانت ترحب بظهورها في معرض الكتاب باعتباره "فرصة للتأمل في دور الأدب في هذه الأوقات القاسية والمؤلمة". ويتخيل المرء المحادثة المعقدة، والتي يكاد يكون من المؤكد أنها غير مريحة، ولكنها مفيدة أيضا.
إن حالة شبلي فظيعة ولكنها ليست فريدة من نوعها. كما ألغيت جولة كتابية لمذكرات الناشط المصري والسجين السياسي السابق باتريك زكي بعد أن وصف بنيامين نتنياهو بأنه "قاتل متسلسل" (على الرغم من أن الإسرائيليين أنفسهم قالوا أسوأ بكثير عن رئيس الوزراء في الأسبوع الماضي). كما تم إلغاء فعالية "How to Academy" التي تعرض كتاب "يوم في حياة عبد سلامة" بعد أن قالت الشرطة البريطانية إن هناك "مخاوف أمنية" غير محددة. هذا الكتاب الواقعي الذي ألفه ناثان ثرال، وهو صحفي يهودي أمريكي يعيش في القدس، هو وصف للحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي من خلال عيون صديقه الفلسطيني، الذي فقد ابنه في حادث حافلة.
والقائمة تطول. في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، ألغى عمدة المدينة الفرنسية شوازي لو روا عرض مسرحية لمسرح الحرية، وهو مجموعة فلسطينية مقرها في مخيم جنين للاجئين. في الولايات المتحدة، حتى قبل الصراع الحالي، كانت الأحداث الثقافية الفلسطينية تخضع للتدقيق. واجه مهرجان فلسطين للكتابة، الذي استضافته جامعة بنسلفانيا الشهر الماضي، ما أصبح حملة متوقعة من التشهير والمضايقات.
هناك من يتماشى مع إسكات الفلسطينيين من منطلق التعاطف الصادق الذي يتدفق في اتجاه واحد فقط. والبعض الآخر يفعل ذلك بسبب الجهل أو الجبن أو سوء النية. وبينما يتضور السكان المدنيون في غزة جوعا ويتعرضون للقصف، فمن المذهل أن نرى كلمات وإيماءات الفلسطينيين وغيرهم الذين يطالبون بحماية الأبرياء تعامل على أنها تهديدات. وحظرت فرنسا المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. أصدرت مدارس برلين تعليمات للطلاب بعدم ارتداء الكوفية. وأشارت وزيرة الداخلية البريطاني إلى أن تلويح العلم الفلسطيني قد يكون غير قانوني. يُطلب من الفلسطينيين باستمرار إدانة العنف، لكن كل ما يفعلونه – بدءا من المسيرات السلمية إلى حدود غزة في عام 2018، إلى تنظيم حملات المقاطعة، إلى تقديم مسرحية أو كتابة رواية – يتم تأطيره على أنه عمل من أعمال العنف.
إن الاستفادة الساخرة من فظاعة عنف حماس لإبطال جميع الأصوات الفلسطينية هي جزء من حملة لتضييق مساحة التعاطف والفكر والنقاش والحقيقة. إن قبول ذلك يعني قبول تقليص حريتنا الجماعية في التعبير والفكر. في الفضاءات الثقافية والأدبية، حيث هذه الحرية هي عمادنا ومسؤوليتنا، علينا أن نقاوم الرقابة والترهيب والإصرار الشديد على أن هناك جانبا واحدا فقط يستحق الاستماع إليه.
وهذا يسير في كلا الاتجاهين. وفي نهاية هذا الأسبوع، أخطط للقاء صديقة فلسطينية تنحدر عائلتها من غزة، وقد تواصلت معي للتحدث، جزئيا لفهم وجهة النظر الغربية. بعض ما سأشاركه معها هو كلمات اليساريين الأمريكيين اليهود وأقارب الضحايا الإسرائيليين - الكلمات التي منحتني العزاء في الأسبوع الماضي، والتي تعبر عن الخوف والحزن على عمليات القتل التي ترتكبها حماس وضرورة تقدير حياة الفلسطينيين على قدم المساواة.
والأهم من ذلك أن كتاب شبلي لا يحتفل بالعنف. إنه سرد للعنف الذي تعرضت له امرأتان عزلاءتان. أحد الأشياء القيمة العديدة التي يمكن أن نتعلمها من الكتاب الفلسطينيين هو الطريقة التي تضيق بها حياتهم وآفاقهم بسبب انعدام الأمن المستمر.
عند إعادة قراءة كتاب شبلي في الـ 24 ساعة الماضية، أذهلتني الجغرافيا: الجزء من صحراء النقب الذي يزوره الراوي يمتد بمحاذاة الحدود المغلقة لغزة، بالقرب من معبر رفح إلى مصر. الراوي، الذي يقضي الليلة في غرفة مستأجرة في مستوطنة إسرائيلية، يسمع صوت انفجار من بعيد ويخمن على الفور ما هو؛ لأنه لا يوجد شيء غير عادي أو مفاجئ في الصوت.
"إنه بعيد، خلف الجدار. يجب أن تكون غزة أو رفح. يبدو القصف مختلفا تماما اعتمادا على مدى قرب الشخص من المكان الذي يتم قصفه أو بعده. قرقرة القصف ليست قوية على الإطلاق، والضوضاء ليست مزعجة، بل هي صوت عميق وثقيل، مثل القرع البطيء على طبلة ضخمة".
في رحلتها جنوبا، تزور راوية شبلي مستوطنة نيريم الإسرائيلية، حيث صمد مقاتلون في ميليشيا الهاغاناه الإسرائيلية عام 1948 أمام هجوم شنه الجيش المصري. ورسم المقاتلون الإسرائيليون شعارا على الحائط: "الرجل، وليس الدبابة، هو الذي سينتصر". إنها جملة يعود إليها الراوي أكثر من مرة، جملة يمكن قراءتها اليوم بطرق عديدة بمرارة، وبأمل، وبغير تصديق. هذا شيء واحد يمكن للأدب أن يفعله: دعونا نرى العالم على نطاق أوسع وأكثر وضوحا، خارج حدود تجربتنا الخاصة، وافتراضاتنا وأحكامنا المسبقة الموروثة. يمكن للكتاب الفلسطينيين مساعدتنا في القيام بذلك، إن لم نستبعدهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة الغرب معرض فرانكفورت الغرب طوفان الاقصي معرض فرانكفورت صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی معرض
إقرأ أيضاً:
الكتاب أصل الأشياء
وأنا أشاهد فـيلم (هاري بوتر وحجر الفـيلسوف) الذي جرى عرضه فـي دار الأوبرا السلطانية مسقط، مصحوبًا بعزف موسيقيّ حيّ أدّته أوركسترا الدولة السيمفوني فـي أرمينيا، استحضرت الجزء الأول من رواية (هاري بوتر) للكاتبة البريطانية جوان رولينج، التي بنى عليها الفـيلم أحداثه، وهي من الروايات التي نالت شهرة عالمية كبيرة، إذ بيعت منها ملايين النسخ منذ صدور جزئها الأول فـي منتصف 1997 وترجمت إلى العديد من اللغات،
ويكفـي أن الجزء السادس من الرواية الذي حمل عنوان (هاري بوتر والأمير الهجين) بيعت منه 10 ملايين نسخة يوم صدوره، وكان لا بدّ للسينما العالمية أن تستثمر هذا النجاح، فأنتجت 8 أفلام من أجزائها، كلّها حققّت أرقاما قياسيّة فـي الإيرادات.
روايات أخرى شقّت طريقها إلى السينما، لعلّ من أبرزها رواية (العرّاب) للكاتب الأمريكي ماريو بوزو الصادرة عام 1968م التي أخرجها للسينما المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا، بدءا من جزئها الأول عام 1972م وكان من بطولة مارلون براندو وآل باتشينو، أعقبه بجزأين آخرين، وقد اعتبر نقّاد السينما الجزء الثاني من الفـيلم ثالث أفضل فـيلم فـي تاريخ السينما،
وكانت هوليوود قد اشترت حقوق تحويل الرواية إلى فـيلم قبل انتهاء الكاتب من كتابتها، وحقّق الفـيلم شهرة مدوّيّة حتى عاد فريق العمل، وأنتج الجزء الثالث عام 1990م، وكلّنا نعرف أن الرواية تتحدث عن نفوذ إحدى عائلات المافـيا الإيطالية، وتحكّمها فـي مجريات الأمور، لتشكّل دولة داخل الدولة.
وبعيدا عن (هاري بوتر)، و(العرّاب)، باعتبارهما ظاهرتين فـي تاريخ الأدب العالمي والسينما، لو ألقينا نظرة على أهم الأفلام التي أنتجتها السينما العربية والعالمية لرأينا أنّها استندت إلى روايات عالمية أخرى، كـ(البؤساء)، و(أحدب نوتردام) لفـيكتور هوجو، و(زوربا اليوناني) لكازنتزاكي، و(بائعة الخبز) للفرنسي كزافـييه دومونتبان، وروايات دوستويفسكي وأجاثا كريستي، وتشارلز ديكنز، وماركيز، ومن أسماء الكتّاب العرب الذين تحوّلت أعمالهم إلى أفلام: نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس ويوسف السباعي، والطيّب صالح، رغم أن المخرجين يأخذون من الروايات ما يحتاجون إليه فـي أفلامهم، ويستغنون عن صفحات كثيرة، فلغة السينما التي تقوم على الصورة،
تختلف عن لغة الرواية التي تستند إلى الكلمة المكتوبة، فهناك قواعد فـي الفن السينمائي ينبغي مراعاتها عندما تدخل السينما حرم الرواية، وهذه تعتمد على عوامل عديدة أبرزها رؤى المخرجين، والإنتاجيات المرصودة، لتنفـيذ تلك الأفلام، وكم من مشهد بصري قصير اختصر صفحات عديدة دبّجها الكاتب فـي وصف ذلك المشهد! وهذا موضوع متشعب، «لكن، لولا النجاح الباهر لتلك الروايات،
وقوة حبكتها السردية، والتوقعات العالية لإيرادات شباك التذاكر، هل كانت لتحظى باهتمام المنتجين وتلفت أنظارهم؟»؟ أرقام تلك الإيرادات تجيب عن هذا السؤال، فالسينما صناعة، وأنجح الأفلام وحتى المسلسلات التلفزيونية، والمسرحيات، هي تلك التي قامت على روايات ناجحة، فمنها يستلهم المخرجون رؤاهم،
وبين حين وآخر، يعود المنتجون إلى كتب الروايات، التي تحقّق أرقاما عالية فـي الكتب الأكثر مبيعا، يتصفّحونها، ويفكّرون فـي تحويلها إلى أفلام وكم من رواية عاد القرّاء إليها بعد مشاهدتها فـي السينما! فاستثمر الناشرون نجاحها وأعادوا طباعتها، فاستفادوا من الشهرة التي حقّقتها السينما لتلك الروايات التي تبقى نتاج عبقريات فذّة، وتجارب حياتية كبيرة، ومخيّلة خصبة، ولهذا شقّت طريقها إلى السينما ولولا الجهد الذي بذله كتّابها لتكدّست فـي المكتبات ولم يلتفت إليها أحد.
وإذا كان الفـيلسوف اليوناني أرسطو طاليس يرى بأن الماء هو أصل الأشياء،
فالورق الجيد يقف وراء نجاح أي فـيلم جيد، فهو الأصل، والورق بلغة المشتغلين بالسينما هو النص، والنص نجده فـي بطون الكتب ومن هنا فالكتب أصل الأشياء.